العيساوي : أخطاء المالكي ستقود للأقاليم السنية ‏

العيساوي : أخطاء المالكي ستقود للأقاليم السنية ‏

كتب سرمد الطائي :‏
‏*لم نعد نطلب من المالكي توازناً شيعياً سنياً في دوائر الدولة، لأن الشيعة أنفسهم لم يعد لهم وجود ‏مناسب في المؤسسات.. ودولة القانون تبتلع كل شيء

‏*قاعدة المالكي هي: اتركوني أعمل بلا قواعد ولا ضوابط. انه يريد أن نتكيف مع رغباته، أو نتعرض ‏لعقاب شديد
‏*لم يتحول مجلس الوزراء الى مؤسسة بمعايير حديثة، بل بقي رئيس الحكومة يقبض بطريقة بدائية ‏على كل شيء. فاللجان الوزارية ظلت بلا صلاحيات برغم أنها برئاسة نائب رئيس الحكومة وعضوية ‏‏10 وزراء
‏*حتى منح “تراكتور” لفلاح صار يتطلب تدخل مكتب المالكي. كل بعثة دراسية تتطلب تدخل مكتب ‏المالكي.‏
‏*اتفاقية أربيل كانت أشمل خطة إنقاذ، وتضمنت إصلاحاً متكاملاً للملف التنفيذي والقضائي والهيئات ‏المستقلة، والجيش الذي بقي خارج شرعية البرلمان. وقع المالكي على ذلك ثم ضرب بكل شيء ‏عرض الحائط
‏*فشل المالكي في ملف الخدمات وانهمك بتحذير الجمهور من السنة الذين يريدون إعادة صدام حسين‏
‏*ولاية المالكي تنتهي من دون أن يكون هناك رئيس لجهاز المخابرات والأمن الوطني. أي دولة في ‏العالم سارت بهذه الطريقة ونجحت؟
‏*حضرت اجتماعات ساخنة بحضور المالكي وسنان الشبيبي، مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ‏وكانوا يحذرون بوضوح: نرفض أن تمتد يد الحكومة على الأرصدة
‏*شهد مجلس الوزراء سجالات تصل حد الزعل، آخرها حين طرحنا موضوع التوازن السياسي في ‏التعليم العالي
‏*اجتماعات أربيل والنجف أصابت المالكي بالجنون الشديد. مساعينا يمكن أن تنقذ البلاد عبر اختيار ‏مرشح شيعي معتدل يصحح المسار
‏*محور متنوع فكرياً وطائفياً وقومياً بين أربيل والنجف سيجبر الأميركان والإيرانيين على تعديل ‏سياستهم في العراق
‏*إيران تسببت بشرخ كبير داخل الصف الشيعي، وقد خاطرت بفقد أصدقائها الشيعة وغيرهم بسبب ‏إصرار طهران على دعم رجل واحد
‏*تجاوزنا مرحلة العنف وتعلمنا الدرس. لكن رئيس الوزراء لم يبق أمامه للتشبث بالمنصب إلا أن ‏يدفع الأمور نحو الاحتراب
‏*أنا شخصياً لن أقبل أن أكون شريكاً في فريق دماء. ومن أجل ذلك سنمنع أن يتكرر نموذج المالكي‏
‏ ‏
في زيارة خاطفة للرمادي سبقت بيومين مأساة الحويجة، كانت ساحة الاعتصام هادئة في يوم ‏الانتخابات، إذ ظلت نينوى والأنبار بلا اقتراع دون كل المحافظات الأخرى. قمت بتسجيل مشاهدات ‏عن المتظاهرين، وتيارات التطرف والاعتدال هناك، وهو صراع تشهده كل حواضر البلاد وباديتها. ‏وأوجزت ذلك في مقالين منشورين نهاية الشهر الماضي، “هيغو والكواكبي يعتصمان في الأنبار”، ‏و”معنى الحسين في مضارب الرمادي”.‏
لكن واحدة من محطات الزيارة الأكثر إثارة كانت اللقاء مع وزير المال المستقيل رافع العيساوي، الذي ‏كان في الدورة الأولى للحكومة نائباً للمالكي.‏
العيساوي يمثل الجيل الجديد من إسلاميي العراق، الذين تلقوا تعليماً جيداً وتمتعوا بذكاء يؤهلهم لفهم ‏السياسة ومتطلباتها. الخبرات التي اكتسبها بسرعة أهلته لينتقل من صف الناشطين المؤيدين للعمل ‏المسلح، الى مساهم أساسي في العملية السياسية ومشارك في اخطر مفاصلها. ولا تنحصر أهمية ‏شهادته التي أدلى بها للمدى، في كونه بقي نحو 6 أعوام في حكومتي نوري المالكي، بل لأنه شاهد ‏على وضع اتفاقية أربيل التي يعدّها “أهم مراجعة حاولت إصلاح الوضع السياسي والتشريعي” في ‏العراق. وقد عايش كيف فشلت محاولة الإنقاذ هذه، كما عايش محاولة محور أربيل النجف، صياغة ‏محاولة بديلة للتصحيح هو وغيره يعولون عليها في انتخابات البرلمان المقررة مطلع العام المقبل، أي ‏بعد نحو 10 شهور.‏
ولعل أهم دلالات ما قاله العيساوي، هو أن يرسم بالتفاصيل شكلاً للصراع السياسي، يخرجه عن كونه ‏مجرد مشكلة طائفية، فملف التوازن في مؤسسات الدولة لم يعد سبباً لشكوى سنية أو كردية، بل اختل ‏التوازن في الإدارة على مستوى الشيعة أنفسهم، وصار هناك إقصاء واضح للمجلس الأعلى ‏والصدريين والعلمانيين الشيعة أيضاً. الى غير ذلك من التفاصيل.‏
في “قصر الشامية” الذي بناه الراحل عبد الستار أبو ريشة مؤسس صحوات العراق، يجلس العيساوي ‏ويستقبل طيلة النهار، شيوخ قبائل وساسة ووسطاء وشباب ووسائل إعلام. وهو يحل ضيفاً هناك، ‏ويسخر من محاولة المالكي ملاحقته بالمروحيات قبل شهرين على الطريق الدولي الذي يخترق الأنبار ‏وصحراءها مترامية الأطراف. هناك تم هذا الحوار على عجل، فقد كان من دون موعد مسبق، مفاجئاً ‏لي وله، وتم بفضل عفويته الكبيرة.‏
وقد تلي هذا اللقاء، شهادات أخرى لشخصيات رفيعة عملت مع المالكي في ولايتيه، وسجلت بدقة ذلك ‏التغير الخطير الذي طرأ على مواقفه لحظة انسحاب جيوش الولايات المتحدة.‏
‏ في هذه العجالة دكتور، أريد منك أن تضع القارئ في صورة أهم المشاكل التي لاحظتها خلال أعوام ‏من عملك مع رئيس مجلس الوزراء. وبعيداً عن المناكفات السياسية، كان لديكم اعتراض أساسي هو ‏أن جلسات الكابينة الحكومية ظلت بلا قواعد. ما الحكاية بالضبط وكيف حصل ذلك واستمر بعد 10 ‏سنوات على سقوط صدام حسين؟
‏- النقص الأساسي هو إصرار السيد نوري المالكي على تأخير النظام الداخلي. لقد بقيت الحكومة تسير ‏بلا قواعد. ويمكنك أن تلاحظ نتائج رهيبة لذلك، لا سياسياً فقط بل على مستوى تعثر أداء الدولة وتأخر ‏ظهور المؤسسات الإدارية الحديثة. وكل الاستغلال السياسي المؤلم والخطير.‏
لقد جرى أكثر من مرة تكليف لجنة تتكون من ساسة وخبراء قانون، بوضع قواعد عمل الحكومة وآخر ‏مرة كان في 2010. ولكن كلما أنجزنا نسخة راحت الأمانة العامة لمجلس الوزراء وهي تمثل إرادة ‏المالكي طبعاً، ترفض وضع المسودة على جدول أعمال الحكومة وبالتالي يتأخر نقاشها. والذرائع لا ‏تنتهي. مرة يقولون تحتاج مراجعة، ومرة يطلبون مناقشة هذه الصلاحية أو تلك. وتنتهي دورة كاملة ‏بهذا الشكل. وكلما ناقشنا الأمر بجدية مع المالكي وصلنا الى طريق مسدود. ولا يبقى أمامنا سوى أن ‏نقوم بتصعيد. فيأتي وسطاء ويطلبون أن نعود الى التهدئة بوعد أن إصلاح الأمور، وهكذا.‏
‏ ‏
