8 مارس، 2024 9:18 ص
Search
Close this search box.

العراق : عندما يلوي الشد الطائفي للاطراف عنق الاحتجاجات ‏

Facebook
Twitter
LinkedIn

الاحتمالات باتت واردة في عراق تتصاعد في خارطته السياسية صراعات طائفية. مأزق المشهد ‏العراقي الذي يحاول أن ينتصر للقيم والعدالة الاجتماعية والسياسية، امتزج في الوجه الآخر بواقع ‏مغاير ينتصر للسلاح والدم في مشهد أحكمت فيه القاعدة قبضتها وصارت فيه الطائفية ملتوية العنق ‏في جبهة سياسية مراهقة، تحتكم لنصوص قانونية تحت قبة برلمانية، لكنها تفتقد “للتوافق” الشعبي، ‏فتعطي الانطباع بأنها تفتقد للشرعية الشعبية رغم كونها منتخبة. ‏

في الجبهة المقابلة، وظف الإعلام توظيفا موجها ومصلحيا، ينطوي على كثير من المغالطات. كما أن ‏السلطة التي تحولت بقدرة “التسييد” لم تعد تحمل هم النهوض بالبلد بقدر ما تحمل هم الزج به في ‏متاهات الطائفية… وهو الأمر الذي تفطن له الشعب بكل أطيافه وصار يرفضه. ‏
الجسد العراقي الذي كان موحدا، أصبح محكما بغربة سياسية تدفع إلى اقتتال غير مبرر باسم الطائفية ‏تارة وباسم الدفاع عن وحدة العراق تارة أخرى بالرغبة في فضح اللعبة القبيحة والمشينة التي تحاول ‏جعل العراق بؤرة توتر وواقع مختل في كل أطرافه من تمزق الدين الواحد والوطن الواحد إلى ملل ‏وأطياف كالسنة والشيعة والمسلمين والمسيحيين وأكراد وعرب غير متحدين على مصلحة البلد لكن ‏متوحدين دون رغبة منهم على القتل والدم والتصفية الجسدية. ‏
اليوم العراق يتجه نحو منعطف آخر، هو منعطف المظاهرات التي أصبحت تحرك في “شرعية ‏الثورة” بوادر تغيير يدفعها الشارع بأساليب ناعمة، تارة وصارخة تارة أخرى، ضد واقع مهترئ مل ‏منه المواطن العراقي بكل أطيافه. هذا المنعطف الذي تحولت فيه التظاهرات الاحتجاجية التي خرجت ‏من رحم محافظة الأنبار إلى اعتصامات تجاوزت حدود المحافظات وصعدت من حدتها في مشهد، أقل ‏ما يقال عنه، أنه تصعيد نحو انتفاضة شعبية تضفي ظلالها على عموم المشهد السياسي في تفاقم على ‏شاكلة الثورات العربية، تطالب بالتغيير وبالإصلاح وتتجاوز الانتماءات الطائفية من أجل عراق ‏موحد. ‏
عراق أصبح يرفض بإصرار ديمقراطية جوفاء ورفاهية تبيع “الطائفية” وتنتصر لها مجانا. أصبح ‏يرفض أيضا سلطة لم تعد تحظى بقبول شعبي بعد أن فشلت في إصلاح الأوضاع المتردية على جميع ‏الأصعدة ولم تتمكن من احتواء المواطن بمنحه أبسط حقوقه في العيش الآمن في بلده. ‏
ليس من قبيل وسواس المؤامرة على البلد أن نصنف مطالب المتظاهرين باللامشروعة، لأنها تطالب ‏برفع الغبن والظلم الاجتماعي والسياسي والقهر الطائفي الذي حول المذاهب والطوائف والإثنيات إلى ‏وكر تعشعش فيه الكراهية ونبذ الآخر والضغينة وحمل الشعب إلى الخروج منتفضا على الجور ‏والظلم وعدم وجود نية في الاصلاح والتغيير واستفحال الفساد وانتشار الإرهاب الذي يضرب أعناق ‏البسطاء من عامة الناس ولا يستهدف إلا أسواقا شعبيا أو أحياء تنام على فقر مدقع. ‏
ما يجري بمحافظة الأنبار العراقية ومحافظات أخرى كالموصل وصلاح الدين وديالى وغيرها يعد ‏المؤشر الأخطر لأسوأ التوقعات. فالأنبار كانت معقلا للمقاومة ضد الاحتلال الأميركي للعراق 2003، ‏حيث تكبدت فيها القوات الأميركية خسائر فادحة في أغلب مناطق المحافظة لكن أكثرها فداحة هي تلك ‏التي حصلت في مدينة الفلوجة حيث بقيت المدينة عصية على الاحتلال الأميركي عاما كاملا ولم ‏تدخلها قوات الاحتلال إلا بعد أن خاضوا أصعب هجومين في تاريخهم منذ دخولهم العراق. ‏
المأزق العراقي اليوم الذي يرنو على صفيح ساخن لم يستطع أحدا الوصول لحل معه، رغم المبادرات ‏الحثيثة لبعض الأطراف الحكومية. لكن المركز العراقي لمهارات التفاوض وإدارة النزاع الذي قدم ‏ورقة للمتظاهرين استطاع أن يصل إليهم ويحاورهم في جلسات متكررة لإقناعهم بالحلول التفاوضية ‏السلمية والتي أشادت بها لجان المشكلة في جبهة التظاهر. ‏
الورقة التي قدمها المركز العراقي لمهارات التفاوض وإدارة النزاع، شملت جوانب عدة من مطالب ‏المتظاهرين وحفظت القاعدة الأساسية التي ينتهجها المركز المعروف بحضوره المتميز في إدارة ‏الأزمات، إذا استطاع سابقا أن يحل معضلة الاحتجاجات المتكررة عن انقطاع الكهرباء والتي كادت ‏أن تؤدي إلى صدامات دامية في محافظة البصرة. ‏
ويحاول المركز العراقي لمهارات التفاوض أن يضع حدا للأزمات المستقبلية أيضا وليس إدارة هذه ‏الأزمة فحسب، مثل مبادرة لخلق حالة تواصل بين المرجعيات الدينية من كل المذاهب من أجل أن ‏تكون هي الضامن لرفع الظلم والحيف عن المظلوم والجهة الضاغطة على المؤسسة الحكومية من ‏أجل تصحيح المسار. ‏
ورغم مساعي المركز العراقي المستقل للتفاوض والذي يضم كل المذاهب والأطياف إلا أن السياسة ‏الترقيعية التي تعتمدها الحكومة، فشلت في التعامل مع الأزمات في الارتقاء إلى مستوى فهم أبعاد ‏الأزمة الراهنة. ومن ثم خلق مبادرات للحوار والتشاور وهو الأمر الذي يصعب كل محاولات الحلول ‏السلمية بما في ذلك محاولات المركز العراقي للتفاوض. كل الأزمات التي جاءت متزامنة مع ‏احتجاجات المواطنين تزامنت مع تفجيرات هزت الأحياء الفقيرة وهي من منظور القراءة المتأنية، ‏تندرج في سياق النفوذ السياسي الطائفي الرامي لبعثرة الحراك الشعبي وإنهاك عزيمة المتظاهرين.‏
عن : ميدل ايست اونلاين

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب