كتب ضياء الشكرجي : وزير العدل حسن الجعفري (الشمري)، وضع الحجر الأساس لـ«جمهورية العراق الجعفرية»، بإعلانه إنجاز «قانون الأحوال الشخصية الجعفرية»، و«القضاء الشرعي الجعفري»، وإحالتهما إلى مجلس شورى الدولة. وكم نحن محظوظون وسعداء، إذ طمأننا وزير العدل الجعفري «باقتناع مجلس شورى الدولة بصلاحية إحالة المشروعين إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تمهيدا لعرضهما على مجلس الوزراء لإقرارهما». وكم نحن محظوظون وسعداء.
إذ طمأننا وزير العدل الجعفري، طمأننا نحن من غير الشيعة، سواء من السنة، أو المسلمين اللامتمذهبين، أو اللادينيين، أي المرتدين، سواء من الإلهيين اللادينيين، أو الملحدين، أو من أتباع الديانات الأخرى، بأنهم أي (مشرعي القانون) «لم ينطلقوا في طرحهم لهذين المشروعين من منطلق التعصب والتعنصر للعقيدة (الإسلامية) أو المذهب (الشيعي الجعفري)، ولا يدعون فرضهما على الآخرين»، لافتا إلى أن «العراقيين وحدهم لهم الحق بعد إقرار المشروعين العمل بهما من عدمه».
فالرجل يعمل بتكليفه الشرعي الجعفري، بوصفه وزيرا للعدل الشرعي الجعفري. إذن كما لدينا وقف شيعي ووقف سني، وكما لدينا طائفية شيعية وطائفية سنية، وكما لدينا قتل شيعي وقتل سني، وكما لدينا فساد شيعي وفساد سني، فلتكن هناك إذن وزارة عدل سنية، إلى جانب أختها اللدود وزارة العدل الجعفرية. لكن هذا لن يكون ممكنا، لأن من البديهي – كما صرح مرة رئيس وزرائنا المالكي – ألا يكون رئيس الوزراء في العراق إلا شيعيا (جعفريا).
في كل الأحوال وضع وزير (العدل الشرعي الجعفري) الحجر الأساس لـ«جمهورية العراق الإسلامية الشرعية الشيعية الجعفرية اللامتعنصرة واللامتعصبة العظمى جدا جدا»، أسوة بجماهيرية القذافي.
العراق أصبح حقا عراق العجائب والغرائب، التي لا مثيل لها من عجائب وغرائب كل الأمم، وعجائب وغرائب كل التاريخ.
ومن عجائب وغرائب العراق، ميثاق (الشرف)، الذي وقع عليه الكثيرون من السياسيين، ممن يتجلى الشرف فيهم بذروته، هذا إذا علمنا أن الفساد قد أصبح مصداقا لـ(الشرف)، وسرقة المال العام مصداقا لـ(الشرف)، والطائفية مصداقا لـ(الشرف)، ونقض العهود والمواثيق، بما فيها مواثيق الشرف مصداقا لـ(الشرف).
ومن عجائب وغرائب العراق خطاب العَبرة والعِبرة لفيلسوف الدولة العراقية الحديثة إبراهيم (الجعفري)، وقد خنقته العبرة في خطابه الوعظي في حفلة توقيع وثيقة الشرف، وهو الناصح الذي لا يُنتصَح بنصائحه، والواعظ الذي لا يُتعَّظ بمواعظه، والمعلم الذي لا يُتعلَّم من دروسه.
ومن عجائب وغرائب العراق، أن توقع وثيقة الشرف، ويعقبها مسلسل التفجيرات، مباشرة منذ اليوم الذي تلا التوقيع، ذلك المسلسل الإرهابي المستدام، والذي أصبح من ثوابت يوميات الإنسان العراقي، من أجل تصحيح الفهم الخاطئ الذي حصل للبعض، ظنا منه أن ثمة تلازما بين ميثاق الشرف وحقن الدماء.
وعلى ذكر (الإنسان العراقي)، وذكر (حقن الدماء)، نجد أيضا من عجائب وغرائب العراق، أن تفتي المرجعية الدينية (الجعفرية) العليا القابعة في النجف (الجعفري) على لسان ممثلها خطيب جمعة كربلاء بـ«حرمة الدم العراقي». وهنا لا بد من طرح سؤال شرعي جعفري، أيُّ مجتمع هذا الذي يحتاج من أجل أن يمتنع عن دوامة القتل والقتل المقابل إلى فتوى نجفية بـ«حرمة الدم العراقي». يعني قبل صدور هذه الفتوى لم نكن نعلم أن قتل بعضنا البعض محرم، وأن لحياة الإنسان (العراقي) حرمة.
وبالمناسبة هل تعني الفتوى، ألا حرمة لدم وحياة غير العراقي، إذا صادف أن تواجد على الأرض العراقية، زائرا، أو سائحا، أو تاجرا، أو عاملا؟ ما أغربها من فتوى. صدور فتوى في أمر بديهي، ألا هو الامتناع عن ارتكاب جريمة القتل، تجعلني أخشى أننا سنتحاج إلى فتوى، تلزمنا بعدم أخذ المريض إلى نجار أو بقال أو مهندس معماري بل إلى طبيب، وسنحتاج إلى فتوى أن يجوز لنا أن نأكل عندما نجوع، وسنحتاج إلى فتوى ألا يجوز التزاوج بين البشر وسائر الحيوانات. وإلا فأخبروني بالله عليكم، هل حرمة القتل تحتاج، إلا في عراقنا العجائبي والغرائبي، إلى فتوى؟
ثم هل سيمتنع أفراد (القاعدة) وأفراد (دعاش) أي (الدولة الإسلامية في العراق والشام) عن القتل، عندما تصلهم فتوى المرجع الأعلى للدولة الجعفرية؟ بل هل سيلتزم القتلة حتى من الشيعة الجعفرية، الذين لا يرون أنفسهم مكلفين (شرعا) بالعمل بفتاوى المرجع، إما لأنهم يقلدون غيره، ممن لا يحرم ما حرم، أو إنهم لا يعرفون التقليد، ولا يلتزمون بأحكامه، أو إنهم لا يرون من سبيل لوقف القتل الطائفي الممارس ضدهم، إلا بقتل طائفي مضادّ.
ومن عجائب وغرائب العراق الجديد، أن تخرج الملايين مشيا على الأقدام لأداء طقوس الزيارة، ولا يخرجون للمطالبة بحقوقهم كآدميين.
ومن عجائب وغرائب الشعب الجعفري في العراق، أنهم كسروا كل الأرقام القياسية في عدد المناسبات الدينية المعطلة للحياة والمضرة بالاقتصاد والمربكة للنظام.
وغدا سنرى المزيد من العجائب والغرائب، عندما تجدد الولاية لرئيس وزرائنا العتيد و(الفلتة) التي لا تكرر، ثالثا، ورابعا وعاشرا.
وربما سنرى لونا آخر من العجائب والغرائب، عندما سيخلف أبناء المسؤولين الحاليين آباءهم في السلطة، فلن يكون أحمد نوري المالكي الحالة الغريبة والعجيبة الوحيدة، بل سنجد غدا أبناء البرزاني والطالباني والنجيفي والهاشمي والعيساوي، وأبناء كل هذه الطبقة السياسية العجائبية الغرائبية سيخلفون آباءهم، ليكونوا الخلف السائر على سيرة السلف.