تجر اعمال العنف الاخيرة في العراق بين القوات الامنية ومجموعات من المتظاهرين والمسلحين المناهضين لرئيس الوزراء، البلاد نحو احد اعمق واخطر ازماتها، وتهدد بدفعها نحو اقتتال طائفي اكثر شراسة.
ويقول مستشار الامن القومي السابق في العراق موفق الربيعي “هذه اعمق واخطر ازمة يمر بها العراق منذ 1921 ومنذ 2003 لاننا في عمر العراق لم نر تنظيرا للتقسيم، وحتى في العهد الملكي”.
ويوضح “هناك اناس اليوم ينظرون الى العراق على اساس كردستان وسنستان وشيعستان، وهذه كارثة”.
ويعتبر الربيعي ان “ما يعاني منه البلد الان هو الشحن الطائفي الذي يمكن ان يؤدي الى اقتتال طائفي، لا سمح الله، ثم الى التقسيم، ولا يوجد تقسيم ناعم وتقسيم خشن انما كل تقسيم رايناه في العالم كان تقسيما دمويا”.
ويشهد العراق منذ الثلاثاء موجة هجمات انتقامية ضد القوات الامنية في المحافظات التي تسكنها غالبيات سنية، ردا على عملية اقتحام ساحة اعتصام مناهض لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي في الحويجة (55 كلم غرب بغداد).
وقتل 128 شخصا في اعمال عنف متفرقة في العراق على مدى يومين، بينهم 50 مدنيا وثلاثة عسكريين قتلوا خلال اقتحام الاعتصام. ومع سقوط ضحايا يومي الثلاثاء والاربعاء، ارتفع عدد قتلى شهر نيسان/ابريل في العراق الى 343 شخصا، واعداد المصابين الى 968، وفقا لحصيلة تعدها وكالة فرانس برس استنادا الى مصادر امنية وعسكرية وطبية.
وللمرة الاولى منذ سنوات، تمكن مسلحون الاربعاء من السيطرة “بالكامل” على منطقة هي ناحية سليمان بيك (150 كلم شمال بغداد) الواقعة في محافظة صلاح الدين على الطريق بين بغداد واقليم كردستان، اثر معارك مع الجيش العراقي فيها.
وحملت اعمال العنف هذه قيادات دينية عراقية، واطرافا غربية، على التحذير من فتنة بين السنة والشيعة الذين خاضوا حربا دامية شاملة بين 2006 و2008 قتل فيها الآلاف، علما ان الهجمات اليومية المستمرة منذ 2003 غالبا ما تحمل ايضا نزعة طائفية.
ودعا رئيس الوقف السني عبد الغفور السامرائي ونظيره الشيعي صالح الحيدري في مؤتمر صحافي مشترك امس قادة العراق الى الاجتماع يوم غد الجمعة في مسجد في بغداد لبحث التطورات الاخيرة.
وتلا السامرائي بيانا مشتركا حذر فيه من “مخططات خبيثة ومؤمرات لعينة يراد منها جر البلاد الى النزاعات الطائفية والاقتتال الاهلي”، مؤكدا انه قرر مع الحيدري “القيام بالتحرك السريع لاطفاء الفتنة وكبح جماح المؤامرة”.
بدوره، قال بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو لفرانس برس انه “من مصلحة الجميع تجنب تصريحات تصعد الوضع وتؤدي لا سمح الله الى مزيد من العنف والضحايا، وعدم السماح باحداث فتنة طائفية”.
وكانت السفارة الاميركية في بغداد اعتبرت في بيان ان التوترات الاخيرة في العراق “سياسة وطائفية”، بينما قال متحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية انه “لا وجود لنزاع طائفي في دولة ديموقراطية”.
ويقول كريم الذي يعمل صحافيا “لا يبدو ان نهاية هذه الازمة قريبة، خصوصا في ظل غياب الحكماء، ويبدو ان الاقتتال الدامي سيزداد في الايام المقبلة”. ويضيف “لا افكر سوى في مغادرة هذه البلاد”.
ويعيش العراق منذ نهاية 2011 على وقع ازمة سياسية متراكمة عنوانها اتهام رئيس الوزراء نوري المالكي بالتفرد بالحكم والتسلط واستهداف المكون السني في البلاد، سياسيا وامنيا.
وتجري في مناطق عدة من العراق منذ كانون الاول/ديسمبر الماضي اعتصامات وتظاهرات مناهضة للمالكي، المدعوم من طهران وواشنطن والذي يحكم البلاد منذ 2006، تطالبه بالاستقالة، وبالغاء مواد من قانون مكافحة الارهاب.
ويحاول قادة البلاد منذ اندلاع الازمة السياسية عقد اجتماع وطني من دون ان ينجحوا في ذلك، في ظل الغياب المستمر لرئيس الجمهورية جلال طالباني الذي كان يؤدي دور الوسيط بين الافرقاء السياسيين.
ويرى الربيعي ان الحل الوحيد للتطورات الاخيرة هو في “المصالحة الوطنية”. ويضيف “علينا ان نكون شجعانا وان نعترف بالاخطاء التي ارتكبناها في السنوات الاخيرة منذ 2003، وان نقول لانفسنا: هكذا نصحح الخطأ”. ويستدرك الربيعي “لكن الاهم هو التعامل بعدالة مع ابناء الشعب”.
وكتب نائب الرئيس العراقي السابق عادل عبد المهدي في صحيفة “العدالة” اليوم “السني رهينة، لا يستطيع ان يقف مع سياسات سلطات تضعفه في مناطقه وتهدده في غيرها، والشيعي رهينة لا يستطيع امام القتل اليومي وضخامة التهديدات ان يتناول سياسات حكومة فاشلة في امنها وسياساتها وخدماتها”.
واضاف “الدماء عندما تراق فاننا نصبح رهائن لمنطق العنف والانتقام والكراهية، والبلاد في خطر شديد فبدون الشريك السني المعتدل لا يمكن ان يتمتع الشيعة بالامن، وبدون الشريك الشيعي المنصف لن يشعر السني بان الحكومة حكومته”.