الصدر والحكيم .. استراتيجيات تعد لخلافة المالكي

الصدر والحكيم .. استراتيجيات تعد لخلافة المالكي

كتب مصطفى حبيب : بينما يواجه رئيس الوزراء نوري المالكي (الشيعي) سيلاً من الانتقادات الداخلية والإقليمية، تحمِّله أسباب الأزمات الأمنية والسياسية في العراق، يصعد نجم الزعيمين الشابين مقتدى الصدر وعمار الحكيم في الأوساط الشيعية وغير الشيعية، وهما يرتبان أوراقهما بشكل جيد استعداداً للانتخابات التشريعية المقبلة.

المفارقة إن الحكيم الذي يتزعم “المجلس الأعلى الإسلامي” والصدر الذي يتزعم التيار الصدري، وكلاهما ينتمي إلى عائلتين دينيتين شيعيتين، ويلبسان الزي الديني مع العمائم السوداء، أصبحا اليوم أكثر قبولاً بين الأوساط السياسية الحالية من نوري المالكي الذي ينتمي إلى حزب شيعي منظم لا يقوم على الزعامة العائلية ولا يلتزم أعضاؤه باللباس الديني، بل يلبسون البدلات الغربية مع ربطات العنق.
يقول النائب عن كتلة “متحدون” عن محافظة الأنبار وليد المحمدي لموقع “نقاش” الإلكتروني إن “التحالف بين الصدر والحكيم مستقبلاً وارد جداً لأن مواقف كلا الرجلين تصب في المصلحة الوطنية وهما يستنكران دائما تهميش السنة في العراق من قبل الحكومة”.
ومن أبرز المتغيرات التي أفرزها الوضع السياسي في العراق في السنتين الماضيتين، إن الأحزاب الشيعية التي كان من الصعب التفكير باحتمالية تفكك تحالفها، أصبحت اليوم مشتتة حالها حال باقي الكتل.
وأبرز معالم هذه المتغيرات يمثله الزعيمان الشابان مقتدى الصدر وعمار الحكيم، إذ استطاع الرجلان التواصل مع القواعد الشعبية من خلال التركيز على خدمات المواطن ومعاناته، على عكس باقي الأحزاب وتحديداً حزب “الدعوة” الذي يتزعمه المالكي الذي ترك المواطنين وراهن على التنافس مع باقي الأحزاب لانتزاع المكاسب السياسية.
ونجح كل من الصدر والحكيم على رغم صغر أعمارهما وقلة خبرتهم السياسية على تحقيق مكاسب جيدة على مستويات عدة، أولها نجاحات كبيرة في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في 20 من نيسان (أبريل) الماضي، بينما لم تستطع أحزاب عريقة بقيادات ذات طابع كاريزمي من تحقيقها.
ومثلاً فإن “ائتلاف دولة القانون” الذي يضم حزب “الدعوة” إضافة إلى “تيار الإصلاح الوطني” بزعامة السياسي المخضرم إبراهيم الجعفري، وحزب “الفضيلة” بقيادة المرجع الديني محمد اليعقوبي، ومنظمة “بدر” المنشقة عن المجلس الأعلى بقيادة هادي العامري، حصل على 87 مقعداً في المحافظات الشيعية التسعة إضافة إلى بغداد.
بينما حصل “المجلس الأعلى” لوحده على 61 مقعداً، كما حصل التيار الصدري على 58 مقعد ما دفعهما إلى التحالف معاً ضد “دولة القانون” واستطاعوا انتزاع رئاسة أبرز محافظتين في البلاد وهي بغداد العاصمة، والبصرة المدينة النفطية جنوب البلاد، وربما يتكرر هذا السيناريو في تشكيل حكومة 2014.
إضافة إلى الإنجاز في المحافظات فإن كلا الرجلين اتخذوا مواقف داعمة للسنة الذين يشعرون بالظلم والتهميش في البلاد، فمثلاً دعم الصدر التظاهرات السنية في الأنبار وباقي المدن، فيما اعتبر الحكيم إن التظاهرات حق مشروع إضافة إلى مواقفهما الإيجابية مع الأكراد.

الحكيم وتصحيح الأخطاء
تسلم عمار الحكيم زعامة “المجلس الأعلى الإسلامي” خلفاً لأبيه الذي توفي عام 2009 بعد تحديات كبيرة، إذ أن هذا الحزب الشيعي العريق يضم أعضاء بارزين معظمهم من كبار السن وكان على الحكيم إقناعهم بزعامته أولاً، ومن ثم العمل على تغيير عقلية المعارضة التي تسيطر على أذهانهم ثانياً.
التحدي الآخر الذي واجه الحكيم هو أنه ورث كياناً سياسياً لا يمتلك سوى تسعة مقاعد نيابية في انتخابات عام 2010 بعد خسارة قاسية تلقاها من الناخبين.
ولكن الحكيم نجح في هذه الاختبارات الصعبة، مستثمرا روح الشباب التي يتحلى بها في التواصل بشكل أفضل مع السكان الشيعة، من خلال عقد مؤتمرات دورية أسبوعية وشهرية، بعضها ديني وآخر اجتماعي وثقافي يطرح فيها أفكار جديدة تطالب بتصحيح الأخطاء ولا تخلو من نقد غير مباشر إلى أداء حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي.
ويقول القيادي في “المجلس الأعلى الإسلامي” حميد معلة إن “الأخطاء واردة في العمل السياسي، والاعتراف بها أول خطوة لتجاوزها وهذا ما قمنا به كتيار سياسي ونجحنا بذلك بفضل جديتنا في العمل”.
الحكيم بدأ أيضا في استراتيجية سياسية ترتكز على خلق الأصدقاء لا الأعداء، فهو يلتقي القيادات السياسية والعشائرية السنية المؤثرة، بينما لم يقم المالكي بذلك، حتى إن الحكيم زار الأنبار عام 2007 والتقى زعيم الصحوة احمد أبو ريشة الذي يعاديه المالكي حالياً.
إضافة إلى ذلك فإن الحكيم يمتلك علاقات طيبة مع الأكراد وباقي الأحزاب والشخصيات الدينية والعشائرية كالحزب الشيوعي وممثلي الأقليات المسيحية والشبكية والصابئة وغيرهم.

الصدر وتغيير الاستراتيجيات
بموازاة ذلك فإن الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر بدأ بسلسلة إجراءات سياسية تتناسب مع المتغيرات التي فرضتها انتخابات 2010 بعد حصوله على 40 مقعداً نيابياً.
وعلى رغم إن سمعة ميليشيا جيش المهدي التابعة له كانت سيئة في أذهان العراقيين وخصوصا السكان السنة، فقد نجح نسبياً في تحسين هذه الصورة.
الصدر الذي رفع شعار المقاومة منذ عام 2004 تخلى عن هذا الشعار مع الانسحاب الأميركي من البلاد نهاية عام 2011، ونجح في تجميد عمل جيش المهدي، ومن ثم تحويله إلى منظمة سياسية وثقافية.
علاوة على ذلك فإن الصدر الذي ابتعد عن التواصل مع قاعدته الشعبية ومؤيديه معتكفاً في إيران بين عامي 2006 و2012، عمد بعد عودته إلى العراق إلى التواصل مع أنصاره.
التواصل يجري حالياً من خلال استفتاءات شبه يومية على موقعه الإلكتروني، كما أنه يجري انتخابات تمهيدية لأنصاره قبل المشاركة في العلميات الانتخابية سواء البرلمانية أو المحلية لاختيار الأكفأ بينهم، فيما لا يتدخل الصدر في تعيين المرشحين.
ومضى الصدر إلى أبعد من ذلك، وأعلن انه ليس من دعاة تشكيل الحكومات الدينية ولا ينوي من خلال نوابه في البرلمان أو المحافظين الجدد الذين ينتمون إليه في فرض الديانة الإسلامية.
يقول الصدر مازحاً وهو يتوسط صحافيان أثناء إجراء حوار معه الشهر الماضي “أنا الإسلامي بين علمانيّين، فإما أن أكسبكم للدين، أو تكسبوني إلى العلمانية”.
هذا القول يعكس مدى تطور الوعي السياسي للصدر، بعدما قرّب مستشارين سياسيين منه معظمهم من الكفاءات، وأبعد عنه القيادات الدينية التقليدية من أصحاب العمائم.
على المستوى السياسي فإن الصدر لا يتوانى عن توجيه الانتقادات اللاذعة لرئيس الحكومة نوري المالكي، وهو في مرات عدة وصفه بـ”الدكتاتور” كما اتهمه بتشويه سمعة الشيعة من خلال طريقة حكمه السيئة ما جعل الصدر مقبولاً لدى السكان السنة والأكراد، معتبرين موقفه شجاعاً وبعيداً عن التخندق الطائفي.

