الطريق إلى “الإليزيه” .. لماذا يخشى “ماكرون” سيناريوهات “ترامب” و”البريكست” ؟

الطريق إلى “الإليزيه” .. لماذا يخشى “ماكرون” سيناريوهات “ترامب” و”البريكست” ؟

وكالات – كتابات :

تشهد “فرنسا”؛ اليوم 24 نيسان/إبريل 2022، جولة الإعادة بين الرئيس المنتهية ولايته؛ “إيمانويل ماكرون”، ومرشّحة اليمين المتطرّف؛ “ماريان لوبان”، في جولة جديدة للانتخابات الرئاسية الفرنسية بين المرشّحين الذين التقيا قبل خمس سنوات. وتُشير استطلاعات الرأي إلى تقدّم “ماكرون” بهامش مريح بنسبة: 56%، خصوصًا بعد المناظرة التلفزيونية التي أجريت؛ في 20 نيسان/إبريل الماضي، والتي رأى الكثيرون أنّ “ماكرون” تفوّق فيها على منافسته.

ويُحذّر المراقبون من بعض المؤشرات المثيرة للقلق، والتي من بينها أنّ المناظرة التلفزيونية بين المرشّحين كانت هي الأقلّ مشاهدة من 1976، إذ لم يتابعها سوى: 15 مليون شخص؛ من بين حوالي: 50 مليون ناخب مُسجّل؛ كما حذّر الرئيس المنتهية ولايته؛ “إيمانويل ماكرون”، من تكرار سيناريو الانتخابات الأميركية سنة 2016؛ أو انتخابات خروج “بريطانيا” من “الاتحاد الأوروبي”، حين فشلت استطلاعات الرأي في تحديد الفائز.

ونبّه البعض لعدم تكرار خطأ الانتخابات الرئاسية الأميركية سنة 2016، حين اعتبرت كتلة كبيرة بأنّ الانتخابات محسومة سلفًا للمرشّح المحسوب على: (المؤسسة الحاكمة-Establishment) – أي “هيلاري كلينتون” – وأنّه لا داعي للمشاركة بها، وهو ما أعطى انتصارًا صادمًا ومفاجئًا للرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”.

في هذا السياق؛ أكّد استطلاع للرأي بأنّ: 61% من الناخبين متأكّدون بأنّهم سيُشاركون في الانتخابات؛ وإن صحّت هذه الأرقام فإن “ماكرون” متّجه إلى ولاية ثانية وانتصار انتخابي جديد على “ماريان لوبان”، إلاّ أنّ نسبة النجاح من المُرجّح أن تكون أكثر تنافسية من نسبة: 66%؛ التي فاز بها “ماكرون”؛ سنة 2017، بالنظر إلى تراجع شعبيته عما كانت عليه قبل دخوله “قصر الإليزيه”. لكن البعض يُحذّر من سيناريو مقاطعة الانتخابية مما قد يخدم “ماريان لوبان”؛ باعتبارها المرشّحة الأقل حظًا، وقد شهدت انتخابات سنة 2017 مقاطعة حوالي: 25% من الناخبين، فيما صوّت حوالي: 11% بالورقة البيضاء.

في الاقتصاد والسياسة الخارجية.. هذه أبرز الاختلافات بين “ماكرون” و”لوبان”..

أحد أبرز الاختلافات بين برنامج المرشّحين الرئاسيين هو الموقف من “الاتحاد الأوروبي”، ففي الوقت الذي يُدافع فيه “ماكرون”؛ في برنامجه، على تقوية العلاقات مع “الاتحاد الأوروبي” في مجالات الاقتصاد والدفاع والبيئة والطاقة مع الدعوة إلى إصلاح هذا الهيكل السياسي من الداخل، واستغلال مكانة “فرنسا” داخل الاتحاد من أجل إيجاد موطيء قدم لها أمام “الصين” و”الولايات المتحدة الأميركية”؛ فإن “لوبان” تنتقد بشدّة هذه الهيئة، وإن كانت تراجعت عن موقفها الداعي إلى الخروج من “الاتحاد الأوروبي”؛ في 2017، إلاّ أنها لا تزال متمسّكة بانتقاد “الاتحاد الأوروبي” والدعوة إلى اقتصاد أكثر وطنية ومحليّة، داعيةً إلى مراجعة الاتفاقيات مع الاتحاد وإعطاء الأولوية إلى القانون الفرنسي على القانون الأوروبي.

الاختلاف الآخر بين المرشّحيْن يبدو واضحًا في السياسة الخارجية، خصوصًا في ملفّ “روسيا” وحلف الـ (ناتو)، ففي الوقت الذي كانت “لوبان”؛ سنة 2017، مؤيّدة لإلحاق “إقليم القِرم”؛ بـ”روسيا”، وداعمة للرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، لدرجة أنها زارت قصر (الكرملين)؛ خلال الحملة الانتخابية آنذاك، مّا عرضها لانتقادات باعتبارها: “مرشّحة روسيا”؛ انتقدت الحرب الروسية على “أوكرانيا”، لكنها في المقابل رفضت فكرة مقاطعة “الغاز الروسي”، كما أنّ “لوبان” تدعو صراحة إلى مغادرة حلف الـ (ناتو).

هذا التذبذب في المواقف لدى “ماريان لوبان”؛ في الملف الدولي، جعلها محلّ انتقاد الرئيس “ماكرون”؛ خلال المناظرة الرئاسية، خصوصًا تراجعها عن مواقف كانت تبنّتها في السابق، إذ كانت قريبة من الرئيس؛ “بوتين”، ثم ها هي تنتقد سياسته في “أوكرانيا”، كما أنها دعت إلى الخروج من “الاتحاد الأوروبي”؛ ثم ها هي تتراجع عن هذا الموقف.

أما “ماكرون”، ورغم محاولته تقوية علاقاته مع “بوتين”؛ في بدايات عهدته الرئاسية السابقة، فإنّه يدعو حاليًا إلى تكثيف الضغط على “روسيا” لوقف اعتدائها على “أوكرانيا” وتحريرها من الاحتلال الروسي (كما يدعي الغرب)، عن طريق العقوبات الدولية وتزويد الأوكرانيين بالمساعدات الإنسانية والعسكرية، ومن جانب آخر فإنّ “ماكرون” يدعو إلى إنشاء جيش أوروبي وإلى إصلاح حلف الـ (ناتو)، الذي وصفه بأنّه: “ميّت سريريًا”.

هذا بالإضافة إلى الموقف من الهجرة والمهاجرين، وهو الملف الذي يقع في صلب حملة “لوبان” الانتخابية إذ تُغازل به قاعدتها الانتخابية من اليمين المتطرّف المتذمّر من المهاجرين من أصول عربية مسلمة وإفريقية، خصوصًا مع صعود هذا التيّار في “أوروبا”؛ خلال العقد الماضي.

وتدعو “لوبان” إلى تقليص أعداد الهجرة وطرد المهاجرين غير الشرعيين ومحاكمتهم، ومنع الحجاب من الفضاء العام، أي من الأحياء والشوارع العامة؛ في المقابل فإن “ماكرون” يؤيد منع الحجاب من الوظائف العمومية للدولة بالنظر إلى علمانية الدولة، بينما يرفض منعه في الفضاء العام، كما يتبنى “ماكرون” إصلاح منظومة الهجرة هو الآخر؛ إلاّ أنّ تضييق “ماكرون” على المؤسسات الإسلامية في “فرنسا” ومهاجمته الإسلام خلال عهدته السابقة، جعلت البعض يُعتبر أنّه لا يوجد اختلاف جوهري بين المرشّحين في هذا الخصوص.

أما اقتصاديًا فإن “ماكرون” يُدافع من أجل سياسة أكثر ليبرالية متبنّيًا مباديء السوق الحرة والتبادل التجاري الحر مع العالم، وهو ما تنتقده “لوبان”؛ التي تدعو إلى سياسات اقتصادية حمائية ورفع سياسة التبادل الحرّ التي من شأنها نقل وظائف الفرنسيين إلى البلدان الأجنبية، والتي تصبّ في مصلحة الشركات الكبرى والمؤسسات المالية الضخمة على حساب الصناعة الفرنسية، حسب رأيها.

سنّ التقاعد هو الآخر من بين الملفّات الساخنة في “فرنسا”، إذ كثيرًا ما يُثير الجدل بالنظر إلى أنّ “فرنسا” من أبرز الدول التي تملك برامج اجتماعية سخيّة. تدافع “لوبان” من أجل سنّ تقاعد لا يتجاوز: 62 سنة، بينما يُتاح لمن بدأ العمل في سنّ صغيرة الخروج إلى التقاعد في سن: الـ 60، في المقابل فإن “ماكرون” يتبنّى سن: 65 عامًا للتقاعد من أجل ضمان موارد أكبر لموازنة الدولة وبالنظر إلى ارتفاع أمد الحياة في “فرنسا”، مع ضمان معاش تقاعدي لا يقلّ عن: 1100 يورو.

المناظرة الرئاسيّة.. “ماكرون” يُهاجم و”لوبان” تتحفّظ..

أجرى المرشّحان مناظرة تلفزيونيّة؛ في 20 نيسان/إبريل 2022، حاولت خلالها “لوبان” تجنّب أخطاء المناظرة السابقة التي جمعتها بـ”ماكرون” في انتخابات 2017، حين بدت أكثر عصبيّة وتشنّجًا، إذ ظهرت هذه المرّة أكثر هدوءًا وتحفّظًا لإعطاء: “انطباع رئاسي”، في المقابل فإن “ماكرون” حرص على استخدام مصطلحات مفتاحيّة ضمّنها في كلامه مثل: “الحرب الأهلية”؛ التي حذّر منها في حال انتخاب “لوبان”، أو تعمّده استدعاء القرض الروسي الذي أخذته “لوبان”؛ سنة 2015؛ مستغلاً حالة القلق والامتعاض من الحرب الروسية ضد “أوكرانيا”.

وجرى خلال المناظرة التطرّق إلى العديد من المواضيع مثل السياسة الخارجية والبيئة والوضع الاقتصادي والتعليم. ودافعت “لوبان” خلال المظاهرة ضد سياسة “الاتحاد الأوروبي” ودعت إلى: “اقتصاد وطني وتصنيع وزراعة محلّييْن في مواجهة العولمة الاقتصادية التي يقودها “ماكرون” حسبها، وربطتها بالأضرار البيئية، كما رفضت مقاطعة “الغاز الروسي” رغم دعمها للقضية الأوكرانية؛ حسب قولها.

وقد هاجمت “لوبان” سياسات الرئيس “ماكرون”؛ في تخلّيه عن الطاقة النووية وجّهت جملة من الانتقادات إلى حكومة “ماكرون”، ومن بينها اعتمادها على “المجموعات الاستشارية الدولية”، أو ما عُرف باسم: “فضيحة ماكنزي”؛ بالإضافة إلى تذكيره بأنّ حكومته رفعت الدين العام للبلاد: بـ 560 مليار يورو؛ منذ 2017، وتطرّقت إلى احتجاجات “السُترات الصفراء”.

وجدّدت “لوبان” وعدها بمنع الحجاب عن الفضاءات العامة واعتبرت القرار يدخل ضمن: “حربها ضد الإسلاميين”، وسيطرتهم على المرأة، في حين اتهمها “ماكرون” بالدعوة إلى “الحرب الأهلية”، بهذا القرار، وذكّرها بأن قرارًا مثل هذا سيجعل “فرنسا” البلد الوحيد في العالم الذي يمنع الحجاب.

أما “ماكرون” فقد دافع عن حصيلة عهدته الانتخابية بالنسبة إلى القدرة الشرائية؛ وذكّر “لوبان” بمواقفها السابقة من “روسيا”، من بينها أنّها أخذت قرضًا من بنك روسي قريب من قصر (الكرملين) لتمويل حملتها الانتخابية؛ يبلغ حوالي: 9.6 مليون يورو في سنة 2014، كما أنها اعترفت بتبعية “إقليم القِرم” إلى “روسيا”، واتهمها صراحة بأنها: “تعتمد على دعم بوتين”، كما اتهم “لوبان” برغبتها في الخروج من “الاتحاد الأوروبي” في حين نفت ذلك.

وقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أنّ: 59% اعتبروا أن “ماكرون”؛ كان أكثر إقناعًا من “لوبان”، كما ارتفعت أسهمه في استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت في انتخابات الإعادة؛ 24 نيسان/إبريل 2022، وتقدّم على منافسته: بـ 6%. وحسب التحليلات السياسية فإنّ المناظرة أبرزت تفوّقًا ملموسًا لصالح الرئيس “ماكرون”؛ الذي بدا أكثر خبرة ومعرفة بالملفات المطروحة، وهو الأمر الطبيعي بالنظر إلى منصبه في الرئاسة وتعامله اليومي مع هذه القضايا، في المقابل فإن المحللين يرون بأن رغبة “لوبان” في الظهور بمظهر رئاسي وتجنّب الأسلوب الهجومي والصدامي تجاه “ماكرون” – عكس ما حدث في 2017 – ومحاولة ضبط النفس أمام هجومات “ماكرون” واتهاماته لها بعدم الفهم أو بالخضوع لـ”روسيا”، بالإضافة إلى عدم الاستغلال الكافي لإخفاقات “ماكرون” خلال العهدة السابقة؛ قد جعلها تبدو ضعيفة وغير متمكّنة من الأسئلة التي طُرحت خلال المناظرة.

كيف يرى “ماكرون” و”لوبان” علاقة “فرنسا” مع الشرق الأوسط ؟

فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط؛ فإن “ماكرون” يبدو متمسّكًا بالمدرسة الواقعية وبتوسيع الحضور الفرنسي في المنطقة. بدا ذلك واضحًا في العديد من المناسبات طوال السنوات الخمس الماضية، من خلال انخراطه في الوضع في “لبنان” بعد انفجار “بيروت”، بالإضافة إلى علاقته القويّة مع النظام المصري، وكسر الحصار الدولي على شخص؛ “محمد بن سلمان”، بعد مقتل الصحافي السعودي؛ “جمال خاشقجي”، في سنة 2018، بالإضافة إلى علاقاته القوية مع “الإمارات”.

أحد أهمّ دوافع هذا التوجّه في سياسة “ماكرون” تجاه الشرق الأوسط؛ تكمن في صفقات السلاح الضخمة التي استفادت منها “فرنسا”؛ خلال السنوات الأخيرة، مع كل من: “مصر والسعودية والإمارات وقطر”؛ بينما يؤكد “ماكرون” أنّ دوافع هذا التوجّه محكومة بملفات “مكافحة الإرهاب” ودوافع دبلوماسية في المقام الأوّل.

أما بالنسبة إلى “القضية الفلسطينية” والعلاقات مع “إسرائيل”؛ فقد واصل “ماكرون” نفس النهج التقليدي للسياسة الفرنسية الداعية إلى حلّ الدولتين، واعتبر الخبراء الاسرائيليون العلاقات الثنائية بين البلدين في عهده: “ممتازة”، حسب صحيفة (هاآرتز)، إلاّ أن تصريحه بأنّ: “معاداة إسرائيل هي نوع من أنواع معاداة السامية”؛ مثّل انحيازًا أكبر من السابق تجاه اللوبي الصهيوني، فيما أدان “ماكرون” تقرير “منظمة العفو الدولية” الذي وصف دولة “إسرائيل”: بـ”دولة الفصل العنصري (الأبارتايد)”.

أما “لوبان” فقد أعلنت من قبل دعمها الصريح لنظام “بشّار الأسد”؛ في “سوريا”، واعتبرت الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب السوري؛ (على زعم الصحف الغربية والمدعومة من دول الناتو من وسائل الإعلام العربية)، “حربًا على الإرهاب”، كما أنّها دعمت من قبل البرنامج النووي الإيراني لأغراض مدنية، إلا أنّها عادت وتراجعت عن هذا الموقف واعتبرت أن “إيران” تجاوزت الحدود المسموحة؛ وقد تطرّقت صحيفة (هاآرتز) الاسرائيلية إلى تاريخ والد “لوبان” ومؤسّس التيار الذي تنتمي إليه مع معاداة السامية؛ في حين أن “لوبان” عمدت إلى إصلاح علاقتها مع الجالية اليهودية وأخذ مسافة من مواقف والدها المثيرة للجدل؛ واعتبرت الصحيفة الفرنسية بأنّه: “لا يوجد أي اختلاف جذري بين ماكرون ولوبان ناحية العلاقات مع إسرائيل”.

موضوع العلاقات مع “الجزائر”؛ هو الآخر أحدث جدلاً بالنظر إلى حالة الشد والجذب التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال السنة الأخيرة، وقد تعهّدت “لوبان” بعدم منع تأشيرات السفر ورفض السماح بشراء ممتلكات فرنسية للمسؤولين الجزائريين ومنع التحويلات المالية لهم إذا لم يتعاونوا في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى “الجزائر”؛ حسب قولها، كما دعت إلى حوار صريح وشفاف مع “الجزائر”، ودعت رفض إبداء أي نوع من الندم تجاه التاريخ الاستعماري الفرنسي المشين، في “الجزائر”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة