خاص – كتابات :
زيارة مفاجئة لم يعلن عنها من قبل إلى السعودية قد تفتح باب التأويلات, خاصة أنها تأتي من طرف له مريديه ونفوذه في العراق، لكنه في الوقت نفسه يمثل مكوناً شيعياً طالما دأبت السعودية ربما على تجاهله ومحاربته حتى على أراضيها.
لماذا اختير سفير السعودية السابق في العراق لاستقبال “الصدر” ؟
إذ سرعان ما بثت وكالات أنباء ومحطات فضائية عربية وغربية صوراً للحظة وصول زعيم التيار الصدري بالعراق “مقتدى الصدر” ووفد مرافق له إلى مطار جدة الدولي في السعودية، لكن اللافت في الأمر أن الذي كان في استقباله هو السفير السعودي السابق في العراق “ثامر السبهان” ووزير الدولة الحالي لشؤون الخليج، وهو للمصادفة لم يمكث طويلاً سفيراً في العراق وكأنه كان في مهمة لرسم ملامح العلاقة مع “الصدر” وإعادته من جديد إلى الحاضنة السعودية !
رجل عسكري تعامل مع اللبنانيين ثم كانت مهمته في العراق !
فالسبهان هو رجل عسكري بامتياز، إذ إنه كان الملحق العسكري في لبنان, والتي للمصادفة بها نفوذ للمكون الشيعي، قبل أن ينتقل إلى العراق سفيراً في حزيران/يونيو 2015, وبعد أن أتم مهمته بنجاح رقي إلى منصب وزير في تشرين أول/أكتوبر عام 2016.. فما المهمة التي استحقت هذه الترقية والتي يبدو أنها أتت ثمارها بعد نحو عام واحد فقط في العراق ؟
وللمصادفة، فإن “السبهان” الذي جرى اختياره خصيصاً ليكون في استقبال “الصدر” على سلم الطائرة لحظة هبوطه منها، أحد أكثر الذين هاجموا قوات “الحشد الشعبي” في العراق متهماً إياها بتأجيج الطائفية في المنطقة كلها.
انتقد الأوضاع العراقية وتطرق إلى مظاهرات العراقيين التي قادها “الصدر”..
بل تناول الرجل في عام 2016 المشهد العراقي بالكامل, وقال إنه يشهد أجواءًا ضبابية وخلافات بارزة وتحدث عن حراك شعبي متنامي ضد ما يحدث في الأمن والسياسة والاقتصاد، منتقداً وقتها جميع مكونات العراق لأنها لا تملك خطة عمل لإدارة العراق متحدثاً عن الاحتجاجات التي كان ينظمها العراقيون بتوجيهات من “الصدر”.
مهندس استقطاب الشيعة !
إن استقبال “السبهان” للصدر، يبين أنه كان مهندساً في مخطط استقطاب الزعيم الشيعي باتجاه السعودية، والغرض بالتأكيد هو إبعاده عن التقارب مع إيران.
بل ستذهب بعض الآراء إلى أبعد من ذلك وتتسائل، هل الاحتجاجات التي طالما أحرجت رئيس الوزراء “حيدر العبادي” من قبل الصدريين في بغداد على مدار عام كامل كانت باتفاق سري بين السعودية والصدر ؟.. وإذا كان كذلك فما المقابل ؟.
توجيه الغضب إلى إيران..
لقد هتف الصدريون في تظاهراتهم ومعهم أبناء العراق الغاضبين من الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ضد إيران رفضاً لتدخلها وبسطها لنفوذها على بلاد الرافدين، دون أن يعلم أي منهم أن تنسيقاً كان يجري خلف الكواليس بين زعيمهم ومسؤول سعودي يخطط ويمول، بحسب آراء لمحللين.
مغانم كثيرة وتثبيت أركانه ودعمه إعلامياً !
وعدت مملكة “آل سلمان” رجل التيار الصدري الأول في العراق بمغانم كثيرة إذا نفذ ما يريدون منه، وأول هذه الطلبات هي الابتعاد عن إيران والانضمام ناحية العرب السنة وله كل الضمانات والتسهيلات المادية والمعنوية بل والعسكرية إذا أراد أي من صفقات السلاح التي تدعم موقفه على الأرض وتثبت أركانه في العراق، بل ودعمه إعلامياً في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة وإعطائه مساحة على الشاشات للترويج له من أجل تصعيده هو شخصياً لمنصب سياسي يرضي طموحه !
زيارة لم تتم منذ 11 عاماً من أجل تأمين مصالح السعودية وحدودها..
في المقابل كذلك على “الصدر”, الذي وللمصادفة لم يقم بأي زيارة للسعودية منذ عام 2006 أي منذ 11 عاماً، أن يظهر الولاء بالموافقة على تنفيذ ما تريده السعودية من دعم للمكون السني والرجال المقربين من الرياض لتصديرهم في مشهد العراق ما بعد “داعش” وتصعيدهم هم أيضاً لمناصب تؤمن للسعودية مصالح ونفوذ بالعراق وكذلك تأمن على حدودها من أي اختراقات.
ما الضمانات التي يثق بها “بن سلمان” ؟
لكن في المقابل ما الضمانات التي سيحصل عليها “آل سلمان” وولده الأمير الشاب الطموح “محمد”, الذي قفز سريعاً إلى ولاية العهد ؟
فالأمير الشاب هو الذي جلس يستقبل “الصدر” ورفاقه، فهل يسير الزعيم الصدري على الدرب المرسوم له من قبل “آل سلمان” أم بمجرد تمكنه في العراق ويتحقق له ما يراد ويحصل على أموال السعودية، سرعان ما سيتمرد عليهم ؟
تحرك يربك المشهد العراقي.. هل تصمت إيران ؟
إن تحرك “الصدر” الأخير, بزيارة الـ30 من تموز/يوليو 2017 للسعودية, سيضع العملية السياسية برمتها في العراق ضمن اختبار صعب.. فإيران لن تقبل بتمدد أي نفوذ للسعودية في بلاد الرافدين، بل ستعمد إلى “تهييج” الشارع العراقي عبر رجالها المخلصين الذين يسيطرون على فصائل مسلحة والدفع في اتجاه إزكاء الطائفية والترويج لسلبيات حكام السنة, وخصوصاً السعودية, وما تسببوا فيه من دعم للمعارضين والمقاتلين في سوريا وإلهاب الأرض على أبناء اليمن.
تجييش الإعلام وارتفاع معدلات الاغتيالات..
نعم ستحرك إيران رجالها وإعلامها ولن تفرط فيما اكتسبته في العراق منذ عام 2003 – مع سقوط “صدام” -، وستزيد من عمليات الاغتيالات وربما تتزايد كذلك العمليات الإرهابية، لكن يبقى السؤال الأهم كيف سيتخلى “الصدر” عن إيران وهي أهم داعم له بالمال والسلاح والتدريب، أم أن الأمر مجرد استدراج طويل الأجل لآل سلمان, كي يستطيع أن يحصل على ما يحصل عليه منهم مقابل ضمان صعوده وتوغله في مناطق السنة بالعراق أيضاً ثم ينقلب إلى مصلحته الخاصة ؟
في النهاية يبدو أن العراق على موعد جديد من تغييرات في المشهد السياسي بأسلوب آخر، يليق بمرحلة ما بعد “داعش”, وربما تؤثر نيرانه على جارته السعودية المتلهفة لأي نفوذ يؤمن حدودها مع العراق ويضمن عدم تمدد إيران إليها، خاصة في ظل أفول نجم الشخصيات السنية القديمة في العراق !