كتب سرمد الطائي :
*لم نعد نطلب من المالكي توازناً شيعياً سنياً في دوائر الدولة، لأن الشيعة أنفسهم لم يعد لهم وجود مناسب في المؤسسات.. ودولة القانون تبتلع كل شيء
*قاعدة المالكي هي: اتركوني أعمل بلا قواعد ولا ضوابط. انه يريد أن نتكيف مع رغباته، أو نتعرض لعقاب شديد
*لم يتحول مجلس الوزراء الى مؤسسة بمعايير حديثة، بل بقي رئيس الحكومة يقبض بطريقة بدائية على كل شيء. فاللجان الوزارية ظلت بلا صلاحيات برغم أنها برئاسة نائب رئيس الحكومة وعضوية 10 وزراء
*حتى منح “تراكتور” لفلاح صار يتطلب تدخل مكتب المالكي. كل بعثة دراسية تتطلب تدخل مكتب المالكي.
*اتفاقية أربيل كانت أشمل خطة إنقاذ، وتضمنت إصلاحاً متكاملاً للملف التنفيذي والقضائي والهيئات المستقلة، والجيش الذي بقي خارج شرعية البرلمان. وقع المالكي على ذلك ثم ضرب بكل شيء عرض الحائط
*فشل المالكي في ملف الخدمات وانهمك بتحذير الجمهور من السنة الذين يريدون إعادة صدام حسين
*ولاية المالكي تنتهي من دون أن يكون هناك رئيس لجهاز المخابرات والأمن الوطني. أي دولة في العالم سارت بهذه الطريقة ونجحت؟
*حضرت اجتماعات ساخنة بحضور المالكي وسنان الشبيبي، مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكانوا يحذرون بوضوح: نرفض أن تمتد يد الحكومة على الأرصدة
*شهد مجلس الوزراء سجالات تصل حد الزعل، آخرها حين طرحنا موضوع التوازن السياسي في التعليم العالي
*اجتماعات أربيل والنجف أصابت المالكي بالجنون الشديد. مساعينا يمكن أن تنقذ البلاد عبر اختيار مرشح شيعي معتدل يصحح المسار
*محور متنوع فكرياً وطائفياً وقومياً بين أربيل والنجف سيجبر الأميركان والإيرانيين على تعديل سياستهم في العراق
*إيران تسببت بشرخ كبير داخل الصف الشيعي، وقد خاطرت بفقد أصدقائها الشيعة وغيرهم بسبب إصرار طهران على دعم رجل واحد
*تجاوزنا مرحلة العنف وتعلمنا الدرس. لكن رئيس الوزراء لم يبق أمامه للتشبث بالمنصب إلا أن يدفع الأمور نحو الاحتراب
*أنا شخصياً لن أقبل أن أكون شريكاً في فريق دماء. ومن أجل ذلك سنمنع أن يتكرر نموذج المالكي
في زيارة خاطفة للرمادي سبقت بيومين مأساة الحويجة، كانت ساحة الاعتصام هادئة في يوم الانتخابات، إذ ظلت نينوى والأنبار بلا اقتراع دون كل المحافظات الأخرى. قمت بتسجيل مشاهدات عن المتظاهرين، وتيارات التطرف والاعتدال هناك، وهو صراع تشهده كل حواضر البلاد وباديتها. وأوجزت ذلك في مقالين منشورين نهاية الشهر الماضي، “هيغو والكواكبي يعتصمان في الأنبار”، و”معنى الحسين في مضارب الرمادي”.
لكن واحدة من محطات الزيارة الأكثر إثارة كانت اللقاء مع وزير المال المستقيل رافع العيساوي، الذي كان في الدورة الأولى للحكومة نائباً للمالكي.
