العراق يتأرجح على الهاوية .. “الصدر” الرجل الذي وضع الجميع في مأزق: على ماذا يُراهن ؟

العراق يتأرجح على الهاوية .. “الصدر” الرجل الذي وضع الجميع في مأزق: على ماذا يُراهن ؟

وكالات – كتابات :

بعد مرور ثمانية أشهر منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في “العراق”، في العاشر من تشرين أول/أكتوبر 2021، لا تزال البلاد بدون حكومة أو رئيس للجمهورية.. إذ يمر “العراق” بواحدة من أطول أزماته السياسية، منذ إطاحة نظام “صدام حسين”؛ بعد الغزو الأميركي عام 2003، والتي تدفع به نحو نفقٍ مظلمٍ، يصعب التكهن بكيفية الخروج منه في المستقبل القريب.

ومما زاد الطين بِلة، الخطوة التي أقدم عليها رجل الدين الشيعي والسياسي العراقي البارز؛ “مقتدى الصدر”، خلال اليومين الماضيين، بتقديم نواب كتلته البرلمانية؛ الذين يبلغ عددهم: 73 نائبًا؛ (سائرون)، استقالتهم من البرلمان، لتزداد الأمور تعقيدًا؛ بحسب ما يرى تقرير نشرته صحيفة (الغارديان) البريطانية. فعلى مدار ثمانية أشهر حاولت النخب السياسية العراقية الخروج من هذه الأزمة؛ التي نتجت عن الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي عُقدت ردًّا على مطالب الحركة الاحتجاجية واسعة النطاق، في تشرين أول/أكتوبر 2019، فما الذي حدث منذ ذلك الحين ؟.. وما السيناريوهات المحتملة لحل هذه الأزمة في “العراق” ؟

البداية: نتائج الانتخابات البرلمانية المفاجئة..

كان من المفترض أن يُجري “العراق” الانتخابات البرلمانية الخامسة؛ في ربيع عام 2022، لكن بعد اندلاع المظاهرات الحاشدة؛ في تشرين أول/أكتوبر 2019، والتي طالبت بإنهاء الفساد السياسي والمالي، وإطاحة النخب السياسية الحاكمة منذ الغزو الأميركي لـ”العراق” فى عام 2003؛ أُجريت انتخابات مبكرة، بعد استقالة رئيس الوزراء حينها؛ “عادل عبدالمهدي”، في أواخر عام 2021.

وبالرغم من أن إجراء انتخابات مبكرة كان مطلبًا رئيسًا للحركة الاحتجاجية؛ التي عُرفت باسم: “حركة تشرين”، فإن نسب التصويت فى هذه الانتخابات كانت أقل من المتوقع بكثير، إذ قُدرت: بـ 41%، وكانت أقل من نسب التصويت في الانتخابات البرلمانية لعام 2018.

لكن في الوقت نفسه، حملت هذه الانتخابات بعضًا من المفاجآت؛ فقد فاز (التيار الصدري)؛ بزعامة “مقتدى الصدر”، بأكبر نسبة من المقاعد البرلمانية، إذ حصدت كتلة (سائرون) التابعة للتيار الصدري، 73 مقعدًا من أصل: 329 مقعدًا في “البرلمان العراقي”، ويمكن القول إن النجاح الهائل لـ (التيار الصدري) كان متوقعًا بالنظر إلى التنظيم الدقيق لـ (التيار الصدري) قبل الانتخابات، والقاعدة الشعبية الواسعة التي تضم ملايين من أنصار “مقتدى الصدر”، واستغلال (التيار الصدري) لانخفاض شعبية منافسيه من الشيعة في العديد من الدوائر الانتخابية، خاصةً بعد قانون الانتخابات الجديد، الذي قسَّم “العراق” إلى: 18 دائرة انتخابية.

في المقابل؛ كانت المفاجأة هي الهزيمة الكبرى التي مُنيت بها الأحزاب الشيعية الأخرى المتحالفة مع “إيران”، فقد خسر تحالف (فتح)، بقيادة “هادي العامري”، الذي يضم أغلب التيارات السياسية والفصائل المسلحة الشيعية الموالية لـ”إيران”، أكثر من نصف مقاعده، التي حصل عليها في الانتخابات السابقة، واستطاع بالكاد الحصول على: 17 مقعدًا فقط.

