24 ديسمبر، 2024 2:26 ص

السودان وتونس من بينها .. قائمة الدول العربية التي يطاردها شبح “الإفلاس” !

السودان وتونس من بينها .. قائمة الدول العربية التي يطاردها شبح “الإفلاس” !

وكالات – كتابات :

قبل جائحة (كورونا) كانت تداعيات التغير المناخي قد إزدادت حدة، ومع تراجع حدة الوباء نسبيًا جاءت العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا”؛ ليضع الاقتصادات الضعيفة على شفا الإفلاس، ومن ضمنها دول عربية.

فبينما كان العالم يسعى لتجاوز تداعيات جائحة (كورونا)، والحد من آثار التغير المناخي، جاءت العملية العسكرية الروسية في “أوكرانيا” لتُضيف مزيدًا من الغموض على مستقبل الاقتصاد العالمي.

ودفعت هذه التطورات أربع مؤسسات مالية واقتصادية دولية، مجتمعة، للتحذير من تداعيات هذه الحرب، خصوصًا على الاقتصادات الضعيفة، والمؤسسات الأربعة هي: “البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي”.

ففي بيان مشترك؛ الأسبوع الماضي، توقعت المؤسسات أن الحرب في “أوكرانيا”؛ ستؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي برمته، وستكون تداعياتها أشد وطأة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، بحسب تحليل لوكالة (الأناضول) التركية.

كانت مجلة الـ (إيكونوميست) البريطانية؛ قد نشرت مؤخرًا تحليلاً عنوانه: “الحكومات العربية تفرض المزيد من الضرائب على الفقراء”، رصد كيفية تعامل الأنظمة والحكومات العربية مع فرض وتحصيل الضرائب، وتأثير تلك السياسات على الفقراء تحديدًا.

لبنان.. الوضع الخطير يزداد خطورة..

اجتمعت الأزمات الثلاث: “المناخ، وكورونا، والحرب في أوكرانيا”، في وقت يغرق فيه العديد من الدول العربية في أزمات مالية واقتصادية، تُقربها يومًا بعد يوم من حافة الإفلاس.

و”إعلان الإفلاس”؛ يحدث في حالة عجز الدولة عن سداد الدين الخارجي، وفي حالة الشركات أو الأفراد، يتم الحجز على الأصول أو الممتلكات لصالح الدائنين، لكن ذلك مستحيل في حالة إفلاس الدول، ولا يوجد قانون دولي يُنظم تلك القضية بل تخضع للتفاوض.

والذي يحدث أنه بعد إعلان دولة إفلاسها، تحدث هزة اقتصادية قوية على الصعيد المحلي، حيث يندفع المستثمرون وأصحاب المدخرات – الذين يتوقعون هبوطًا قويًا في قيمة العُملة المحلية – لسحب أموالهم من الحسابات المصرفية ونقلها خارج البلاد، ومن أجل وقف هبوط قيمة العُملة وسحوبات الأموال، تلجأ الحكومة المتعثرة في سداد الديون إلى إغلاق البنوك وفرض قيود على حركة رؤوس الأموال.

الخلاصة هنا أن الإفلاس يكون عندما تصل الدولة إلى مرحلة تعجز فيها عن الاستيراد لعدم توفر النقد، وعدم سداد الديون، وعدم القدرة على سداد أجور موظفي الدولة، وهي عوامل لم تجتمع حتى اليوم معًا في أي من الدول العربية المهددة بالإفلاس.

ودخل “لبنان” في أزمة مالية واقتصادية حادة، بدءًا من تشرين أول/أكتوبر 2019، تفاقمت حتى وصفها “البنك الدولي”؛ بأنها واحدة من أشد الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

ويئن “لبنان” تحت واحد من أكبر أعباء الدين في العالم، بحجم ديون تبلغ حوالي: 100 مليار دولار، منها حوالي: 62 مليار دولار دين محلي بـ”الليرة” اللبنانية، 38 مليارًا منها دين خارجي بالعُملات الأجنبية، أبرزها “الدولار”.

ودفعت الأزمة المالية والاقتصادية التي دخلتها البلاد؛ إلى إعلان الحكومة اللبنانية، في آذار/مارس 2020، توقفها عن سداد الدين الخارجي، لعدم توفر الموارد الكافية لخدمة هذا الدين.

ومنذ ذلك الحين؛ تسارع الإنهيار المالي في البلاد، إذ تراجع احتياطي “لبنان” من النقد الأجنبي من حوالي: 38 مليار دولار؛ في 2019، إلى حوالي: 15 مليار دولار حاليًا، جميعها احتياطيات إلزامية للجهاز المصرفي لا تستطيع الحكومة استخدامها في تغطيات واردات السلع الأساسية.

