خاص: كتبت- نشوى الحفني:
بشكلٍ مستمر؛ تواجه دولة “العراق” أزمة كبيرة في انقطاع الكهرباء، خاصة في ظل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة خلال فصل الصيف، حيث أن الأزمة تتفاقم ما أدى إلى تراجع ساعات توفر التيار الكهربائي لأقل من (10) ساعات فقط في اليوم.
وإلى جانب الانتقادات الواسعة التي تواجهّها الحكومة، تظاهر المئات في منطقة “الفضلية”؛ في محافظة “ذي قار” الجنوبية، احتجاجًا على تدهور تجهيز الكهرباء للمواطنين.
وخرجت مظاهرات محدودة في مناطق عدة؛ في وسط وجنوب البلاد، لذات السبب، وتخشى السلطات امتداد وتوسّع المظاهرات مع بقاء أزمة الكهرباء قائمة.
وقال رئيس حزب (البيت الوطني) المنبّثق عن (حراك تشرين) الاحتجاجي؛ (في ذي قار)، “حسين الغرابي”، في تدوينةٍ عبر (فيس بوك)، إن: “ملف الكهرباء في العراق هو ملف سياسي وليس تقنيًا إطلاقًا؛ لذلك فإن حله سيكون سياسيًا، وأنجح الحلول السياسية في العراق تكون بالاحتجاج والتظاهر، والضغط المستمر”، وفق قوله.
وأضاف: “سنكون مع المحتجين داعمين لهم، ومسّاندين من أجل تصحيح واقع الكهرباء المُّزري، ووقف الاستهتار بحياة العراقيين ومصالحهم”.
تجاوزت الـ 51 درجة مئوية..
وأزمة الانقطاعات المتكررة في الكهرباء يُعاني منها الشعب العراقي منذ سنوات، بسبب الأعطال في المحولات جراء الحصار والحروب المتتالية، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة ووصولها لمستويات عالية تجاوزت (51) درجة مئوية في (10) مدن بالبلاد.
وهو ما أعلنته “هيئة الأنواء الجوية”، السبت، عن تجاوز درجات الحرارة في (06) محافظات وسط البلاد وجنوبها حاجز الخمسين درجة مئوية، الأمر الذي يُفاقم معاناة المواطنين ويجعلهم يوجهون سّهام الغضب نحو السلطات الحكومية ويحمّلونها مسؤولية الإخفاق المزمن في ملف إنتاج الطاقة رُغم الوعود المتكررة منذ سنوات بمعالجة هذه المشكلة، ورُغم الأموال والتخصيصات المالية الضخمة التي تُخصص سنويًا لملف الكهرباء.
تحذير “وزارة الصحة”..
من جهتها؛ ونتيجة الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، أصدرت “وزارة الصحة”، أول من أمس، توصّيات طبية للمواطنين وحذرت المصُّابين بأمراض مزمنة وكبار السّن والأطفال من التعرض المباشر لأشعة الشمس، خاصة في أوقات الظهيرة التي تشهد ذروة الارتفاع.
وأوصّت الوزارة المواطنين: بـ”ارتداء الملابس المناسبة والألوان المناسبة وغطاء للرأس والنظارات الشمسية مع شرب كميات كافية من المياه”.
وخلال الأيام الماضية تفاقمت أزمة الكهرباء في “العراق” بسبب عدة عوامل، بما في ذلك نقص الوقود اللازم لتشّغيل محطات توليد الكهرباء وزيادة الاستهلاك اليومي للكهرباء، خاصة في فصل الصيف الحار.
محاولات حكومية لاحتواء الأزمة..
من جانبها؛ لجأت الحكومة العراقية إلى العديد من الإجراءات لمحاولة تخفيف الأزمة، مثل: “تقليص عدد ساعات العمل في المؤسسات الرسّمية إلى (06) ساعات بدلاً من (08) حتى نهاية شهر آب/أغسطس المقبل”.
أيضًا أعلن وزير الكهرباء العراقي؛ “زياد علي فاضل”، عن إطلاق حملة واسعة لتخفيف الضغط على قطاع التوزيع.
وجاء في بيان الوزير أن المرحلة الأولى من الحملة ستسّتمر لمدة (15) يومًا، وستُركز على تحسّين جودة الخدمات في المناطق التي تُعاني تقلبات في توفر الكهرباء، بهدف تحقيق الاستقرار وتقليل التوقف المتكرر للتيار الكهربائي.
وأكد الوزير أن الإنتاج الكهربائي للوزارة مسُّتقر حاليًا، ويبلغ أكثر من: (25) ألف ميغاواط، وتوقع أن تشهد ساعات التزويد بالكهرباء استقرارًا مع إنجاز المرحلة الأولى من حملة تخفيف الضغط على قطاع التيار الكهربائي.
وتبلغ احتياجات البلاد نحو: (35) ألف ميغاواط، وبلغت التكاليف التشّغيلية لشبكة الكهرباء العراقية في عام 2019؛ نحو: (9.3) مليار دولار، بينما كانت إيرادات الوزارة أقل من مليار دولار.
وينُفق “العراق” ما يقرب من: (04) مليارات دولار سنويًا على واردات الغاز والكهرباء من “إيران”، بينما يُحرق في الوقت نفسه كميات هائلة من “الغاز الطبيعي” كمنُّتج ثانوي في قطاع “الهيدروكربونات”.
أزمة غير قابلة للحل..
وبحسّب أستاذ الاقتصاد في جامعة (البصرة)؛ “نبيل المرسومي”، فإن: “موازنة الكهرباء عام 2024؛ تبلغ: (14.443) مليار دولار، وهي تُعادل موازنة دولة مثل الأردن، وأكثر من ثلاثة أضعاف الموازنة العامة في سورية”.
وتُشير بعض الأرقام الاقتصادية إلى إنفاق “العراق” أكثر من: (75) مليار دولار؛ خلال العقدين الأخيرين، على ملف الطاقة الكهربائية من دون الوصول إلى معدلات إنتاج تُغطي حاجة البلاد.
ومع الحجم الهائل من الإنفاق المالي، تبدو أزمة الكهرباء غير قابلة للحل على المدييّن القريب والمتوسط مع معدلات الطلب التي تتصاعد كل عام، وخاصة في فصل الصيف شديد الحرارة، ورُغم حديث “وزارة الكهرباء” عن تجاوز معدلات إنتاجها سقف: الـ (25) ألف ميغاواط، فإن التقديرات تُشير إلى حاجة البلاد إلى نحو: (40) ألف ميغاواط لتلبية احتياجاتها من الكهرباء.
دخول الفساد في الكهرباء !
في شباط/فبراير 2024؛ قال الرئيس العراقي؛ “عبداللطيف رشيد”، خلال مقابلة حصرية مع (CNN) الاقتصادية: “مع الأسف الشديد دخل الفساد في الكهرباء، هذا السبب الرئيس للأزمة، وأنا لا أخفيه”، مشّددًا على حاجة شبكة الكهرباء في البلاد إلى عملية تطوير شاملة.
استدعاء “السوداني”..
في المقابل؛ تتحدث أوسّاط برلمانية عن تحرك لاستضافة رئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، ووزير كهربائه في البرلمان، للوقوف على أسباب ترّدي الطاقة الكهربائية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقالت النائبة البرلمانية؛ “ابتسام الهلالي”، في تصريحات صحافية، إن: “الحكومة تتحمل مسؤولية ترّدي واقع الطاقة الكهربائية في البلاد، بعد أن انخفضت ساعات انتظام الكهرباء للمواطنين (06-10) ساعات لكل (24) ساعة، على الرُغم من توفر الميزانية الكبيرة وصرف ملايين الدولارات على وزارة الكهرباء”.
وأضافت أن: “كتابًا رسّميًا وُجّه إلى السوداني، للتدخل بشكلٍ عاجل وحل أزمة الكهرباء، خصوصًا بعد ارتفاع درجات الحرارة وتجاوزها (50) درجة في بعض المحافظات العراقية، لكن للأسف لا توجد أي إجابة تُذكر”، وفق إفادتها.
وشّددت “الهلالي” على ضرورة قيام رئاسة “مجلس النواب”: بـ”عقد جلسة استثنائية نهاية الأسبوع الحالي، لمناقشة واقع الكهرباء، واستضافة كل من رئيس الوزراء ووزير الكهرباء والمديرين العموميّين في الوزارة”.
تهالك البُنى التحتية وضعف شبكات التوزيع..
ومن جانبه؛ أرجع “نبيل جبار التميمي”، خبير اقتصادي وطاقة عراقي، استمرار أزمة انقطاع الكهرباء في “العراق” إلى ضعف إنتاج الكهرباء في ظل الكثافة السكانية المرتفعة التي في حاجة إلى ما يزيد على (30) ألف ميغاواط من الكهرباء سنويًا، في حين أن ما تنُّتجه الحكومات منذ عام 2003؛ نحو (24) ألف ميغاوات فقط، ما نتّج عنه عدم توافق بين العرض والطلب.
كما أن فصل الصيف يُشّكل عبئًا كبيرًا يزيد من حدة الأزمة؛ للطلب المتزايد على استخدام الأجهزة الكهربائية والتكييفات في ظل درجات الحرارة المرتفعة التي تجاوزت في بعض المناطق: (50) درجة مئوية، بحسّب ما أكده “التميمي”.
وأشار خبير الطاقة العراقي في حديثه لـ (العين الإخبارية)؛ إلى أن أحد الأسباب الرئيسة المؤثرة على أزمة الكهرباء في “العراق” هي البُنى التحتية المتهالكة وضعف شبكات التوزيع المتمثلة في منظومة نقل الطاقة الكهربائية عالية الجهد وتوزيعها على المنازل والمحلات التجارية والمسّاكن، الأمر الذي يؤثر سلبًا على اقتصاد الدولة، خاصة العديد من القطاعات الحيوية وعلى رأسها الصناعة والزراعة والصحة.