العيساوي يمثل الجيل الجديد من إسلاميي العراق، الذين تلقوا تعليماً جيداً وتمتعوا بذكاء يؤهلهم لفهم السياسة ومتطلباتها. الخبرات التي اكتسبها بسرعة أهلته لينتقل من صف الناشطين المؤيدين للعمل المسلح، الى مساهم أساسي في العملية السياسية ومشارك في اخطر مفاصلها. ولا تنحصر أهمية شهادته التي أدلى بها للمدى، في كونه بقي نحو 6 أعوام في حكومتي نوري المالكي، بل لأنه شاهد على وضع اتفاقية أربيل التي يعدّها “أهم مراجعة حاولت إصلاح الوضع السياسي والتشريعي” في العراق. وقد عايش كيف فشلت محاولة الإنقاذ هذه، كما عايش محاولة محور أربيل النجف، صياغة محاولة بديلة للتصحيح هو وغيره يعولون عليها في انتخابات البرلمان المقررة مطلع العام المقبل، أي بعد نحو 10 شهور.
ولعل أهم دلالات ما قاله العيساوي، هو أن يرسم بالتفاصيل شكلاً للصراع السياسي، يخرجه عن كونه مجرد مشكلة طائفية، فملف التوازن في مؤسسات الدولة لم يعد سبباً لشكوى سنية أو كردية، بل اختل التوازن في الإدارة على مستوى الشيعة أنفسهم، وصار هناك إقصاء واضح للمجلس الأعلى والصدريين والعلمانيين الشيعة أيضاً. الى غير ذلك من التفاصيل.
في “قصر الشامية” الذي بناه الراحل عبد الستار أبو ريشة مؤسس صحوات العراق، يجلس العيساوي ويستقبل طيلة النهار، شيوخ قبائل وساسة ووسطاء وشباب ووسائل إعلام. وهو يحل ضيفاً هناك، ويسخر من محاولة المالكي ملاحقته بالمروحيات قبل شهرين على الطريق الدولي الذي يخترق الأنبار وصحراءها مترامية الأطراف. هناك تم هذا الحوار على عجل، فقد كان من دون موعد مسبق، مفاجئاً لي وله، وتم بفضل عفويته الكبيرة.
وقد تلي هذا اللقاء، شهادات أخرى لشخصيات رفيعة عملت مع المالكي في ولايتيه، وسجلت بدقة ذلك التغير الخطير الذي طرأ على مواقفه لحظة انسحاب جيوش الولايات المتحدة.
في هذه العجالة دكتور، أريد منك أن تضع القارئ في صورة أهم المشاكل التي لاحظتها خلال أعوام من عملك مع رئيس مجلس الوزراء. وبعيداً عن المناكفات السياسية، كان لديكم اعتراض أساسي هو أن جلسات الكابينة الحكومية ظلت بلا قواعد. ما الحكاية بالضبط وكيف حصل ذلك واستمر بعد 10 سنوات على سقوط صدام حسين؟
- النقص الأساسي هو إصرار السيد نوري المالكي على تأخير النظام الداخلي. لقد بقيت الحكومة تسير بلا قواعد. ويمكنك أن تلاحظ نتائج رهيبة لذلك، لا سياسياً فقط بل على مستوى تعثر أداء الدولة وتأخر ظهور المؤسسات الإدارية الحديثة. وكل الاستغلال السياسي المؤلم والخطير.
لقد جرى أكثر من مرة تكليف لجنة تتكون من ساسة وخبراء قانون، بوضع قواعد عمل الحكومة وآخر مرة كان في 2010. ولكن كلما أنجزنا نسخة راحت الأمانة العامة لمجلس الوزراء وهي تمثل إرادة المالكي طبعاً، ترفض وضع المسودة على جدول أعمال الحكومة وبالتالي يتأخر نقاشها. والذرائع لا تنتهي. مرة يقولون تحتاج مراجعة، ومرة يطلبون مناقشة هذه الصلاحية أو تلك. وتنتهي دورة كاملة بهذا الشكل. وكلما ناقشنا الأمر بجدية مع المالكي وصلنا الى طريق مسدود. ولا يبقى أمامنا سوى أن نقوم بتصعيد. فيأتي وسطاء ويطلبون أن نعود الى التهدئة بوعد أن إصلاح الأمور، وهكذا.
أنت عاصرت المالكي في حكومتيه. كيف لك أن تختصر الفارق بين ولايتيه؟
- لقد اختلف المالكي كثيراً في الولاية الثانية. في الأولى كانت مشاكل، لكنه كان أكثر حرصاً على الحد الأدنى من التجاوب مع الشركاء. كان يخشى حقاً أن تسقط الحكومة. أيضاً فإن الأميركان كانوا هنا. ودعني أضرب مثالاً على الفرق.
فأنا كنت مسؤولاً عن لجنة التوازن القومي والطائفي في مؤسسات الدولة. في الولاية الأولى حققنا الحد الأدنى من مقبولية التوازن على مستوى السفراء والدرجات الخاصة والمديرين العامين. أما في ولاية المالكي الثاني فقد خرج كل شيء عن السيطرة. لقد ضرب بكل هذا عرض الحائط، وظهر لدينا تطور خطير في ملف التوازن، ففي البداية كان المطلوب حفظ التوازن القومي والطائفي، أما في الدورة الثانية فكنا ندخل الى مؤسسات كبيرة ولا نجد شيعياً من المجلس الأعلى أو الصدريين، لأن كل المديرين والمسؤولين الكبار هم من أتباع حزب الدعوة أو المالكي. أي أننا صرنا نحتاج توازناً شيعياً – شيعياً.
ماذا طرأ على الوضع النفسي للمالكي لحظة خروج الأميركان؟
- في لحظة انسحاب أميركا راح المالكي يشعر بأنه صار بلا أي قيد ولا التزام. ولذلك بدأ مع طارق الهاشمي يوم رحيل الأميركان بالضبط، ثم راح يوجه ضربات غير متوقعة للجميع.
وكيف انعكس هذا على وضع مجلس الوزراء الداخلي. إن الشهادات تكاد تكون معدومة حول كواليس مجلس الوزراء؟
- كل تصرفاته كانت تعني أمراً واحداً: اتركوني أعمل بلا قواعد ولا ضوابط. وكان يريد أن نتكيّف مع رغباته هو فقط.
باختصار فإن الدستور يذكر عبارة إجمالية تحتاج تفصيلاً قانونياً. العبارة تقول: رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي الأعلى. وكان على النظام الداخلي الذي يرفضه المالكي، أن يقوم بتفصيل العبارة. والمالكي ظل يتهرب من شرح العبارة المفصلية لأنه أراد استخدامها كما هي وبتفسيراته هو.
وهذه تتضمن خطورة على مستويات. أولا، كيف ننظم العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء ونوابه؟ في الدعوة الى انعقاد المجلس ووضع جدول أعمال الجلسة. فقد ظل المالكي هو الذي يحدد ماذا ستناقش الحكومة وعلى ماذا سيصوت الوزراء، ولم نحصل على أي مشاركة في هذا.
على مستوى آخر ظلت اللجان الوزارية بلا صلاحيات، ولم يتحول مجلس الوزراء الى مؤسسة بمعايير حديثة، بل بقي رئيس الحكومة يقبض بطريقة بدائية على كل شيء. فاللجان القطاعية مثل لجنة الزراعة والخدمات وغيرها، ظلت بلا قانون ولا صلاحيات برغم أنها برئاسة نائب رئيس الحكومة وعضوية 10 وزراء. كل شيء ظل مشروطاً بموافقته هو.
ثم لم يرض المالكي بهذا، بل جاء بكل المبادرة الزراعية والمبادرة التعليمية (كمثال فقط) ونقلها الى مكتبه. وهو ما ألغى عملياً، وزارة الزراعة والتعليم ومعهما وظائف أساسية لوزارات أخرى مثل الموارد المائية والقطاع الخدمي. حتى منح “تراكتور” لفلاح صار يتطلب تدخل مكتب المالكي. أي بعثة دراسية صارت تتطلب تدخل مكتب المالكي. ولأنه لا يوجد نظام داخلي، فلم يكن ممكناً أن نعترض على كيفية تسيير أمور البلد، وهو ما أدى الى تعثر المصالح بطريقة رهيبة.
