“العراق” الحائر .. بين رسالة “الصدر” المحددة وقبول “التنسيقي” للتحدي !

“العراق” الحائر .. بين رسالة “الصدر” المحددة وقبول “التنسيقي” للتحدي !

وكالات – كتابات :

اقتحام أنصار “مقتدى الصدر”؛ يبدو رسالة إلى خصومه السياسيين، فإلى أين يتجه الانسداد السياسي في “العراق” بعد فشل تشكيل الحكومة، وهل تكون العودة لصناديق الاقتراع الحل الوحيد ؟

كان “العراق” قد دخل، منذ الأربعاء 27 تموز/يوليو 2022، في أطول فترة انسداد سياسي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ حال الصراع الداخلي، داخل التكتلات الشيعية والكُردية بالأساس، دون تشكيل حكومة جديدة، ما يُعطل الإصلاحات المطلوبة، في وقت تسعى البلاد للإنتعاش بعد صراعات استمرت لعقود.

وبعد مضي أكثر من تسعة أشهر على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، في تشرين أول/أكتوبر، لم يقترب المُشّرعون المُكّلفون باختيار رئيس ورئيس وزراء فيما يبدو من الاتفاق على شيء، ليُسجل “العراق” مدة قياسية تبلغ: 291 يومًا دون رئيس أو حكومة. وكانت أطول مدة سابقة في عام 2010، عندما مر: 289 يومًا دون حكومة، إلى أن تولى رئيس الوزراء؛ “نوري المالكي”، فترة ثانية في المنصب.

اقتحام مقر “البرلمان العراقي”.. رسائل مشفرة..

وفي الوقت الذي تواصل حكومة رئيس الوزراء؛ “مصطفى الكاظمي”، المنتهية ولايتها؛ تصريف الأعمال، يبدو أن فشل الأحزاب في التوافق على حكومة جديدة يتواصل أيضًا، وهو ما يعني استمرار حكومة “الكاظمي” كحكومة انتقالية لحين إجراء انتخابات جديدة.

ففي مؤشر على أن هذا الجمود لن ينكسر قريبًا بأي حال، اقتحم آلاف من أنصار رجل الدين الشيعي؛ “مقتدى الصدر”، مبنى “البرلمان العراقي”، الأربعاء، وهم يرددون هتافات مناهضة لمنافسيه السياسيين الشيعة، وذلك بعد أيام من تلميحهم إلى اتفاق بشأن رئيس وزراء محتمل.

ومنذ الغزو الأميركي لـ”العراق” والإطاحة بنظام “صدام حسين”، تحتفظ الأحزاب الشيعية بمنصب رئيس الوزراء، ويتولى الأكراد رئاسة البلاد والسُنة رئاسة البرلمان، لكن تزايد الانقسامات بين هذه الكتل أطال أمد عملية تشكيل الحكومة بشدة هذه المرة.

ففي المعسكر الشيعي، سحب “الصدر”، الفائز بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات تشرين أول/أكتوبر، نوابه البالغ عددهم: 74 نائبًا من البرلمان، الشهر الماضي، بعدما فشل في تشكيل حكومة تستبعد منافسيه الشيعة، وأغلبهم مدعومون من “إيران”، ولديه أجنحة مسلحة تسليحًا كثيفًا، فيما يُعرف باسم: (الحشد الشعبي)؛ بحسب وكالة (رويترز) في تقرير لها.

وبهذا الانسحاب ترك “الصدر” عشرات من هذه المقاعد لمنافسيه، لكنه أشار إلى أنه لن يقف صامتًا هو وفصيله وقاعدته الشعبية التي تضم الملايين إن هم حاولوا تشكيل حكومة لا يوافق عليها.

وهدم بضع مئات من أنصار “الصدر” حاجزًا خرسانيًا، ودخلوا “المنطقة الخضراء”؛ التي تضم مباني حكومية، الأربعاء، قبل أن يقتحموا البرلمان.

وحال “الصدر” فعليًا هذا الشهر دون ترشيح منافسه اللدود؛ “المالكي”، متهمًا رئيس الوزراء الأسبق بالفساد في تغريدة على (تويتر). وطرح منافسو “الصدر” مرشحًا آخر هو: “محمد شّياع السوداني”، لرئاسة الوزراء، لكن “الصدر” يُعارض ترشحه كذلك لأنه من حلفاء “المالكي”.

وقال عضو في حزب “الصدر” السياسي، طلب من (رويترز) عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مُصرح له بإعطاء تصريحات للإعلام: “السوداني؛ مجرد ظل للمالكي”. بينما قال الشيخ “صفاء البغدادي”، وهو مُعلم ديني، قبل قليل من اقتحام المتظاهرين البرلمان: “سنتظاهر إلى أن يرحل الساسة والجماعات الفاسدة المدعومة من إيران”.

ما هي رسالة “الصدر” لمنافسيه ؟

من جانبه؛ يرى الكاتب والباحث الخبير في الشأن العراقي؛ “نظير الكندوري”، أن اقتحام المتظاهرين للبرلمان يُمثل رسائل عاجلة من (التيار الصدري)؛ لـ (الإطار التنسيقي)، ومن ورائه “نوري المالكي”، ملخصًا تلك الرسائل في عدم إمكانية تهميش التيار الفائز بالمركز الأول في الانتخابات السابقة. وتوقع الكاتب أن يكون الحل الوحيد هو توجه البلاد لانتخابات مبكرة مرة أخرى.

وقال “الكندوري”؛ لوكالة (الأناضول)، إنه: “بعد إعلان (الإطار التنسيقي) ترشيح السوداني؛ لمنصب رئاسة الوزراء، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالإدانات والرفض لشخصيته من قبل أنصار (التيار الصدري)”.

واعتبر الخبير بالشأن العراقي أن سبب ذلك الرفض: “على اعتبار أن من قام بترشيحه هو: نوري المالكي؛ وسيكون السوداني ظلًا له، لا سيما أن الأخير هو أحد أعضاء حزب (الدعوة)؛ الذي يترأسه؛ المالكي، قبل أن يستقيل لغرض ترشيحه بديلاً عن رئيس الوزراء السابق؛ عادل عبدالمهدي، وفي حينها رفضته جماهير انتفاضة تشرين 2019 الشعبية”.

كما تأتي هذه الأحداث على خلفية استقالة النواب الصدريين من “البرلمان العراقي”، بعد فشلهم بتشكيل الحكومة مع حلفائهم من الكُرد والسُنة، وتفرد جماعة (الإطار التنسيقي) بتشكيل الحكومة على اعتباره أكبر كتلة شيعية متبقية في البرلمان، بحسب “الكندوري”.

“تشتد الخصومة بين (التيار الصدري) و(الإطار التنسيقي) على خلفية الخلاف القديم والقائم بين شخصية زعيم (التيار الصدري)؛ مقتدى الصدر، وبين؛ نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، وأحد أعضاء (الإطار التنسيقي) الأساسيين”، كما يقول الكاتب العراقي.

“يُحاول الصدر أن يقوم بنفس الدور الذي قام به (الإطار التنسيقي)؛ حينما استطاع الأخير منع الصدر من تشكيل حكومته، بالرغم من حصوله على أعلى عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة”، وأضاف “الكندوري” أنه: “رافق أحداث اقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، زيارة غير مُعلن عنها للعراق لقائد (فيلق القدس)؛ بالحرس الثوري الإيراني، للعراق؛ إسماعيل قاآني، للقاء بعض قادة (الإطار التنسيقي)، ودعم ترشيح: محمد شّياع السوداني لرئاسة الحكومة”.

جدير بالذكر هنا أن هذا الشلل السياسي ترك “العراق” دون موازنة عامة لعام 2022، فتوقف الإنفاق على مشروعات للبنية الأساسية مطلوبة بشدة وتعطلت الإصلاحات الاقتصادية.

ويقول العراقيون إن هذا الوضع يُزيد نقص الخدمات والوظائف حتى مع تحقيق “بغداد” عائدات نفطية قياسية، بسبب ارتفاع أسعار الخام، ورغم أنها لم تشهد صراعات كبرى منذ هزيمة تنظيم (داعش) قبل خمس سنوات.

وقال “محمد محمد”، وهو موظف متقاعد بالقطاع العام؛ عمره: (68 عامًا)، ويقطن مدينة “الناصرية” الجنوبية؛ لـ (رويترز): “لا توجد حكومة، فلا توجد موازنة، والشوارع مليئة بالحفر، والكهرباء والماء نادران، والرعاية الصحية والتعليم متداعيان”.

وكانت الظروف نفسها التي حكى عنها؛ “محمد”، قد أثارت احتجاجات حاشدة في “بغداد” و”جنوب العراق”؛ في 2019. حينها طالب المتظاهرون برحيل الأحزاب التي كانت في السلطة منذ الغزو الذي قادته “الولايات المتحدة”؛ عام 2003، وأطاح بحكم “صدام حسين”، واتهموها بالفساد الذي حال دون تقدم “العراق”. وقتلت قوات الأمن ورجال فصائل مسلحة مئات المتظاهرين، وتوقفت الاحتجاجات تدريجيًا في 2020.

وتولى “الكاظمي” المسؤولية كمرشح توافقي إثر الاحتجاجات، ووعد بمعاقبة قتلة المتظاهرين وبانتخابات مبكرة أجراها بالفعل في العاشر من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

لكن أغلب من خرجوا في مظاهرات في السابق فقدوا الأمل في التغيير. وقال “علي الخيالي”، وهو ناشط مناهض للحكومة شارك في المظاهرات؛ لـ (رويترز): “ستتشكل الحكومة، أيًا كانت، من أفراد وأحزاب شاركت في قتل أصدقائنا”.

إلى أين يتجه الانسداد السياسي إذاً ؟

عادة ما يستغرق تشكيل حكومة في “العراق” شهورًا، ويستلزم كسب تأييد جميع الأحزاب السياسية الرئيسة، لكن الخلافات لا تتوقف هذه المرة عند اختيار رئيس الوزراء، إذ تحول الخلافات بين الأحزاب الكُردية الرئيسة التي تُدير منطقة “كُردستان”؛ في شمال “العراق”، دون اختيار رئيس للبلاد، وهو منصب يُتيح لصاحبه فور موافقة البرلمان عليه أن يُعّين رئيسًا للوزراء.

ويتولى (الاتحاد الوطني الكُردستاني) الرئاسة منذ 2003. أما منافسه الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)، الذي حصل على العدد الأكبر من أصوات الأكراد بفارق كبير، فيتمسك بمرشحه للرئاسة. ولا يبدو أن أي طرف على استعداد للتزحزح عن موقفه. وقال “شيروان الدوبرداني”، النائب عن الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)؛ لـ (رويترز): “لم نتمكن من الاتفاق بعد، منصب الرئيس يجب ألا يظل في قبضة حزب واحد أبد الدهر”.

وفي هذا السياق؛ قال “الكندوري”؛ لـ (الأناضول)، إن توقيت اقتحام البرلمان لم يكن عبثيًا، إذ: “تأتي هذه التظاهرات، قبل أيام من عقد جلسة البرلمان، السبت القادم، وسيجري فيها اختيار رئيس للجمهورية من الأكراد، ثم تسمية الكتلة الأكبر وترشيح شخصية رئيس الوزراء”.

“بالتالي جاءت تظاهرات أنصار الصدر؛ كرسالة رفض من قبل زعيمهم لمرشح (الإطار التنسيقي) المقرب من؛ نوري المالكي، ولسان حال الصدر يقول لجماعة (الإطار التنسيقي) مازلت فاعلاً بالعملية السياسية رغم خروج نوابي من البرلمان”.

وأكد “الكندوري” أنه في حال إصرار (الإطار التنسيقي) على عقد جلسة تمرير حكومة يرأسها “السوداني”، سيُعتبر تحديًا قويًا لـ”الصدر” وأنصاره، الأمر الذي يُنذر بوقوع فوضى تفوق الفوضى التي حدثت مساء الأربعاء”.

والواضح من تفاقم الأمور هو أن الخلاف المُسّتحكم بين (الإطار التنسيقي) و”الصدر” قد وصل إلى مرحلة مستعصية غير قابلة للحل، وبدأت تتعالى أصوات بعض السياسيين للمطالبة بإبقاء حكومة “الكاظمي” الحالية والتهيئة لعقد انتخابات جديدة، عسى أن تخرج العملية السياسية الحالية من حالة الانسداد التي تُعاني منها، كما يرى الباحث في الشأن العراقي.

وعن مستقبل المواجهة السياسية والمآلات المتوقعة، ذهب “الكندوري” إلى أن: “هناك قيادات من (الإطار التنسيقي) مازالت تُصّر على تحدي الصدر وأنصاره، بدا ذلك واضحًا من خلال بياناتهم وتعليقاتهم على اقتحام المنطقة الخضراء”، لكن (الإطار التنسيقي) أكد على أن تظاهرات؛ الأربعاء، لن تؤثر على مساعي الإطار بتشكيل حكومة “محمد شياع السوداني”، وقد أصدر صباح الخميس بيانًا يؤكد على تمسكه بهذا الترشح.

وأوضح الباحث العراقي أن: “انسحاب أنصار الصدر من المنطقة الخضراء كان متوقعًا، فقد سبق أن اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء؛ في عام 2016، وخرج منها دون أن يسقط النظام حينها”.

“لكن هذه المرة يبعث الصدر من خلالها رسالة واضحة لخصومه السياسيين من (الإطار التنسيقي)، بأنه قادر على إسقاط النظام إذا ما اضطر لذلك، لكن بالنهاية فإن الصدر لا يُريد ذلك، ويسعى لبقاء النظام الحالي كما هو، شرط أن تكون له اليد العٌليا فيه، وأن يكون الزعيم الأوحد للشيعة في العراق، وعدم إمكانية تهميشه”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة