بعد 20 شهرا من تشكيل الحشد الشعبي للمليشيات الشيعية في العراق فقد بدأت اصابع اتهام رسمية توجه الى قياداته وعناصره بتجاوزات وفساد مالي من الواضح انها تستهدف الى تحجيم عمليات الانفلات التي رافقت مسيرته منذ ان دعا الى تشكيله المرجع السيستاني عقب احتلال داعش لمدينة الموصل الشمالية وتهديده بالزحف على مدينتي النجف وكربلاء المقدستين لدى الشيعية.
وبرغم الاتهامات التي تواصل منظمات حقوقية دولية مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وقوى سنية عراقية للمليشيات التي يتشكل منها الحشد الشعبي والمرتبطة بأيران سياسيا وتسليحيا بأرتكاب جرائم قتل وتهجير طائفية الا ان القوى السياسية الشيعية الحاكمة ظلت تدافع عن الحشد وتتهم منتقديه بالتناغم مع تنظيم “داعش” الذي يقاتله الحشد.
واليوم الثلاثاء وبعد ساعات من اعتراف رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة – المفترض ان يكون الحشد تحت قيادته بأعتباره مؤسسة عسكرية – بتجاوزات للحشد فقد اعلنت قيادته عن اصدار أوامر باعتقال من وصفتهم “منتحلي صفة الحشد الشعبي” في اعتراف ضمني بتجاوزات عناصره .. كما تقضي الاوامر بالتنسيق مع قيادة عمليات بغداد لغلق ما قالت انها “المقار الوهمية” لفصائل الحشد الشعبي وفق القانون وبأوامر قضائية وهي اوامر اصدرها نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس المعروف بأنه كان احد عناصر الحرس الثوري الايراني لدى وجوده في ايران هاربا من العراق في حقبة النظام السابق.
وكان المرجع الشيعي الاعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني قد دعا في 13 حزيران (يونيو) 2014 بعد ثلاثة ايام من احتلال “داعش” لمدينة الموصل القادرين على حمل السلاح إلى “التطوع في الحرب ضد الإرهاب” عادّاً إياها حرباً مقدسة مؤكدا أن من يقتل في هذه الحرب سيكون شهيدا عند الله.
وتقول قيادات الحشد ان عدد عناصره يبلغ مائة الف مسلح لكن مصادر شبه رسمية تقول ان عددهم لايزيد على 60 الفا ما اثار شبهات فساد في سرقة رواتب اعداد من عناصره الموجودة اسماؤهم فقط في قوائم تشكيله زورا.
وأمس اكد العبادي انه لا ينوي حل الحشد الشعبي وشدد على ضرورة دعمه واسناده بالدعم والتدريب اسوة بقوات الجيش .. لكنه دعا قادة الحشد الى كشف الفساد ومحاربته وقال ان ادارة الحشد الشعبي فيها مشكلة تتعلق بزيادة العدد خارج التخصيصات. واوضح ان “هناك فضائيين يتقاضون رواتب في الحشد بدلا من المقاتلين المجاهدين في ساحات المعركة”. واتهم العبادي جهات لم يسمها بأمتلاك جزء صغير من المقاتلين في الحشد الشعبي لكنها تتقاضى رواتب كبيرة لتمول نفسها في الانتخابات المقبلة.
وجاء هذا التصريح محاولة من العبادي للحد من تجاوزات مليشيات الحشد التي توغلت كثيرا واصبحت دولة مسلحة داخل الدولة العراقية وذات يد طولى في التطورات الامنية والسياسية التي تشهدها البلاد نظرا لانها تحت قيادة مباشرة من القوى السياسية وتتلقى الاوامر منها.
وخلال مؤتمر الامن في مدينة ميونيخ الالمانية الجمعة الماضي فقد أعلن العبادي أن هناك جماعات خارج إطار الدولة أفرزتها ميليشيات الحشد الشعبي .. وقال “أعتقد أن هناك مجموعات أفرزها الحشد الشعبي وهي مجموعات خارج إطار الدولة وسيطرتها ونحن لن نسمح بذلك ولن نسمح بوجود أي جماعات خارج إطار الدولة ونحن نحاربها وسيتم القضاء عليها”.