وبقيتم متفرجين على هذا التمدد ونقض الهيكلية الحديثة لنظام الإدارة والحكم، وتم ابتلاع كل شيء وأنتم ساكتون 6 سنوات في حكومتيه؟
- كلا أبداً، وعلى العراقيين أن يعيدوا قراءة اتفاقية أربيل بعناية. أنا حضرت معظم اجتماعاتها، قمنا بالنص على ضرورة رسم الصلاحيات بوضوح لتسهيل انجاز الأشياء، وعدم احتكار كل الدولة في مكتب رجل واحد يرأس حكومة مشاركة ائتلافية.
وقد راجعنا موضوع التفرد في ملفات خطيرة مثل الأمن والدفاع وصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة وتعيين قادة الفرق العسكرية وفق مزاج المالكي وتطلعاته بلا إشراف البرلمان.
إذن أنتم في اتفاقية أربيل وضعتم مراجعة شاملة لكل مسار الدولة وخطة للإصلاح الكلي؟
- نعم وبالتفصيل. كتبنا خطة إصلاح للملف التنفيذي، وتضمنت أيضاً إصلاح الملف القضائي، وحسم شكل العلاقة بين الحكومة والبرلمان، والهيئات المستقلة، والجيش الذي بقي خارج شرعية البرلمان. وقع المالكي على ذلك واتفقنا على المراجعة، وبمجرد أن منحه البرلمان الثقة ضرب بكل شيء عرض الحائط ولم يعبأ بالشركاء ولا البرلمان.
تقصد أننا خسرنا محاولة تصحيح، وخسرنا سنوات بسبب إدارة سيئة كانت تحتكر صلاحيات الوزراء ومؤسسات الحكومة في مكتب رجل واحد؟
- نعم والنتيجة فشل المبادرات الزراعية والتعليمية والتنموية وغيرها. ولم تتوقف الخسارة عند هذا الحد، بل أن الفشل أمام الجمهور جعل المالكي يبحث عن نجاحات مؤلمة، إذ لجأ الى التأزيم مع كل شركائه وقام بتحويلهم الى أعداء وشياطين، وراح يخوض حروباً معهم لمشاغلة الجمهور. لاحظ خطاباته قبل الانتخابات أمام جمهوره مؤخرا، لم تتحدث عن الخدمات وسبب الفشل، بل انهمك بتحذير الجمهور من التظاهرات وأن السنة يريدون إعادة صدام حسين الى السلطة!
والنتيجة هي أن دورة المالكي الثانية تنتهي من دون أن يكون هناك رئيس لجهاز المخابرات والأمن الوطني فضلاً عن الداخلية والدفاع. قل لي أنت، أي دولة في العالم سارت بهذه الطريقة ونجحت؟
في هذا الإطار أبرز الأزمات كانت مع الهيئات المستقلة وضمها الى مكتب المالكي. آخرها محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي وما حصل معه. ماذا جرى بالضبط بالنسبة لك كوزير للمالية؟
- في نظام صدام حسين كان محافظ البنك المركزي تابعاً لوزير المالية، وفي النظام الجديد قمنا بتحديث الهيكل الإداري بالتعاون مع شركاء العراق الدوليين وصار البنك المركزي سلطة مالية مستقلة. ثم بدأت الحكومة تتدخل في سياساته وتطلب المال من الاحتياطي النقدي. وهذا حصل أيضاً بسبب غياب النظام الداخلي وغياب القواعد، تحت شعار أن المالكي هو المسؤول الأعلى ويحق له كل شيء.
حضرت اجتماعات ساخنة في بغداد وخارج بغداد وبحضور المالكي وسنان الشبيبي، مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكانوا يقولون بوضوح أنهم يحذرون من التدخل في سياسات المركزي. قالوا بالحرف: نرفض أن تمتد يد الحكومة على الأرصدة لأنها تحافظ على ما يسمى باستقرار الاقتصاد الكلي. المالكي ضرب بالطلب الدولي عرض الحائط، وكان ما كان.
الشبيبي كان خسارة كبيرة، ونجح في خفض التضخم عام 2006 من 65 في المئة الى 5 في المئة خلال 2012. وبدل أن نقوم بمكافأته بكتاب شكر عملاق نضعه في بوابة مجلس الوزراء، قمنا بتحويله الى متهم تلاحقه الشرطة.
حدثنا عن كيفية سير حواراتكم داخل مجلس الوزراء، فهي جلسات لا تعرض على الجمهور. هل كنتم تديرون سجالات ساخنة مثلا مع الوزراء؟
- كانت تجري سجالات تصل حد الزعل، آخرها قبل أزمة حماياتي حين طرحنا موضوع التوازن السياسي في التعليم العالي. كل يوم يأتي المالكي بمسؤولين في المؤسسة الأكاديمية ويطلب أن نصوت عليهم، وحين اعترضت بأن هذا كان يخرق التوازن، قال لي: إنهم معينون بالوكالة لا بالأصالة (كالعادة). قلت له: لا بد أن نراعي الاتفاقات السياسية حتى في التعيين بالوكالة. وهكذا صار شد عاصف في الجلسة قبل أزمتي معه بأيام. وبهذه الطريقة في إدارة العلاقة خسر المالكي معظم شركائه.
كيف تقيّم اجتماعات الماضي في أربيل والنجف. كانت محاولة إنقاذية للاعتراض على نهج الحكم. أنتم والأكراد والصدريون وآخرون، نجحتم في تجاوز أزمة طوزخورماتو بمواقف موحدة. ونجحتم نسبياً في تجاوز أزمة التظاهرات بخطاب متقارب. كما نجحتم في التنسيق داخل البرلمان ومررتم قوانين مهمة أغضبت فريق المالكي، كقانون مجلس القضاء الأعلى الذي يحدّ من إمكانية استغلال المحاكم، وقانون تحديد الولايتين. كيف يقيّم رافع العيساوي هذه التجربة؟
- اجتماعات أربيل والنجف ومعانيها، والتنسيق الجيد، أصابت المالكي بالجنون الشديد. حركتنا في ملف سحب الثقة كانت دستورية وسليمة وكان يمكن أن تنقذ البلاد عبر اختيار مرشح شيعي معتدل يصحح المسار. فبدأ المالكي بمحاولة لشق صف “أربيل النجف” تخويفاً وترغيباً، ونجح مرة وفشل مرات.
المهم في تلك التجربة هي أنها نجحت في تنضيج مواقف كل الأحزاب ومنحتنا استيعاباً أعمق لخطورة الموقف الوطني في ظل نهج المالكي وأسلوب إدارته للدولة. وأنا ألمح تقدماً سياسياً لدى مختلف القوى من أربيل الى البصرة. الذي يتراجع هو المالكي فقط وفريقه.
هذا ما جعله يختار الحل العسكري ويحاول إقحام الجيش في الخلاف السياسي؟
- شعر المالكي بقوة شركائه وقوة البرلمان، فعاد الى المعزوفة العتيقة: سنة وشيعة، عرب وأكراد، بعثية وصداميون. يقول تريدون إعادة النظام السابق، بينما كل ما نطلبه هو أن تقوم الكتلة الشيعية باختيار شخص معتدل يمكن أن نعمل معه ونطبق مشروع الإصلاحات المكتوب في أربيل.
دعك من الماضي. كيف سيكون أداء قوى أربيل والنجف في التحضير لانتخابات 2014؟
- الحكاية ببساطة أن المالكي انقلب على الجميع، وببساطة سيدفع الثمن السياسي. سنقوم في محور أربيل النجف، بالشراكة مع القوى الواسعة، بحماية التعدد السياسي ولسنا قلقين على من سيكون بديل المالكي، بل سنتمكن من تسمية رئيس وزراء جديد وسنصحح عجزنا في 2010 عن تسمية عادل عبد المهدي الذي طرح كمرشح حلّ بدل مرشح الأزمة الذي كان نوري المالكي. وعادل عبد المهدي واحد من أبرز النماذج العراقية التي يمكن وصفها بأنها تمثل رجل الدولة. انه رجل تنفيذ اتفاقات ويؤمن بالشراكة المسؤولة.
العائق الوحيد أمام هذا الحلم في 2014 كما يبدو هو صفقة الخارج التي تخرب صفقة الداخل، أي إرادة واشنطن وطهران التي قامت بحماية المالكي في 2010 وفي 2012. هل ستكونون قادرين على خوض حوار معهما؟
- إذا ما توفر الإصرار على الإصلاح السياسي فسنحصل على صفقة متماسكة. المحور المتنوع فكرياً وطائفياً وقومياً بين أربيل والنجف، يثبت أن المشكلة ليست مجرد نزاع طائفي، بل مشكلة سياسية بين أحزاب لها ثقلها وجمهورها، ورجل يحاول ابتلاع كل شيء ويرفض المعايير الحديثة في الإدارة.
وإذا ما حافظنا على تماسكنا فسيجد الأميركان والإيرانيون كتلة كبيرة لديها 180 صوتاً، أقرت قانون مجلس القضاء، وقانون تحديد الولايات، وستمنح الثقة لرجل معتدل يرأس الحكومة في 2014، وحينها لن يكون أمام طهران وواشنطن إلا التعامل مع هذه الحكومة باحترام.
باختصار في نهاية اللقاء، ماذا قال لك الأميركان بعد أزمة حماياتك؟
- لست ناطقاً باسمهم كي أعرض موقفهم، لكن رأيتهم مصابين بالحزن لأن اتفاق الشراكة الذي تم برعاية جوزيف بايدن قد انهار بالكامل.
إيران كيف راقبت الموضوع برأيك؟
- إيران تسببت بشرخ كبير داخل الصف الشيعي، وقد خاطرت بفقد أصدقائها الشيعة وغيرهم بسبب إصرار طهران على دعم رجل واحد.
اتصالاتك مع مراكز القوى الشيعية كيف تقيّمها؟
- أنا سعيد بكل الاتصالات والوفود الشيعية التي زارتنا هنا، أو زياراتنا للنجف والمحادثات مع قادة الشيعة. مرات عديدة قمت بالإشادة بمواقف السيد مقتدى الصدر، والسيد عمار الحكيم الذي كان موقفه جيداً، وموقف مرجعية النجف الممتاز على طول الخط.
ثقتنا بالشيعة كشركاء لم تهتز، والتي اهتزت أو انهارت هي ثقتنا بالمالكي. والمشكلة أن الشيعة عجزوا عن الضغط على المالكي بما يكفي.
كيف هي العلاقات على المستويات الوطنية الأخرى؟
- ماذا أبقى المالكي في العلاقات الوطنية. مبادرة مام جلال رئيس الجمهورية لعقد المؤتمر الوطني، قام أعوان المالكي بتصغيرها الى مجرد لقاء، شيء يشبه المنتدى، كي تصغر الالتزامات ولا يعود لها معنى، بلا مؤتمر وبلا مقررات. قاموا بإفساد المقترح كي يستمروا بالتملص من الالتزامات.
هل تخشى الانزلاق نحو العنف؟
- أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة العنف وتعلّمنا الدرس. لكن رئيس الوزراء لم يبق أمامه للتشبث بالمنصب وهذا خطير جداً، إلا أن يدفع الأمور نحو الاحتراب. أنا شخصياً لن أقبل أن أكون شريكاً في فريق دماء. النخبة اليوم أكثر وعياً وإصراراً على رفض العنف، ومن أجل ذلك سنمنع أن يتكرر نموذج المالكي.
بكلمة واحدة، هل تلمح أقاليم سنية في المستقبل؟
- هذا لا يزال محل انقسام في نينوى والأنبار. لكن سياسات المالكي وأخطاءه الكبيرة هي التي ستدفع الجميع الى القبول بالإقليم في المنطقة الغربية.