‏ أنت عاصرت المالكي في حكومتيه. كيف لك أن تختصر الفارق بين ولايتيه؟
‏- لقد اختلف المالكي كثيراً في الولاية الثانية. في الأولى كانت مشاكل، لكنه كان أكثر حرصاً على الحد ‏الأدنى من التجاوب مع الشركاء. كان يخشى حقاً أن تسقط الحكومة. أيضاً فإن الأميركان كانوا هنا. ‏ودعني أضرب مثالاً على الفرق.‏
فأنا كنت مسؤولاً عن لجنة التوازن القومي والطائفي في مؤسسات الدولة. في الولاية الأولى حققنا الحد ‏الأدنى من مقبولية التوازن على مستوى السفراء والدرجات الخاصة والمديرين العامين. أما في ولاية ‏المالكي الثاني فقد خرج كل شيء عن السيطرة. لقد ضرب بكل هذا عرض الحائط، وظهر لدينا تطور ‏خطير في ملف التوازن، ففي البداية كان المطلوب حفظ التوازن القومي والطائفي، أما في الدورة ‏الثانية فكنا ندخل الى مؤسسات كبيرة ولا نجد شيعياً من المجلس الأعلى أو الصدريين، لأن كل ‏المديرين والمسؤولين الكبار هم من أتباع حزب الدعوة أو المالكي. أي أننا صرنا نحتاج توازناً شيعياً ‏‏– شيعياً.‏
‏ ‏
‏ ماذا طرأ على الوضع النفسي للمالكي لحظة خروج الأميركان؟
‏- في لحظة انسحاب أميركا راح المالكي يشعر بأنه صار بلا أي قيد ولا التزام. ولذلك بدأ مع طارق ‏الهاشمي يوم رحيل الأميركان بالضبط، ثم راح يوجه ضربات غير متوقعة للجميع.‏
‏ ‏
‏ وكيف انعكس هذا على وضع مجلس الوزراء الداخلي. إن الشهادات تكاد تكون معدومة حول ‏كواليس مجلس الوزراء؟
‏- كل تصرفاته كانت تعني أمراً واحداً: اتركوني أعمل بلا قواعد ولا ضوابط. وكان يريد أن نتكيّف ‏مع رغباته هو فقط.‏
باختصار فإن الدستور يذكر عبارة إجمالية تحتاج تفصيلاً قانونياً. العبارة تقول: رئيس الوزراء هو ‏المسؤول التنفيذي الأعلى. وكان على النظام الداخلي الذي يرفضه المالكي، أن يقوم بتفصيل العبارة. ‏والمالكي ظل يتهرب من شرح العبارة المفصلية لأنه أراد استخدامها كما هي وبتفسيراته هو.‏
وهذه تتضمن خطورة على مستويات. أولا، كيف ننظم العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء ونوابه؟ في ‏الدعوة الى انعقاد المجلس ووضع جدول أعمال الجلسة. فقد ظل المالكي هو الذي يحدد ماذا ستناقش ‏الحكومة وعلى ماذا سيصوت الوزراء، ولم نحصل على أي مشاركة في هذا.‏
على مستوى آخر ظلت اللجان الوزارية بلا صلاحيات، ولم يتحول مجلس الوزراء الى مؤسسة ‏بمعايير حديثة، بل بقي رئيس الحكومة يقبض بطريقة بدائية على كل شيء. فاللجان القطاعية مثل ‏لجنة الزراعة والخدمات وغيرها، ظلت بلا قانون ولا صلاحيات برغم أنها برئاسة نائب رئيس ‏الحكومة وعضوية 10 وزراء. كل شيء ظل مشروطاً بموافقته هو.‏
ثم لم يرض المالكي بهذا، بل جاء بكل المبادرة الزراعية والمبادرة التعليمية (كمثال فقط) ونقلها الى ‏مكتبه. وهو ما ألغى عملياً، وزارة الزراعة والتعليم ومعهما وظائف أساسية لوزارات أخرى مثل ‏الموارد المائية والقطاع الخدمي. حتى منح “تراكتور” لفلاح صار يتطلب تدخل مكتب المالكي. أي ‏بعثة دراسية صارت تتطلب تدخل مكتب المالكي. ولأنه لا يوجد نظام داخلي، فلم يكن ممكناً أن ‏نعترض على كيفية تسيير أمور البلد، وهو ما أدى الى تعثر المصالح بطريقة رهيبة.‏
‏ ‏
‏ وبقيتم متفرجين على هذا التمدد ونقض الهيكلية الحديثة لنظام الإدارة والحكم، وتم ابتلاع كل شيء ‏وأنتم ساكتون 6 سنوات في حكومتيه؟
‏- كلا أبداً، وعلى العراقيين أن يعيدوا قراءة اتفاقية أربيل بعناية. أنا حضرت معظم اجتماعاتها، قمنا ‏بالنص على ضرورة رسم الصلاحيات بوضوح لتسهيل انجاز الأشياء، وعدم احتكار كل الدولة في ‏مكتب رجل واحد يرأس حكومة مشاركة ائتلافية.‏
وقد راجعنا موضوع التفرد في ملفات خطيرة مثل الأمن والدفاع وصلاحيات القائد العام للقوات ‏المسلحة وتعيين قادة الفرق العسكرية وفق مزاج المالكي وتطلعاته بلا إشراف البرلمان.‏
‏ ‏
‏ إذن أنتم في اتفاقية أربيل وضعتم مراجعة شاملة لكل مسار الدولة وخطة للإصلاح الكلي؟
‏- نعم وبالتفصيل. كتبنا خطة إصلاح للملف التنفيذي، وتضمنت أيضاً إصلاح الملف القضائي، وحسم ‏شكل العلاقة بين الحكومة والبرلمان، والهيئات المستقلة، والجيش الذي بقي خارج شرعية البرلمان. ‏وقع المالكي على ذلك واتفقنا على المراجعة، وبمجرد أن منحه البرلمان الثقة ضرب بكل شيء عرض ‏الحائط ولم يعبأ بالشركاء ولا البرلمان.‏
‏ ‏
‏ تقصد أننا خسرنا محاولة تصحيح، وخسرنا سنوات بسبب إدارة سيئة كانت تحتكر صلاحيات ‏الوزراء ومؤسسات الحكومة في مكتب رجل واحد؟
‏- نعم والنتيجة فشل المبادرات الزراعية والتعليمية والتنموية وغيرها. ولم تتوقف الخسارة عند هذا ‏الحد، بل أن الفشل أمام الجمهور جعل المالكي يبحث عن نجاحات مؤلمة، إذ لجأ الى التأزيم مع كل ‏شركائه وقام بتحويلهم الى أعداء وشياطين، وراح يخوض حروباً معهم لمشاغلة الجمهور. لاحظ ‏خطاباته قبل الانتخابات أمام جمهوره مؤخرا، لم تتحدث عن الخدمات وسبب الفشل، بل انهمك بتحذير ‏الجمهور من التظاهرات وأن السنة يريدون إعادة صدام حسين الى السلطة!‏
والنتيجة هي أن دورة المالكي الثانية تنتهي من دون أن يكون هناك رئيس لجهاز المخابرات والأمن ‏الوطني فضلاً عن الداخلية والدفاع. قل لي أنت، أي دولة في العالم سارت بهذه الطريقة ونجحت؟
‏ ‏
‏ في هذا الإطار أبرز الأزمات كانت مع الهيئات المستقلة وضمها الى مكتب المالكي. آخرها محافظ ‏البنك المركزي سنان الشبيبي وما حصل معه. ماذا جرى بالضبط بالنسبة لك كوزير للمالية؟
‏- في نظام صدام حسين كان محافظ البنك المركزي تابعاً لوزير المالية، وفي النظام الجديد قمنا بتحديث ‏الهيكل الإداري بالتعاون مع شركاء العراق الدوليين وصار البنك المركزي سلطة مالية مستقلة. ثم ‏بدأت الحكومة تتدخل في سياساته وتطلب المال من الاحتياطي النقدي. وهذا حصل أيضاً بسبب غياب ‏النظام الداخلي وغياب القواعد، تحت شعار أن المالكي هو المسؤول الأعلى ويحق له كل شيء.‏
حضرت اجتماعات ساخنة في بغداد وخارج بغداد وبحضور المالكي وسنان الشبيبي، مع صندوق النقد ‏الدولي والبنك الدولي، وكانوا يقولون بوضوح أنهم يحذرون من التدخل في سياسات المركزي. قالوا ‏بالحرف: نرفض أن تمتد يد الحكومة على الأرصدة لأنها تحافظ على ما يسمى باستقرار الاقتصاد ‏الكلي. المالكي ضرب بالطلب الدولي عرض الحائط، وكان ما كان.‏
الشبيبي كان خسارة كبيرة، ونجح في خفض التضخم عام 2006 من 65 في المئة الى 5 في المئة ‏خلال 2012. وبدل أن نقوم بمكافأته بكتاب شكر عملاق نضعه في بوابة مجلس الوزراء، قمنا ‏بتحويله الى متهم تلاحقه الشرطة.‏
‏ ‏
‏ حدثنا عن كيفية سير حواراتكم داخل مجلس الوزراء، فهي جلسات لا تعرض على الجمهور. هل ‏كنتم تديرون سجالات ساخنة مثلا مع الوزراء؟
‏- كانت تجري سجالات تصل حد الزعل، آخرها قبل أزمة حماياتي حين طرحنا موضوع التوازن ‏السياسي في التعليم العالي. كل يوم يأتي المالكي بمسؤولين في المؤسسة الأكاديمية ويطلب أن نصوت ‏عليهم، وحين اعترضت بأن هذا كان يخرق التوازن، قال لي: إنهم معينون بالوكالة لا بالأصالة ‏‏(كالعادة). قلت له: لا بد أن نراعي الاتفاقات السياسية حتى في التعيين بالوكالة. وهكذا صار شد ‏عاصف في الجلسة قبل أزمتي معه بأيام. وبهذه الطريقة في إدارة العلاقة خسر المالكي معظم شركائه.‏
‏ ‏
‏ كيف تقيّم اجتماعات الماضي في أربيل والنجف. كانت محاولة إنقاذية للاعتراض على نهج الحكم. ‏أنتم والأكراد والصدريون وآخرون، نجحتم في تجاوز أزمة طوزخورماتو بمواقف موحدة. ونجحتم ‏نسبياً في تجاوز أزمة التظاهرات بخطاب متقارب. كما نجحتم في التنسيق داخل البرلمان ومررتم ‏قوانين مهمة أغضبت فريق المالكي، كقانون مجلس القضاء الأعلى الذي يحدّ من إمكانية استغلال ‏المحاكم، وقانون تحديد الولايتين. كيف يقيّم رافع العيساوي هذه التجربة؟
‏- اجتماعات أربيل والنجف ومعانيها، والتنسيق الجيد، أصابت المالكي بالجنون الشديد. حركتنا في ‏ملف سحب الثقة كانت دستورية وسليمة وكان يمكن أن تنقذ البلاد عبر اختيار مرشح شيعي معتدل ‏يصحح المسار. فبدأ المالكي بمحاولة لشق صف “أربيل النجف” تخويفاً وترغيباً، ونجح مرة وفشل ‏مرات.‏
المهم في تلك التجربة هي أنها نجحت في تنضيج مواقف كل الأحزاب ومنحتنا استيعاباً أعمق لخطورة ‏الموقف الوطني في ظل نهج المالكي وأسلوب إدارته للدولة. وأنا ألمح تقدماً سياسياً لدى مختلف القوى ‏من أربيل الى البصرة. الذي يتراجع هو المالكي فقط وفريقه.‏
‏ ‏
‏ هذا ما جعله يختار الحل العسكري ويحاول إقحام الجيش في الخلاف السياسي؟
‏- شعر المالكي بقوة شركائه وقوة البرلمان، فعاد الى المعزوفة العتيقة: سنة وشيعة، عرب وأكراد، ‏بعثية وصداميون. يقول تريدون إعادة النظام السابق، بينما كل ما نطلبه هو أن تقوم الكتلة الشيعية ‏باختيار شخص معتدل يمكن أن نعمل معه ونطبق مشروع الإصلاحات المكتوب في أربيل.‏
‏ ‏
‏ دعك من الماضي. كيف سيكون أداء قوى أربيل والنجف في التحضير لانتخابات 2014؟
‏- الحكاية ببساطة أن المالكي انقلب على الجميع، وببساطة سيدفع الثمن السياسي. سنقوم في محور ‏أربيل النجف، بالشراكة مع القوى الواسعة، بحماية التعدد السياسي ولسنا قلقين على من سيكون بديل ‏المالكي، بل سنتمكن من تسمية رئيس وزراء جديد وسنصحح عجزنا في 2010 عن تسمية عادل عبد ‏المهدي الذي طرح كمرشح حلّ بدل مرشح الأزمة الذي كان نوري المالكي. وعادل عبد المهدي واحد ‏من أبرز النماذج العراقية التي يمكن وصفها بأنها تمثل رجل الدولة. انه رجل تنفيذ اتفاقات ويؤمن ‏بالشراكة المسؤولة.‏
‏ ‏
‏ العائق الوحيد أمام هذا الحلم في 2014 كما يبدو هو صفقة الخارج التي تخرب صفقة الداخل، أي ‏إرادة واشنطن وطهران التي قامت بحماية المالكي في 2010 وفي 2012. هل ستكونون قادرين على ‏خوض حوار معهما؟
‏- إذا ما توفر الإصرار على الإصلاح السياسي فسنحصل على صفقة متماسكة. المحور المتنوع فكرياً ‏وطائفياً وقومياً بين أربيل والنجف، يثبت أن المشكلة ليست مجرد نزاع طائفي، بل مشكلة سياسية بين ‏أحزاب لها ثقلها وجمهورها، ورجل يحاول ابتلاع كل شيء ويرفض المعايير الحديثة في الإدارة.‏
وإذا ما حافظنا على تماسكنا فسيجد الأميركان والإيرانيون كتلة كبيرة لديها 180 صوتاً، أقرت قانون ‏مجلس القضاء، وقانون تحديد الولايات، وستمنح الثقة لرجل معتدل يرأس الحكومة في 2014، ‏وحينها لن يكون أمام طهران وواشنطن إلا التعامل مع هذه الحكومة باحترام.‏
‏ ‏
‏ باختصار في نهاية اللقاء، ماذا قال لك الأميركان بعد أزمة حماياتك؟
‏- لست ناطقاً باسمهم كي أعرض موقفهم، لكن رأيتهم مصابين بالحزن لأن اتفاق الشراكة الذي تم ‏برعاية جوزيف بايدن قد انهار بالكامل.‏
‏ ‏
‏ إيران كيف راقبت الموضوع برأيك؟
‏- إيران تسببت بشرخ كبير داخل الصف الشيعي، وقد خاطرت بفقد أصدقائها الشيعة وغيرهم بسبب ‏إصرار طهران على دعم رجل واحد.‏
‏ ‏
‏ اتصالاتك مع مراكز القوى الشيعية كيف تقيّمها؟
‏- أنا سعيد بكل الاتصالات والوفود الشيعية التي زارتنا هنا، أو زياراتنا للنجف والمحادثات مع قادة ‏الشيعة. مرات عديدة قمت بالإشادة بمواقف السيد مقتدى الصدر، والسيد عمار الحكيم الذي كان موقفه ‏جيداً، وموقف مرجعية النجف الممتاز على طول الخط.‏
ثقتنا بالشيعة كشركاء لم تهتز، والتي اهتزت أو انهارت هي ثقتنا بالمالكي. والمشكلة أن الشيعة ‏عجزوا عن الضغط على المالكي بما يكفي.‏
‏ ‏
‏ كيف هي العلاقات على المستويات الوطنية الأخرى؟
‏- ماذا أبقى المالكي في العلاقات الوطنية. مبادرة مام جلال رئيس الجمهورية لعقد المؤتمر الوطني، ‏قام أعوان المالكي بتصغيرها الى مجرد لقاء، شيء يشبه المنتدى، كي تصغر الالتزامات ولا يعود لها ‏معنى، بلا مؤتمر وبلا مقررات. قاموا بإفساد المقترح كي يستمروا بالتملص من الالتزامات.‏
‏ ‏
‏ هل تخشى الانزلاق نحو العنف؟
‏- أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة العنف وتعلّمنا الدرس. لكن رئيس الوزراء لم يبق أمامه للتشبث بالمنصب ‏وهذا خطير جداً، إلا أن يدفع الأمور نحو الاحتراب. أنا شخصياً لن أقبل أن أكون شريكاً في فريق ‏دماء. النخبة اليوم أكثر وعياً وإصراراً على رفض العنف، ومن أجل ذلك سنمنع أن يتكرر نموذج ‏المالكي.‏
‏ ‏
‏ بكلمة واحدة، هل تلمح أقاليم سنية في المستقبل؟
‏- هذا لا يزال محل انقسام في نينوى والأنبار. لكن سياسات المالكي وأخطاءه الكبيرة هي التي ستدفع ‏الجميع الى القبول بالإقليم في المنطقة الغربية.‏

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة