خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
توجه الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، في أول زيارة خارجية؛ (غير الفاتيكان)، إلى دول “السعودية وقطر والإمارات”. وفي فترته الرئاسية الأولى؛ كانت زيارته الخارجية الأولى لـ”السعودية” أيضًا.
وبلا شك فإن أحد أهم الأسباب هو ثروة هذه الدول وقدرتها الاقتصادية على الاستثمار في “الولايات المتحدة”. السبب الثاني المشاورات بخصوص ملفات مثل: “غزة وسورية وإيران”.
كما أن هذه الرحلة تحظى بالأهمية بالنسبة لـ”الولايات المتحدة” من الناحية الهيكلية ودور هذه الدول في النظام الدولي المستقبلي. بحسّب ما رأى “جواد حیران نیا”؛ مدير وحدة دراسات الخليج ودول الجوار بمعهد (الشرق الأوسط) للدراسات الاستراتيجية، في مستهل تحليله المنشور على موقع مركز (الشرق) للبحوث العلمية والدراسات الاستراتيجية الإيراني.
الفصل في الصراعات وإدارة أزمات المنطقة..
وبينما تفتقر “الولايات المتحدة” للقُدرة والإمكانيات اللازمة للفصل في الأزمات العالمية، وتميّل للتركيز على الشأن الداخلي، أسنّدت الكثير من المهام الدبلوماسية والسياسية لشركاء موثوقين من المنظور الأميركي؛ هم: “قطر والسعودية والإمارات”، الذين يستطيعون تحمل عبء الفصل في الصراعات وإدارة الأزمات بالمنطقة.
والحقيقة؛ تهدف الزيارة إلى تعميّق النفوذ الجيوسياسي الأميركي في خضم المنافسات العالمية، بخلاف أنها تُمثّل خطوة استراتيجية لتعزيز العقود الاقتصادية عالية المخاطر؛ حيث تأتي هذه الزيارة في وقتٍ تختلف فيه الأوضاع الإقليمية بشكلٍ ملحوظ مقارنة بزيارة “ترمب” إبّان فترته الرئاسية الأولى.
ولا تزال دول المنطقة تذكر تجربة التطورات والصراعات التي أعقبت “الربيع العربي”؛ عام 2011م، التي دمرت “سورية واليمن” ودفعت دول المنطقة إلى الدخول في توترات مزعزعة للاستقرار بهدف تحقيق نفوذ إقليمي أكبر.
نقطة التحول في الإدراك الأمني الخليجي..
نقطة التحول في هذه التطورات التي أثرت على الإدراك الأمني للعرب في الخليج تجاه “أميركا” كانت الهجوم على (أرامكو) السعودية. وفي أيلول/سبتمبر 2019م، تسبب القصف الصاروخي (الحوثي) على المنشآت النفطية السعودية إلى عجز بنحو: (5.7) مليون برميل في الإنتاج اليومي أي ما يُعادل نصف الإنتاج النفطي السعودي تقريبًا.
وحين كانت “الرياض” تنتظر الدعم الأميركي، قال “ترمب”: “الهجوم استهدف السعودية، وليس نحن”.
وعدم تحرك “ترمب” في مواجهة هجمات 2019م، دفع قادة “السعودية والإمارات” للتشّكيك في مصداقية “الولايات المتحدة” باعتبارها شريك أمني يوفر الدّرع ضد التهديد الإقليمية. لذلك سارع المسؤولون البارزون في “السعودية والإمارات” إلى الاتصال بنظرائهم الإيرانيين للحد من التوتر في منطقة الخليج عن طريق التواصل المباشر فيما يخص “الإمارات”، وغير المباشر عبر “العراق وباكستان” فيما يخص “السعودية”.
والمصالحة بين “الرياض” و”طهران” هي نتاج فهم التغيَّيرات الهيكلة؛ (السياسة الخارجية الأميركية)، وتأثيرها على السياسة الإقليمية. فقد أصبح احتواء “الصين” أكثر أهمية بالنسبة لـ”واشنطن” أكبر بكثير من الانخراط في حروب الشرق الأوسط.
من جهة أخرى؛ فرض الاستقلال الاستراتيجي نتيجة المتطلبات الهيكلية والتغييّر في السياسة الخارجية الأميركية، إلى تنويع الدول العربية في الخليج قائمة الشركاء الإقليميين.
وعليه تحظى زيارة الرئيس الأميركي بالأهمية من منظور مستقبل النظام العالمي. وحتى الآن كانت سياسة “ترمب”؛ تجاه الدول العربية في الخليج، تقوم على الصفقة نسبيًا.
بعبارة أخرى؛ لم يكن عرب الخليج يفهمون أن سياسته تتجاوز الصفقات الاقتصادية والتجارية. وعليه أراد من اعتبروا أنفسهم متحمسّين للاستثمار في “الولايات المتحدة”، تغيّير السياسات، والوضوح الاستراتيجي، والشراكة الحقيقية لبلورة النظام المستقبلي.
التحول الخليجي نحو إيران..
النقطة المهمة الأخرى؛ هي التحول في نهج عرب الخليج تجاه “إيران” منذ سنوات، والذي بلغ ذروته في المصالحة بين “السعودية” و”إيران”.
وكذلك؛ فإن دعم هذه الدول للمفاوضات “الإيرانية-الأميركية”. فـ”السعودية والإمارات” كانتا تُعارضان “الاتفاق النووي”، وهما حاليًا لا تدعمان المفاوضات، وإنما حمّل “أنور قرقاش”؛ مستشار الرئيس الإماراتي، رسالة آية الله “علي خامنئي”.
من جهة أخرى؛ أعلنت “السعودية” استعدادها للوسّاطة، والتقى “خالد بن سلمان”؛ وزير الدفاع السعودي، آية الله “خامنئي”، قبيل المفاوضات “الإيرانية-الأميركية”، وأعطى ضمان للنظام الإيراني بأن بلاده لن تسمح باستخدامها مجالها الجوي في تنفيذ هجوم عسكري على “إيران”.
علمًا أن دول “الخليج العربي” لا تُريد الانجرار إلى صراع بين “إيران”، و”إسرائيل”، و”الولايات المتحدة الأميركية”.
وكانت قد أعلنت حيادها خلال حربين مباشرتين بين “إيران” و”إسرائيل”؛ حيث تقوم سياستها الإقليمية على نهج اقتصادي، حيث يعتبر الاستقرار الإقليمي عاملًا حيويًا لدفع عجلة تطلعاتها الاقتصادية. لذا، فإن سياسة تخفيف التوتر مع “إيران” تكتسب أهمية في هذا الإطار.