وعلى الفور اعتبر اتحاد القوى العراقية (السني) تصريحات العبادي بانها خطيرة وتؤكد جود مندسين داخل الحشد الشعبي ودعا المجتمع الدولي الى اعتماد اعترافات العبادي بصفته قائد الحشد الشعبي بارتكاب جماعات مندسة من الحشد الشعبي لجرائم حرب وتصفية طائفية وتغيير سكاني ترتقي الى مستوى جرائم ابادة ضد الانسانية.
وكانت الممارسات الطائفيىة لعناصر الحشد خلال تحرير مدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين الغربية الصيف الماضي قد اثارت انتقادات داخلية وخارجية ضد الحشد وصلت الى حد اتهامه بجرائم حرب ضد الانسانية. وقد دفع ذلك القوات الامريكية والعراقية الى منع الحشد من المشاركة في معركة تحرير مدينة الرمادي عاصمة محافظة الانبار الغربية وهو الامر نفسه الذي يثير جدلا حاليا حول مشاركة الحشد في معركة تحرير الموصل المنتظرة من عدمه.
الحشد بين الضم للجيش وتحجيمه بقانون التجنيد الالزامي
مصادر عراقية تحدثت اليها “أيلاف” اعتبرت ان العبادي قد فجر معركة صعبة مع حلفائه الشيعة في قيادات مليشيات الحشد المدعومة من ايران الا انها اشارت الى ان توجهه نحو ضم الحشد تنظيميا الى القوات الامنية لوضعه تحت قيادته الفعلية بأعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة قد يحد من توغل هذه المليشيات ويحد من سطوتها ويضعها تحت سيطرته.
وكان وزير الدفاع خالد العبيدي قد بحث هذا الامر خلال اليومين الماضيين في النجف مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي دعا الى ضم الحشد الى القوات المسلحة خاصة وانه كان وجه انتقادات لممارسات بعض تشكيلاته.
واشارت المصادر الى ان الحل الاخر للحد من سطوة المليشيات المسلحة هو التوجه الحالي لمجلس النواب لاقرار قانون التجنيد الالزامي الذي سيؤدي الى انخراط الشبان العراقيين من مختلف طوائفهم وقومياتهم في تشكيلات القوات الامنية ما يحقق توازنا للمكونات العراقية فيها حيث يشكو السنة ان تمثيلهم في هذه القوات لايتعدى نسبة 15 بالمائة وهو ما اشار اليه رئيس المجلس سليم الجبوري مؤخرا.
لكن المصادر تقر بأن العبادي بمعركته هذه لتحجيم الحشد ستكون صعبة وتلقى معارضة شديدة خاصة ون معظم هذه المليشيات تدين بالولاء الى خصمه اللدود رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ولذلك فأنها ترى ان دعم مرجعية السيستاني لتوجهات العبادي هذه ضروري جدا لنجاحه فيها خاصة وانها كانت انتقدت مرات عدة ممارسات بعض عناصر الحشد المنفلتة وخروجها على القانون.
وفي 27 من الشهر الماضي قالت المنظمة الأوروبية لحرية العراق إن “الفظائع المروعة التي ارتكبتها الميليشيات العراقية قد أدخلت العراق في مزيد من الأزمات . وقالت المنظمة التي يترأسها إسترون إستيفنسون عضو البرلمان الأوروبي رئيس لجنة العلاقات مع العراق في البرلمان بدورته السابقة ان “المنظمات الميليشياوية الأكثر فتكا وتابعة لإيران هي فيلق بدر وعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي”.
وأوضحت انه “وفقا للتقارير التي وثقتها منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، قامت هذه الميليشيات الثلاث بارتكاب جرائمها باستخدام الامكانيات الحكومية ولديها فرق اغتيال قتلت شخصيات سياسية عراقية، وضباطًا سابقين وأطباء وخبراء عراقيين”. وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية اتهمت “ثلاث ميليشيات عراقية بارتكاب جرائم حرب” وقالت إنها “استخدمت الاسلحة الإيرانية والاميركية المقدمة للعراق في جرائمها”. وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة “ترتكب كل من الميليشيات التابعة للحكومة العراقية وداعش فظائع ضد المدنيين بدعم واضح من قادتهم ولكن ما يجعل الأمور تسوء أكثر هو أن نظام العدالة العراقي لا يتوفر على أي شكل من أشكال المساءلة”.