23 أبريل، 2024 12:21 م
Search
Close this search box.

الضرب تحت الحزام .. عندما تلعب السياسة في أقوات الشعوب بحظر استيراد السلع

Facebook
Twitter
LinkedIn

حظر استيراد الحاصلات الزراعية والمنتجات من الدول يخضع لتأويلات كثيرة.. فالبعض يراها غير موضوعية ربما لأهواء سياسية ولممارسة ضغوط اقتصادية.. وآخرون يرونها حقيقية لعدم مطابقتها للمواصفات الموضوعة لكل منتج.

الأقوى يتحكم

فعندما تعلن دولة ما حظر استيراد سلع من دولة أخرى، بالتأكيد فإن مثل هذا القرار يكون له تداعياته الاقتصادية، خاصة إذا ما كانت دولة كبيرة لها ثقل سياسي واقتصادي هي متخذة القرار، إذ أن كثيراً من الدول سيسير على نهجها ويقاطع منتجات تلك الدولة، وغالباً ما يكون وقف الإستيراد ومقاطعة المنتجات الصناعية أو الزراعية من جانب الدول الأقوى أو تلك التي تشعر بأنها تتحكم في مصير الحكومات أو من يملك أموالاً أكثر.

الداعمون يضغطون أيضاً

ففي أيلول/سبتمبر عام 2016 عندما أعلنت كل من روسيا وأميركا – أكبر قوتين تتحكمان في العالم وإن كان لكل منهما أسلوبه – وقف استيراد سلع غذائية وعلى رأسها الفواكه والخضروات من مصر، بزعم مخالفتها للإشتراطات والمعايير الصحية وأن هذه الأغذية تحتوي على بقايا حيوانات نافقة ومخلفات بشرية ضارة جداً بصحة الإنسان، سارعت كل من “الكويت والإمارات واليابان” وكذلك “إثيوبيا والسودان” إلى اتخاذ الموقف ذاته لحماية صحة مواطنيهم من أي مشكلات صحية، بينما قالت السعودية إنها نفذت الحظر قبل أن تتخذ أميركا قراراها.

البضاعة فاسدة يتحملها صاحبها

وقالت وسائل إعلام سعودية إن الهيئة العامة للغذاء والدواء حظرت استيراد بعض الخضراوات والفواكه من مصر، بعد أن أثبتت التحاليل عدم ملائمتها للاستخدام الآدمي، بينما بين مستوردون سعوديون أن الهيئة سبقت إعلان وزارة الزراعة الأميركية في التوصل إلى ملاحظات على المنتجات الزراعية التي تأتي من بعض الدول ومنها مصر، مما اضطر التجار إلى إجراء عدة اتصالات مع جهات مصدرة مصرية لمعرفة أسباب ظهور تلك الحالات في الخضراوات والفواكه من أجل التوصل إلى تسويات للبدء في إجراءات تعويضية، فالمستثمر لا يعرف الخسارة ولا يسير في طريقها.. ومن أرسل بضاعة فاسدة فعليه تحمل تكلفتها.

موضوعية أم تبعية؟

هكذا توالت ردود الأفعال والقرارات الاقتصادية الصعبة ضد مصر من أهم داعميها الدوليين.. فهل من اتخذ القرار من تلك الدول اتخذه بموضوعية ومن منطلق الحرص على صحة وحياة شعبه حقاً.. أم أن القرار كان “تبعية” مطلقة للمهيمن الأول على العالم الولايات المتحدة كما اعتادت كثير من الدول السير وراء أميركا طالما اتخذت أي قرار فهي الأستاذ النجيب الذي لا يخطئ؟

تسريبات أميركية

لقد سربت أميركا تقريراً أصاب دولاً عربية وأوروبية بالذعر من الفواكه والخضروات المصرية وضرب الحاصلات الزراعية بها في مقتل، قالت فيه إنه بعد إجراء تحاليل بمعاملها تأكد وجود منتجات زراعية رويت بمياه المجاري، وظهور بقايا لفضلات آدمية وحيوانية على العديد من المواد الغذائية التي تصدرها مصر.

ولم تكتف الولايات المتحدة بإعلان ما سبق، بل خاضت في تفاصيل مفزعة في تقرير اشتمل على 360 صفحة، مؤكدة على أنه جرى اكتشاف مواد يغلب استخدامها في دفن الموتى في بعض الحاصلات الزراعية المصرية، التي تصدر على هيئة خضروات مجمدة كـ”البامية، البازلاء، الفول الأخضر، الخرشوف، الملوخية، السبانخ”، ما يجعلها سبباً رئيسياً في الإصابة بمرض الكبد الوبائي، فضلاً عن زعمها لتعرض “المانجو والجوافة” لعمليات إكساب طعم ولون محظورة دولياً لتسببها في امراض ضغط الدم والكبد والفشل الكلوي، بالطبع إن صدور مثل هذا التقرير من أهم دولة على خريطة العالم كفيل بإرباك كل الحسابات المصرية لصادرتها الزراعية.

خسائر ليست في وقتها

فمصر التي كانت تستهدف وتخطط لتصدير 5 ملايين طن من الخضروات والفاكهة في 2016، فوجئت بالتقرير الأميركي يكبدها خسائر كبيرة من العملة الصعبة، “الدولارات”، بتتابع حظر استيراد الحاصلات المصرية من أهم الدول المستوردة لها، في وقت كانت القاهرة في أمس الحاجة إلي كل ورقة خضراء في بنوكها بالربع الأخير من عام 2016.

المزعج في التقرير الأميركي أنه صدر ومصر تعاني أزمة عملة طاحنة – عدم توفر الدولار وارتفاع قيمته بشكل كبير في السوق الموازية وإصرار الحكومة المصرية على عدم تحرير سعر الصرف وقتها في سبتمبر 2016.

الحظر والتعويم

لكن بعد التقرير الذي ضيق الخناق على مورد مهم للعملة الصعبة لمصر، رضخت مصر لقرار تعويم الجنيه وأصدره الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” بعدها بشهرين ومعه قرارات اقتصادية صعبة للمصريين تتعلق برفع الدعم مرة أخرى على المحروقات، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير أثر على كل بيت في مصر، فهل ثمة علاقة بين الملاحقات الاقتصادية الأميركية لمصر ومعها أهم دولها في المنطقة وقرار تعويم العملة وإجبار السيسي على اتخاذ إجراءات عانى منها المصريون.. وإذا كان الأمر كذلك فما الهدف من إحكام الخناق الاقتصادي على مصر وما الذي تسعى إليه أميركا بالضغط على القاهرة؟

قرصة أذن

لقد لعبت أميركا سياسة مع مصر لكن هذه المرة بالاقتصاد.. فقط ضغطة بسيطة أو كما يقول المصريون “قرصة أذن”، وبالتأكيد فإن هناك غرض ما، فقد استهدفت محصول الفراولة المصري في أوج حصاده بمصر بإعلانها تسبب الفاكهة المصرية بإصابة أميركيين بالكبد، وبعدها أملت شروطها على مصر ومنعت استيراد الفراولة أو أي منتجات زراعية مصرية تعرضت لمياه المجاري، وأجبرت المصريين على غسيل الخضروات المجمدة التي تصل إليها بمياه نقية “مفلترة”، بينما اشترطت الكويت اختبار جميع الخضروات والفاكهة المصرية في معامل صحية مصحوبة بشهادة من “وزارة الصحة المصرية” بصلاحيتها وعدم احتوائها على أي إصابات أو بكتريا أو ناقلة لأي أمراض.

ورجحت تقارير اقتصادية تسبب قرار وقف استيراد حاصلات مصر الزراعية، لنحو 3 أشهر، في خسائر جاوزت الـ500 مليون دولار كانت مصر في اشد الحاجة إليها.

روسيا.. حظر مختلف

عمليات حظر الاستيراد لها أشكال متعددة، فنجد روسيا قد استغلت تكتيك حظر الاستيراد أيضاً مع مصر، ولكن بطريقتها ولمصلحتها، فبعد أن رفضت القاهرة – أكبر مستورد للقمح –  شحنات كبيرة من القمح الروسي المصاب بفطر “الأرجوت” المسرطن في 2016، سارعت موسكو بإعلان وقف استيراد الفواكه والخضروات المصرية للضغط على الحكومة المصرية والمناورة بأسلوب ” أترك.. وأنا اترك”، إذ أن روسيا أكبر مستورد للخضروات والموالح المصرية، في المقابل رضخت مصر لروسيا وقررت الاستمرار في استيراد القمح بعد تنظيم مؤتمرات تؤكد بأن القمح الروسي يخضع لعمليات تنقيح وأنه سليم 100% !

تبعات الرضوخ

استشعرت مصر أن هناك مؤامرة تحاك ضدها، فسارعت بإصدار بيانات تؤكد على خلو حاصلاتها الزراعية من أي أمراض وأجرت اتصالات مع داعميها خاصة من الدول العربية لطمأنتهم وحثهم على إصدار بيانات مماثلة تدعم موقف القاهرة، وهو ما حدث بالتدريج ربما بعد تنازلات هنا أو هناك.. لكن في النهاية فإن عمليات حظر الاستيراد والتصدير واحدة من أوراق الضغط السياسية التي تهز الثقة في أي دولة خاصة إذا ما لامست مكونات الغذاء، فهي تجبر كثيراً من الدول على اتخاذ قرارات ليست في صالحها فقط للمرور من أزمة كارثية تضرب اقتصادها دون النظر لتبعات الرضوخ فيما بعد.

حظر الاستيراد أو منع دخول سلع دولة لدولة أخرى لا يتعلق فقط بمصر، وإن كانت حديث الصحف ووسائل الإعلام في الربع الأخير من 2016، لكن أيضاً هناك دائماً مناورات بين دول كثيرة يستخدم فيها الاقتصاد لتحقيق أهداف سياسية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب