“العقوبات الأميركية” على إيران .. هل دور العراق فيها أن يصبح مصدر تعويض خسائر واشنطن ؟

“العقوبات الأميركية” على إيران .. هل دور العراق فيها أن يصبح مصدر تعويض خسائر واشنطن ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بعدما أعلن رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”، موقف بلاده من “العقوبات الأميركية” ضد “إيران”، دار سجال حاد بين الجانب العراقي والإيراني، حيث استنكر إعلام ومسؤولين إيرانيين موقف “العبادي” من “العقوبات الأميركية”، بعد أن قال إنه سيلتزم بها، وشن إعلام “طهران” هجومًا لاذعًا على المسؤول العراقي.

وخلال تعليقه على العقوبات، قال “العبادي”: إن “حكومته لا تتعاطف مع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، لكنه سيلتزم بها لحماية مصالحه”.

نكران الجميل..

وشنت الصحف الإيرانية عاصفة هجوم على رئيس الوزراء العراقي، واستنكرت صحيفة (آفتاب يزد) موقفه من “العقوبات الأميركية” ضد “إيران”، والتي دخلت الثلاثاء الماضي، حيز التنفيذ، وكتبت الصحيفة على صدر صفحتها “نكران عبادي للجميل”.

من جانبها؛ اعتبرت صحيفة (غوان)، المتشددة التابعة لـ”الحرس الثوري”، أن موقف “العبادي” جاء بعد حصوله على ضوء أخضر من “الولايات المتحدة” بالبقاء في منصب رئاسة الوزراء، وحاولت الصحيفة غسل يدها من الهجوم؛ قائلة إن ذلك هو تحليل العراقيين لموقف رئيس وزراء “قطر” من العقوبات ضد “إيران”.

مطالب بدفع غرامات..

رسميًا أعرب مسؤولين إيرانيين عن امتعاضهم من “العبادي”، وعلق النائب المعتدل، “محمود صادقي”، مطالبًا “العراق” بدفع غرامة تقدر بـ 1.100 مليار دولار كغرامة الحرب العراقية الإيرانية؛ بناءًا على قرار “الأمم المتحدة” رقم 598.

وكتب “صادقي”، تغريدة على حسابه على (تويتر)، قائلاً: “الحكومة العراقية مديونة لإيران بـ 1100 مليار دولار غرامة للخسائر الناجمة عن الحرس العراقية الإيرانية، لكن الحكومة الإيرانية تعللت فى المطالبة بالأموال لضيق حال العراقيين، والآن رئيس الوزراء العراقي بدلاً من تعويض ذلك، يتبع العقوبات ضد الشعب الإيراني”.

كما طالبت نائبة الرئيس الإيراني، “معصومة إبتكار”، أمس الجمعة، الحكومة العراقية بدفع تعويضات للأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة الحرب التي اندلعت بين البلدين، إبان ثمانينيات القرن الماضي، واستمرت 8 سنوات.

أوراق ضغط..

واعتبر القيادي في ائتلاف الوطنية بزعامة “إياد علاوي”، “حيدر الملا”، المطالبات الإيرانية بالتعويضات، بأنها “أوراق ضغط” لدفع العراق للتمحور مع إيران، وعدم تطبيق العقوبات الأميركية عليها.

وأضاف “الملا”: أن “إيران تريد من العراق رفض العقوبات الأميركية، والتخندق معها ضد الولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أن “تلك المطالبات لا يمكن أن تأخذ أي مدى تطبيقي على أرض الواقع”.

مطالب لـ”العبادي” بالرجوع عن قراره..

وفي الداخل العراقي، صعّدت فصائل “الحشد الشعبي”، الموالية لإيران، من خطابها تجاه رئيس الوزراء، “حيدر العبادي”، بعد إعلانه الإلتزام بالعقوبات الأميركية، وعدم تعريض مصالح العراق للخطر، وسط انتقادات حادة لهذا الموقف، ومطالبات بالعدول عنه.

ونشطت فصائل ميليشيا “عصائب أهل الحق” وكتائب “سيد الشهداء” و”النجباء” و”الخراساني”، عبر وسائل الإعلام التي تملكها وتمولها، للتعبير عن رفض العقوبات الأميركية، والحض على مطالبة رئيس الوزراء بالعدول عن إجراءاته، خاصة بعد إعلان الحكومة وقف التعاملات المالية مع إيران.

التخلي عن الدولار في الحسابات التجارية مع طهران..

حيث أفاد المتحدث الرسمي لرئيس الحكومة العراقية، “سعد الحديثي”، بأن “العراق” سيكون مضطرًا إلى التخلي عن “الدولار” في الحسابات التجارية مع “إيران”، في ظل “العقوبات الأميركية” المفروضة على طهران.

وقال “الحديثي”، لوكالة (نوفوستي) الروسية: إن “العقوبات ستؤثر في الدرجة الأولى على الحوالات المالية، والتعاملات المصرفية المقومة بالدولار الأميركي”، حيث إن الطرفين اتفقا على الابتعاد عن “الدولار”.

وتوقع المسؤول أن يؤثر التخلي عن العملة الأميركية بشكل سلبي على التعاملات التجارية بين البلدين، مشيرًا إلى أنه سيكون من الصعب الحفاظ على المستوى التجاري في ظل العقوبات المفروضة على طهران.

وأكد على أن الحكومة ستعمل على تطوير “آلية جديدة” لدعم العلاقات التجارية بين الجانبين لتخفيف تأثير العقوبات على تجارة البلدين.

مطالب بتعويض العراق عن قتلاه..

وردًا على المطالب الإيرانية بالتعويضات المالية من “العراق”، اتهم النائب العراقي السابق، “فائق الشيخ علي”، إيران، بإدخال (القاعدة) إلى العراق، وطالبها بدفع 11 مليار دولار تعويضًا لقتل مليون عراقي.

وقال “فائق الشيخ علي”، في تغريدة له، الخميس الماضي، في صفحته على (تويتر)؛ ردًا على النائب الإيراني، “محمود صادقي”، الذي طالب العراق، في وقت سابق، بدفع 11 مليار دولار كتعويضات للحرب العراقية الإيرانية التي انتهت في 1988.

وجاء في تغريدة النائب العراقي السابق: “ردًا على مطالبة نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمود صادقي، العراق بتعويضهم عن الحرب بـ 1.1 مليار دولار أميركي. فإنني باسم عوائل ضحايا الإرهاب أطالبك وأطالب دولتك بـ 11 مليار دولار أميركي كتعويض عن مليون عراقي قتلتموه حينما أدخلتم (القاعدة) إلى بلادنا منذ 2003 بحجة محاربة الأميركيين !”.

تهديد بحرمان المتعاملين مع إيران..

بعد دخول الحزمة الأولى من “العقوبات الأميركية” على “طهران” حيز التنفيذ، توعد الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، من يتعامل مع “إيران” تجاريًا بحرمانه من التعامل الاقتصادي والتجاري مع “الولايات المتحدة”.

وتشمل الحزمة الأولى من “العقوبات الأميركية” تجميد التعاملات المالية وواردات المواد الأولية، كما تستهدف قطاعات “السيارات والطيران التجاري”.

وبحسب “منظمة تنمية التجارة” الإيرانية، فإن “العراق” يستورد 99% من احتياجاته، التي تقدر بنحو 50 مليار دولار من “إيران”.

ووفقًا لمصدر رسمي في “وزارة التجارة”؛ فقد بلغ حجم الصادرات الإيرانية إلى “العراق”، خلال العام الماضي، ما يصل إلى 6.7 مليار دولار، مقابل نحو 77 مليون دولار فقط، هي قيمة صادرات “بغداد” إلى “طهران”.

وتحتل “إيران” المرتبة الثانية بين أكبر شركاء “العراق” التجاريين؛ بعد “تركيا”، من حيث حجم التبادلات التجارية.

العراق المتضرر الأكبر..

ويرجح محللون أن يكون “العراق” المتضرر الأكبر من دخول “العقوبات الأميركية” على “إيران” حيز التنفيذ؛ بسبب اعتماده الكبير على مشتقات الطاقة ومواد أساسية إضافة إلى السلع الاستهلاكية والغذائية القادمة من “إيران”، التي يشترك معها في حدود تمتد لأكثر من ألف كيلومتر.

ومن المرجح أن يفقد “العراق”، الذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة، الآلاف من الوظائف لعاملين في مصانع تعتمد على مواد أولية لصناعة السيارات تابعة للمؤسسة الحكومية تعرف باسم “الشركة العامة لصناعة السيارات”.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى “مظهر محمد صالح”، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، قوله إن “العقوبات الأميركية” المسلطة على إيران “ستؤثر على الاقتصاد العراقى.. السوق العراقية تستهلك وبشكل واسع سلعًا إيرانية ذات طبيعة زراعية وسيارات ومواد غذائية وغيرها، مثل مواد البناء وغير ذلك”.

وأضاف أن العراق يستقبل ما “بين مليونين وثلاثة ملايين من الإيرانيين للسياحة الدينية سنويًا. هذا يمثل نشاط اقتصادي كبير سيحرم منه العراق”.

ويدفع كل سائح مبلغ 40 دولارًا كرسوم مقابل الحصول على تصريح للدخول إلى “العراق”.

لا يوجد قرار يلزم العراق بدفع تعويضات..

في هذا السياق؛ قال الخبير القانوني، “طارق حرب”: “لا يوجد أي قرار لمجلس الأمن يلزم العراق بدفع تعويضات لإيران”.

وأضاف “حرب” أن دعوات بعض النواب الإيرانيين لتقديم مقترح لحكومتهم لمطالبة “العراق” بدفع تعويضات على الحرب العراقية الإيرانية ليس لها سند قانوني.

مبينًا بالنسبة للحرب ضد “الكويت”، فهناك صدرت عدة قرارات من “مجلس الأمن الدولي”، ألزمت “العراق” بدفع تعويضات عن هذه الحرب؛ ومن هذه القرارات القرار (687) لسنة 1991 والقرار (1956) في 2010، والذي قرر باستمرار استقطاع نسبة (5%) من واردات النفط العراقي ودفعها كتعويضات عن “غزو الكويت”.

وتابع الخبير القانوني، أن قرار “مجلس الأمن الدولي”، (598) لسنة 1987، الخاص بالحرب العراقية الإيرانية، لم يرد فيه ما يشير إلى إلزام “العراق” بدفع تعويضات لـ”إيران”؛ أو أن العراق هو الدولة المعتدية، وإن كان قد أشار إلى الجهة التي بدأت بالحرب دون أن يتطرق إلى تحديد المعتدي أو ذكر شيء عن التعويضات.

العراق مصدر تعويض الخسائر..

الكاتب، “حامد الكيلاني”، يرى أن المرحلة المقبلة تشير إلى انتقال الصراع “الأميركي-الإيراني” لاعتبار “العراق” مصدرًا لتعويض الخسائر الأميركية عن تكاليف الاحتلال، مع ما يقابلها من مصادر ترميم للخسائر الإيرانية جراء “العقوبات الأميركية”، والبداية بتهديد الميليشيات لكل من ينفذ العقوبات في العراق من مسؤولين أو وزارات أو أفراد أو شركات أو مصارف، وبما يوفر القناعة بأن مفردة الإصلاح في النظام السياسي لا تتلاءم مطلقًا مع نظام يعتمد على موروث الأحزاب الطائفية الإيرانية، إنْ في زمن المعارضة أو في زمن استلام السلطة بعد الاحتلال.

ليس بالغريب أن نراقب زيادة استيراد السلع الأساسية إلى العراق أو نفادها مع إقبال المواطنين على شراء المؤن وتخزينها ضمن سياسة الإيفاء بدين الأحزاب وحكومة الاحتلال لولاية الفقيه وحرسها الثوري، دون نسيان طول الحدود المشتركة بين “إيران” و”العراق”؛ التي ستكون معبرًا مفتوحًا يتعدّى غايات كسر العقوبات.

موضحًا أن ما يجري من حصر الشعوب الإيرانية وشعب العراق في زاوية فقدان الأمل وفقدان الأعصاب؛ له عواقب وخيمة على النظام في “طهران” ومقلديه في “بغداد”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة