الصراع الاستخباراتي .. لماذا تخسر إيران في “حرب الظل” أمام إسرائيل ؟

الصراع الاستخباراتي .. لماذا تخسر إيران في “حرب الظل” أمام إسرائيل ؟

وكالات – كتابات :

في عرض نادر للتضامن العام، وقف وزير الاستخبارات الإيراني ورئيس استخبارات (الحرس الثوري)؛ هذا الشهر، لإلتقاط صورة، متعهِّدَين بالعمل معًا لتعزيز الأمن، كان هذا الموقف تعبيرًا عن قلق قادة البلاد البالغ من الاختراق الإسرائيلي لـ”إيران”، الذي لا يبدو أنهم قادرون على وقفه.

يُشير قرار كبح التنافس بين المسؤولين الأمنيين إلى القلق على أعلى مستويات المؤسسة الإيرانية، وكذلك في الشارع الإيراني، من تصاعد الهجمات المنسوبة إلى “إسرائيل”، بما في ذلك اغتيال قائد على عتبة منزله في وسط “طهران”؛ في آيار/مايو الماضي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية.

وعد “إسماعيل الخطيب”، وزير الاستخبارات، والعميد “محمد كاظمي”، الذي استبدل سلفه في أعقاب الاغتيال، بـ”تعاون أجهزة المخابرات والأمن”، وسط مخاوف تداعيات الاختراق الإسرائيلي لـ”إيران”، والذي يؤشر إلى أن “حرب الظل” المستمرة منذ عقود مع “إسرائيل”؛ على وشك الانفجار في العلن.

يبدو أن “إسرائيل” استطاعت تأسيس منظمة كبيرة داخل “إيران” تعمل بحرية !

“يبدو الأمر كما لو أن إسرائيل أنشأت منظمة واسعة النطاق في طهران، وتُدير عملياتها بحرية. من الواضح أن إسرائيل تستهدف صورة إيران؛ (الآمنة للغاية)، لتشويه عظمتها في عيون الناس”، حسبما قال سياسي إصلاحي إيراني.

ألقت “إيران” باللوم على “إسرائيل”؛ في اغتيال خمسة علماء نوويين على الأقل في السنوات الـ 12 الماضية: أحدثها في عام 2020، كانت عملية مُعقدة باستخدام مدفع رشاش جرى التحكم فيه عن بُعد. وتعتقد الاستخبارات الإيرانية أيضًا أن “إسرائيل” سرقت وثائق نووية سرية من أرشيفها، وشنت هجمات على مواقع نووية.

كيف اخترقت “إسرائيل” برنامج إيران النووي ؟

يُعتقد أن “إسرائيل” نفذت سلسلة من عمليات التخريب والتفجير والاغتيال في العمق الإيراني على مدار أعوام، دون أن تستطيع “طهران” حماية علمائها النوويين والمسؤولين الأمنيين والعسكريين، وحتى الأهداف عالية القيمة.

طرحت الهجمات المتوالية هذه، التي قال مسؤولون بالاستخبارات الأميركية إنَّها من تنفيذ “إسرائيل”، تساؤلاً لا يمكن تجاهله هو كيف اخترقت “إسرائيل” برنامج “إيران” النووي ؟

وسلطت الهجمات الضوء على السهولة الواضحة التي تمكَّنت بها الاستخبارات الإسرائيلية من الوصول إلى عمق الحدود الإيرانية وتوجيه ضربات متكررة للأهداف الإيرانية شديدة الحراسة، غالبًا بمساعدة من عملاء إيرانيين.

وكشفت الهجمات، التي تُمثل الموجة الأحدث خلال أكثر من عقدين من التخريب والاغتيالات، ثغرات أمنية مُحّرجة وتركت قادة “إيران” في حالة قلق.

وكانت الاتهامات المتبادلة لاذعة؛ إذ قال رئيس “المركز الإستراتيجي”؛ التابع لـ”البرلمان الإيراني”، إنَّ “إيران” تحوَّلت إلى: “ملاذ للجواسيس”. ودعا قائد سابق لـ (الحرس الثوري) إلى إصلاح الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد. وطالب مُشرِّعون باستقالة كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين.

ففي عام 2018، شنَّت “إسرائيل” هجومًا ليليًا جريئًا للاستيلاء على نصف طن من الأرشيف السري للبرنامج النووي الإيراني من أحد المستودعات في “طهران”.

في ذلك الوقت؛ زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق؛ “بنيامين نتانياهو”، إن التي استولت الاستخبارات الإسرائيلية تُظهر أن “طهران” كذبت بشأن طموحاتها النووية.

وصلت يد “إسرائيل” أيضًا إلى مختلف أنحاء العالم خلال مطاردتها للبرنامج النووي الإيراني، فوفقًا لمسؤول استخباراتي أميركي سابق رفيع، تعقَّبت “تل أبيب” معداتٍ في بلدان أخرى متجهة إلى “إيران” كي تُدمرها، أو أخفت أجهزة إرسال واستقبال في أغراضها، أو وضعت عبوات متفجرة ليتم تفجيرها بعد تنصيب المعدات داخل “إيران”.

قالت عميلة استخبارات إسرائيلية سابقة؛ إنَّها كي تستهدف مثل هذه المعدات، كانت هي وضابط آخر يقودان سيارة بجوار المنشأة المستهدفة ويُدبِّران مشكلة، مثل حادث سيارة أو أزمة قلبية، ثم تطلب المرأة المساعدة من الحُراس، حسبما نقلت عنها الصحيفة البريطانية.

من المسؤول ؟

وكان من الصعب أن تُشن “إسرائيل” هذه العمليات دون مساعدة داخلية من إيرانيين، ولعل هذا هو أكثر ما يُزعج “طهران”.

حَاكَمَ المسؤولون الأمنيون في “إيران” العديد من المواطنين الإيرانيين على مدار العقد المنصرم، واتهموهم بالضلوع في عمليات التخريب والاغتيال الإسرائيلية. وجزاء ذلك هو الإعدام.

لكنَّ عمليات التسلل شوَّهت أيضًا سمعة الجناح الاستخباراتي لـ (الحرس الثوري)، وهو المسؤول عن حماية المواقع والعلماء النوويين.

وسبق أن صرَّح نائب رئيس البرلمان؛ “أمير حسين غازي زاده هاشمي”، لوسائل الإعلام الإيرانية؛ العام الماضي، بأنَّه لم يُعد يكفي إلقاء اللوم في مثل هذه الهجمات على “إسرائيل” و”الولايات المتحدة”، وأنَّ “إيران” بحاجة لتطهير نفسها.

وكما صاغت إحدى الصحف التابعة لـ (الحرس الثوري)، (مشرق نيوز)، الأمر: “لماذا يتصرف أمن المنشأة النووية بصورة عديمة المسؤولية للغاية لدرجة التعرُّض للضرب مرتين من نفس الثغرة ؟”.

وتُعاني “إيران” للرد بعد كل هجوم، وتدَّعي أحيانًا أنَّها حددت المسؤولين فقط بعد مغادرتهم للبلاد، أو تقول إنَّهم ظلوا طُلقاء. ويُصِرُّ المسؤولون الإيرانيون أيضًا على أنَّهم أحبطوا هجمات أخرى.

وتتعالى الدعوات للانتقام بعد كل هجوم. واتهم المحافظون؛ حكومة الرئيس؛ “حسن روحاني”، بالضعف أو بإخضاع أمن البلاد لصالح المباحثات النووية على أمل أنَّها ستؤدي إلى تخفيف “العقوبات الأميركية”.

ردت “إيران”؛ العام الماضي، باستهداف سفن إسرائيلية أو محسوبة على “تل أبيب” مُهددة بإشعال، حرب للسفن مع “إسرائيل”، والتي تُسمى أحيانًا: “حرب الظل”؛ حيث باتت تُمثل خطرًا بالغًا على الملاحة الدولية، وقد تتحول إلى أزمة أو معركة حقيقية، ولكن الهجمات الإيرانية على الأهداف الإسرائيلية، بما فيها الهجمات الإلكترونية، لا يبدو أنها تُردع “تل أبيب”، أو تردعها ولا تُلحق ضررًا مماثلاً بمصالح “إسرائيل”؛ مثل الذي تُلحقه الأخيرة بـ”طهران”.

“إسرائيل” تتحول إلى سياسات “الأخطبوط” !

ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي طلبًا من صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية، للتعليق. لكن في مقابلة نادرة، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي؛ “إيال هولاتا”، لقناة (13) الإخبارية الإسرائيلية الأسبوع الماضي: “إن إسرائيل ستتصرف وفق ما تراه مناسبًا. لقد تصرفنا كثيرًا في إيران خلال العام الماضي”. ولم يُقدم تفاصيل عما تنطوي عليه تلك: “الأفعال”.

أوضح المسؤولون الإسرائيليون عزمهم على التعامل مع “إيران”، التي قامت بتخصيب (اليورانيوم) الخاص بها بالقرب من مستوى صنع الأسلحة منذ تخلى الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، عن “الاتفاق النووي” الإيراني؛ في 2018، وفرض عقوبات قاسية على “الجمهورية الإسلامية”.

وتتواصل المحادثات حول إحيائها على الرغم من أن التقدم كان بطيئًا. لطالما عارضت “إسرائيل”؛ “الاتفاق النووي” الإيراني. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق؛ “نفتالي بينيت”، الشهر الماضي قبل ترك منصبه: “نحن نُطبق مبدأ الأخطبوط. لم نُعد نلعب بالمخالب مع وكلاء إيران. لقد أنشأنا معادلة جديدة بالذهاب للعقل”.

الاختراق الإسرائيلي لـ”إيران” يُشكل صدمة لنظام يفتخر بأمنه القوي !

يُشكل الاختراق الإسرائيلي لـ”إيران”، وخاصة الهجمات الأخيرة؛ صدمة لنظام يفتخر بأمنه. قال اللواء “محمد باقري”، رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية، في وقت سابق من هذا الشهر: “في غرب آسيا (المضطرب)، إيران على متن قارب هاديء وآمن بعيدًا عن انعدام الأمن”.

ويقول المحللون إن مدى التسلل الإسرائيلي إلى المؤسسة الإيرانية أصبح واضحًا أيضًا. قال أحد المحللين المحافظين: “التسلل قضية خطيرة للغاية، يحتاج النظام إلى التفكير في حلٍ لها”.

وتشمل الضربات المزعومة مقتل جنديين إيرانيين كانا في “سوريا”؛ في آذار/مارس الماضي، وهو ما ألقى (الحرس الثوري) الإيراني باللوم فيه على “إسرائيل”. وبعد أيام قليلة رد (الحرس الثوري) معلنًا مسؤوليته عن هجوم صاروخي على ما وصفته “قوة النخبة”: بأنه مركز استخبارات إسرائيلي في شمال “العراق”.

وقالت “وزارة الدفاع” الإيرانية إن أحد مهندسيها قد قُتل في: “حادثة” في مركز أبحاث في موقع (بارشين) العسكري؛ في حزيران/يونيو. وقُتل كذلك مسؤول عسكري آخر في “وزارة الدفاع”؛ أثناء: “قيامه بمهمته” في محافظة “سمنان”؛ في “إيران”. وتسبب هجوم إلكتروني مزعوم من قبل “إسرائيل” في اضطرابات قصيرة في الإنتاج في بعض شركات الصلب الإيرانية؛ في حزيران/يونيو.

كانت هناك أيضًا تقارير عن هجمات إلكترونية إيرانية في “إسرائيل”. ويُشتبه في أن هجومًا إلكترونيًا إيرانيًا كان وراء تنبيهات صفارات الإنذار الكاذبة في “القدس الغربية” و”إيلات”؛ الشهر الماضي، وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية. وتُشير تقارير إسرائيلية إلى أن إيرانيين اخترقوا العديد من مواقع حجز السفر الإسرائيلية الشهيرة، وتمكنوا من الحصول على معلومات شخصية لأكثر من: 300 ألف إسرائيلي.

“طهران” لن تردَّ بتصعيد كبير..

ويُحذِّر المسؤولون الإيرانيون من أنهم لن يسعوا لتصعيد التوترات. وقال أحد المطلعين على ما يجري في أروقة النظام: “تظل سياسة إيران قائمة على العمل مع القوات التي تعمل بالوكالة عنها، ولن نُشن أي هجمات ضد “إسرائيل” إذا لم تُهاجم “إسرائيل”؛ “لبنان”، (حزب الله هو القوة الوكيلة الرئيسة لإيران)”. وأضاف: “ليس من الحكمة لنا أن نُقاتل إسرائيل. يُظهِر الصهاينة أسنانهم للهجوم، لكن أسنانهم ليست حادة بما يكفي لتصل إلى حد ضرب إيران”.

وأشار “محمد علي جعفري”، القائد السابق لـ (الحرس الثوري) الإيراني، الشهر الماضي إلى: “العمليات النفسية” للعدو التي تخلق تصورًا لتورط “إسرائيل” في عمليات: “لم ينُفذوها هم”. وألح إلى أن “الولايات المتحدة” ربما كانت وراء هذه الهجمات.

ويقول المحللون إنه بالإضافة إلى تطوير الصواريخ والطائرات المُسيَّرة والقوارب السريعة، تحتاج “إيران” إلى الاستعداد لهذه الحرب النفسية والاستخباراتية.

قادة “إيران” يخشون على مصير النظام من هذه الهجمات..

وقال قائد (الحرس الثوري)، العميد الركن “حسين سلامي”، الشهر الماضي في حفل تقديم رئيس الاستخبارات الجديد إن: “حرب الاستخبارات هذه تحولت اليوم إلى الحرب الأكثر واقعية”. وحذَّر من أن: “العدو جلب كل وسائله إلى الميدان” وذكَّرَ رفاقه بأن: “العديد من الأنظمة” أُطيحَت من قِبَلِ قوى عالمية من خلال عمليات استخباراتية.

وقال: “العدو ينوي نزع ثقتنا بأنفسنا وإفراغنا من الداخل. هذا هو أخطر أنواع العدوان وأكثرها خداعًا. نحن نُحث الجميع… للمساعدة في إحباط هذا الوهم”.

لقد جعلت التقارير عن الهجمات المنتظمة على بلادهم بالفعل بعض الإيرانيين يشعرون بأمان أقل. من يُعطي المعلومات للإسرائيليين ؟.. قال “علي”، تاجر بازار: “نشعر بالأمان، ولكن بعد ذلك من يدري ؟.. ربما ينهار النظام من الداخل بشكل مشابه للاتحاد السوفياتي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة