جاء في الآية الكريمة : “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”. ليس في الآية صحبه ولا آله، والأمر كان خاصاً، قرآنياً، بالنَّبي، ولو أراد الله تضمين الأصحاب والآل في هذه الصلوات لوضعها، فممن يتحرج؟! وهو الذي يقول: “إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا”، وقال أيضاً: “وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ”. نقصد لو أرادها لجعلها مثلما يختلف فيها المسلمون الآن.
يطالعانا زعماء الإسلام السياسي، وإسلاميو الطوائف، في خطبهم ما يُعرف بهم طائفياً، فمَن يصلي على النَّبي ويلحقها وصحبه يُعرف منه أنه سًني وفيه تعصب ضد آل النبي، والمقصود هنا علي بن أبي طالب وأولاده، فليس من المعقول أن يصلى على الخلفاء العباسيين، وهم لا يتبعون بعبارة “رضي الله عنه” مثلاً! ومَن يصلي على النَّبي قائلاً: “صلى الله على محمد وآله”، أي حذف الأصحاب يقدم نفسه أنه شيعي ومتعصب ضد الصحابة، أو لا يريد أن يجمع الصحابة في الصلاة عليهم!
أما مَن يصلي على النبي بالعبارة: “صلى الله على محمد وأصحابه وآله” فيفهم منه أنه يقدم الأصحاب على الآل، وهذه إشارة طائفية أيضاً أي أن قائلها قطعاً سُني، يرى تقديم الصحابة الثلاثة مِن الخلفاء الراشدين على رابعهم. أما الشيعي المنفتح فهو الجامع في الصلاة على محمد بين الأصحاب والآل، لكنه يُقدم آله على أصحابه، وإن فعل عكس ذلك لحٌسب أنه انتقل مذهبياً إلى التسنن.
القضية قد غدت واضحة وفاعلة في شدة الاختلاف الطَّائفي أو انفراجه، على سبيل المثال: عندما دعا السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق إلى مؤتمر مشترك في ذكرى وفاة السيدة فاطمة الزهراء، محاولاً قطع الطريق على من يحتفل في هذا اليوم بالإساءة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، صلى في مستهل خطبته على النبي وآله وصحبه الميامين، وهو مرة يقدم هذا وأخرى يقدم تلك، ليعطي تصوراً أنه في مؤتمر مشترك يجمع بين السُّنة والشِّيعة، ومن على أرض الكوفة اثنى على الخليفة عمر بن الخطاب، فرد عليه “لهلوب” الطائفية الشاب الكويتي ياسر الحبيب مؤنباً. كذلك عندما يصلي السيد نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، على النبي يذكر صحبه وآله وأحياناً يُقدم ويؤخر، كونه يخاطب أعداء أمريكا كافة، الذين بينهم الشيعة والسُّنة.
ولا يمكن تجاهل حملات الشيخ محمد العريفي عبر موقع التواصل الإجتماعي تويتر حين قال “يا شيعة العالم استيقظوا والله أريد لكم الخير والنصح لنجتمع على عقيدة النبي والصحابة وآل البيت تعظيم القرآن واحترام الصحابة ولا غلو في البشر”، فقدم الصحابة على آل البيت ليثير معركة من الردود التي نالت من تقديمه هذا.
على أية حال، صارت الصلاة على النبي مؤشراً سياسياً، بعيدة عن مدلولها الديني، أو شخص النبي وآله وأصحابه، إنما عبارة يُفكر قائلها بالموقف السياسي، وبالمجتمع الذي يخاطبه قبل قولها، إذا كان شيعياً صِرفاً: اكتفى بالصلاة على النبي وآله، وإن كان سنياً صرفاً قد يكتفي بصلاة على النبي وصحبه، على أساس أن الصحبة متضمنة الآل. وإن كان الجمهور المخاطب مختلطاً فالخطيب الشيعي يُقدم الآل على الأصحاب والخطيب السُني يتهم أنه يُقدم الأصحاب على الآل، وهكذا صار الدين قيد الانفعال من لا يذكر الأصحاب يدعى رافضياً، ومن لا يذكر الآل يدعى ناصبياً مع أن القرآن حصرها الصلاة على النَّبي فقط، لا آل ولا أصحاب.
عن ميدل ايست اونلاين