السر وراء .. انجراف “الجيش الجزائري” مع تيار الاحتجاجات الشعبية !

السر وراء .. انجراف “الجيش الجزائري” مع تيار الاحتجاجات الشعبية !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

وسط ما يحدث من احتجاجات لم تهدأ، وربما لن تهدأ، بعدما أعلن الرئيس الجزائري، “عبدالعزيز بوتفليقة”، عدم ترشحه لولاية خامسة مع تأجيله الانتخابات الرئاسية، التي كان مقررًا عقدها في منتصف نيسان/أبريل المقبل، برز دور “الجيش الجزائري” الذي غير وجهته بشكل فجائي ووقف في صف المتظاهرين مؤكدًا على عمق العلاقة بين الشعب والجيش، وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب الخفية وراء الإتجاه الجديد الذي قرر الجيش إتخاذه ؟

وفي كلمة بدت أكثر تصالحًا من خطابات سابقة، منذ بداية حركة احتجاج لا سابق لها ضد الرئيس، “عبدالعزيز بوتفليقة”، ما أفاد به رئيس أركان الجيش الجزائري ونائب زير الدفاع، الفريق “أحمد قايد صالح”، الأحد الماضي، أن الجيش والشعب الجزائريين يتقاسمان “ذات القيم”، مؤكدًا على أن “بين الشعب وجيشه تتجمع كل مقومات النظرة المستقبلية الواحدة لجزائر الغد”.

وتشهد “الجزائر”، منذ 22 شباط/فبراير 2019، مظاهرات كثيفة في الشوارع للتعبير عن رفض ترشح “بوتفليقة” لولاية خامسة في الانتخابات، التي كان مقرر إنعقادها في 18 نيسان/أبريل 2019، في احتجاجات لم يسبق أن واجهها الرئيس الجزائري طوال 20 عامًا من الحكم.

الجيش من صلب الشعب..

وأفاد “قايد صالح”، وهو أيضًا نائب وزير الدفاع، في كلمة أمام طلاب الكلية العسكرية، أن: “الجيش الشعبي الوطني يفتخر بأنه من صلب هذا الشعب الآبي والأصيل، ويعتز بأنه يقاسمه ذات القيم وذات المباديء”.

وتابع: “لا شك أن الجزائر محظوظة بشعبها، ولا شك أيضًا أن الجيش الوطني الشعبي هو أيضًا محظوظ بشعبه”.

وكان “قايد صالح” قد اعتبر، نهاية شباط/فبراير الماضي، أن الدعوات إلى التظاهر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ “دعوات مجهولة مريبة تزعم أنها مع الديمقراطية” وتهدف إلى “دفع الجزائريين نحو المجهول”.

وفي بداية آذار/مارس 2019؛ انتقد أطرافًا لم يسمهم، “يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم وسنوات الجمر”، في إشارة إلى سنوات الحرب الأهلية الجزائرية، (1992 – 2002).

وأضاف: “إننا ندرك أن هذا الأمن المستتب، وهذا الاستقرار الثابت الركائز، سيزداد تجذرًا وسيزداد ترسيخًا”، و”سيبقى الجيش الوطني الشعبي ماسكًا بزمام ومقاليد إرساء هذا المكسب الغالي الذي به استعاد وطننا هيبته”.

وجاء في مقال في مجلة (الجيش)، لشهر آذار/مارس 2019، “ما مرت به البلاد من محن وأزمات، أكد مدى تماسك الشعب مع جيشه وتلاحمهما وترابط مصيرهما وتوحد رؤيتهما للمستقبل، لأنهما ينتميان لوطن واحد لا بديل عنه، وطن تعهدت قواتنا المسلحة على حفظه والذود عنه وحمايته من كل مكروه”.

وبعد ظهر الأحد الماضي، عاد الرئيس “بوتفليقة” إلى “الجزائر”، بعد أسبوعين أمضاهما في مستشفى بـ”سويسرا” لإجراء “فحوصات طبية دورية”.

وشهدت “الجزائر”، في هذا اليوم، استجابة متفاوتة لدعوة إلى إضراب عام، فيما تظاهر آلاف من طلاب المدارس الثانوية.

صدوع بحصن “بوتفليقة”..

وبتراجع الجيش عن موقفه؛ يرى مراقبون أن صدوعًا بدأت تظهر فيما يوصف، بـ”حصن بوتفليقة”، وذلك بعد تغير لهجة “الجيش الجزائري” وأعضاء في الحزب الحاكم تجاه “مستقبل” الرئيس، “عبدالعزيز بوتفليقة”، الذي يواجه مطالب شعبية حاشدة بالتنحي، وعدم الترشح لولاية خامسة.

ورأوا أن تصريح رئيس الأركان، الفريق “قايد صالح”، بشأن اصطفاف الجيش في صف الشعب، شكل منعطفًا في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد ضد ترشح “بوتفليقة”.

واعتبر المراقبون أن تصريح رئيس أركان الجيش يُعتبر أوضح مؤشر حتى الآن على تعاطف قادة الجيش مع عشرات الآلاف من الجزائريين الذين يريدون تنحي “بوتفليقة”.

وأضافوا أن لهجة “صالح” تغيرت عن تلك التي تحدث بها قبل أيام، حين حذر المتظاهرين من أن الجيش سيضمن الأمن في البلاد؛ ولن يسمح بعودة “الجزائر” إلى حقبة سفك الدماء.

وغالبًا ما يوصف “الجيش الجزائري”، بـ”حصن بوتفليقة”، الذي يدعم الرئيس ويقف خلف وجوده، إلا أن تصريح رئيس أركانه قد يكون “بداية نهاية العلاقة التي تربط الطرفين”.

وفي السياق ذاته؛ أكدت تقارير إعلامية جزائرية إن الصدوع ظهرت كذلك بين حلفاء “بوتفليقة”، ومنهم أعضاء في “حزب جبهة التحرير الوطني” الحاكم، الذين إنضموا إلى الحشود الداعية لتنحي الرئيس.

وقال معلق على قناة (النهار)، القريبة من الدائرة الخاصة بالرئيس، إن “نظام بوتفليقة” قد إنتهى.

وكشف موقع (الخبر) الجزائري؛ أن هذه المؤشرات تدل على أن “الحلفاء تخلوا عن بوتفليقة وإنحازوا للشعب”، مشيرًا إلى أن المؤسسة العسكرية، على الخصوص، “يبدو أنها استوعبت احتجاجات المتظاهرين”.

من جهته؛ ذكر موقع (كل شيء عن الجزائر)؛ أن الأحداث في البلاد تتسارع بشكل غير مسبوق، مشيرًا إلى أن كل السيناريوهات باتت محتملة بعد تغير لهجة “حلفاء بوتفليقة”.

وقال موقع (ليبيراسيون) الفرنسي، في مادة تحليلية، إن “الجيش الجزائري” وجد نفسه أمام خيار تاريخي، مضيفًا: “المصالح الإستراتيجية للبلد تتطلب من الجيش الوقوف إلى جانب الشعب في سبيل التوصل إلى الحل”.

وأضاف أن: “الجيش الجزائري يعتبر تاريخيًا مصدر قوة في البلاد، وبالتالي عليه أن يلعب دور ميسّر التحول الديمقراطي”.

يريد العودة لنفوذه..

صحيفة (العربي الجديد) من جانبها سلطت هي الأخرى الضوء على الحراك في “الجزائر”، وقالت إن التطور الأبرز هو موقف الجيش الذي انتقل من معاداة الحراك إلى محاولة مغازلته؛ والحديث عن قواسم مشتركة مع الشعب.

هذا الموقف، حسب الصحيفة، يطرح عدة استفهامات ومخاوف بشأن طبيعة مخططات المؤسسة العسكرية للمرحلة المقبلة، وواصلت الصحيفة القول إن المراقبين لا يستبعدون أن يريد الجيش، الذي أصبح خاضعًا للرئاسة في مرحلة “بوتفليقة”، أن يريد العودة إلى نفوذه الذي سبق هذه المرحلة، والتي كان خلالها يتحكم في المشهد السياسي، تمامًا مثلما لا يُستبعد وجود أوساط عسكرية وأمنية تستغل الحراك الشعبي العادل لمحاولة استرجاع النفوذ السياسي.

ماذا بعده ؟

ويرى “خيرالله خيرالله”، في (العرب) اللندنية؛ أن الكلام عن “بوتفليقة” لم يعد يجدي، قائلاً: “ماذا بعد بوتفليقة ؟.. هذا هو السؤال الكبير”.

مشيرًا إلى أن هذا السؤال يشمل “الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة العسكرية، التي اعتادت تحديد من هو الرئيس الجزائري”.

ويرى أن المسألة ليست في ممارسة المؤسسة العسكرية دورًا في اختيار خليفة “بوتفليقة”، قائلًا: “المسألة هل يحصل تغيير في ذهنية المتحكمين بالجزائر في هذه المرحلة ؟”.

ويضيف: “ما تبدو الجزائر في حاجة إليه أكثر من أي وقت؛ هو تفادي انفجار شعبي كبير. لا يثير مثل هذا الانفجار قلقًا على الجزائر وحدها وإنّما على دول الجوار أيضًا، بما في ذلك المغرب، الذي يهمّه الاستقرار في الجزائر إلى أبعد حدود”.

أبرز المستفيدين..

في (الشرق الأوسط) اللندنية؛ يرى “فارس بن حزام”؛ أن من شأن المظاهرات في “الجزائر” أن تعيد الجيش إلى الحُكم.

ويقول أنه: “ما لن يقبل المتظاهرون الجزائريون سماعه، المكتوب هنا؛ أن الجيش أبرز المستفيدين من حراكهم ضد ولاية جديدة للرئيس، لأنه باب ستعود منه المؤسسة العسكرية إلى الإمساك بزمام الحكم مجددًا”.

ويشير إلى أنه “على مدى أكثر من خمسة عقود، أحكم الجيش قبضته على مقاليد الحكم، أنتج الرؤساء وأطاحهم ولم يبلغ القصر رئيس خارج طوعه. هذا العُرف السياسي أصابه الوهن في ولاية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الحالية، إذ تعرّض الجيش لتدخلات مكّنت رجال الأعمال من السيطرة على قرار الرئاسة، وبدأوا في طرد جنرالات السياسة، وإحلال جنرالات تحت القصر وليس فوقه”.

ويضيف: “طبيعة القادة العسكريين، ممن ذاقوا طعم السياسة، لا تعينهم على تحمل البقاء خارجها. ولذا، نجد أن الرياح في الجزائر ربما تجري بما تشتهيه المؤسسة العسكرية”.

ذات طابع تصالحي..

أما صحيفة (رأي اليوم) الإلكترونية اللندنية؛ فتعلق على الكلمة الأخيرة لرئيس هيئة أركان الجيش، الفريق “قايد صالح”، واصفة إياها بأنها كانت “ذات طابع تصالحي”، وأنها أعقبت كلمة له قبل ثلاثة أيام كانت “تنطوي على الحسم والعزم والتلويح بالقبضة الحديدة لمنع إنجراف البلاد إلى عشرية سوداء أو حمراء أخرى إذا لزم الأمر”.

وتضيف الصحيفة: “عندما يقول الفريق صالح إنّ الجيش محظوظ بشعبه، وأنهما مُتُفقان في رؤيتهما للمستقبل فإن هذا يعني، بشكل مباشر أو غير مباشر، إعترافًا بالمطالب المشروعة للشعب الجزائري في التغيير، وشرعية هذه المطالب”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة