العنف يجتاح سورية من جديد .. لمصلحة من وكيف ستكون المواجهة ؟

العنف يجتاح سورية من جديد .. لمصلحة من وكيف ستكون المواجهة ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

أعادت معركة “حلب” بين الفصائل المسلحة والقوات الحكومية، “سورية” إلى مربع العنف الأول، الذي اندلع في 2011، كاشفة عن مدى هشاشة الوضع الأمني في البلد الممزق.

وشن المتمردون في “سورية”، الخميس، هجومًا واسع النطاق على قوات الحكومة السورية، فاقتحموا قاعدة عسكرية، واستولوا على مساحات من الأراضي في شمال غرب البلاد، في أول اندلاع كبير للقتال بين الجانبين منذ 2020.

الهجوم الأعنف منذ عدة أعوام؛ كسر صمت الهدوء النسبي في “سورية”، وفتح جرحها الغائر العائد إلى زمن الحرب الأهلية التي اندلعت في 2011، ووضع الحكومة والشعب أمام تحدٍ جديد، ومخاوف من كارثة أكبر، إذا ما حسمت المعركة سريعًا.

20 غارة على “إدلب”..

وشن الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من (20) غارة على “إدلب” وقرى محيطة بها، وفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، على وقع اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري و(هيئة تحرير الشام) وفصائل حليفة لها تمكنت من دخول مدينة “حلب”.

وقال المرصد إن: (23) غارة استهدفت: “كل مدينة إدلب وقرى وبلدات في المنطقة”؛ منذ صباح الجمعة، مضيفًا أن القصف أسفر عن مقتل شخص.

سيطرة على 5 أحياء..

وسيطرت (هيئة تحرير الشام)؛ (جبهة النصرة سابقًا)، وفصائل حليفة لها، الجمعة، على (05) أحياء في مدينة “حلب”، بعد يومين من عملية عسكرية مباغتة أطلقتها تلك الفصائل ضد مناطق سيطرة القوات الحكومية في شمال وشمال غرب “سورية”.

وقال مدير المرصد؛ “رامي عبدالرحمن”، إن الهيئة وفصائل حليفة لها: “سيطرت على (05) أحياء في مدينة حلب”، موضحًا بأن: “تقدم الفصائل حصل دون مقاومة تُذكر” من جانب القوات الحكومية.

حالة حرب أهلية..

وتعقيبًا على الاقتتال الشرس؛ زعمت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية، إن “سورية” لا تزال فعليًا في حالة حرب أهلية، على الرُغم من أنها استقرت على نطاقٍ واسع، وتراجعت شدتها منذ ذروة القتال في العقد الماضي. وبينما استعادت قوات الرئيس؛ “بشار الأسد” – بدعم من القوة الجوية الروسية والميليشيات المتحالفة مع “إيران” – السيّطرة على جُزء كبير من البلاد، تُسيّطر العديد من الجماعات المتمردة ذات التوجهات الإيديولوجية والطائفية والإثنية المختلفة على بعض المناطق، وخاصة في شمال البلاد الذي مزقته الحرب.

إطلاق حشد “روسي-سوري” لرد مضاد..

واكتسب الهجوم أهمية خاصة؛ بحكم اندلاعه قبل أسبوع في “حلب” و”إدلب”، النقطتان المحوريتان للقتال في الحرب الأهلية السورية؛ في العقد الماضي، وقد شارك فيه آلاف المقاتلين المناهضين للحكومة، تتقدمهم (هيئة تحرير الشام)، المصَّنفة على قوائم الإرهاب الأميركية.

ويرى مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في (المجلس الأوروبي) للعلاقات الخارجية؛ “جوليان بارنز ديسي”، إن: “الهجوم من وجهة نظره، يُشير إلى الهشاشة الشديدة، والوضع العنيف الذي لا يزال يُخيم على سورية”.

ورجّح “ديسي”؛ أن تحشد الحكومة السورية قواتها، لإطلاق رد مضاد بالتعاون مع القوات الروسية، من أجل ردع المتمردين ودفعهم إلى التراجع.

وأضاف: “في جوهر الأمر، هذه هي قصة سورية اليوم: لقد فازت الحكومة السورية في الحرب الأهلية الكبرى، لكنها لا تزال مكسورة، ومجهدة، ولا تملك الموارد اللازمة للحفاظ على السيّطرة القوية على بلد ممزق”.