وعلى مدى نحو عامين، منذ تشرين أول/أكتوبر 2019، فقدت “الليرة” اللبنانية نحو: 90% من قيمتها، وبعد أن كانت مستقرة عند حوالي: 1500 ليرة مقابل “الدولار” على مدى 20 عامًا، انحدرت ليصرف “الدولار” حاليًا بنحو: 31 ألف ليرة.

ومع شُح “الدولار” في الأسواق، إمتنعت المصارف اللبنانية عن تسحيب المودعين لودائعهم بـ”الدولار”، ووضعت سقفًا على السحب بالعُملة المحلية مع الإبقاء على سعر الصرف في عمليات السحب معادلاً للسعر الرسمي: (1500 ليرة للدولار)، ما يعني فقدان الودائع الدولارية لنحو: 80% من قيمتها.

السودان.. أزمات لا تنتهي..

مع سقوط نظام الرئيس السابق؛ “عمر البشير”؛ عام 2019، دخل “السودان”، حقبة جديدة من تاريخه، وتزايدت الجهود والآمال لعودته إلى النظام المالي العالمي، بعد 25 عامًا على العزلة؛ منذ أدرجته “الولايات المتحدة” على قائمة: “الدول الداعمة للإرهاب”.

أدخلت العزلة الدولية “السودان”؛ في العديد من الأزمات المالية والاقتصادية، خصوصًا بعد فقدان البلاد أكثر من: 75% من مواردها النفطية باستقلال دولة “جنوب السودان”؛ في عام 2011. وبنهاية حكم “البشير”، بلغ الدين الخارجي لـ”السودان” حوالي: 60 مليار دولار، معظمها متأخرات لـ”صندوق النقد الدولي” وباقي دائنيه؛ “نادي باريس”.

وبالفعل، ضم “صندوق النقد الدولي”؛ “السودان”، لمبادرة تخفيف الديون عن الدول الفقيرة؛ (هيبيك)، ما سمح بإعفائه من: 23.5 مليار دولار، ضمن عملية كان يؤمل أن تنتهي بإعفاء “الخرطوم” من نحو: 54 مليار دولار، ومنحه مليارات الدولارات تمويلات من “صندوق النقد” وغيره من المانحين.

كل ذلك؛ كان مشروطًا بإصلاحات اقتصادية جذرية، من بينها تعويم “الجنيه” السوداني، وهو ما تم فعلاً على مرحلتين: في شباط/فبراير 2021، وشباط/فبراير 2022، ما أدى إلى تراجع حاد في قيمة العُملة المحلية، من: 55 جنيهًا لـ”الدولار” الواحد إلى حدود: 400 جنيه للدولار. وكان من شروط “صندوق النقد” أيضًا، رفع تدريجي للدعم عن الوقود، وصولاً إلى إلغاء الدعم بالكامل؛ في حزيران/يونيو 2021.

وأدى إنهيار العُملة ورفع الدعم عن الوقود وسلع أساسية أخرى إلى تفاقم التضخم في “السودان”، ليصل إلى حدود: 300%.

لكن الانقلاب الذي قام به قائد الجيش؛ “عبدالفتاح البرهان”، على العملية السياسية ووضع رئيس الوزراء السابق؛ “عبدالله حمدوك”، رهن الإقامة الجبرية، ثم الاتفاق السياسي بين “حمدوك” و”البرهان”؛ وما تلاه من رفض شعبي عارم، كل ذلك أدى لزيادة تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية.

تونس.. أزمات متراكمة فاقمتها إجراءات الرئيس..

بين عامي: 2010 و2011، نما إجمالي الناتج المحلي التونسي بمتوسط: 9%، لكنه بدأ بالتباطؤ اعتبارًا من؛ 2012، وصولاً إلى انكماش بنسبة: 0.15%؛ في 2014.

ورغم عودة اقتصاد “تونس” للنمو في السنوات التالية، إلا أنه حافظ على نسبة منخفضة، إذ لم يتجاوز النمو؛ منذ 2017، نسبة: 1.5% حتى 2019، إلى أن جاءت جائحة (كورونا)؛ في 2020، بانتكاسة للاقتصاد التونسي، الذي انكمش بنحو: 8.%.

وحافظ الاقتصاد التونسي على معدل بطالة أقل من: 12%؛ حتى 2010، لكنه تزايد بإطراد بعد 2011، ليُحافظ على معدل قرب: 17% حتى 2021.

وبلغ إجمالي الدين العام التونسي؛ في 2010، حوالي: 16 مليار دولار أو ما يُعادل: 55% من إجمالي الناتج المحلي، ليرتفع إلى: 20.6 مليار دولار؛ في 2017، ثم إلى: 29 مليار دولار بنهاية 2020.

وحسب توقعات “البنك المركزي”، كان المتوقع أن يرتفع الدين إلى: 35 مليار دولار؛ بنهاية 2021، أو ما يزيد عن: 100% من إجمالي الناتج المحلي، في حال نجحت مساعي “تونس” بالحصول على قروض خارجية جديدة، الجزء الأكبر منها من “صندوق النقد الدولي”. وبلغ العجز في الموازنة العامة التونسية حوالي: 07 مليارات دولار؛ و8.5% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في 2021.

كما تواجه المالية العامة عبئًا آخر، إذ عليها توفير حوالي: 15.5 مليار دينار؛ (5.6 مليار دولار)، لخدمة الدين، منها: 10 مليارات دينار، (3.6 مليار دولار)، بالنقد الأجنبي.

وتتفاوض “تونس” مع “صندوق النقد الدولي”؛ للحصول على قرض بنحو: 04 مليارات دولار، لكن الصندوق يشترط خفضًا حاسمًا في الإنفاق، خصوصًا في بندي الرواتب ودعم السلع الأساسية.

ولا شك أن الإجراءات الاستثنائية التي أقدم عليها الرئيس؛ “قيس سعيد”، فجأة في 25 تموز/يوليو من العام الماضي، والتي رفضتها أغلب الأحزاب السياسية ووصفها البعض بالانقلاب، قد جعلت مسألة إيجاد حلول لإصلاح أو تحسين الوضع الاقتصادي مهمة شبه مستحيلة، إذ يُندد المانحون الغربيون بقرارات “سعيد”، وآخرها حل “المجلس الأعلى للقضاء”.

اليمن.. ديون خارجية قليلة ولكن !

رغم أن مديونية “اليمن” أقل بكثير من معظم الدول العربية، بواقع: 10 مليارات دولار؛ في أواخر 2021، وفق بيانات رسمية، إلا أن المشكلة الأساسية للبلد الذي يُعاني حربًا مستمرة منذ سبع سنوات، تتمثل بإفتقاره للسيولة لتغطية الواردات من السلع، وتمكين الحكومة المعترف بها دوليًا في جنوب البلد.

بالتوازي مع الحرب العسكرية التي بدأت في 2015، تدور في الخفاء حرب مالية اقتصادية، إذ صادر “الحوثيون” الاحتياطيات النقدية لـ”البنك المركزي”؛ عندما سيطروا على العاصمة “صنعاء”، وتُقدر بحوالي: 05 مليارات دولار.

وتوالت عمليات مصادرة الأصول والاحتياطيات النقدية من قبل “الحوثيين”، لتطال بين عامي: 2016 و2018، أصول هيئة التقاعد والمعاشات وصناديق التقاعد والعديد من البنوك والشركات، بإجمالي: 06 مليارات دولار وفق تقارير دولية.

وقد شكلت مصادرة هذه المبالغ من النقد الأجنبي رفعًا للغطاء عن “الريال”؛ وأدت إلى فقدان “الدولار” من الأسواق، وكانت هذه بداية إنهيار العُملة اليمنية. ففي آذار/مارس 2014، كان “الدولار” يُصرف بنحو: 214 ريالاً يمنيًا، لينحدر في أواخر 2021؛ إلى حوالي: 1800 ريال للدولار الواحد.

وأدى هذا الإنهيار للعُملة المحلية، وفقدان العُملات الصعبة لتمويل الواردات، إلى أزمات شملت جميع السلع الأساسية والوقود، التي قفزت أسعارها لمستويات تفوق قدرة اليمنيين المنهكين من الحرب.

سوريا.. صفر ديون خارجية ولكن !

لا تُعاني “سوريا” من مديونية خارجية، إذ بادرت في 2019؛ إلى سداد كامل الدين الخارجي، البالغ: 23 مليار دولار، معظمها لـ”روسيا وإيران والعراق”. ومع ذلك، فإن فقدان “سوريا” للسيولة اللازمة لتغطية وارداتها من الخارج، خصوصًا بعد تراجع دعم “روسيا”، المشغولة في الحرب مع “أوكرانيا”، أدخل اقتصاد البلاد في مرحلة جديدة من الإنهيار.

فمنذ فرض “العقوبات الغربية”، بدءًا من 2012، تقلص الاقتصاد السوري حتى بات يعتمد على رواتب الموظفين وبعض الخدمات فقط، وحرمانه من باقي القطاعات، كـ”النفط” والصناعة وغيرها.

وإنهارت “الليرة” السورية من متوسط سعر: 50 ليرة للدولار؛ في بداية الحرب عام 2011، إلى: 2814 ليرة السعر الرسمي للدولار، وحوالي: 4000 ليرة في السوق السوداء.

وتحت ضغط نقص السيولة واستنزاف الاحتياطي بسبب “العقوبات الغربية”، قلصت الحكومة السورية؛ في 2019، بشكل كبير، دعم السلع والخدمات الأساسية، كالطحين والوقود والكهرباء، تبع ذلك في شباط/فبراير الماضي، وقف الدعم عن حوالي: 500 ألف أسرة.

في المحصلة، فإن أكثر من: 90% من السوريين في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر، و70% يعيشون على تحويلات نقدية من الخارج.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة