في ثلاثة أيام فقط خسرت مدينة الموصل ثلاثة من إعلاميها البارزين بعدما استهدفهم مسلحون مجهولون في أماكن متفرقة من المدينة، وأردوهم قتلى في وضح النهار وأمام عيون عناصر الأجهزة الأمنية.
فلم يكن مراسل قناة الشرقة الفضائية محمد كريم وزميله المصور محمد غانم يعلمان بأن تغطيتهم لزحام تسوق ما قبل عيد الأضحى في منطقة السرجخانة وسط الموصل ظهيرة السبت (5 تشرين الأول) هو آخر واجب تلفزيوني لهما وآخر لحظات حياتهما، إذ أمطرهما مسلحون يحملون مسدسات كاتمة للصوت بوابل من الرصاص واختفوا بطريقة شبحية.
وتروي سيدة في عقدها الخامس صادف وجودها في المكان لحظة سقوط الشابين مضرجين بدمائهما أنها طلبت عناصر الشرطة القريبين إسعاف أحد الضحايا بعدما شاهدته وهو يحرك يده اليسرى، وكانت واثقة من انها سمعته يتأوه، لكنهم إمتنعوا عن ذلك، وأكتفوا بمنع الناس من الاقتراب، في حين كان الشاب يموت ببطء وخيط من الدماء ينساب مبتعداً عن جسده.
ولم تمض سوى أيام ثلاثة فقط حتى صُدِم أهالي المدينة بخبر اغتيال الأعلامي سعد زغلول الناطق الرسمي بأسم محافظة نينوى، إذ فاجأه مسلحون مجهولون بإطلاق النار عليه أمام منزله في منطقة القادسية شمال الموصل، وسيناريو القتل تم بذات الطريقة الشبحية لظهور المسلحين وأختفائهم وعلى مسافة قريبة من نقطة تفتيش عائدة للجيش العراقي.
محافظ نينوى أثيل النجيفي بدا مصدوماً من خبر مقتل سعد زغلول الناطق باسم إدارته، سيما وأن الناطق السابق بأسم محافظة نينوى الإعلامي قحطان سامي قُتل بصورة مشابهة تماماً لما حدث لزغلول في منطقة المجموعة الثقافية شمال الموصل يوم الثامن من تموز (يوليو) الماضي.
النجيفي قال لموقع “نقاش” الإلكتروني إن المؤشرات تدل على أن المنفذين مجموعة واحدة قامت بإغتيال قحطان سامي وعدد من مختاري المناطق ومراسل ومصور قناة الشرقية وأخيرا سعد زغلول، وأنها مجموعة متخصصة بالاغتيالات.
وأضاف “الأجهزة الأمنية تتحمل مسؤولية التأخير في القبض عليهم خصوصا أن العديد من أسماء هذه المجموعة معروفة لدى تلك الأجهزة”.
وعلى الرغم من عدم إفصاح المحافظ عن اسم المجموعة وعدم إعلان أية جهة تبنيها قتل الصحفيين في الموصل، إلا أن المناشير التي ظهرت الثلاثاء بعد ساعات قليلة من اغتيال سعد زغلول، أشارت وبوضوح تام إن دولة العراق والشام الاسلامية هي المسؤولة عن ذلك.
وقال شهود عيان إنهم اطلعوا على مناشير علقت في مناطق جنوب غرب الموصل، تحذر الصحفيين والاعلاميين من الاستمرار في العمل، وأن المخالفين سيتعرضون للقتل.
ويقول الإعلامي الشاب مهند خالد حسين الذي يعمل في قناة فضائية رسمية في الموصل، انه بقي مع العديد من زملائه في القناة ولم يغادروها بعد سماعهم بأمر المناشير، وان معظمهم أبدلوا أماكن سكنهم لضرورات أمنية، وكثير منهم يفكر اليوم بالرحيل عن المدينة بعد ترك العمل.
أما الإعلامي طلال ماجد وكان يعمل لغاية الثلاثاء في إذاعة محلية تبث من الموصل أكد لنقاش إن جميع العاملين في الإذاعة تركوا العمل فور سماعهم خبر التهديد الجماعي، وأنهم تعاملوا بجدية مع تلك المناشير لا سيما وأن مقتل سعد زغلول لم يكن قد مضى عليه سوى ساعات قليلة فقط.
في حين ذكر الصحفي عادل كمال بأنه طلب من إدارة تحرير الصحيفة التي يعمل فيها في الموصل أن لا تضع اسمه على اي مادة صحفية يكتبها، وأنه عطل حسابه على الفيسبوك، وغير رقم هاتفه وقرر عدم مغادرة المنزل خلال الايام المقبلة بانتظار ما سيحدث.
أحد ضباط الشرطة المحلية أكد أن نينوى ومركزها مدينة الموصل تشهدان انهيارا أمنيا كبيرا على الرغم من انتشار ما يقرب من 50 ألف عنصر من الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية في مختلف المناطق ونقاط التفتيش الدائمة موزّعة في جميع الشوارع الرئيسية وداخل الأحياء السكنية والمناطق التجارية.
ويضيف “نحن لا نستطيع حماية أنفسنا فكيف نقوم بحماية المواطنين”.
عضو مجلس النواب العراقي فارس السنجري أكد أن “أكثر من 3500 عنصرا أمنيا تركوا العمل في الأيام الماضية بعد تهديدات تلقوها من المسلحين، ومقتل العشرات من زملائهم وتفجير منازل آخرين”.
ويضيف السنجري “الصحفيون نالوا حصة من القتل والترويع ليس فقط أثناء القيام بواجباتهم، بل وحتى في منازلهم كما حدث لمقدم البرامج في قناة سما الموصل الفضائية غزاون الأزوري عندما قتله مسلحون في بيته أمام زوجته وطفله الصغير”.
سبعة وأربعون صحفيا وإعلاميا قتلوا في الموصل منذ 2003، ولا يحتاج الأمر الى تقارير محلية أو دولية لاعتبار المدينة أخطر مكان للعمل الصحفي في العالم، فمجرد جولة بسيطة مع أحد الاعلاميين هناك، يكشف عن واقع المدينة التي أضحت ساحة حرب بين عصابات تتبع القاعدة، وتشن حملة عقاب واسعة ضد الأهالي.