وكالات – كتابات :
أعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق؛ “سعد الحريري”، تعليق عمله السياسي، كما دعا “الحريري”، الذي انتخب للمرة الأولى لعضوية “البرلمان اللبناني”؛ عام 2005، حزبه السياسي (تيار المستقبل) إلى اتخاذ نفس القرار.
تعليقًا على هذا الإعلان؛ أعد الصحافي؛ “محمد القاسم”، تحليلًا نشره موقع (ذا ميديا لاين). أشار “القاسم” إلى أن (تيار المستقبل) يشغل: 13 مقعدًا في “البرلمان اللبناني”؛ المؤلف من: 128 مقعدًا، ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية؛ في 15 آيار/مايو المقبل. وقال “الحريري”؛ في خطاب أذاعه التلفزيون: “أنا مقتنع بأنه لا مجال لأية فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني، والاضطراب الدولي، والانقسام الوطني، وتأجيج الطائفية، وتلاشي الدولة”.
زلزال سياسي..
نقل التحليل عن الصحافي والكاتب السياسي اللبناني؛ “أمين قمورية”، قوله لموقع (ذا ميديا لاين): إن قرار “الحريري” يمكن وصفه بأنه: “زلزال سياسي”، حيث يُعتبر هو وحزبه (تيار المستقبل)؛ مكونًا أساسيًا في السياسة اللبنانية، وقراره بالبقاء بعيدًا عن الساحة السياسية اللبنانية سيتردد صداه خارج السياسة، وسيكون له تأثير على جميع القادة السُنيين الكبار. موضحًا أن: “القرار ليس ترك الحياة السياسية، بل الإمتناع عن الترشح للانتخابات النيابية”.
يؤكد “القاسم” أن هناك شعورًا عامًا في “لبنان”؛ بأن الوقت قد حان للتخلص من النظام السياسي الحاكم، وإفساح المجال لدماء جديدة للانخراط في السياسة، والترشح للمناصب العامة بدلًا عن حصرها في العائلات والجماعات التي لا تتغير.
يُعاني “لبنان” من أزمة مالية وسياسية، حيث فقدت العُملة اللبنانية أكثر من: 90% من قيمتها؛ مما أدى إلى غرق السكان في براثن الفقر. كما أسفر انفجار هائل في “مرفأ بيروت”؛ في آب/أغسطس 2020، عن مقتل أكثر من: 200 شخص؛ مما دفع السياسيين المؤثرين إلى السعي لحماية أنفسهم من التداعيات السياسية.
يقول “قمورية” إن هناك سببين رئيسين وراء قرار “الحريري”، أحدهما شخصي، نتيجة فقدان ثروته الشخصية خلال الأزمة المالية المحلية المستمرة، والتي تؤثر سلبًا أيضًا على (تيار المستقبل)، وفي السنوات الأخيرة أغلق “الحريري” تلفزيون وصحيفة (المستقبل)، وكذلك شركة العائلة، ولم يزل تحاصره الديون.
السبب الثاني، بحسب “قمورية”، هو حصار “الحريري” من قِبل بعض دول الخليج التي كانت ترعى حركته، وتحديدًا “السعودية”. فقد لعب حزب “الحريري” دورًا رئيسًا في السياسة اللبنانية، وكان يُنظر إليه على أنه قوة موازنة لـ (حزب الله)، الذي انتشر نفوذه السياسي والعسكري في السنوات الأخيرة؛ بمساعدة حليفته “إيران”. وقال “قمورية”: “هناك شعور بالإحباط في ظل ما يعتبره السُنة نتيجة فشل الاتفاقات السابقة؛ (لتشكيل الحكومة)، بسبب ما وصفه الحريري بالهيمنة الإيرانية في لبنان”.
سُنة “لبنان” يشعرون بالتهميش بسبب “إيران”..
وبحسب “قمورية”؛ فإن صعود النفوذ الإيراني في البلاد يُضعف “لبنان” والطائفة السُنية. موضحًا أن هذا بالإضافة إلى المشاكل الأخرى التي يواجهها “لبنان”، بما في ذلك أزمة البلاد مع دول الخليج التي تحجب المساعدة، وهي: “أحد المنافذ السياسية والمالية لهذا البلد”. كما يُنظر إلى “الحريري” على أنه زعيم المسلمين السُنة في البلاد، وهي واحدة من أكبر ثلاث طوائف دينية تُشكل نظام تقاسم السلطة المُعقد في “لبنان”.
يتزعم “الحريري” الكتلة السُنية منذ اغتيال والده؛ عام 2005، ويرى “القاسم” أن تقاعد “الحريري” الاختياري سيترك فراغًا كبيرًا في الساحة السُنية. وأكد “قمورية” عدم وجود أي شخصية سُنية يمكنها أن تملأ الفراغ، باستثناء بعض الشخصيات أو الجمعيات الدينية. قدم “الحريري” عدة تضحيات شخصية لتجنب الحرب الأهلية في “لبنان”.
أضاف “قمورية”: “أعتقد أن مواقف سعد الحريري الأخيرة؛ ساهمت في تخفيف حدة التوتر، خاصة في ذروة الصراع (السُني-الشيعي)، الذي كان قائمًا في لبنان والمنطقة”. من بين هذه المواقف قبول “الحريري” للتسوية السياسية الرئاسية، وقبوله بعلاقات متوازنة مع (حزب الله)؛ من خلال اتخاذ مواقف معينة بشأن محاكمة مرتكبي عملية اغتيال والده، مضيفًا أن: “كل هذه الأمور ساعدت في منع لبنان من الإنجرار إلى فتنة داخلية”.
قال “علي الأمين”، رئيس تحرير وكالة (الجنوبية) اللبنانية للأنباء، والمحلل السياسي، لموقع (ذا ميديا لاين): إن أسبابًا محلية وخارجية دفعت “الحريري” إلى اتخاذ قراره. أضاف “الأمين”: “استنتج الحريري؛ من مسيرته السياسية، أنه الحلقة الأضعف في معادلة القوة، وأن تجربته تدل على استنزاف سياسي ومالي، وهو أبرز ما توصلت إليه تجربته، دون أن يُحقق ما كان يطمح إليه على المستوى الوطني”. ويُشير التحليل إلى أن “الأمين” مثل غيره ينسبون الفضل إلى “الحريري” في إنقاذ “لبنان”، البلد الذي يبلغ عدد سكانه: 5.2 مليون نسمة، من حرب أهلية أخرى.
يرى “القاسم” أن السبب الخارجي متعلق بالموقف العربي والخليجي على وجه الخصوص من “لبنان”، الذي يتجه نحو مزيد من القطيعة، و”الحريري” لا يرى نفسه في معادلة القوة بـ”لبنان”؛ ما دام الموقف الخليجي معاديًا للحكومة الحالية؛ التي تُسيطر “إيران” على خياراتها الإستراتيجية.
“الحريري” عالق بين “إيران” و”السعودية” !
في عام 2017؛ تم استدعاء “الحريري” إلى “السعودية”، حيث أجبره المسؤولون السعوديون على الاستقالة من منصب رئيس الوزراء. وأعلن استقالته في مقطع فيديو بثه التلفزيون السعودي وأدلى بتصريحات تهديدية ضد “إيران”، العدو الإقليمي لـ”السعودية”.
قال “الأمين”: “يُدرك الحريري؛ أنه لا أفق لحركته السياسية والوطنية خارج المظلة العربية، والسعودية على وجه الخصوص، ولهذا يُبادر بتبني موقف يُعفيه من المواجهة المباشرة والشرسة مع (حزب الله)”، مؤكدًا أن “الحريري” لا يُريد استفزاز دول الخليج و”السعودية”، ولهذا اتخذ هذه الخطوة.
على الرغم من الوضع الكئيب الذي يواجهه “لبنان”، يقول “الأمين”: إن “لبنان” الدولة العربية الصغيرة؛ ليست على أعتاب حرب أهلية أخرى، موضحًا: “لا أعتقد أنها قريبة أو وشيكة؛ لأن الحرب تحتاج إلى طرفين مسلحين، ولا توجد ميليشيا في لبنان إلا (حزب الله)، والحرب الأهلية في حاجة إلى ممول، ولحسن الحظ ما من أحد في البلد أو المنطقة ليقوم بالاستثمار في مشروع حرب أهلية بلبنان”.
ترجمة: عبدالرحمن النجار