عبر العراق عن قلق على أمنه واستقراره من إنتشار مقاتلي حزب العمال التركي الكردستاني على اراضيه الشمالية وسط دعوات لبغداد بنقل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، وتقديم شكوى ضد هذا الانتشار، في وقت عبر الحزب عن استغرابه للموقف العراقي، مشيرًا إلى أنه ينتظر دعمًا، وليس عراقيل امام تحقيق السلام في تركيا.
فقد اعتبر رئيس التحالف الوطني العراقي الشيعي الحاكم، ابراهيم الجعفري، انتقال مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي إلى الأراضي العراقية الشمالية صفقة إقليمية ليس العراق طرفاً فيها وشدد بالقول “لكن يهمُّنا كثيراً ما يترتب على هذه الصفقة من نتائج واستحقاقات”. وأكد في تصريح صحافي اليوم ان “سيادة العراق وأمن العراق خط أحمر لا يُمكِن أن نسمح به لأنَّ أيَّ اتفاقات تكون في داخل كلِّ دولة مع مُكوِّناتها لتتغلّب على مشاكلها .. ولكن لا يُمكِن أن نتقبَّل أن يكون العراق ضحيّة وأنَّ الذي يأتي إلى العراق يجب أن يحترم النظام العراقيَّ وعليه أن لا يُسيء إلى سيادة العراق، ولا إلى أمن العراق، ولا يتدخّل في الشؤون العراقية”.
وأضاف الجعفري أن العراق لا يتسع لأيِّ شخص يعبث بأمنه وسيادته، كما لا يسمح لأيِّ شخص، أو أيِّ قوة سياسية أن تعبث بأمن دولة من دول الجوارلأنَّ مفهوم حُسن الجوار هو أن لا نسمح لأيِّ قوة تتحرَّك من الأرض العراقية وتسيء إلى الدول المجاورة”.
ومن جهتها طالبت النائب عن ائتلاف العراقية الحرة عالية نصيف الحكومة العراقية بتقديم شكوى الى مجلس الأمن الدولي حول انتشار عناصر حزب العمال الكردي التركي داخل الأراضي العراقية . وقالت نصيف في بيان صحافي اليوم ان العراق لم يعد لديه خيار آخر سوى اللجوء الى مجلس الأمن الدولي بعد الاتفاق التركي القاضي الذي يقضي بانسحاب عناصر حزب العمال إلى داخل الأراضي العراقية.
ووصفت هذا الاجراء بأنه تدخل سافر في الشأن العراقي الداخلي مشيرة الى ان حزب العمال مصنف على لائحة الارهاب عالمياً . واشارت الى ان هذا “التصرف المستغرب والذي جاء بمباركة من حكومة اقليم كردستان العراق يعد خرقا للسيادة العراقية ومن واجب مجلس الأمن والمجتمع الدولي وضع حد لهذه الانتهاكات الواضحة”.
وقالت وزارة الخارجية العراقية الخميس الماضي إنها لن تقبل دخول جماعات مسلحة إلى أراضيها مع بدء المتمردين الأكراد الانسحاب من تركيا في اطار اتفاق سلام لكن بغداد لا تسيطر على الحدود الشمالية التي يديرها أكراد العراق. واضافت إن “الحكومة العراقية في الوقت الذي ترحب فيه بأية تسوية سياسية وسلمية للمسألة الكردية في تركيا لوضع حد لإراقة الدماء ودوامة العنف بين الطرفين وتبني النهج الديمقراطي لحل النزاع الداخلي فإنها وانطلاقا من مبدأ السيادة والحفاظ على أمن المجتمع العراقي واستقراره واحتراما لمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لا تقبل دخول مجموعات مسلحة إلى أراضيها يمكن أن تستغل للمساس بأمن واستقرار العراق أو أمن واستقرار ومصالح دول الجوار وهو موقف يستند إلى مبادئ القانون الدولي ودستور العراق”.
ويبدي المسؤولون العراقيون قلقهم من تأثر الاستقراررمستقبلا في العراق بعد انسحاب عناصر حزب العمال من الأراضي التركية الى إقليم كردستان ويعربون عن تخوفهم من زيادة نفوذه في المناطق المتنازع عليها. ويشيرون الى ان انسحاب قوات حزب العمالمن الأراضي التركية الى العراق وخصوصا في مناطق إقليم كردستان قد يلحق الضرر بحالة التوازن القائمة حاليا في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان وكذلك المناطق المتنازع عليها مثل محافظتي كركوك وديالى.
ولحزب العمال التركي الكردستاني علاقات جيدة مع الأحزاب الكردية العراقية وخاصة مع رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني الذي طالما حث طرفي النزاع على الركون لحلول سلمية للنزاع.
وتحتفظ تركيا بحق مطاردة مسلحي حزب العمال إلى مسافة 5 كيلومترات داخل الأراضي العراقية وفق اتفاق وقعه الرئيس العراقي السابق صدام حسين مع السلطات التركية، التي لاتزال تستغله لحد الآن في مطاردة مسلحي الحزب وقصف قواعده العسكرية في شمال العراق بالمدفعية والطائرات.
وكان مسلحو حزب العمال الكردستاني قد بدأوا الاربعاء الماضي انسحابهم من تركيا إلى شمال العراق في خطوة تندرج في اطار عملية سلام ترمي إلى انهاء نزاع دامٍ مستمر منذ ثلاثين عامًا لكنها تبدو هشة.
تركيا مستغربة من الموقف العراقي
وقد أعرب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عن استغرابه من موقف الحكومة العراقية حول عدم قبولها بانسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى داخل الأراضي العراقية.
ومن جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم قيادة حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل بشمال العراق أحمد دنيز هذا الموقف “نحن فعلا موجودون داخل أراضي العراق بإقليم كردستان منذ عام 1984 وهذا الموقف من الحكومة العراقية لا يهمنا والمسيرة ستستمر إلى حين تحقيق النجاح لعملية السلام بتركيا”.
واضاف ” لقد اتخذنا قرارنا بدخول عملية السلام حقنا للدماء، وبهدف إنهاء صراع دام أودى بحياة عشرات الآلاف من أبناء تركيا، ويفترض بدول الإقليم أن تدعم هذا التوجه نحو السلام لأنه في المحصلة يخدم أمن واستقرار المنطقة، وليس هناك أي مبرر لتخوف هذه الدول من عملية السلام الجارية بتركيا، لأنها لا تستهدف أحدا ولن تمضي على حساب أي طرف، لذلك ننتظر من هذه الدول تقديم الدعم وليس وضع العراقيل أمامها، لأننا اتخذنا قرارنا بالمضي فيها ولن نتراجع”.
ووفقا لاتفاق السلام الاخير بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني يلتزم مقاتلو الحزب بعبور الحدود من تركيا إلى إقليم كردستان العراق شبه المستقل حيث يوجد مقرهم الرئيسي. وقتل أكثر من 40 ألف شخص في الصراع الذي عرقل الاستثمار والتنمية في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية وأضر بصورة تركيا في الخارج. وتضع كل من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي حزب العمال الكردستاني على قائمة المنظمات الإرهابية.
والانسحاب الذي أمر به مراد كارايلان القائد العسكري الميداني للحزب في أواخر الشهر الماضي هو أكبر خطوة حتى الآن في اتفاق تفاوض بشأنه زعيم الحزب المسجون عبد الله اوجلان مع الحكومة التركية.
ومن المتوقع وصول الدفعة الأولى من مقاتلي حزب العمال الكردستاني المنسحبين إلى قواعد الحزب في جبال قنديل في شمال العراق خلال اسبوع تحت رقابة وكالة مخابرات تركية على الجانب التركي بينما تراقبه حكومة إقليم كردستان في شمال العراق.
ويشكل هذا الانسحاب المرحلة الثانية من عملية سلام بدأت بين انقرة وحزب العمال الكردستاني بعد الاعلان عن وقف لاطلاق النار من جانب واحد في نهاية آذار (مارس) الماضي.
وأكد الحزب أنه سيحترم التزامه الانسحاب من الأراضي التركية طالما لم يتعرض لهجوم من القوات التركية المسلحة. وأشار الرجل الثاني في الحزب مراد كارايلان الى أن الانسحاب يفترض أن ينتهي في الخريف المقبل مؤكدًا أن الكرة الآن في ملعب انقرة مطالبًا باصلاحات تخدم الاقلية الكردية.
وشدد على رغبة الحزب الذي يعتبر تنظيمًا ارهابيًا في عدد من الدول، في الافراج عن اوجلان الذي يمضي عقوبة السجن مدى الحياة. وسبق أن استبعدت انقرة بشكل قاطع الافراج عن اوجلان أو وضعه قيد الاقامة الجبرية.
ويقدر عدد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا بحوالي ألفي مقاتل يضاف اليهم 2500 في القواعد الخلفية في شمال العراق. وأكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الثلاثاء الماضي ضرورة مغادرة المتمردين الاكراد الأراضي التركية بأسلحتهم. وقال “يعرفون من اين دخلوا إلى تركيا وسيعرفون كذلك طريق الخروج نفسها” عبر الطرق الوعرة في جنوب شرق البلاد على الحدود مع العراق، على ما نقلت عنه وكالة الأناضول.
ويطالب اكراد تركيا بالاعتراف بحقوق محددة لهم مثل حق التعلم باللغة الكردية، إضافة إلى الحكم الذاتي لهذه القومية. وكانت الحكومة أقرت الاسبوع الماضي اصلاحًا لقانون مكافحة الارهاب يحد من نطاق الملاحقات ضد ناشطين من اجل القضية الكردية. لكن جزءًا من الرأي العام التركي ما زال يرفض بشكل حازم قرارات الحكومة ويعتبر هذا الحزب “ارهابيًا”.