كما كانت المفاجأة الكبرى في هذه الانتخابات، فوز عدد كبير من المستقلين والأحزاب السياسية التي انبثقت من رحم الحركة الاحتجاجية السابق ذكرها، فيما استعاد السياسي المخضرم ورئيس الوزراء العراقي السابق؛ “نوري المالكي”، (2006 – 2014)، نجمه السياسي مرة أخرى بعد سنوات من أفول نجمه، واستطاع حزبه ائتلاف (دولة القانون)، الحصول على نحو: 30 مقعدًا.

استطاعت النخب السياسية العربية السُنية في “العراق”، من خلال الانتخابات الأخيرة، أن توحد صفوفها مرة أخرى بعد سنوات من التشتت؛ وجاء تحالف (تقدم)؛ بقيادة رئيس البرلمان الحالي، “محمد الحلبوسي”، في المرتبة الثانية بعد كتلة (سائرون)، بحصوله على: 32 مقعدًا، وبعد أسابيع قليلة من إعلان نتائج الانتخابات، دخل (تقدم)، في تحالف مع الحزب السُني الآخر؛ (عزم)، بقيادة رجل الأعمال السُني “خميس الخنجر”، في تحالف باسم: (السيادة).

بعد تصديق “المحكمة الاتحادية العُليا” العراقية على النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية؛ لم تتقبل الأحزاب الشيعية المتحالفة مع “إيران”، الهزيمة، واحتجوا على نتائج الانتخابات بزعم أنه جرى تزويرها، وحشدوا أنصارهم للاحتجاج في الشارع، وقدموا مئات البلاغات للطعن في نتائج الانتخابات.

لم تُسفر جهود الأحزاب الشيعية الخاسرة عن أي شيء جديد، في المقابل، أعلن “مقتدى الصدر” أنه ينوي؛ بصفته الفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية، تشكيل حكومة: “أغلبية وطنية”، وهنا كانت الطامة الكبرى لخصومه الشيعة.

“حكومة أغلبية”.. الصراع على تشكيل الحكومة..

جرت العادة في “عراق ما بعد الغزو الأميركي” عام 2003، أن تكون جميع الحكومات، حكومات “ائتلافية”، تُشارك فيها جميع الأحزاب السياسية، لكن جاء “مقتدى الصدر” هذه المرة لينسف تلك الفكرة التي ظلت لسنواتٍ طويلةٍ تعد قانونًا غير مكتوب، وأعلن أنه، وبناءً على فوز (التيار الصدري) بما يُطلق عليه: “الكتلة البرلمانية الأكبر”، والتي يحق لها اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة – وفقًا لتفسير “المحكمة الاتحادية العُليا” العراقية – سيُشكل: “حكومة أغلبية” على عكس المعتاد.

ويعني إعلان “مقتدى الصدر” تشكيل حكومة: “أغلبية”، تهميش باقي خصومه الشيعة المتحالفين مع “إيران”، ونتيجةً لذلك، لقي إعلان “مقتدى الصدر” معارضةً شرسةً من (الإطار التنسيقي) الشيعي، وهو مؤسسة تجمع كافة الأحزاب السياسية وأجنحتها المسلحة الشيعية المتحالفة مع “إيران” والمعتدلة، وجرى تأسيسها عقب الحركة الاحتجاجية في “العراق”، التي ظهرت في تشرين أول/أكتوبر 2019.

لم يقبل (الإطار التنسيقي) الشيعي تهميش “مقتدى الصدر” له، وتجريده من نفوذه السياسي ومصالحه الاقتصادية التي عمل على تأسيسها على مدار السنوات الماضية، في البداية حاول قادة (الإطار التنسيقي) الشيعي، التفاوض مع “مقتدى الصدر” من أجل دمجهم في الحكومة المقبلة، فوافق “الصدر” بشرط ألا يكون لـ”نوري المالكي” وائتلافه البرلماني أي دور في الحكومة الجديدة.

تُجدر الإشارة هنا إلى أن “المالكي” و”الصدر”، خصمان لدودان منذ سنوات طويلة، إذ تعود الخصومة بينهما إلى عام 2008، عندما قرر “نوري المالكي”؛ الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء حينها، محاربة (جيش المهدي)، الفُصيل المسلح الشيعي التابع لـ”مقتدى الصدر”، والذي تأسس في أعقاب الغزو الأميركي لـ”العراق”، وكانت مهمته طرد القوات الأميركية من الأراضي العراقية، ثم ما لبث أن تورط في حرب طائفية عنيفة؛ بين عام 2006 إلى عام 2008، ثم سيطر الفُصيل في نهاية المطاف، على مدينة “البصرة” الغنية بـ”النفط”، فقرر “المالكي” آنذاك، إنهاء وجود (جيش المهدي)، ونجح في مساعيه بمساعدة القوات الأميركية الموجودة داخل “العراق”؛ في ذلك الوقت.

وبالعودة إلى مفاوضات تشكيل الحكومة، رفض (الإطار التنسيقي) الشيعي، شرط “مقتدى الصدر” بإقصاء “نوري المالكي” من الحكومة المقبلة، وبعد عدة مفاوضات؛ بوساطة إيرانية لم يكتب لها النجاح، بدأ “العراق” في الدخول في أطول أزماته السياسية منذ عام 2003.

سلاح “الثُلث المعطل” لإفشال انتخاب رئيس الجمهورية..

بعد فشل المفاوضات بين (التيار الصدري) و(الإطار التنسيقي)، أعلن “مقتدى الصدر” تحالفه الثلاثي مع تحالف (السيادة) السُني، والحزب (الديمقراطي الكُردستاني)، الذي حصل على: 30 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة – وهو الحزب الأقوى والحاكم في حكومة “إقليم كُردستان العراق” – وأطلق “الصدر” عليه اسم: تحالف (إنقاذ وطن)، فأصبح عدد نواب التحالف الثلاثي في البرلمان نحو: 190 نائبًا.

وعليه استطاع نواب التحالف الثلاثي؛ في كانون ثان/يناير 2022، انتخاب “محمد الحلبوسي”، رئيسًا للبرلمان للمرة الثانية، وهو منصب مخصص للطائفة السُنية العربية العراقية، ويُعد أعلى منصب يمكن أن يصل إليه سياسي سُني عراقي.

ثم تأتي الخطوة الثانية، بانتخاب رئيس الجمهورية وهو منصب شرفي بصلاحيات محدودة، ويذهب إلى الطائفة الكُردية العراقية، وبالتحديد (الاتحاد الوطني الكُردستاني)، ثاني أكبر الأحزاب الكُردية في “إقليم كُردستان العراق”، وبعد انتخاب رئيس الجمهورية، يُكلف الرئيس المنتخب حديثًا؛ رئيس الوزراء، الذي جرى التوصل إليه بعد توافق الأحزاب – وهو منصب حصري للطائفة الشيعية – بالبدء في تشكيل الحكومة الجديدة.

في الأوقات العادية، كانت عملية اختيار رئيس الوزراء، هي الأصعب والأشق بعد أي انتخابات برلمانية عراقية، وأطول فترة استغرقتها كانت خمسة أشهر على أقصى تقدير، لكن هذه المرة غير أي وقتٍ مضى، إذ لم يستطيع “البرلمان العراقي” التوافق على رئيس الوزراء فقط، بل لم يستطيع انتخاب رئيس الجمهورية.

وهنا تُجدر الإشارة إلى أنه لكي يجري انتخاب رئيس الجمهورية داخل “البرلمان العراقي”، فيجب أن يكون عدد النواب الحاضرين لجلسة انتخاب أو اختيار الرئيس: 220 نائبًا، ومن هنا لجأ (الإطار التنسيقي) وحلفاؤهم إلى تعطيل هذه العملية عن طريق استخدام سلاح: “الثُلث المعطل”، وقاطعوا جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فلم يستطع التحالف الثُلاثي، استكمال النُصاب القانوني اللازم لاختيار رئيس الجمهورية.

وجدير بالذكر أن التحالف الثُلاثي بقيادة “مقتدى الصدر”، رشح لرئاسة الجمهورية في البداية؛ “هوشيار زيباري”، وزير المالية الأسبق، والذي ينتمي إلى الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)، على عكس المعتاد من أن يشغل منصب رئاسة الجمهورية أحد الأكراد من (الاتحاد الوطني الكُردستاني).

وعليه، دخل (الاتحاد الوطني الكُردستاني) والحزب (الديمقراطي الكُردستاني) في صراعٍ على منصب رئيس الجمهورية في الأشهر الماضية، فبعد سنوات من ذهاب المنصب إلى (الاتحاد الوطني الكُردستاني)؛ وفق الاتفاق المُبرم بين الحزبين الكُرديين، والذي يتمثل في أن يحصل (الاتحاد الوطني الكُردستاني) على منصب الرئاسة الفيدرالية؛ (رئاسة الجمهورية العراقية)، مقابل أن يحصل الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) على الرئاسة الإقليمية؛ (رئاسة حكومة إقليم كُردستان)؛ قرر الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) كسر هذا الاتفاق، والحصول على منصب الرئاسة الفيدرالية، مما جعل الصراع السياسي العراقي يمتد إلى المكون الكُردي علاوةً على الصراع “الشيعي-الشيعي”.

وبالعودة إلى “هوشيار زيباري”؛ مرشح التحالف الثُلاثي لشغل منصب الرئيس، فهو عضو الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)، ووزير المالية الأسبق، الذي جرى اتهامه في عام 2016؛ بارتكاب جرائم تتعلق بالفساد المالي، وجرى سحب الثقة منه بالفعل، فرفض (الإطار التنسيقي)، وحليفه الكُردي؛ (الاتحاد الوطني الكُردستاني)، ترشيح التحالف الثُلاثي لـ”هوشيار زيباري”، وتدخلت “المحكمة الاتحادية العُليا”، ومنعت “زيباري” من الترشح لرئاسة الجمهورية.

وفي محاولة ثانية من التحالف الثُلاثي للوقوف على مرشح لمنصب الرئيس، جرى ترشيح “ريبر أحمد”، أحد المنتمين أيضًا إلى الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)، فلجأ (الإطار التنسيقي)  إلى استخدام أداة: “الثُلث المُعطل”، وقاطع الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، وقد نتج من لعبة “القط والفأر”؛ بين “مقتدى الصدر” وخصومه الشيعة في (الإطار التنسيقي)، فشل عملية انتخاب رئيس الجمهورية حتى يومنا هذا، ومن ثم فشل اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، بالتبعية.

كانت محاولات اختيار رئيس الجمهورية قد جرت قبل شهر رمضان الماضي، ومع بدء اقترابه في شهر نيسان/إبريل 2022، لجأ “مقتدى الصدر” إلى حيلة جديدة، وأعطى مهلة: 40 يومًا، تبدأ ببداية شهر رمضان وتنتهي بإنتهاء “عيد الفطر”، لـ (الإطار التنسيقي)، من أجل تشكيل الحكومة واختيار رئيس الجمهورية، وبالطبع لا يستطيع (الإطار) فعل هذا الأمر، إنه لا يمتلك النُصاب القانوني من النواب لاختيار رئيس الجمهورية، كما لا يمتلك “الصدر” النُصاب القانوني نفسه أيضًا، وعليه عُلقت الأمور، ودفع الصراع بين النخب السياسية الشيعية، البلاد إلى حالة من الجمود السياسي، الذي يصعب التكهن بسيناريو لإنهائه.

“الصدر” يوجه ضربة جديدة..

على ضوء الخلفية السابقة، وبعد فشل جميع المفاوضات بين (الإطار التنسيقي) و(التيار الصدري)، كما فشلت أيضًا الجهود الإيرانية للتوفيق بين “الصدر” وخصومه الشيعة المتحالفين مع “طهران”، في ظل غياب الجنرال “قاسم سليماني”، القائد السابق لـ (فيلق القدس)؛ التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، الذي سبق وأن لعب دورًا بارزًا في التوسط بين الأحزاب السياسية الشيعية، وفقًا لمسؤولين وسياسين عراقيين تحدثوا للصحيفة البريطانية، في وقتٍ سابقٍ؛ لم تستطع النخب السياسية العراقية تشكيل الحكومة الجديدة، حتى بعد مهلة الأربعين يومًا التي أعطاها لهم “الصدر”، فعاد الأخير باقتراح آخر بعد إنتهاء “عيد الفطر”، وطلب من النواب المستقلين تشكيل الحكومة.

في هذا الصدد؛ تجب الإشارة إلى أن النواب المستقلين قد أعلنوا سابقًا، أنهم لن يُساهموا فى تشكيل الحكومة المقبلة، بل يُفضلون لعب دور المعارضة في البرلمان الجديد لتلبية مطالب الحركة الاحتجاجية، وقد حاول كلٌّ من (الإطار التنسيقي) و(التيار الصدري) استمالة عدد من النواب المستقلين، لزيادة كفة كلا الطرفين في البرلمان.

يقول نائب مستقل عن حزب سياسي جديد انبثق من الحركة الاحتجاجية العراقية لـ (الغارديان)، مفضلًا عدم الكشف عن هويته: “تعرضنا للترهيب والترغيب من كلا الطرفين، تارةً تهديدات بالقتل، وتارةً أخرى إغراءات مالية كبيرة، للانضمام إلى طرف من الأطراف، لكننا رفضنا الدخول في معركتهم”.

على جانب آخر؛ يُعلق سياسي شيعي وعضو في (الإطار التنسيقي)، مفضلًا عدم الكشف عن هويته، على إعلان “مقتدى الصدر”، يوم الخميس 09 حزيران/يونيو 2022، أنه: “إذا كان الحل للخروج من هذه الأزمة هي استقالة نواب (التيار الصدري)، فإنه على استعداد أن يطلب من نواب كتلته تقديم استقالتهم”، بأنه: “في البداية أعتقدنا أنه تهديد من تهديدات الصدر الكثيرة، ولم نأخذ المسألة على محمل الجد”.

لكن، في حقيقة الأمر لم يكن إعلان “الصدر” تهديدًا، ففي يوم 13 حزيران/يونيو 2022، فوجيء الجميع برئيس البرلمان العراقي؛ “محمد الحلبوسي”، (حليف الصدر)، وهو يوقع طلب استقالة جماعي لنواب كتلة (سائرون) التابعة لـ”التيار الصدري”، مما يدفع الأمور المتأزمة بالفعل إلى تحول جذري يقوده “الصدر”؛ على حد وصف التقرير البريطاني.

يرى المحلل السياسي العراقي؛ “علي الصاحب”، أن “مقتدى الصدر” يُخطط لشيء أكبر؛ فيقول: “استقالة نواب (التيار الصدري) من البرلمان؛ تحوُّلٌ خطير في السياسة العراقية، وقد تكون له تداعيات خطيرة تعرضت البلاد لأزمة واسعة النطاق”.

جدير بالذكر أنه من المفترض بعد استقالة نواب (التيار الصدري) من البرلمان، والبالغ عددهم: 73 نائبًا، أن يجري البحث عن المرشح الفائز بأكبر عدد من الأصوات في دائرة كل نائب مستقيل، ليحل محله في البرلمان، ما سيُعيد توزيع: 73 مقعدًا برلمانيًّا بين الكتل السياسية المختلفة.

وفي هذا الصدد؛ يقول المحلل السياسي؛ “عباس كاظم”، مدير المبادرة العراقية بـ”المركز الأطلسي”، في تغريدةٍ له على منصة (تويتر): “من المتوقع أن يحل النواب التابعون لخصوم الصدر من الشيعية؛ محل نواب (التيار الصدري)”، أي بعبارة أوضح، سيكون (الإطار التنسيقي)؛ هو الفائز الأكبر من قرار استقالة نواب (التيار الصدري).

كيف يرى “الإطار التنسيقي” الموقف الحالي ؟

بعد تقديم النواب البرلمانيين لـ (التيار الصدري) استقالتهم، حدثت عدة اجتماعات طارئة بين قادة (الإطار)، لبحث الموقف الجديد الذي فرضه “مقتدى الصدر” عليهم، في هذا الصدد، يقول قائد سياسي من (الإطار التنسيقي)، كان حاضرًا هذه الاجتماعات، للصحيفة البريطانية، مفضلًا عدم الكشف عن هويته: “لم نكن نتوقع اتخاذ الصدر هذه الخطوة، إنه أمر مُحير ومُقلق، إلى الآن لا توجد خطة واضحة لدينا، هناك اجتماعات مكثفة لتحديد ما هي الخطوة المقبلة للإطار”.

وأضاف المصدر ذاته: “هناك خطة تبدو أنها تلقى القبول إلى الآن، وهي البدء في تشكيل حكومة جديدة بدون (التيار الصدري)، بالتعاون مع النواب الأكراد والسُنة والمستقلين، لكن في الوقت نفسه هناك قلق من رد فعل مقتدى الصدر على هذه الخطوة”.

ووفقًا للمصادر السياسية الشيعية التي تحدثت إلى (الغارديان)، فإن التكهن بأن الوضع قد أصبح مهيأً لخصوم “الصدر” من أجل تشكيل الحكومة، يبدو خطأً، فيقول سياسي شيعي آخر من (الإطار التنسيقي)؛ مفضلًا عدم الإشارة إلى اسمه: “مقتدى؛ ذكي للغاية، وبالطبع وراء هذه الخطوة هدف ما، لا نستطيع التنبؤ به، نخشى أن مقتدى يجرنا إلى صراعٍ أكبر”.

الانتقال من البرلمان إلى الشارع.. هل نشهد إقتتالًا “شيعيًّا-شيعيًّا” ؟

قد لا تكون مبالغة إذا وصفنا أن خطوة “مقتدى الصدر”؛ بتقديم نواب (التيار الصدري) استقالتهم في البرلمان، تُعد حجرًا سيدفع البلاد إلى نفق مظلم، وأن احتمالية حدوث إقتتال “شيعي-شيعي”، قد تلوح في الأفق؛ بحسب التقرير البريطاني.

يقول قائد لفُصيل (عصائب أهل الحق)، أحد أكبر وأقوى الفصائل الشيعية المسلحة المتحالفة مع “إيران”، وعضو بارز في (الإطار التنسيقي): “أتوقع أن يكون هدف الصدر من استقالة نوابه، هو الانتقال من البرلمان إلى الشوارع، فإذا مهَّد (الإطار) الطريق لتشكيل حكومة جديدة، سينزل أنصار الصدر إلى الشوارع للاحتجاج ولعب دور المعارضة الجماهيرية، وهنا ستكون الأزمة”.

يرى القائد، أن نزول أنصار “الصدر” – وهم بالملايين – إلى الشوارع للاحتجاج، ولعب دور المعارضة، سيدفع بالبلاد إلى إقتتال “شيعي-شيعي”، فيقول: “ليس بعيدًا أن تؤدي احتجاجات أنصار مقتدى إلى اشتباكات مسلحة، وتوريط فصائل المقاومة في هذا الأمر، أتوقع أن يستخدم مقتدى الشارع ضدنا، لذلك علينا عدم الانزلاق لهذه الأمور”، ومن الجدير بالذكر، أن الفصائل الشيعية المسلحة العراقية المتحالفة مع “إيران”، يُطلقون على أنفسهم: “فصائل المقاومة الإسلامية”، لانتمائهم إلى: “محور المقاومة”، الذي تقوده “إيران” في المنطقة.

وحتى كتابة هذا التقرير؛ لم يستطيع قادة (الإطار التنسيقي)، حسم أمرهم، أو التوصل إلى قرارٍ واحدٍ، وعلى ما يبدو بحسب المصادر السابق ذكرها، أنهم إلى الآن غير قادرين على تحديد الخطوة التالية التي يجب عليهم اتخاذها بعد استقالة نواب (التيار الصدري)؛ يقول التقرير البريطاني.

فخطوة “مقتدى الصدر” الأخيرة، وما ترتب عليها، تُسبب رؤية ضبابية لدى كلٍّ من خصومه وحلفائه من السُنة والأكراد، تزيد من صعوبة التكهن بما سيحمله المشهد السياسي العراقي في الأيام والأسابيع القادمة.

إلا أن الشيء الواضح، هو أن “العراق” يمر بأزمة كبيرة ليست سياسة فقط، بل اقتصادية واجتماعية، فمع حلول فصل الصيف، تتفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي، هذا بالإضافة إلى تاثير الحرب “الأوكرانية-الروسية” في الأوضاع الاقتصادية والغذائية في البلاد، وعجز الحكومة الحالية المؤقتة عن إقرار الموازنة العامة للبلاد إلى الآن، كما يشهد “العراق” موجة جفاف وعواصف ترابية لم يشهدها من قبل، كل هذه الأزمات بالإضافة إلى الأزمة السياسية التي تزداد؛ سوءًا قد تدفع العراقيين إلى النزول الى الشوارع للاحتجاج، وإذا اندلعت الاحتجاجات وزادت وتيرتها واتسعت رقعتها، لن يكون هناك أحد فائز، بل سيكون الجميع خاسرين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة