خاص: كتبت- نشوى الحفني:
تعجز السلطات العراقية عن الحّد من حالات العنف الأسري؛ التي سجلت أرقامًا قياسية خلال النصف الأول من عام 2024، والتي بلغت: (14.000) حالة، في وقتٍ تُطالب فيه منظمات نسّوية وقانونيين بتعديل القوانين الخاصة بتلك الحالات، وتشّديد العقوبات بشأنها.
ولا تزال “الشرطة المجتمعية” التي تم تأسيسها، العام 2008، تقف عاجزة أمام القيود القبّلية والعشائرية التي تسّود المجتمع العراقي، حيث تصطدم فرقها بتلك القيود للتدخل في معالجة مشاكل مجتمعية تتمثل بالعنف الأسري.
14 ألف دعوى رسّمية..
وكشف الناطق باسم “وزارة الداخلية” العراقية؛ العميد “مقداد ميري”، عن تسجيل ما يُقارب: (14) ألف دعوى رسّمية للعنف الأسري خلال النصف الأول من العام الجاري.
وقال “ميري”؛ إن “وزارة الداخلية” باتت: “تُوليّ اهتمامًا كبيرًا لحالات العنف الأسري، وسّعت عبر البرامج التثقيفية والندوات إلى تشجيع المعنُّفين من النساء والذكور وحتى الأطفال للتقدم بدعاوى قضائية تجاه عمليات التعنيف”.
وأضاف أن: “الحالات تنوعت بين التعنيف الجسدي واللفظي والنفسي، وكانت غالبية الدعاوى المُّقدمة تندرج ضمن الاعتداء الجسدي، بنسّبة: (73%) للنساء، و(27%) للذكور، والأجهزة المختصة داخل الوزارة تتابع تلك القضايا لمِا لها من أهمية على بنُية المجتمع”.
وبيّن “ميري” أن: “مديرية حماية الأسرة والطفل؛ لديها دراسة أجرتها لمدة (05) أعوام عن العنف الأسري؛ بدأت منذ عام 2019 ولغاية 2023”.
وقال “ميري” إن الدراسة: “أشارت إلى وجود ارتفاع بظاهرة العنف في المجتمع، وهو ناتج عن تغيّرات اقتصادية وثقافية واجتماعية وفهم خاطيء للدين وتفشّي البطالة وانفتاح غير متقُّن على مواقع التواصل الاجتماعي الذي شجع على ازدياد العلاقات غير الشّرعية خارج منظومة الزواج، مما أدى إلى زيادة حالات الخيانة الزوجية، فضلاً عن زيادة حالات تعاطي الكحول والمخدرات بشكلٍ كبير”.
وتُعد الأرقام التي أعلن عنها “ميري”؛ قفزة كبيرة في العنف الأسري بـ”العراق” قياسًا مع العام 2021 مثلًا، حين سُجلت: (05) آلاف حالة، أي بنسّبة زيادة: (64.7%)، في وقتٍ تشّير فيه الإحصائيات إلى أن حالات العنف الأسري التي كانت تسُّجل، ما قبل العام 2003، لا تتجاوز نسّبة: (20%) عما بعده، وتغيّير النظام السابق.
غير ملائم للواقع..
تقول مديرة منظمة (ساندها لحقوق المرأة)؛ “سارة الحسني”، إن ما يُطرح من أرقام رسّمية: “يُجانب الواقع”.
موضحة لـ (إرم نيوز)؛ أن: “ما يُعلن عنه هو ما يتم تسّجيله فقط بشكلٍ رسّمي عبر الشكاوى، بينما الحقيقة أن هناك آلاف الحالات لنساء معنُّفات غير قادرات على تسجيل شكواهن نتيجة الخوف من العقاب القبائلي أو الطلاق بالنسبة للنساء المتزوجات، وما فاقم تلك الحالات هو غياب القوانين الرادعة التي يمكن أن تجعل الشخص الذي يرتكب التعنيف يُفكر: (1000) مرة قبل أن يُقدم على ذلك”.
قوانين حبيسّة الأدراج..
وسبق وأن كشفت “وزارة التخطيط” عبر دراسة لها، العام 2012، عن تعرض النساء المتزوجات لأشكال عديدة من العنف الأسري، حيث إن: (36%) منهن يتعرضن لشكلٍ من أشكال الأذى النفسي من الأزواج، و(23%) منهن للإسّاءات اللفظية، و(6%) للتعنيف البدني، و(9%) للعنف الجنسي.
ومنذ عِقد؛ تسّعى منظمات المجتمع المدني، لا سيما النسّوية، إلى دفع “البرلمان العراقي” لإقرار “قانون مناهضة العنف الأسري”، الذي ما زال موضوعًا على رفوف البرلمان رُغم التصّويت الحكومي على مسّودته الأولية، حيث يُعارض برلمانيون القانون رُغم أن بعضهم: “يجهل ما يحتويه وما يهدف له، وفسّر فقراته على هواه، وأدخلوه في بوابة التعارض مع التعليمات الدينية والأعراف، وهذا كله في سبيل الإبقاء على العنف كظاهرة ذكورية في المجتمع”، بحسّب “الحسني”.