وما يميَّز الهجوم كذلك توقيته الحاسم، فقد اندلع في وقتٍ يُشن فيه الاحتلال الإسرائيلي ضربات كثيفة على “سورية” مستهدفًا إمدادات (حزب الله) اللبناني من الأسلحة، إضافة لتزامنه مع عودة “دونالد ترمب” إلى “البيت الأبيض” مرة أخرى، وهو التحول الذي قد يؤثر أيضًا على البلد الغارق في الحرب، حسّب الصحيفة الأميركية.

ماذا تعني السيطرة على “حلب” ؟

بحسّب مدير “المرصد السوري”؛ فإن السيّطرة على مدينة “حلب” تعني أن القوات الحكومية باتت في مأزق، معللًا ذلك بأنه في أوج قوة تلك الفصائل التي كانت متعاونة مع تنظيمات إرهابية لم تتمكن من السيطرة على المدينة السورية بشكلٍ كامل، بل على بعض أحيائها.

وحذر من أن (هيئة تحرير الشام) لديها أكثر من: (2000) طائرة مُسيّرة انتحارية، وما لا يقل عن: (150) انتحاريًا، مشيرًا إلى أن المعركة من “حلب” وصولًا إلى ريف “حلب” الشمالي قد تنطلق في أقصى ريف “إدلب” الجنوبي؛ وصولًا إلى “خان شيخون” في ريف “حماة” الشمالي.

ويكشف مدير “المرصد السوري” أن “أوروبا الشرقية” دربت عناصر من (هيئة تحرير الشام) على استخدام المُسيّرات، مشيرًا إلى أن المعركة ممتدة على مساحة واسعة، محذرًا من سقوط “معرة النعمان” و”سراقب” في أي لحظة.

وأشار إلى أنه بينما سحب (حزب الله) الكثير من المقاتلين؛ خلال الأشهر السابقة، سيُطرت (هيئة تحرير الشام) على نحو: (53) قرية وبلدة وتلة استراتيجية، متسائلًا: كيف تسقط كل هذه المناطق بهذه السهولة ؟

تصعيد على خلفية تغيّرات إقليمية..

تركزت المعارك في الأيام الأخيرة في مناطق مثل: “إدلب وحلب”، مع محاولات من الفصائل المسلحة لتعزيز وجودها بدعم خارجي، بحسّب تصريحات الخبير العسكري والاستراتيجي؛ العميد “تركي الحسن”.

ويُشير “الحسن” إلى أن: “هذه العمليات ليست عشوائية، بل منَّظمة بدعم تركي مباشر، من خلال استخدام المدفعية والراجمات وتنسيق الاستخبارات التركية مع قادة الفصائل المسلحة، الذين اجتمعوا مؤخرًا في مناطق مثل: تل رفعت ومنغ، استعدادًا لمهاجمة مدينة حلب”.

أشار الخبير العسكري والاستراتيجي؛ العميد “تركي الحسن”، إلى أن ما يحدث حاليًا هو نتيجة مباشرة لتداخل عوامل خارجية، مؤكدًا أن: “التصعيد الحالي مخَّطط له منذ فترة، ويأتي في سياق تناغم بين أجندات إقليمية، أبرزها الدور التركي”.

وأوضح أن الدعم التركي للمجموعات المسلحة في الشمال السوري قد أخذ منحى جديدًا، حيث قدمت “تركيا” دعمًا مباشرًا لعمليات عسكرية منظمة ضد الجيش السوري في “حلب وإدلب”.

استراتيجية تركية..

يعتبر “الحسن” أن: “ما يحدث هو جزء من استراتيجية تركية تهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، في إطار حسابات الأمن القومي التركي، التي تربطها أنقرة بالتحركات الكُردية وقوات سورية الديمقراطية؛ (قسد)”.

وأشار “الحسن” إلى وجود نحو: (17) ألف جندي تركي في “إدلب” وشمال “حلب”، مؤكدًا أن هؤلاء الجنود يتموضعون جنبًا إلى جنب مع الجماعات المسلحة، التي وصفها بأنها: “تحت السيّطرة المباشرة للاستخبارات التركية”.

أنقرة” لا تتحمل المسؤولية..

بينما نفى مدير مركز (إسطنبول للفكر)؛ الدكتور “بكير أتاجان”، أن تكون “تركيا” مسؤولة عن كل الفصائل المقاتلة في الشمال السوري، مشيرًا إلى أن: “بعض الفصائل مدعومة من تركيا بشكلٍ معلن، ولكن لا يمكن تحميل أنقرة مسؤولية جميع الجماعات المسلحة”.

وقال “أتاجان”؛ إن السياسة السورية على مدى السنوات السابقة أسهمت في تأجيج الصراع الإقليمي.

وأضاف أن: “(هيئة تحرير الشام)؛ على سبيل المثال، موضوعة في قائمة الإرهاب التركية، وبالتالي لا يمكن لتركيا دعمها”.

وفي رده على اتهامات دعم الجماعات المسلحة في “إدلب وحلب”، أشار “أتاجان” إلى أن: “تركيا تتبنى موقفًا دفاعيًا لحماية أمنها القومي، خاصة في ظل التهديدات التي تُشكلها الجماعات الكُردية المسلحة على حدودها”.

وأكد أن: “أنقرة تُحارب الإرهاب بجميع أشكاله؛ وتسعى لإقامة استقرار شامل في المنطقة”.

وفيما يتعلق بالتصعيد الأخير، أضاف “أتاجان”: “لا يمكن لتركيا أن تُدين العمليات المسلحة في مناطق خارجة عن سيّطرتها المباشرة، ولكنها دائمًا تُدين الاعتداءات التي تستهدف أراضيها أو قواتها”.

واعتبر أن الحديث عن دعم تركي شامل لكل الفصائل المسلحة غير دقيق، مشيرًا إلى أن الفصائل قد تتحرك أحيانًا بشكلٍ مستقل أو لتحقيق مصالح خاصة.

انعكاسات إقليمية ودولية..

تُشير التطورات الميدانية إلى أن الوضع في شمال “سورية” لا يقتصر على صراع محلي، بل يُمثل جزءًا من التوترات الإقليمية والدولية.

ويرى العميد “الحسن”؛ أن: “هناك تناغمًا بين الهجمات الإسرائيلية على سورية وتحركات الجماعات المسلحة في الشمال، ما يعكس توجيهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة”.

وبحسّب العميد “تركي الحسن”؛ فإن مشروع “قوات سورية الديمقراطية”؛ (قسد)، يُمثل خطرًا مشتركًا على الأمن القومي لكل من “سورية وتركيا”. ورُغم هذا، يرى أن “تركيا” تستغل: “التهديد الكُردي” كذريعة لتعزيز نفوذها في المناطق الحدودية.

علاقات قوية مع “روسيا وإيران”..

وفيما يتعلق بالدور الدولي؛ أكد العميد “الحسن”، أن العلاقات بين “سورية” وحلفائها، “روسيا وإيران”، ما زالت قوية، على الرُغم من مزاعم تخليهما عنها. وأضاف: “العلاقة مع روسيا وإيران قائمة على قواعد ثابتة، ونأمل أن تعود العلاقات (السورية-التركية) إلى طبيعتها”.

ومع استمرار تصاعد الأحداث؛ يبدو أن الحلول الدبلوماسية بين “دمشق وأنقرة” تواجه تحديات كبرى.

ويرى “الحسن”؛ أن: “استعادة السيّادة السورية تتطلب انسحابًا تركيًا كاملًا وجدولة واضحة لذلك، فضلًا عن إنهاء دعم الفصائل المسلحة”.

ضغط تركي لإجبار “سورية” على تسوية..

من جانبه؛ يرى الدكتور “بكير أتاجان”، مدير مركز (إسطنبول للفكر)، أن التحركات العسكرية قد تكون جزءًا من محاولات تركية لإجبار “دمشق” على الدخول في تسوية سياسية.

وقال: “تركيا لن تُخاطر بأمنها القومي وتنسحب من الشمال السوري ما لم يتم تأمين حدودها”.

ويؤكد “أتاجان” أن: “تركيا لن تتنازل عن مصالحها القومية، لكنها تُفضل تسويات تُحقق استقرارًا مشتركًا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة