11 أبريل، 2024 7:54 م
Search
Close this search box.

“العمالة غير المنتظمة” .. بين مطرقة كورونا وسندان الرأسمالية !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – آية حسين علي :

وصلت عدد الطلبات المقدمة للحصول على إعانة البطالة في “كندا” إلى 500 ألف طلب خلال 4 أيام؛ بسبب تفشي فيروس “كورونا”، بينما تجاوز العدد في “الولايات المتحدة” 3 ملايين طلب، ويُعد أكثر من نصف العاملين الأميركان معرضين للضرر بسبب الوباء، وتعهدت عدة دول أوروبية وغربية بتقديم معونات للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب الوباء، لكن هناك ملايين الأشخاص لا تمتلك دولهم إحصاءات دقيقة بهم ولن تُقدم لهم تعويضات؛ وفي نفس الوقت لا يمكنهم ترك العمل حتى وإن كان ذلك يعني الموت، وهم ما يُعرفون بـ”العمالة غير المنتظمة” أو “عمال اليومية”.

الأعمال الحرة الأكثر تضررًا من الوباء..

ذكر الكاتب والباحث الاقتصادي الإسباني، “غييرمو سيكاردي”، أن أكثر الفئات التي سوف تتضرر من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي الوباء هم أصحاب الأعمال الحرة، وسوف يتضررون بشكل أكبر كلما كانت حجم أعمالهم أصغر؛ وأعطى أمثلة من بينها من يعملون في بيع الخضراوات أو في مجال الإنشاءات والسائقين وصولًا إلى الباعة الجائلين، مشيرًا إلى أن أولائك سوف يعانون من انخفاض دخولهم، لكنهم لن يحصلوا على أية تعويضات.

وما يُزيد الوضع خطورة أن نسبة كبيرة من هؤلاء يعملون في قطاعات خدمية شديدة التأثر بالحجر الصحي، وأغلبهم يعملون في القطاع غير الرسمي ويتقاضون رواتب متدنية وغير ثابتة دون الحصول على تأمينات اجتماعية أو صحية، كما أن جزءًا كبيرًا منهم يعملون في أعمال حرة ويتقاضون رواتبهم يومًا بيوم.

وخلال عدة أسابيع كشف فيروس مجهري هشاشة الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية التي لا تُراعي المعايير الاجتماعية، وبدأ الخبراء يفرضون توقعاتهم لانحصار النمو الاقتصادي العالمي وقيمة الخسائر المتوقعة للفيروس، بينما على نطاق أضيق، يتجنب عمال اليومية التفكير في المصير الذي بدأوا يجنوه اليوم وليس غدًا بسبب قرارات تقييد الحركة التي تفرضها الدول في محاولة للسيطرة على انتشار الوباء دون تقديم البديل؛ لأنه في ظروف الحجر الصحي تنحصر فرص العمل والعائدات الناتجة عنها بصورة تُهدد قدرة هؤلاء على الحصول على المال المطلوب لشراء الاحتياجات الأساسية.

ملايين يعانون الفقر في دول غنية..

بالنظر إلى معدلات الفقر في الدول الغنية؛ نجد أن هناك شرائح كبيرة من الشعوب تقتات على الفتات؛ في “أميركا” مثلًا بلغت نسبة الفقراء 13.5% أي ما يعادل 43 مليون نسمة، بحسب إحصاءات عام 2015، بينما سجلت في عام 2011 مستويات غير مسبوقة للفقر المدقع؛ إذ رصدت مليون ونصف المليون أسرة تعيش في فقر مدقع أي بأقل من دولارين في اليوم، ولدى “الولايات المتحدة” أعلى معدل لفقر الشباب بين الدول الصناعية، وإذ أخذنا “ألمانيا” كمثال آخر نجد أن نحو 16% من الألمانيين أي ما يُقارب 13 ألف نسمة يعانون من الفقر، وكشف تقرير أعده “المعهد القومي الفرنسي للإحصاءات”، أواخر العام الماضي، أن 8.9 مليون فرنسي يعيشون تحت خط الفقر.

كل هذه البيانات خرجت قبل الأزمة، وفي إطار الإدارات نفسها التي لا تزال تحكم حتى الآن، أما في الدول العربية ففي “العراق” الذي عانى من حروب طويلة الأمد بلغت نسبة الفقر 20% من الشعب؛ أي أن شخصًا واحدًا من بين كل 5 أشخاص يُعاني من الفقر، وفي “لبنان” بلغت نسبة الفقر المدقع؛ حسب إحصاءات العام الماضي 13.7%، وتوقع “البنك الدولي” أن تصل النسبة إلى 20% خلال العام الجاري، وفي “مصر” يعيش نحو ثلث السكان في فقر إذ أعلن “الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء” أن النسبة وصلت إلى 32.5%، خلال العام المالي 2017 – 2018، وكشفت “منظمة الأمم المتحدة” أن 60% من المغاربة يعانون الفقر.

أزمة ما قبل الأزمة..

بعيدًا عن أزمة “كورونا” وتداعياتها؛ يُشير الواقع إلى أن الفقر يُحاصر العرب والأسواق الناشئة في كل مكان، وعلى مدار سنوات اعتبر كثيرون العمالة الموسمية أو الوظائف غير الثابتة قارب النجاة، حتى باتت أحد أنماط العمل وتعتمد عليها ملايين الأسر كمصدر للدخل، وأدت هذه الظاهرة إلى ظهور ما يُعرف بفقر العمال أي أن الشخص يعمل لكنه لا يحصل على راتب يكفي مصادر الإنفاق، فضلًا عن عدم توافر تأمينات اجتماعية أو صحية ولا تكفل لهم هذه الوظائف أية حقوق.

وكشفت “منظمة العمل الدولية” أن 85.5% من العمالة في “إفريقيا” غير منتظمة، وهي تُشكل المصدر الرئيس للعمل في القارة السمراء، لكن لا تمتلك كثير من الدول إحصاءات دقيقة للعمالة غير المنتظمة، وبحسب بيانات “البنك الدولي”، يُشكل الاقتصاد الموازي أكثر من 15% من اقتصاد الدول المتقدمة، أما في الدول النامية فإنه يُمثل ثلث إجمالي الناتج المحلي.

“كورونا” كشف وحشية الرأسمالية..

أبرز فيروس “كورونا” مبالغة الأنظمة الرأسمالية في الوحشية، عندما استمرت في السماح لحركة الطيران والسياح وإجبار الموظفين على العمل من المكاتب في ظل التهديدات الصحية، وعندما لم تضع مباديء لإحتواء عمال اليومية وتخفيف معانتهم، وإعتمادها على قرارات تقييد حرية الحركة فقط، فماذا كان سيحدث إذا أغلقت كل دولة أبوابها لمنع تسلل المرض وحماية مواطنيها وعصب اقتصادها، مع السماح للمواطنين بمزاولة أعمالهم دون خوف ؟، ربما لكان أدى ذلك إلى انحصار الفيروس داخل منبعه، أو على الأقل أصبح انتشاره أبطأ كثيرًا عما وصل إليه اليوم.

ومع ذلك، توظف عدة دول آلاتها الإعلامية من أجل إلقاء اللوم على المواطنين، وتحميلهم المسؤولية كاملة، وتطالبهم بالبقاء في المنازل لحماية أنفسهم وذويهم، لكن ألا تدري تلك الأجهزة أن هناك ملايين من البشر لا يمكنهم البقاء في المنازل وإلا أنقطع قوت يومهم ؟.. ألا تعلم هذه الدول أن هناك فئة كبيرة من المواطنين لا يُحملونها أية أعباء ويحملون هم أعباءهم كاملة بأنفسهم ؟، بالطبع تعلم، لكنها لا تُكلف نفسها التفكير في الإنفاق على الصحة وتحسين الأجهزة الطبية والاهتمام بفرق الأطباء ورعايتهم وحمايتهم.

وهنا يجب الإشارة إلى تصريح للرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، أصدره في خضم الأزمة قبل عدة أيام، إذ قال إنه لا يمكن استمرار إغلاق البلاد لفترة الطويلة وسيتم فتحها تدريجيًا، وتُجدر الإشارة هنا إلى أن “الولايات المتحدة” أصبحت الدولة الأولى من حيث عدد الإصابة متخطية “الصين”، بينما يحلم “ترامب”.

نموذج الصين الديكتاتورية..

تتظاهر الأنظمة الرأسمالية بأنها تتبع النموذج الصيني في السيطرة على الوباء، مع التركيز على نقطة لا أساس لها، وهي أن النظام الدكتاتوري استطاع أن يفرض على جميع السكان قيوده لذا انحصرت الأعداد بشكل تدريجي، لكن النظرة الأكثر شمولية على النموذج الصيني توضح بدون أي شك أن التطور التكنولوجي الذي تتمتع به هو ما أهلها للتغلب على المرض، لكن “الصين” أيضًا رأسمالية حتى النخاع، لأنها تبني اقتصادها على ما يُعرف بـ”فائض القيمة المطلق”؛ أي إطالة مدة العمل بدرجة تفوق قدرة العامل، والعمالة الرخيصة وشروط العمل القاسية، لذا فهي لا تضع لقراراتها أية حدود المهم تحقيق الهدف حتى وإن إنطوى ذلك على خنق الملايين من البشر.

وأظهر الوباء أيضًا عدم اهتمام معظم دول العالم بتعزيز نظامها الصحي رغم تحذيرات عدة منظمات دولية معنية بالصحة من خطورة الأوضاع على مستوى العالم، من بينها التقرير الذي أصدره “مجلس متابعة الاستعدادات العالمية”، العام الماضي، وذكر فيه أن العالم غير مستعد صحيًا للتعامل مع الأزمات.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب