العقوبات الأميركية والفساد أهم الأسباب .. لماذا تنكر حكومة “رئيسي” كارثة نقص الأدوية في إيران ؟

العقوبات الأميركية والفساد أهم الأسباب .. لماذا تنكر حكومة “رئيسي” كارثة نقص الأدوية في إيران ؟

وكالات – كتابات :

ترفض حكومة الرئيس الإيراني؛ “إبراهيم رئيسي”، الاعتراف بوجود اضطرابات داخلية أو نقص في المواد الأساسية، خصوصًا الأدوية، فما مدى صحة التقارير التي تقول العكس ؟

تعيش “إيران” تحت “العقوبات الغربية” عمومًا، والأميركية خصوصًا، على مدى أكثر من أربعة عقود، باستثناء الفترة من: 2015 حتى 2018؛ حين تم رفع أغلب العقوبات بعد التوصل لـ”الاتفاق النووي” مع القوى العالمية، ثم انسحب الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، من “الاتفاق النووي”، وأعاد فرض العقوبات.

ونشر موقع (ميدل إيست آي) البريطاني تقريرًا عنوانه: “كيف تسبب الفساد في نقص حاد في الأدوية في إيران ؟”، ألقى الضوء على أزمة الأدوية بالتحديد وأسباب تفاقمها وطريقة تعامل حكومة “طهران” معها.

العثور على الأدوية مهمة شاقة من الأساس !

فبينما يبحث الناس عن الأدوية في شوارع “إيران”، تواصل حكومة الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”، إنكار أي تقارير عن نقص الأدوية أو ارتفاع أسعارها. إذ قال وزير الصحة الإيراني؛ “بهرام عين الله”، لوسائل إعلام محلية؛ في 10 نيسان/إبريل: “لن نواجه نقصًا في الأدوية هذا العام بكل تأكيد، ولن نسمح بحدوث أدنى مشكلة”.

ويبدو أن الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”، يواجه صعوبة في الاعتراف بوجود أمور سلبية في بلاده، حتى قبل أن يُصبح رئيسًا بكثير. ففي حين أن “رئيسي” طالما سعى إلى إبراز نفسه على أنه مناصر وتابع مخلص للمرشد الأعلى؛ آية الله “علي خامنئي”، فإن ذلك لم يمنع أن يكون له انتقادات في بعض الأحيان على تعليقاته وسلوكه.

ففي عام 1996؛ انتهز “رئيسي” زيارةً إلى رئيس البلاد؛ آنذاك، “أكبر هاشمي رفسنجاني”، لينتقد خلالها تصريحاتٍ للمرشد الأعلى؛ “خامنئي”، كان قد لمَّح فيها إلى وقوع فسادٍ في البلاد في ظل رئاسة “رفسنجاني”. ووصف “رئيسي” تصريحات “خامنئي” بأنها: “مؤذية”، مشيرًا إلى أن مكتبه لم يُسجِّل أي قضايا أو وثائق تُشير إلى هذا الفساد.

فرغم التطمينات من جانب المسؤولين الإيرانيين بشأن توفر الأدوية في الأسواق، أكد العديد من سكان “طهران”؛ الذين تحدثوا إلى موقع (ميدل إيست آي)، أنهم لم يتمكنوا من العثور على الأدوية التي يحتاجونها.

يقول “مرتضى أميري”؛ للموقع البريطاني: “العثور على بعض الأدوية في طهران أصعب من شراء الهيروين أو الأفيون”. وكان والد “أميري” قد خضع لعملية جراحية لإزالة ورم من دماغه. وبعد خروجه من المستشفى، كان بحاجة إلى حبوب (فالبروات الصوديوم) المضادة للاختلاج.

وقال “أميري”: “نصحنا الطبيب بشراء ماركة أجنبية لأن الماركة الإيرانية ليست بالفاعلية نفسها. لكننا لم نتمكن من العثور عليها في أي صيدلية”.

وأضاف: “وفي النهاية، طلب مني أحد الفنيين في صيدلية الانتظار حتى أصبحت الزبون الوحيد، وقال لي إنه ربما يتمكن من إحضار عبوة تحوي: 30 قرصًا، ولكن خلال ساعتين أو ثلاث”.

وحين عاد “أميري” إلى الصيدلية، أعطاه الصيدلي عبوتين، وغادر الصيدلية متفاجئًا وسعيدًا بحصوله على عبوتين وليس واحدة فقط.

مرضى زرع الأعضاء..

والوضع أشد سوءًا للإيرانيين المصابين بأمراض نادرة، مثل: “السرطان، والثلاسيميا، والاكتئاب، والهيموفيليا، والتصلب المتعدد” ومن يخضعون لعمليات زرع الكُلى والكبد.

إذ خضع “مجتبى فرحاني”؛ لعملية زرع كُلية منذ عامين، ويضطر من حينها لتناول حبوب (ميفورتيك)؛ (حمض الميكوفينوليك)، لمنع رفض العضو المزروع. لكن الدواء الأصلي ليس متوفرًا على الدوام في البلاد.

يقول “فرحاني”: “يمكنك العثور عليه أحيانًا، وأحيانًا أخرى لا يتوفر حتى في السوق السوداء”. وحين يتعذر على مرضى مثل: “فرحاني”، العثور على (ميفورتيك) الأصلي، لا يجدون أمامهم خيارًا سوى شراء النسخة الإيرانية، التي قد تُسبب مشكلات في الجهاز المناعي.

الفساد والمحسوبية..

نقص الأدوية ليس مشكلة جديدة على الإيرانيين، الذين تعرضوا لعقوبات مختلفة على مدى العقود الأربعة الماضية. ومع ذلك، أكد الخبراء الذين تحدث إليهم موقع (ميدل إيست آي)؛ أن المستويات غير المسبوقة من الفساد والمحسوبية جعلت نقص الأدوية الحالي في “إيران” الأسوأ؛ منذ 15 عامًا.

بدأت الأزمة الحالية عام 2018، حين انسحبت “الولايات المتحدة” من “الاتفاق النووي” لعام 2015؛ وبدأت في فرض ما يربو عن: 1000 عقوبة جديدة على الاقتصاد الإيراني، ما أدى إلى خسارة العُملة الإيرانية لأكثر من: 70% من قيمتها.

وكان الحل الذي توصلت إليه حكومة الرئيس السابق؛ “حسن روحاني”، هو بيع العُملات الأجنبية بأسعار صرف مدعومة لمستوردي السلع الأساسية والأدوية. لذلك، حين وصل سعر “الدولار” إلى حوالي: 280 ألف “ريال إيراني” في السوق المفتوحة، كان بإمكان مستوردي الأدوية شراء دولارات من الحكومة مقابل: 42 ألف ريال.

يقول مدير شركة أدوية تجارية عمرها أكثر من: 50 عامًا: “نظريًا؛ كانت هذه الخطة مثالية لاستيراد الأدوية الأساسية إلى البلاد. ولكن عمليًا على أرض الواقع، لم تفعل شيئًا سوى أنها ملأت جيوب ذوي الصلات القوية بالمؤسسة”.

وأضاف: “تقدمنا في مناسبات مختلفة بطلب للحصول على العُملة الأجنبية المدعومة، ولم تقبل الحكومة طلباتنا مطلقًا. وشركتنا كانت على وشك الإفلاس خلال السنوات الأربع الماضية. ولكن في الوقت نفسه، تأسس عدد من شركات الأدوية الجديدة مديروها أقارب أو شركاء لأشخاص في السلطة. وحققت هذه الشركات ملايين الدولارات”.

السوق السوداء..

يقول صيدلي يعمل في الصيدليات وشركات الأدوية منذ 15 عامًا؛ إن هيئات الرقابة لا تُراقب الأنشطة الاقتصادية للشركات والصيدليات المرتبطة بالمؤسسة. ولذلك لديهم طرق متعددة لتحقيق أرباح ضخمة من كل دفعة أدوية يستوردونها.

وقال إن أسهل طريقة بالنسبة لهم هي الإمتناع عن تخصيص كل العُملات الأجنبية التي يستقبلونها من الحكومة للواردات. وأضاف: “بإمكان المستوردين ذوي العلاقات القوية بيع بعض هذه الدولارات في السوق المفتوحة وتحقيق كثير من المكاسب دون أي متاعب”.

وقال الصيدلاني للموقع البريطاني؛ إن المستوردين المرتبطين بالمؤسسة يلجأون لطريقتين آخريين لكسب ملايين الدولارات في الاقتصاد الإيراني المضطرب: السوق السوداء وتهريب الأدوية.

إذ كشف رئيس إدارة الغذاء والدواء الإيرانية؛ “بهرام دراعي”، أن حبوب (السل ريفامبيسين): “تُهرَّب بسهولة إلى أفغانستان في شاحنات وحاويات”، ما يؤدي إلى نقصها في “إيران”.

على أن هذا الصيدلاني يُظن أن العديد من الأدوية الأخرى تُهرَّب أيضًا إلى الدول المجاورة لـ”إيران”.

وقال: “المستوردون يدخرون أجزاء من الدُّفعات المستوردة للسوق السوداء أو لتهريبها إلى العراق وأفغانستان وتُركمانستان. هذه عملية غاية في السهولة وستستمر إلى أن يتشكل لدينا نظام مراقبة مستقل وخاضع للمساءلة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة