خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بدأ التصعيد الإعلامي من جديد بين “واشنطن” و”إيران”؛ في الوقت الذي يستعد فيه أطراف “الاتفاق النووي” للجلوس معًا نهاية الشهر الجاري للبدء في مفاوضات تُعيد التقارب بينهم من جديد، إلا أن ما يحدث من تبادل للتصعيد قد ينعكس على مسار المفاوضات.
فقد حذّر المبعوث الأميركي إلى إيران، “روبرت مالي”، الجمعة، من أن “طهران” تقترب من نقطة اللاعودة لإحياء “الاتفاق النووي”، بعدما عززت مخزونها من (اليورانيوم) المخصب؛ قبل استئناف المحادثات هذا الشهر.
وقال “مالي” إن “إيران” تُخاطر أن يكون: “من المستحيل” الحصول على أي فائدة من إحياء الاتفاق؛ الذي كان معلقًا منذ انسحاب “الولايات المتحدة”؛ برئاسة “دونالد ترامب”، منه في 2018.
زيادة مخزون “اليورانيوم” عالي التخصيب..
وهذا الأسبوع، مع استعداد “إيران” لإجراء محادثات مع القوى العالمية، في “فيينا”، في 29 تشرين ثان/نوفمبر الجاري، أعلنت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أن “طهران” عادت إلى زيادة مخزونها من (اليورانيوم) العالي التخصيب.
في هذه الأثناء أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “سعيد خطيب زادة”، أن الوكالة كجهة فنية مختصة تابعة لـ”الأمم المتحدة”: “يجب أن تكون بعيدة عن شوائب السلوك والعمل السياسي”.
وأضاف “مالي”، في “منتدى حوار المنامة”؛ المنعقد في “البحرين”: “سيأتي وقت إذا استمرت إيران في هذه الوتيرة من التقدم الذي حققته، سيكون من المستحيل، حتى لو كنا سنعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، استعادة المكاسب” التي حققها الاتفاق.
وأبرمت “إيران” وستّ قوى دولية: (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا)، في 2015، اتفاقًا بشأن برنامجها النووي سُمي: “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وأتاح رفع الكثير من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، في مقابل الحد من نشاطاتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
إلا أن “الولايات المتحدة” انسحبت من الاتفاق، العام 2018، في عهد رئيسها السابق، “دونالد ترامب”؛ الذي أعاد فرض عقوبات اقتصادية على “طهران”. وبعد عام، بدأت “إيران” بالتراجع تدريجيًا عن إلتزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.
وقال “مالي”: “تقدم إيران يُشيع قلقًا في أنحاء المنطقة… وهذا ما يجعل الوقت يمر أسرع ويجعلنا جميعًا نقول إن الوقت ينفد للعودة إلى الاتفاق النووي”.
اتهام “إيران” بالتسبب في أزمة نووية..
وفي بيان صُدر الأربعاء؛ بعد اجتماع “أميركي-خليجي”، وجّهت “الولايات المتحدة” وحلفاؤها الخليجيون تحذيرًا مشتركًا إلى “إيران”، متّهمين إيّاها: بـ”التسبّب بأزمة نووية”؛ وبزعزعة استقرار الشرق الأوسط بصواريخها (البالستية) وطائراتها المُسيّرة.
وأشار “مالي” إلى أن “الولايات المتحدة” تشترك في “أهداف” مع خصميها: “روسيا” و”الصين”؛ “لأننا نُريد تجنب تلك الأزمة التي ستنشب إذا استمرت إيران في مسارها الحالي”.
وأضاف: “وأريد أن أكون واضحًا، لأنه لا غموض بشأن ما يبدو أنهم يفعلونه الآن، وهو إبطاء المحادثات النووية وتسريع التقدم في برنامجهم النووي”.
شن حملة عدائية ضد “إيران”..
وأورد المبعوث الأميركي أنه لم يتشجع بتصريحات الحكومة الإيرانية الجديدة للرئيس، “إبراهيم رئيسي”، التي اتهمت في وقت سابق الجمعة، “واشنطن”، بشن: “حملة دعائية” ضد البلاد.
وتابع: “إذا إلتزموا تصريحاتهم العلنية، فإننا للأسف لا نسير في الاتجاه الصحيح… لكن دعونا ننتظر لنرى ما سيحدث”، متعهدًا أن يحترم الرئيس، “جو بايدن”، الاتفاق إذا تم إحياؤه.
وأضاف: “نيتنا من العودة إلى الاتفاق هي التمسك بالاتفاق؛ لأننا لا نُريد أن نرى أزمة نووية”.
وفي تغريدة، أشار “مالي” إلى إجرائه محادثة هاتفية: “بناءة جدًا” مع نائبي وزيري الخارجية الروسي، “سيرغي ريابكوف”، والصيني، “ما تجاوتشو”.
وأضاف: “إن دولنا الثلاث على الموجة نفسها بشأن الحاجة للعودة إلى الاحترام الكامل” للاتفاق؛ وتعمل: “من خلال تنسيق” مقارباتها لاستئناف المفاوضات.
واشنطن مُلتزمة بمواجهة إيران..
في الوقت ذاته؛ أكد وزير الدفاع الأميركي، “لويد أوستن”، أمس السبت، أن: “الولايات المتحدة مُلتزمة بمواجهة إيران”، حتى في الوقت الذي تعمل فيه “واشنطن” على إحياء “الاتفاق النووي”؛ لعام 2015.
وأشار “أوستن” إلى أن: “إلتزام أميركا بالأمن في الشرق الأوسط قوي ومؤكد”.
وقال “أوستن”: “نظل مُلتزمين بنتيجة دبلوماسية للمسألة النووية. لكن إذا لم تكن إيران مستعدة للمشاركة بجدية، فسننظر في جميع الخيارات الضرورية للحفاظ على أمن الولايات المتحدة”.
وأشار “أوستن” إلى أن: “هناك حاجة إلى المزيد من العمليات متعددة الأطراف والمتكاملة في المنطقة مع الحلفاء”.
مزايدة لتعزيز الموقف !
تعليقًا على تلك التصريحات، أكد المحلل السياسي الإيراني، “عماد أبشانس”؛ أن: “كل جهة تُريد أن تُزايد لتعزز موقفها قبل الجلوس إلى الطاولة، وبما أن واشنطن خسرت أوراقها بعد فرض عقوبات؛ فلم يُعد لديها اليوم أوراق غير الضغط السياسي والمناورات حتى لا يكونوا في موقف ضعيف”، بحسب قوله.
الوساطة الدولية أحد السيناريوهات البديلة..
من جهته؛ يرى خبير الشؤون الإيرانية، “محمد شمص”، أن: “هناك تعقيدات وقيود على الطرفين، فبينما يواجه، بايدن، مشكلات قانونية بخصوص بعض العقوبات التي صُدرت عن الكونغرس؛ والتي قد يعجز عن إلغائها، يواجه المفاوض الإيراني قرار مجلس الشورى بضرورة إلغاء جميع العقوبات، وهي تحديات كبرى، إلا أن هناك أجواء إيجابية تُرجح المضي قدمًا في المفاوضات، خاصة أن كلا الطرفين لا يملك رفاهية إلغاء الاتفاق، وهناك سيناريوهات بديلة قد تتضمن وساطة دولية”.
قد ينسف المباحثات..
وتوقع رئيس تحرير صحيفة (كل العرب): “ألا يكون التفاهم بين واشنطن وطهران يسيرًا في وجود معطيات ومشكلات تؤدي إلى عدم وجود أرضية صالحة، حيث أن المسألة لا تقتصر على البرنامج النووي؛ بل تتجاوزه إلى منظومة الصواريخ (الباليستية) والتدخل الإيراني الواسع في المحيط الإقليمي؛ الذي يضم مصالح أميركية ما يُحتم على واشنطن التفكير مليًا”.
وأعرب “المرعبي” عن إعتقاده بأن: “هذا التصعيد قد ينسف المباحثات، أو على الأقل يؤدي إلى تأجيلها لحين التفاهم على أرضية مشتركة”.
مطالب متطرفة تُصعب إحياء الاتفاق !
من جانبه؛ أرجع “سجاد صفائي”، الباحث في معهد “ماكس بلانك” للإنثروبولوجيا الاجتماعية بـ”ألمانيا”، في مقال تحليلي في مجلة (فورين بوليسي)؛ صعوبة إحياء “الاتفاق النووي”، إلى الدبلوماسيين الإيرانيين الذين يقودون عمليات المفاوضات منذ أن أصبح، “إبراهيم رئيسي”، رئيسًا لـ”إيران”.
وأشار إلى أن وزير الخارجية الجديد، “حسين أمير عبداللهيان”، يتبنى أحيانًا وجهات نظر خاطئة حول اتفاق 2015، ويُقدم مطالب متطرفة مثل: إلغاء “واشنطن” تجميد: 10 مليارات دولارات قبل العودة إلى المفاوضات.
كما أكد أن كبير المفاوضين الإيرانيين، “علي باقر كني”، يتمتع بسجل حافل من العداء القوي والصريح للاتفاق، المكلف بالتفاوض حول إحيائه.
وتساءل “صفائي”؛ في مقاله: “هل يمتلك مثل هؤلاء التوافق والبراعة الدبلوماسية والخبرة التكنوقراطية المطلوبة لمهمة مُعقدة ودقيقة مثل إحياء الاتفاق النووي ؟”.
لافتًا إلى أنه: “من المُرجح أن تذهب إيران بمطالب متطرفة لا تستطيع الولايات المتحدة تلبيتها”. وتوقع أن يتم تأجيل المحادثات مرة أخرى وتعود الوفود إلى عواصمهما دون التوصل لاتفاق.
وأضاف: “هذا يُزيد من خطر تصعيد بعض الصراعات في المنطقة إلى حرب. إيران تلعب بالنار”.
وقال مصدر أميركي مطلع على سياسة الإدارة الأميركية، لموقع (أكسيوس)، إن نهج “الولايات المتحدة” هو الذهاب إلى “فيينا” بحسن نية ومعرفة ما تقترحه “إيران”.
وأكد المصدر أنه إذا قدم الإيرانيون مطالب متطرفة، فسيكون من الممكن لـ”الولايات المتحدة” أن تدفع القوى العالمية الأخرى؛ بما في ذلك “روسيا” و”الصين”؛ لزيادة الضغط على “طهران”.
اتفاق مؤقت لكسب المزيد من الوقت..
في الوقت ذاته، ذكرت مصادر أميركية وإسرائيلية، لموقع (أكسيوس)؛ أن مستشار الأمن القومي، “جيك سوليفان”، اقترح على نظيره الإسرائيلي، “إيال حولاتا”، فكرة اتفاق مؤقت مع “إيران”، لكسب مزيد من الوقت في مفاوضات إعادة “الاتفاق النووي”؛ 2015.
وأخبر مصدران أميركيان مطلعان كاتب التقرير، “باراك رافيد”؛ أن ما حدث كان مجرد: “عصف ذهني”، وأشارا إلى أن “سوليفان” كان يعرض فكرة طرحتها إحدى الدول الأوروبية.
وأرجع الموقع الأميركي سبب اقتراح صفقة مؤقتة؛ إلى أن التقدم النووي الهائل لـ”إيران” جعل “طهران” قريبة جدًا من مستويات تخصيب (اليورانيوم) اللازمة لصنع سلاح نووي.
الإفراج عن بعض الأموال مقابل تجميد تخصيب “اليورانيوم”..
وبحسب المصادر الأميركية، الاقتراح هو أنه مقابل تجميد “إيران”، تخصيب (اليورانيوم)، يمكن لـ”الولايات المتحدة” وحلفائها الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة أو تقديم إعفاءات من العقوبات على السلع الإنسانية.
وقال “حولاتا” لـ”سوليفان”؛ إنه يعتقد أنها: “ليست فكرة جيدة”، وأرجع ذلك إلى قلق “إسرائيل” من أن أي اتفاق مؤقت سيُصبح اتفاقًا دائمًا يسمح لـ”إيران” بالحفاظ على بنيتها التحتية النووية ومخزون (اليورانيوم)، بحسب ما أخبر مسؤول إسرائيلي الموقع الأميركي.
اقتراح “معقول” !
فيما قال الباحث في مركز “كوينسي”، “جوزيف سيرينسيوني”، إن هذا اقتراح: “معقول”، مشيرًا إلى أنه ليس بديلاً عن “خطة العمل الشاملة المشتركة”، بل جسر يُساعد على العودة إليها.
وأضاف “سيرينسيوني”؛ في حديثه مع موقع (الحرة)؛ أن “سوليفان” يُحاول التوصل إلى اقتراح لتقييد الأنشطة النووية الإيرانية؛ إلى أن يتفق الطرفان على إعادة إحياء “الاتفاق النووي” 2015.
واعتبر “سيرينسيوني”؛ أن: “من غير المُرجح موافقة إيران” على الاقتراح، وأشار إلى أن: “بيت القصيد من خطواتهم الأخيرة، ومنها زيادة نسبة التخصيب إلى: 60%، هو الضغط على الولايات المتحدة لرفع جميع العقوبات والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة”. وأكد أنه من غير المُرجح أن تستغني “طهران” عن هذا السياسة.
يوفر الوقت لإبرام صفقة طويلة الأجل..
في المقابل؛ يرى مدير برنامج “إيران” في (معهد الشرق الأوسط) في واشنطن، “أليكس فاتانكا”، أنه يمكن التوصل إلى اتفاق مؤقت، مشيرًا إلى أن “طهران” قبلت اتفاقًا مؤقتًا، في عام 2013.
مضيفًا أن “إيران” ستقبل بذلك؛ طالما تشعر أن هناك ما تكسبه. وتابع: “تحتاج طهران إلى شيئين على المدى القصير: أن تكون قادرة على بيع نفطها، وأن تكون قادرة على تحويل الأموال بالدولار الأميركي إلى إيران”.
وأكد أن الاتفاق المؤقت يمكن أن يوفر الوقت اللازم لإبرام صفقة نووية طويلة الأجل ومستدامة.
لن تقبل إيران باتفاق مؤقت..
كما يرى مدير المركز “العربي” للدراسات الإيرانية، “محمد صالح صدقيان”، أنه في ظل سيطرة حكومة أصولية متشددة على “إيران”، من الصعب أن تقبل “طهران” بهذا الاقتراح.
وقال “صدقيان” إن تصريحات المسؤولين الإيرانيين؛ التي تُطالب بإزالة جميع العقوبات وليس تعليقها عامًا أو إثنين، تؤكد أنها لن تقبل بهذا المقترح، موضحًا إن: “هذه الجولة من المفاوضات ستكون مُعقدة وصعبة، لأنها مع حكومة إيرانية جديدة”، مشيرًا إلى أنه حتى الآن لم تُعلن “طهران” هل ستستكمل على المفاوضات القديمة أم ستبدأ من جديد.
وفي اتصال آخر مع “سوليفان”، الثلاثاء، شدد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي على أن “الولايات المتحدة” وحلفاءها الأوروبيين يجب أن يضغطوا من أجل إصدار قرار ضد “إيران”، في اجتماع الأسبوع المقبل لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، في “فيينا”، حسبما قال مصدر مطلع على المحادثات.