اتهم رجل الدين السني البارز الشيخ عبد الملك السعدي، اليوم رئيس الحكومة نوري المالكي بمحاولة تحويل التظاهرات السلمية الى دموية من خلال قتل المتظاهرين، وفي حين دعا المتظاهرين الى حمل السلاح في حال الدفاع المشروع عن النفس، طالب السياسيين والوزراء والقضاة بالانسحاب من العملية السياسية.
وقال السعدي في بيان صدر عنه اليوم، إن “الحكومة العراقية بزعامة المالكي اثبتت أنها تُنفَّذُ ضدَّ العراقيين أمرا دبره أسيادُها بليل”، وأضاف أنها “تنفذ ما هو مطلوبٌ منها من أجنداتٍ خارجية معاديةٍ للعراق”، متهما الحكومة بأنها “من يؤصل لزرع الطائفية والكراهية بين العراقيين، وإلاّ فما معنى أن تتقدم قواتٌ عسكرية حكومية نحوَ المعتصمين في الفلوجة وهم يؤدون عبادة الصلاة من يوم الجمعة”.
وكانت مصادر طبية في محافظة الأنبار افادت، اليوم الجمعة، بأن حصيلة المواجهات التي وقعت قبل الظهر بين المتظاهرين وقوات الجيش في مدينة الفلوجة بلغت ستة قتلى وأكثر من 60 جريحا جميعهم من المتظاهرين.
وتساءل السعدي “لماذا يا مالكي تفتح قواتُك النارَ على الآمنين العابدين؟ لماذا هذا الاستفزاز الصارخ للمطالبين بحقوقهم المشروعة؟ ولماذا هذا الاعتداء على الثائرين لشرفهم وكرامتهم”، مبينا “المالكي فضح نفسه عندما قام بتهديد المتظاهرين بقوله (انتهوا قبل ان تنهوا)”.
وخاطب السعدي رئيس الحكومي المالكي “ماذا تنتظر بعد فعلتك هذه مع العراقيين الذين تَحَلَّوا بأرقى درجات الصبر والخُلق الكريم وماذا سيكونُ بعد قتل وجرح المئات من العراقيين المؤمنين الشرفاء في الفلوجة وغيرها”، مؤكدا “رغم كل الإساءة فسيبقى المتظاهرون أكرمَ منك بأنهم سيطاولونك بالصبر والسلم إلى أن يقضي الله تعالى أمرا كان مفعولا”.
وتابع السعدي بالقول “المالكي أراد ان يحول التظاهرات دموية لكن هذا لن يتحقق له لأنها ستبقى سلمية رغما عن أنفك”.
ودعا السعدي المتظاهرين الى “الثبات والاستمرار على الاعتصامات والمطالبة بالحقوق لأنها جهاد في سبيل الله”، وحذر في الوقت نفسه من “المندسين في صفوف المتظاهرين الذين يحاولون إفشال التظاهرات وإخراجها من الاطار السلمي”، مناشدا المتظاهرين بالقول “كونوا اكرم من خصمهم الذي أراد استدراجكم إلى فتنة لا تحمد عقباها”.
وشدد السعدي على ضرورة أن “يترك المتظاهرون العنف والاستفزاز”، واستدرك “إلا اذا وجهت الى صدوركم نار ظالمة تريد النيل من دمائكم وأرواحكم، فعندئذٍ يكون ذلك دفاعا مشروعا عن النفس”، مؤكدا ان “من العار ان يدس احد منكم رأسه في الرمال”.
واكد السعدي ان “الوقت قد حان وعلى جميع السياسيين من وزراء ونواب وقضاة وغيرهم أن ينسحبوا من العملية السياسية ويعلنوها صريحة في وجه الظالم فالتاريخ لا يرحم، ولا رمادية في الألوان فإما بياض تلقون به ربكم وشعوبكم، وإما سواد تواجهون به خزيَ الدنيا وعذابَ الآخرة”.
ودعا السعدي “القوات الأمنية الى الانحياز والالتحاق بالمتظاهرين وحمايتهم والحفاظ عليهم وعدم تنفيذ أوامر الظالم الذي يحتمي بكم أمام شعبه الأعزل”، مضيفا “لا تكونوا درعا حاميا لظالم سينقلب عليكم لأنه زائل لا محال”.
وبدأت المواجهات بين الجيش والمتظاهرين قرابة الساعة العاشرة صباحا عقب قيام قوات الجيش بغلق المداخل المؤدية إلى ساحة الاعتصام من أحل منع المصلين من الدخول إليها، فقام المصلون برشق عناصر الجيش بالحجارة ورد هو بإطلاق النار عليهم ورمي القنابل الصوتية لتفريقهم مما أدى إلى سقوط إصابات بين المصلين الغاضبين الذين تمكنوا من حرق عربة تابعة لقوات الجيش كانت تعترض طريقهم إلى الساحة.
وأكد المشرف على ساحة الاعتصام في الفلوجة خالد الجميلي في حديث إلى (المدى برس) إن ”المتظاهرين تعرضوا إلى الاستفزاز من قبل قوات الجيش الذين دخلوا بعجلاتهم إلى داخل الساحة لتشتيت المعتصمين”.
وأضاف الجميلي أن “المتظاهرين قاموا برمي الحجارة على الجيش، الذين ردوا بإطلاق النار عشوائيا على المتظاهرين”.
وتعد مواجهات الفلوجة تصعيدا بارزا في مسار الاعتصامات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من شهر، وكانت مواجهات طفيفة سجلت بين المتظاهرين وقوى الأمن العراقية خصوصا في مدينة الموصل وآخرها أمس الخميس وأدت إلى إصابة أربعة متظاهرين بهراوات ونيران الشرطة الاتحادية التي حاولت تفريقهم من ساحة الأحرار بعدما تجمعوا لإحياء ذكرى المولد النبوي.
وكانت اللجان الشعبية للمتظاهرين دعت على مدى الأسبوع الماضي إلى تظاهرات مليونية اليوم تحت اسم جمعة (لا تراجع)، أكدت انها تأتي لرفض الحلول “الترقيعية” لمطالب المتظاهرين، مشددة على أنها “ستحمل مفاجأة لحكومة المالكي”.
وتشهد محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك منذ الـ(21 من كانون الأول 2012) المنصرم، تظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف وجاءت على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المالية القيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي، وذلك تنديداً بسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، والمطالبة بوقف الانتهاكات ضد المعتقلين والمعتقلات والاعتقالات العشوائية عبر وشايات المخبر السري، وإطلاق سراحهم، وإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب، وتشريع قانون العفو العام، وتعديل مسار العملية السياسية وإنهاء سياسة الإقصاء والتهميش وتحقيق التوازن في مؤسسات الدول.
وعلى إثر التظاهرات قرر رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي في الثامن من كانون الثاني (2013)، تشكيل لجنة برئاسة نائب لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، وعضوية وزراء العدل والدفاع وحقوق الإنسان والبلديات والأشغال العامة عادل مهودر (عن التيار الصدري) والموارد المائية والدولة لشؤون مجلس النواب والأمين العام لمجلس الوزراء ووكيل وزارة الداخلية، تتولى تسلم الطلبات المشروعة من المتظاهرين مباشرة من خلال وفود تمثلهم وترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء.
وأجرت اللجنة اجتماعات عديدة مع ممثلين عن المتظاهرين كما زارت بعض المحافظة وأعلنت الثلاثاء (22 كانون الثاني 2013)، أن قراراته أثمرت عن التوصية بإفراج عن أكثر من (880) معتقلا، وتقاعد نحو (28500) من موظفي النظام السابق الذين شملوا بقانون المساءلة والعدالة.
إلا أن هذه الإجراءات لم تلق ترحيبا من المتظاهرين الذين عدوها مجرد “مماطلة وتسويف” من الحكومة مؤكدين أن تلك القرارات متحركة وقابلة للتغيير ويمكن الرجوع عنها في أي وقت، مؤكدين إصرارهم على الاعتصام والتظاهر لحين تغيير سياسة الحكم في البلاد.
لكن إصرار المتظاهرين على رفض حلول الحكومة دفع ائتلاف دولة القانون إلى التهديد بالشارع الشيعي للرد على مطالب المتظاهرين، إذ أكد القيادي في ائتلاف دولة القانون حسن السنيد في حديث إلى (المدى برس) في 21/ 1/ 2013 أن “دولا إقليمية تقف وراء ما يجري في بعض المحافظات من تظاهرات، وان العراقيين يدركون جيدا ذلك”، وشدد على انه “مهما بلغت الضغوط فإننا لن نصوت على أي قانون يطلق يد الإرهابيين لقتل العراقيين مرة أخرى، مهددا بأن الأكثرية الصامتة من العراقيين (الشيعة) ستقول كلمتها إزاء هذه المطالب غير المشروعة والتي تمهد للعنف الطائفي في حال استمرارها.
وكان ائتلاف دولة القانون سير تظاهرات بشكل متقطع على مدى الأسبوعين الماضيين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب مناوئة للتظاهرات في المناطق السنية وتؤيد الحكومة لكن تلك التظاهرات قوبلت برفض من قبل الأحزاب الشيعية نفسها، خصوصا التيار الصدري وحزب المؤتمر الوطني اللذان وصفا تلك التظاهرات بانها “مدفوعة الثمن” واتهموا حزب رئيس الحكومة باستغلال مؤسسات الدولة ومنتسبيها في تلك التظاهرات خصوصا وان وزير المصالحة الوطنية عامر الخزاعي كان قاد تظاهرة مؤيدة للمالكي علنا في (13 كانون الثاني 2013) بمنطقة الجادرية في بغداد.