وتدعم نسّخة 2019؛ من مسّودة “قانون مناهضة العنف الأسري”، إنشاء ملاجيء حكومية لإيواء المعنُّفات بالتنسّيق مع منظمات حقوق المرأة المحلية، إذ غالبًا ما يتم إيواؤهن، مؤقتًا، في سجون النساء، ما يُشّكل خطرًا على المعنُّفات باحتكاكهن مع مرتكبات الجرائم الجنائية
ويعتمد القضاء العراقي؛ حتى اليوم، على مواد وبنود قانون العقوبات العائد للعام 1969، فيما يخص قضايا المرأة، ويتعامل معها في معظم الأحيان على أنها جُّنح عادية.
وتتسّامح العديد من بنوده مع العنف الأسري، ومنها مواد تسمح للزوج بتأديب زوجته، وللآباء بتأديب الأطفال.
عجز السلطات بسبب الملاحقات العشائرية..
وترى الباحثة الاجتماعية؛ “سناء العزاوي”، أن: “العنف الأسري هو نابع من التنشّئة الذكورية للمجتمع، التي تمنح الرجل سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ، حق تأديب المرأة والسيّطرة على سلوكها وحبسّها داخل البيت بحجّة الحفاظ على شرفها سواء كان بالضرب أو غير ذلك”.
وتؤكد “العزاوي”؛ لـ (إرم نيوز)، أن: “السلطات في وزارة الداخلية؛ تعّجز عن الحّد من العنف الأسري، حيث إنه في كثير من الحالات يتم تهديد الأجهزة المختصة في هذه الحالات بالملاحقة العشائرية، باعتبار ذلك أسرارًا داخلية للأسرة لا يسمح لأحد التدخل فيها”.
بسبب ارتفاع درجات الحرارة..
وحول ما يحدث؛ كشفت “مفوضية حقوق الإنسان” عن نتائج دراسة حول تأثير ارتفاع درجات الحرارة والإنقطاع المتكرر للكهرباء، برفع العنف الأسري، خاصة في الأشهر الملتُّهبة.
وقال مدير مفوضية ديالى لحقوق الإنسان؛ “صلاح مهدي”، في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن: “أشهر حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس؛ هي من الأشهر التي تصل درجات الحرارة بها خلال الصيف إلى الذّروة يُرافقها انقطاع التيار الكهربائي وتذّبذب الفولتية والأعطال الفنية الأخرى؛ التي تجعل من البيوت أشبّه بفرن”.
وأضاف أن: “الحرارة والكهرباء تضّغطان بقوة على الحالة النفسية للإنسان، يُرافقها وجود أغلب أفراد الأسرة داخل المنزل في وقتٍ واحد مع عُطلة المدارس؛ مما يُزيد من زخم المشاكل التي تتحول إلى عنف اسري لا محالة بدرجات متعددة”.
وأشار إلى أنه: “من خلال دراسة لتأثير الحرارة والكهرباء على العنف الأسري؛ وجدنا بأنها ترتفع بنسّبة لا تقل عن: (30%)”.
واتفق معه؛ “عبدالوهاب القيسّي”، باحث اجتماعي، بإقراره بتأثير ملف الخدمات الرئيسة ومنها الكهرباء على نفسّية الأسرة؛ خاصة وأن هناك تطرفًا في أجواء “العراق” بالسنوات الأخيرة لدرجة بأن الحرارة تصل إلى نصف غليان.
وأضاف أن: “الوضع الاقتصادي وإرباك الأزمات والفقر يُرافقها انقطاع المياه والكهرباء والأجواء كلها تضغط على أرباب الأسر لتنفجر بين فترة وأخرى في لحظات عنف ضد الزوجة أو الأطفال”، مؤكدًا أنه: “بالفعل العنف الأسري يزداد خلال فصل الصيف الذي يُمثل أشبّه بعقاب جماعي للعراقيين باستثناء النُّخب السياسية والفاسدين”.
وتساءل: “كيف يكون حال المرء في أجواء تقترب من: (50) مئوية وبدون كهرباء وماء ؟”، مؤكدًا بأن: “العراقيين هم أكثر شعوب العالم صبرًا على فساد سّاستهم”.
مشروعات لقوانين لم تسُّن !
تم طرح مشروع قانون بشأن العنف الأسري، ومناقشته في “مجلس النواب” العراقي؛ في عامي 2019 و2020، لكنه توقف منذ ذلك الحين.
وقبل ذلك؛ جّرت مناقشة داخل “مجلس النواب”؛ في عام 2015، لمسّودة قانون يتعلق بالعنف الأسري، لكن مصّيره كان مشُّابها.
وفي عام 2020؛ أعربت وكالات “الأمم المتحدة” في “العراق” عن قلقها إزاء العدد المتزايد لحالات العنف الأسري خلال وباء فيروس (كوفيد-19).
تتضمن نسُّخة 2019؛ من مسّودة “قانون مناهضة العنف الأسري”، أحكامًا بشأن الخدمات المقدمة إلى ضحايا العنف الأسري، وقرارات لحماية (أوامر تقيّيد)، وعقوبات على خّرقها، وإنشاء لجنة مشتركة بين الوزارات لمكافحة العنف الأسري.
كذلك يتطلب مشروع القانون إنشاء ملاجيء حكومية لإيواء المعنُّفات بالتنسّيق مع منظمات حقوق المرأة المحلية. وغالبًا ما يتم إيواء ضحايا العنف الأسري مؤقتًا في سجون النساء.
ويُطبق قانون العقوبات العائد للعام 1969؛ على قضايا تعنّيف النساء أو يتم التعامل معها في معظم الأحيان على أنها جُنح عادية. ويُسقط هذا القانون العقاب عن المغتصب إذا تزوج من ضحيته، وهذه من أبرز المواد التي تُطالب الجمعيات النسّوية بإلغائها.
كذلك تتسّامح العديد من بنود قانون العقوبات العراقي مع العنف الأسري، ومنها مواد تسّمح للزوج بتأديب زوجته وللآباء بتأديّب الأطفال.
أما من يرتكبون أعمال عنف أو جرائم قتل تتصل: بـ”الشرف”؛ قد تُخفف أحكامهم إذ ينص قانون العقوبات على تخفيف الأحكام في أعمال العنف التي تشمل القتل لمِا يُدعى: “بواعث شريفة”، أو إذا فاجأ الرجل زوجته أو إحدى قريباته في حالة تلبس بالزنا، أو في علاقة جنسية خارج نطاق الزواج.
لا توجد خطوات حقيقية !
تصّف عضو “لجنة المرأة والأسرة والطفولة” البرلمانية؛ “فيان صبري”، ظاهرة العنف الأسري: بـ”المُّقلقة” وتُعرب عن أسفها لفشل الدورات البرلمانية المتعاقبة على سّن القوانين الرادعة.
تقول “صبري”؛ لموقع (الحرة) الأميركي: “إننا ومنذ عدة دورات نُحاول كنواب؛ تشّريع القانون، لكننا لم نتوفق لعرضه على المجلس بسبب وجود خلافات بشأنه”.
وتُضيف “صبري” أن: “هناك تصورًا لدى المعترضيّن من أن قانون العنف الأسري يحمّي المرأة فقط، لكنه في الحقيقة يتحدث عن الأسرة، بما في ذلك الأب والأم والأطفال”.
وتُلفت إلى أن: “المعترضيّن يعتقدون كذلك أن القانون يمُّهد لمنح المرأة الحرية المطلقة ومسّاواتها مع الرجل والخروج عن الأعراف والتقاليد، وهذا غير صحيح”.
ولا تبدو “صبري” متفائلة كثيرًا في احتمال تشّريع القانون قريبًا في “مجلس النواب” العراقي: “لم يُعّرض القانون في البرلمان أو يُناقش على الأقل ولا توجد أي خطوات حقيقية لتشّريعه”.
اتهامات بالتقاعسّ عن تجريم العنف الأسري..
وفي تقريرها الصادر عن “العراق” في عام 2023؛ اتهمت منظمة (العفو الدولية)، “البرلمان العراقي”، بالتقاعّس عن تجريم العنف الأُسري وتوفير حماية كافية للنساء والفتيات من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي.
وقال التقرير إنه في نيسان/إبريل من ذلك العام؛ قضّت محكمة في “بغداد” بسجن والد المدونة الشابة؛ “طيبة علي”، ستة أشهر بتهمة قتلها في 01 شباط/فبراير، وهو ما أدى إلى مظاهرات في “بغداد” احتجاجًا على الحكم المتسُّاهل.
وتقول المنظمة؛ إن السلطات العراقية لم تتخذ أي خطوات لتعديل بنود “قانون العقوبات” العراقي التي تسّمح للزوج بمعاقبة زوجته، وللآباء بتأديب أطفالهم باستخدام العقاب الجسّدي، وتقضّي بأحكام مخففة عقابًا على جرائم: “القتل بدافع الشرف”. كما يسمح قانون العقوبات لمرتكبي جرائم الاغتصاب بتفادي المقاضاة عن طريق الزواج من ضحاياهم.
وكانت “وزارة الداخلية” قد أعلنت أن “طيبة علي”؛ (22 عامًا)، قتلت على يد والدها ليلة 31 كانون ثان/يناير، في محافظة “الديوانية”، في جنوب “العراق”، رُغم قيام الشرطة بمحاولات وسّاطة لحل: “خلاف عائلي”، وتسّليم والدها نفسه للشرطة بعد ارتكاب الجريمة.