خاص : ترجمة – لميس السيد :
في إحدى الأمسيات، خلال الشهر الماضي، تعرضت الراقصة الروسية، “إيكاترينا إندريفا”، التي كانت تؤدي حفلة في ملهى ليلي عائم على نهر النيل. وقبيل نهاية فقرتها الاستعراضية، لاحظ مديرها رجلاً في منتصف العمر يرتدي سترة جلدية يترقب المشهد على نحو غير مألوف وسط الزحام.
قال المدير: “عرفت على الفور أنه شرطي.. توسلت إليه، من فضلك، فقط دعها تنهي فقرتها. إعطها 15 دقيقة إضافية”، وقف الشرطي مجبراً على الانتظار؛ وعند إنتهاء فقرتها وذهابها إلى منطقة الكواليس كان قد إلقى القبض عليها وتم نقلها إلى السجن، حيث إستندت السلطات المصرية إلى تهمة “التحرض على الفجور”، في واقعة القبض على الراقصة المعروفة باسم؛ “جوهرة”، حيث استمرت التحقيقات لمدة أربعة أيام وانتهت بغرامة.
تنعم “إندريفا” الآن بالحرية في القاهرة، لكن مديرها، الذي رفض ذكر اسمه لعدم جذب إنتباه الحكومة غير المرغوب فيه، إنه في خط عمله كان هناك دائمًا توتر مع السلطات المصرية، لكنه “يزداد هذه الأيام”.
من وجهة نظر “السيسي”.. زوال حكم “الإخوان” لا يعني انفتاحاً علمانياً..
رصدت مجلة (ذا إتلانتيك) الأميركية؛ من خلال تقريراً حول الحرية الفنية في مصر، أوضاع الأنشطة التي تخضع لرقابة صارمة، حيث قال “جيمس لينش”، نائب مدير “منظمة الشفافية الدولية”، وهي منظمة تتبع مسار “السيسي” منذ أول انتخابات له في عام 2014: “تشهد مصر ضغطاً مستمراً على حرية التعبير بشكل أساسي”.
رأت المجلة الأميركية إن الفنانين، مثل “أندريفا”، يتعرضون للهجوم المستمر وهو نهج لم يكن موجوداً في عهد الرئيس السابق، “حسني مبارك”، إلا أن نظام “السيسي” يفعل ذلك، حيث تستمر الدولة في إطلاق الحملات ضد الأشخاص المختلفين فكرياً وايديولوجيا سواء “مثليين أو ملحدين أو أفراد المجتمعات الأقلية الشيعية والبهائية” في البلاد. فالرئيس الحالي أكثر تركيزاً، من سلفه، على كسب تأييد الجماهير، بما في ذلك المؤيدين لمنافسيه من “الإخوان المسلمين”.
وأضاف “تيموثي كالداس”، وهو زميل في “معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط”، أن في دولة دينية مثل “مصر”، تعتز بالإتجاه المحافظ، يعتبر اعتقال الفنانين المشهورين خطوة ليست سيئة في عام الانتخابات، لأن هذه الاعتقالات هي جزء من جهد منسق لضبط المجتمع الليبرالي والحفاظ على فكرة أن “عدم إتباع الدولة لنظام الإخوان لا يعني عدم الاهتمام بتقاليدنا أو قيمنا”.
وأضاف “كالداس”: “لقد كان الجميع يكرهون مبارك في عام 2011، ولأن نظام السيسي حذر من كراهية الشعب؛ فإنه فضل تجنب ذلك خلال ولايته، لكنه لم ينجح بالشكل المرجو في ظل إرتفاع معدلات التضخم والبطالة ومستويات الفقر.. لذا لجأ النظام لحيلة قطف الثمار الدانية من خلال ضبط المجتمع الليبرالي، وبذلك يلتهي الناس عن التضخم والمشكلات الاقتصادية لبعض الوقت”.
وفي حين أن مثل هذه الأفعال تروق بلا شك للعناصر الأكثر تحفظًاً في البلاد، إلا أنه مجرد استعراض أمام الرأي العام. وعلى الرغم من معارضتها الشديدة للحكم الإسلامي في مصر، إلا أن الحكومة التي يقودها الجيش في القاهرة بعيدة تماماً عن العلمانية.
أشار “كالداس” إلى: “لا أعتقد أن هناك أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن الحكم العسكري أقل محافظة بكثير من الإسلاميين”، حيث أن “السيسي” يظهر تدينه بشكل معلن، بوجود “زبيبة الصلاة” المميزة لجبهته، وفي الواقع يعتقد البعض أن تدين “السيسي” كان أحد أسباب اختيار الرئيس السابق، “محمد مرسي”، له وزيراً لللدفاع.
السخرية ممنوعة لأسباب سياسية وأخلاقية !
بعد وقت قصير من تولي “السيسي” المنصب، أعلن “باسم يوسف”، أكبر مقدم تليفزيوني ساخر في البلاد، والذي يُشار إليه باسم “جون ستيوارت” مصر، نهاية عرض برنامجه الساخر، حيث كان يسمح لـ”يوسف” ببث برنامجه أثناء وجود “مرسي” في الحكم، وكان يصرح للمراسلين الأجانب في ذلك الوقت: “المناخ الحالي في مصر غير مناسب لبرنامج سياسي هجائي”.
منذ ذلك الحين أصبح من الواضح أن الكوميديين الآخرين يواجهون الرقابة في مصر أيضًا. وشهد الشهر الماضي إلغاء (ساترداي نايت لايف أرابيا)، وهو برنامج مصري يستند إلى النسخة الأميركية، ولكنه خالي من جميع الإشارات السياسية، ومع ذلك اتهمته “هيئة تنظيم وسائل الإعلام” المصرية بإنتهاك “المعايير الأخلاقية والمهنية” من خلال “العبارات الجنسية والتلميحات” المتكررة.
وأصبح المغنون أهدافًا أيضًا، حيث تصدرت مطربة مصرية شهيرة تحمل اسم، “شيرين”، عناوين الأخبار، في أواخر العام الماضي، بعد أن ظهر تسجيل لها ساخرة من تلوث مياه النيل، ما أدى إلى توقيع عقوبة ضدها بالسجن لمدة ستة أشهر لإهانة البلاد.
وفي هذا الشهر، وقبل ساعات من العرض الافتتاحي لمسرحية (ما قبل الثورة)، وهي مسرحية كان من المقرر عرضها كجزء من “مهرجان القاهرة للفنون المعاصرة”، ألغى المخرج، “أحمد العطار”، العرض بسبب اعتراض الرقابة الحكومية. وتبع ذلك القرار اعتقال ستة أشخاص في وقت سابق من هذا الشهر بسبب مسرحية اعتبرت مهينة لقوات الأمن.
اختتمت المجلة الأميركية تقريرها؛ بأنه مع مؤشرات فوز “السيسي” لأربع سنوات أخرى هذا الأسبوع، يبدو مستقبل التعبير الفني الليبرالي في مصر قاتماً.