خاص : ترجمة – لميس السيد :
استطاع رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”، في غضون ثلاثة سنوات فقط من إعادة بناء الجيش العراقي وهزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي داخل دولة منقسمة على ذاتها، ومع ذلك فإن الإستقرار يبدو هشاً في العراق.
في هذا الصدد تقول صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية؛ أن البلاد تتصدى لتهديد مستمر من الطائفية العنيفة بين السكان الشيعة والسنة، فضلاً عن فساد الحكومة المستوطن واليأس الاقتصادي الساحق، وخاصة في وجود ملايين المواطنين الذين لا مأوى لهم بعد المعارك ضد “داعش”.
ولذلك فإن المستقبل يحمل قرارات حاسمة بالنسبة للعراق، في الوقت الذي تستعد فيه للانتخابات التي يمكن أن تلغي مكاسبها التي اقتنصتها بصعوبة بالغة ومجهود كبير. كما أن التصويت يمكن أن يعيد تشكيل تأثير إيران عبر الشرق الأوسط ويحدد إحتمال عودة “داعش” مجدداً للعراق.
“العبادي” ومنجم المتفجرات..
يشير الوضع الحالي في العراق إلى نقطة فارقة في مستقبل السيد “العبادي” أيضاً بالعراق، حيث ستكون حملته الانتخابية تحت إختبار جديد لفطنته السياسية في معالجة البيئة الأمنية الصعبة للعراق.
وقبل أسبوعين، على سبيل المثال، تقول الصحيفة الأميركية؛ أن رئيس الوزراء العراقي قد غاص بقدميه في “منجم متفجرات”، بحسب وصفها، وقالت أن إعلان “العبادي” قبل الموعد النهائي للتسجيل في انتخابات 12 آيار/مايو القادم، بتأسيسه إئتلاف مشترك مع قادة الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، هو محاولة لتعزيز صورته أمام المجتمع العراقي كقائد متقبل لجميع أطيافه.
وعلى الرغم من أن الشيعة العراقيين هم الأغلبية، إلا أنهم مفتتين بفعل التناحر بينهم داخل الأحزاب السياسية المتنافسة. وذلك سيكون أمراً مهم للأخذ في الاعتبار بالانتخابات القادمة، خاصة أن الشيعة كانوا يديرون ائتلافات الحكومة منذ الإطاحة بـ”صدام حسين”.
وقد حظيت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بالثناء على المساعدة في هزيمة تنظيم “داعش”، ولكنهم اتهموا أيضاً بإرتكاب الفظائع الطائفية، وكان الكثير يعتبرهم أدوات لإيران، ولذلك فإن فوز “العبادي” إستناداً إلى شعبيته أمراً غير مؤكد، خاصة أن إجراء الانتخابات لا يزال أمامه أكثر من ثلاثة أشهر.
وقال “ريناد منصور”، المحلل العراقي في “مركز أبحاث شاتام هاوس” البريطاني: “لدى العبادي خيط رفيع يمشي عليه.. إنه يحظى بشعبية بين العديد من أطياف العراقيين، لكنه أيضاً لديه أعداء خطيرون. والسياسة في العراق تدور حول السلطة المشتركة”.
مأزق “العبادي” أمام “المالكي”..
تولى السيد “العبادي” السلطة في عام 2014، بعد وقت قصير من احتلال “داعش” لثلث العراق وإستعباد عشرات الآلاف من مواطنيه. ويعزو معظم العراقيين هذه الكارثة إلى فشل سلفه، “نوري المالكي”، الذي حكم منذ ثماني سنوات قبل أن يطيح به ائتلافه الشيعي لصالح السيد “العبادي”.
ولكن في حين أن السيد “العبادي” هو زعيم البلاد، فإنه لا يرأس حزبه السياسي، “الدعوة الإسلامية” العراقي، مما يجعل موقفه السياسي محفوفاً بالمخاطر. ويبقى زعيماً للحزب السيد “المالكي”، الذي على الرغم من ماضيه السياسي المتقلب، إلا أن عودته محتملة. ولهذا فإن السيد “المالكي” منع السيد “العبادي” من استخدام موارد “الدعوة” لحملته.
ولكن لا يزال “العبادي” يعول على تحالف الخاص، “تحالف النصر”، الذي أعطى مساعديه الثقة في منصة قوية لدخول موسم الانتخابات. ورغم ذلك، لا يمكن للعراق أن يتنازل عن حقيقة أن منصب رئيس الوزراء في العراق دائماً ما يجتذب إليه الشيعة، الأمر الذي يجب أن يضعه “العبادي” في الإعتبار إذا أراد الفوز بالمقعد مجدداً.
والمشكلة أن القوى الشيعية كلها تمتلك أدوات خاصة لخوض الانتخابات، حيث يترقب المنصب كل من “المالكي” وزعماء الميليشيات الموالية لإيران، الذين هم على مقربة من “الحرس الثوري” الإيراني والسيد “مقتدى الصدر”، وهو الشخصية الشعبية الذي استطاع أن يصبح بطلاً للفقراء والعاطلين عن العمل ومعارضاً شرساً للتدخل الإيراني.
ويقول الصدريين أن زعيمهم غضب من تحالف السيد “العبادي” مع قادة الميليشيات الموالية لإيران، وحتى أن أقرب مستشاري السيد “العبادي” يعترفون الآن بأن هذا التحالف كان خطأ تكتيكاً خطيراً؛ لأنه كيان سياسي أنشيء في مهلة قصيرة.
وقال “علي الأديب”، عضو البرلمان القريب من السيد “العبادي”: “لم يكن لدينا الوقت الكافي لوضع الصيغة النهائية لشركاءنا الرئيسيين في التحالف، وما نؤيده وما نتفق عليه جميعاً.. ونحن الآن بدأنا مناقشة كل هذه الأمور الآن”.
ولذلك يقول بعض المحللين إن سمعة رئيس الوزراء قد تكون مشوهة إلى الأبد.
وقال “حسن حسن”، وهو باحث في مكافحة الإرهاب، في مقال نشرته صحيفة (ناشيونال) الإماراتية: “إن التطورات الأخيرة تقوض وجهة النظر في واشنطن بأن السيد العبادي هو حصن ضد قوى طائفية ذات صلات قوية بإيران”.
ويقول آخرون؛ إنه من السابق لأوانه التنبؤ بهذه التوقعات مقدماً نظراً لمناخ الأمن العراقي الذي لا يمكن التنبؤ به.
- الصور: نقلاً عن صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية.