خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في جولة جديدة من التراشّق والتلاسّن؛ تصاعدت حدة التوتر بين “أنقرة” و”تل أبيب” على خلفية تصريحات للرئيس؛ “رجب طيب إردوغان”، عن احتمالات تدخل “تركيا” لوقف “إسرائيل” في حربها على “غزة”، مثلما فعلت في السابق في “ليبيا” وفي النزاع بين “أذربيجان” و”أرمينيا”؛ في “ناغورنو كاراباخ”.
وعلي الفور؛ استدعى تصريح “إردوغان” ردًا من وزير الخارجية الإسرائيلي؛ “يسرائيل كاتس”، حذر فيه الرئيس التركي من مصّير الرئيس العراقي الراحل؛ “صدام حسين”، إلى جانب ردود فعل خارجية طالبت بإخراج “تركيا” من “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو).
تهديد بدخول “إسرائيل”..
وقال “إردوغان”؛ خلال اجتماع لحزب (العدالة والتنمية) الحاكم؛ في مدينة “ريزا”، وهي مسّقط رأسه في شمال “تركيا”، ليل الأحد/ الاثنين: “يجب أن نكون أقوياء للغاية حتى لا تتمكن إسرائيل من فعل هذه الأشياء السّخيفة لفلسطين، تمامًا كما دخلنا كاراباخ وليبيا، قد نفعل شيئًا مماثلاً معها”. وأضاف: “لا يوجد سبب يمنعنا من فعل ذلك، يجب أن نكون أقوياء حتى نتمكن من اتخاذ هذه الخطوات”.
ولفت “إردوغان” إلى أن الصناعات الدفاعية التركية حققت تقدمًا كبيرًا وأصبحت تحظى بطلب كبير في أنحاء العالم. وقبل ذلك، انتقد “إردوغان”؛ “إسرائيل”، مرارًا بشدة، وحذّر من اتساع نطاق الحرب التي تُشنّها “إسرائيل” على “قطاع غزة” لتشمل منطقة “الأناضول” التركية.
يسّير على خطى “صدام حسين”..
وردّ وزير الخارجية الإسرائيلي على تصريحات “إردوغان”، قائلاً عبر حسابه في (إكس): إن الرئيس التركي: “يسّير على خطى صدام حسين… فقط تذكروا ما حدث هناك (في بغداد) وكيف انتهى الأمر”. وأرفق “كاتس” تغريدته بصورة للرئيس العراقي الأسبق أثناء احتجازه من قبل القوات الأميركية، التي غزت “العراق”؛ عام 2003، وأسقطت نظام “صدام حسين”، وانتهى الأمر بإعدامه بعد سنوات.
وتُعَد تصريحات “إردوغان” جولة جديدة من التراشّق بالتصريحات الحادة؛ بينه وبين وزير الخارجية الإسرائيلي، لكن ردود الفعل عليها اتسّعت هذه المرة.
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية؛ “يائير لابيد”، عبر (إكس)، إن: “إردوغان يُثرثر ويهّذي مرة أخرى، ويُشكل خطرًا على الشرق الأوسط، ويجب على العالم، خصوصًا أعضاء حلف الـ (ناتو)، أن يُدينّوا بشدة تهديداته ضد إسرائيل ويجبروه على إنهاء دعمه لحركة (حماس)”.
نهاية “نتانياهو” مثل “هتلر”..
وبدورها؛ ردت “وزارة الخارجية” التركية، في بيان، الإثنين، على تصريحات “كاتس” قائلةً فيها إن نهاية رئيس الوزراء الإسرائيلي ستكون: “على غِرار نهاية الزعيم النازي؛ أدولف هتلر”. وأضافت أن: “من يستهدفون الشعب الفلسطيني لن يستطيعوا إبادته. وكما حوسّب النازيون مرتكبو الجرائم الجماعية، كذلك سيُحاسب الذين يسعون لإبادة الفلسطينيين”.
مطالب بوقف الإبادة الجماعية..
وطالب رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية؛ “فخرالدين ألطون”، في بيان، على حسابه في “إكس”، الإثنين، “إسرائيل” بوقف: “الإبادة الجماعية بقطاع غزة، والقبول بدولة فلسطينية، إن كانت تُريد السلام الدائم والأمن”.
وقال “ألطون”؛ ردًا على تعقيب وزير الخارجية الإسرائيلي على تصريحات؛ “إردوغان”، إن: “الذين يتجرأون على إطلاق التهديدات ضد الرئيس؛ إردوغان، عليهم أن يتحملوا مسؤولية ما سيحلّ بهم”.
وأضاف أن: “الحكومة الإسرائيلية وأعضاءها مشّاركون بشكلٍ مباشر في الإبادة الجماعية المتواصلة في فلسطين، وقد تمت إدانتهم بالفعل في نظر الرأي العام العالمي”.
وشدّد على أن “تركيا” ستواصل وقوفها ودعمها لـ”فلسطين”، ولن تسمح لأحد بتلقينها الدروس أو التجرّؤ على إطلاق التهديدات ضدها.
حرب كلامية على منصات التواصل الاجتماعي..
كذلك اشتعلت حرب كلامية بين الأتراك والإسرائيليين على منصات التواصل؛ بعد تصريحات الرئيس التركي، وقال مغردون أتراك إنه: “بكل وقاحة يُهدد مجرم الحرب؛ يسرائيل كاتس، وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، الرئيس التركي بمصير صدام حسين الذي توعد بحرق نصف إسرائيل وقصف تل أبيب عام 1990، وهذا الأمر يفضح دور الاحتلال في إسقاط نظام صدام حسين ويثُّبت (بلطجية الصهاينة)”، بحسّب تعبير أحدهم.
فيما قال آخر؛ إن وزير خارجية الاحتلال تناسّى أن “تركيا”؛ بعكس دولة الاحتلال، عضو رئيس وصاحبة ثاني أكبر قوات مسلحة داخل حلف الـ (ناتو) بعد “الولايات المتحدة الأميركية”، وثامن أقوى قوات مسلحة في العالم، وأضاف أحد المستخدمين الأتراك أن جيش الاحتلال يتلقى ضربات موجعة من “المقاومة الفلسطينية”؛ في “غزة”، منذ (10) أشهر، رُغم أنها تمتلك إمكانات محدودة.
وطالب بعض الناشطين الأتراك؛ “إردوغان”، بالبدء بوضع خطة لردع الاحتلال ودعم “المقاومة الفلسطينية” بشكلٍ فعلي للحد من الجرائم التي ترتكبها “إسرائيل” بحق أهالي “غزة”، فيما طالب مدوّنون إسرائيليون الـ (ناتو)، بإخراج “تركيا” من الحلف.
وقال إسرائيليون؛ إن رد وزير خارجيتهم بهذه التّدوينة وهذا الأسلوب يُزيد من عُّزلة “تل أبيب”، وأن الدبلوماسية الإسرائيلية في خطر بسبب تهور رأس الهرم فيها.
وتوترت العلاقات بين “تركيا” و”إسرائيل” بسبب الحرب التي تشُّنها “تل أبيب” على “غزة”، لكن لم يسّبق للرئيس التركي أن لوّح بتدخل مباشر في الصراع الذي اندلع في تشرين أول/أكتوبر الماضي.
ووسط جهود سابقة لتحسّين العلاقات بين “تركيا” و”إسرائيل” بعد سنوات من التوتر، التقى “إردوغان” بـ”نتانياهو”، في أيلول/سبتمبر الماضي، للمرة الأولى منذ سنوات، على هامش اجتماعات “الجمعية العامة للأمم المتحدة”؛ في “نيويورك”.
وعادة ما يتلاسّن “إردوغان” ومسؤولون إسرائيليين بالتصريحات، حيث شهد شهر آيار/مايو الماضي، تصعيدًا اقتصاديًا بين “أنقرة” و”تل أبيب”، بإعلان وزير المالية الإسرائيلي؛ “بتسلئيل سموتريتش”، أنه بصّدد إلغاء اتفاقية “التجارة الحرة”، وفرض رسّوم جمركية إضافية بنسّبة: (100%) على البضائع المسّتوردة من “تركيا”، وذلك بعدما أغلقت “أنقرة” أبواب التجارة باتجاه “إسرائيل” بشكلٍ كامل.
وعلى وقع الحرب التي يشُّنها الاحتلال الإسرائيلي على “قطاع غزة”، وقتل ما يربو إلى: (40) ألف فلسطيني، تشهد الحدود “اللبنانية-الإسرائيلية” اشتباكات متبادلة تطورت في أعقاب حادث “الجولان”، الذي أودى بحياة: (12) شخصًا جراء صاروخ تتهم “تل أبيب”؛ جماعة (حزب الله) اللبنانية، بإطلاقه، فيما ينفي الحزب ذلك في المقابل.
تعزيز شّعبية حزبه والضغط على حلفاء “إسرائيل”..
ويُعد المحلل السياسي التركي؛ “طه عودة أوغلو”، تلك التصّريحات، بأنها عودة للتراشّق بين “أنقرة” و”تل أبيب”، المتواصلة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على “غزة”، ووصلت لحد تشّبيه “إردوغان”؛ لـ”نتانياهو”، بأنه: “هتلر”، في نيسان/إبريل الماضي.
ويرى “أوغلو”؛ في حديث لـ (سكاي نيوز عربية)، أن تلك التصريحات تسّير في مسّارين، الأول مرتبط بتطورات داخلية يحّرص الرئيس التركي فيها على تعزيز شعبية حزبه وكسّب شرائح متعاطفة مع “فلسطين”؛ خاصة لتلافي تراجعات للحزب في الانتخابات المحلية الأخيرة.
والمسّار الثاني؛ بحسّب “أوغلو”، هو رفع سقف التصريحات لحد التهديدات، ليُضيف بُعدًا خارجيًا يُحاول “إردوغان” فيه، الضغط على حلفاء “تل أبيب”، خاصة “الولايات المتحدة” لوقف الحرب.
غير أن تلك التصريحات سيكون من الصعب ترجمتها على أرض الواقع؛ وفق تقديرات “طه عودة أوغلو”، مؤكدّا أن تحقيقها: “صعب جدًا” لتفوق “إسرائيل” عسكريًا بدعم أميركي، لا سيما بسلاح الجو، معتقدًا أن دعم الفصائل الفلسطينية سيكون في: “إطار المحدود”.
يصّعب تحقيقه على أرض الواقع..
كما يعتقد الخبير في الشؤون التركية بمركز (الأهرام) للدراسات الاستراتيجية؛ “كرم سعيد”، في حديث لـ (سكاي نيوز عربية)، أن توقيت تلك التصريحات مرتبط بمحاولة “إردوغان”، تحشّيد الداخل واستمرار الحرب الكلامية لتحقيق مكاسّب شعبية، بالإضافة لإيجاد موضع قدم لـ”أنقرة” للتواجد بفعالية الفترة المقبلة عبر المشاركة في الوسّاطة التي تقودها حاليًا “مصر وقطر” مع “الولايات المتحدة”.
لافتًا إلى أن توجيه “تركيا” الدعم العسكري لـ”قرة باغ” و”ليبيا”، مختلف تمامًا عن الفصائل الفلسطينية، إذ إنهما دولتان قائمتان وطلبتا مساعدة من “أنقرة”؛ التي تحركت في هذا الصّدد لتحقيق مكاسّب لها، أما في حالة الفصائل الفلسطينية فالأمر مختلف وصعب تحقيقه على أرض الواقع.
وأشار “سعيد” إلى أن “تل أبيب” قد تُحاول الضغط أكثر على “أنقرة” اقتصاديًا عبر مطالبات لدول أوروبية بتقليل التعاون مع “تركيا”، أو بطلب دعم من حليفتها “الولايات المتحدة الأميركية”.