المالكي يخلق لنفسه الخصوم
في الوقت الذي كان الصدر والحكيم منشغلان بترتيب أوضاعهما الداخلية وزيادة زخم قواعدهما الشعبية وتطوير إستراتيجيتهما، كان رئيس الوزراء نوري المالكي يتورط في خلق جبهة عريضة من الخصوم والأعداء لا زالت تتزايد حتى إقليمياً.
الخصومة التقليدية بدأت مع ائتلاف “العراقية” بزعامة اياد علاوي الذي تنازل عن رئاسة الحكومة رغم فوزه في الانتخابات بـ91 مقعداً بفارق مقعدين عن “ائتلاف دولة القانون”، مقابل التزامات لم ينفذها المالكي.
استعداء “العراقية” جرى من خلال التنصل من تشكيل “المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية” وهو منصب جديد كان من المفترض أن يترأسه علاوي، ومن ثم التنصل من حزمة تفاهمات معه منها حصول كتلته على حقيبة الدفاع حتى يومنا هذا.
لاحقاً زاد المالكي من جبهة معارضيه وشملت الأكراد (57 مقعد في البرلمان من أصل 325) وتيار مقتدى الصدر (40 مقعد) و”المجلس الأعلى الإسلامي” (تسعة مقاعد)، والأخيران شريكان أساسيان معه في “التحالف الوطني”.
ولم يتعرض المالكي لانتقادات داخلية وحسب، بل إن الأطراف الإقليمية وخصوصا الولايات المتحدة لا تبدو راضية عن أداء المالكي، وكان ذلك واضحاً في الزيارة الأخيرة التي قام بها المالكي إلى واشنطن حيث جوبه بسيل من الانتقادات من أعضاء الكونغرس الأميركي.
هذه المتغيرات ستجعل الحكيم والصدر منافسان قويان للمالكي في رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، على اعتبار إن منصب رئاسة الحكومة من حصة الشيعة وفقا للمحاصصة الطائفية المعمول بها في العراق منذ عام 2003.
يقول سياسي شيعي بارز فضّل عدم ذكر اسمه إن “التدخلات الإقليمية في تشكيل حكومة عام 2010 فرضت إن يكون رئيس الوزراء شيعي يحظى في المقام الأول بالتوافق الإقليمي وتحديداً إيران وأميركا وبشكل ثانوي يحضى بتوافق داخلي، أما سنة 2014 فإنها ستكون مختلفة، إذ إن إيران وأميركا يعرفان جيدا بأنهم سيصبحون في موقف حرج في حال أصروا على بقاء المالكي لولاية ثالثة”.
ويلفت هذا السياسي إلى أن “معيار اختيار رئيس الحكومة الجديد ستعتمد على إيجاد توافق داخلي أولا، قبل الحديث عن التوافق الإقليمي”.
ويستبعد التيار الصدري التحالف مع المالكي مستقبلاً حيث يقول النائب عن التيار جواد الشهيلي “لن نثق مجددا بالمالكي والتحالف معه صعب، نحن اليوم نسعى لشكيل تحالف مع المجلس الأعلى والسنة والأكراد استعداداً للانتخابات المقبلة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة