خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
اليوم الأخير بالمدرسة. يخرج تلاميذ مدرسة ابتدائية للبنين، بعد انتهاء امتحانات نهاية العام، بصخب وضجيج شديد، وفجأة تمتليء الأجواء بأوراق كتبهم الممزقة. يُمزق الأطفال الكتب وهم يضحكون ويحتفلون. ترقص الأوراق الممزقة بهدوء في الهواء ثم تهبط على أسفلت الشارع. عددها كبير لدرجة أن الشارع يمتليء بالأوراق الممزقة. الأطفال يفرحون وكأنهم في احتفال بطولة فريق كرة قدم، وقد نثروا أوراقًا ملونة في هواء الملعب. لكن هنا لا كأس ولا احتفال بتتويج، هنا فقط انتهى العام الدراسي. وبالطبع هذا المشهد ليس غريبًا ولا مُستغرَبًا؛ بل ربما يكون مكررًا. بحسّب ما استهل “أفشین أمیرشاهي”؛ مقاله المنشور بصحيفة (السابعة صباحًا) الإيرانية.
مشكلة أعمق بكثير..
في كل عام نرى بمختلف أنحاء البلاد، التلاميذ يقذفون كتبهم في الهواء بنهاية العام الدراسي، ويقطعونها ويمشون عليها. لكن المهم في هذا السلوك، هو أن التلاميذ تجاوز الفرح الطفولي البسيّط، وأصبح علامة رمزية على التعب والاستياء؛ بل والاحتجاج ضد نظام المدرسة. وكأنهم درسوا في نظام يستدعي التحرر منه الاحتفال !
لا يمكن تفسير هذا السلوك فقط على أنه عدم احترام للكتاب، أو حماسة نهاية الامتحانات، وإنما المشكلة أعمق من ذلك. عندما يرى الطلاب أن تمزيق الكتب يُعادل الاحتفال بالحرية، فهذا يعني وجود خلل في بُنية نظامنا التعليمي.
الخلل بالمنظومة التعليمية..
في الواقع؛ يمكن القول إن نظامنا التعليمي، جعل من المدارس في الغالب مكانًا منغلقًا خاليًا من الروح، بدلًا من أن تكون بيئة جذابة ونشطة وملهمة للأطفال. فضاءٌ لا يجد فيه الأطفال فرصة للتجربة، ولا مجال للإبداع، حيث حلت الواجبات الكثيرة محل الفرح واللعب في الفصول الدراسية.
ولطالما سمعنا تحذيرات الخبراء بضرورة أن تكون المدرسة مكانًا للفرح، وأن يتناسب تصميم الفصول مع عمر واحتياجات الأطفال، وأن لا يشبَّه مبنى المدرسة علب الكبريت الإسمنتية، وأن يكون المعلمون مصدر إلهام ولا توتر، والأهم من ذلك، أن تغلب الواقعية على الكتب المدرسية، وإعادة النظر في النصوص الجافة والإيديولوجية التي لا صلة لها بعالم الطلاب.
لماذا أصبحت المدرسة غير جذابة للطلاب ؟
ورغم تعدد وتعقد أسباب هذا السلوك، لكن علينا قبل إصدار أي حكم، أن نضع أنفسنا مكان هؤلاء الأطفال والمراهقين الذين يعيشون داخل هذا النظام التعليمي.
الحقيقة أن المدرسة لم تُعدّ تمتلك نفس الجاذبية التي كانت عليها في الماضي. لو كانت المدرسة مكانًا محبوبًا وملهمًا، فلماذا نرى مشاهد تمزيق الكتب وسط الضحكات ؟.. وعلى أسوأ الفروض، ربما يمكن اعتبار هذه التصرفات رد فعل غير واع، وشكلًا من أشكال العدوان الخفي ضد النظام التعليمي، نظام يشعر فيه الكثير من الطلاب بالإهمال.
في زمن ليس ببعيّد، كانت الكتب المدرسية تحظى بمكانة خاصة. كانت وسيلة للتعلّم، بل وصلت في بعض الفترات إلى حد القداسة. كانت العائلات تُحافظ عليها باحترام؛ بل وتورثها للأجيال التالية بعناية.
لكن الآن تُقذف نفس الكتب في الهواء أو تدَّاس بالأقدام. هذا التغيير مؤشر على تحول عميق في القيم الثقافية والفجوة الواضحة بين الأجيال. ودعونا لا ننسى أن بعض التصرفات التي تبدو طفولية وصامتة قد تحمل معاني عميقة. فقد يكون هذا السلوك تعبيرًا عن احتجاج على التعليم الإلزامي والإيديولوجي، وعلى المنافسة غير العادلة في امتحانات القبول الجامعي، وعلى الضغوط النفسية.
هناك مشكلة..
أيًا كانت الأسباب، يجب أن تؤخذ على محمل الجد، لأن المشكلة ليست مجرد تمزيق الكتب، وإنما هشاشة العلاقة بين الجيل الجديد ومؤسسة التعليم الرسمية.
لا ينبغي اعتبار هذا السلوك مجرد مشكلة انضباطية، بل تحليله بعمق قد يكشف عن أزمة في الأدوار المتعددة للمدرسة والأسرة والإعلام والمجتمع.
علينا أن نبحث عن جذور اللامبالاة تجاه المدرسة وفقدان الشعور بالانتماء. لماذا لا يشعر الكثير من الطلاب بأي ارتباط عاطفي بالمدرسة ؟..
في هذا السياق، يُصبح تمزيق الكتب والاحتفال بنهاية العام الدراسي أحد أشكال “استعادة الحرية”. لا يجب التغاضي بسهولة عن قضية تمزيق الكتب المدرسية.
على نظامنا التعليمي أن يبحث بنظرة ناقدة ومسؤولة في جذور هذه المشكلة، ويقدم حلولًا جادة وفعالة لإصلاحها.