وكالات – كتابات :
رأى “ديفيد إغناثيوس”؛ الباحث السياسي في الشؤون الآسيوية والمحلل بصحيفة (الواشنطن بوست) الأميركية، أن أفضل الطرق للتعامل مع حركة (طالبان)، بعد استيلائها على حكم “أفغانستان”، أمام الإدارة الأميركية الحالية هو التعامل بـ”حذر وسرية” شديدين؛ خاصة وأنه من الواضح أن “الولايات المتحدة” لا تملك بديلاً عن التعامل مع (طالبان) بطريقة أو بأخرى لحماية مصالحها. وثبت ذلك منذ لحظة سقوط “كابول”، عندما تواصلت على الفور مع الملا “عبدالغني بردار”، نائب زعيم الحركة، الذي كان يُدير العمليات، ما ساعد في إجلاء: 122 ألف أفغاني/أميركي.
ضغط “طالبان” للحصول على الاعتراف الأميركي..
موضحًا، في تقرير تحليلي نشرته الصحيفة الأميركية؛ أنه في المقابل، تسعى (طالبان) جاهدة للحصول على اعتراف أميركي رسمي بحكومتها الجديدة والشرعية؛ التي ستوفرها. وضغط “بردار” على مدير “وكالة الاستخبارات المركزية”، (السي. آي. إي)، “وليام بيرنز”، لإبقاء “السفارة الأميركية”، في “كابول”، مفتوحة، خلال لقائهما السري، في 23 آب/أغسطس.
وترفض “الولايات المتحدة” هذا الطلب، حتى الساعة، راغبة في التأكد من إلتزام (طالبان) بتشكيل حكومة شاملة واحترام حقوق الإنسان؛ قبل منحها حتى الاعتراف الضمني.
النفوذ الأميركي وحاجة “طالبان”..
ولا تزال “الولايات المتحدة”، اليوم، تتمتع بنفوذ في “أفغانستان”، وتزداد حاجة (طالبان) إلى دعم أميركي وغربي مع مرور الوقت. وتحتاج أنظمة الطاقة والمياه والاتصالات في البلاد إلى الصيانة. وتُشح السيولة النقدية في “أفغانستان” إلى حدٍ كبير، مع توقف تدفق الدولارات الأميركية، بعد 20 سنة. وقد يتحول نقص الغذاء وتفشي الأمراض وهروب اللاجئين إلى أزمات خطيرة مع اقتراب فصل الشتاء.
ويبقى التاريخ عجلة توازن، إذ قاتلت (طالبان) باستمرار لطرد “الولايات المتحدة” من “أفغانستان”. وبعدما ربحت حربها، يبدو أنها اليوم، مثل الفيتناميين بعد انتصارهم، عام 1975، ترغب في بقاء المدنيين الأميركيين، والأموال والخبرات الأميركية.
الرهان على “بردار” !
ويوضح الكاتب؛ وحاليًا، لا يجب أن تعتبر “الولايات المتحدة”، (طالبان)، عدوًا دائمًا أكثر من الفيتناميين. في المقابل، على قادة الحركة إظهار تمسكهم بالدعم الأميركي واثبات أنهم يستحقونه، خلال مرحلة تبدو أكثر تعقيدًا.
ومن جانبه يرى “إغناثيوس”؛ أن يبقى “بردار”؛ مسؤول (طالبان)، الذي تعرفه “الولايات المتحدة” جيدًا. وهو مثل النظير التفاوضي للمبعوث الأميركي الخاص لـ”أفغانستان”، “زلماي خليل زاد”، على مدى السنوات الثلاث الماضية، في “الدوحة”.
وفي وقت يعتبر “بردار”، الوجه البراغماتي، سيكون التعامل مع القادة الآخرين أكثر تعقيدًا، ولا سيما الملا “هيبة الله أخوندزاده”، الزعيم الأعلى للحركة، منذ عام 2016. وكانت مباركته لقرار نجله؛ بتنفذ عملية انتحارية، عام 2017، دليلاً على تشدده.
وعام 2018، أوضح الباحث الديني، “حمد نور”، للدبلوماسي الأميركي، “كارتر ملكاسيان”، أن قرار “أخوندزاده”؛ بالتضحية بنجله، كان إشارة لجديته في ترسيخ الإسلام والشريعة الإسلامية. وأراد أن يعرف الجميع أنه يدعم العقوبات المتشددة والحجاب الإلزامي والمدارس المنفصلة، وإظهار تصميمه على أن تُحكم “أفغانستان” بموجب الشريعة الإسلامية فقط، وفقًا لمقابلة يستشهد بها “مالكاسيان”، في كتاب (الحرب الأميركية في أفغانستان: تاريخ).
مدى التماسك الداخلي لـ”طالبان”..
ويلحظ “إغناثيوس”؛ قائلاً: عكست قوة (طالبان)، في ساحة المعركة؛ هذا التشدد الحازم، وقد يستمر هذا النهج حتى بعد توليها الحكم.
وكغيرها من المجموعات الحاكمة الجديدة، قد تواجه صراعًا داخليًا على السلطة. ومع ذلك، أشار “مالكاسيان” إلى تماسك (طالبان)، رغم الخصومات الداخلية. ودافعت الحركة عن مباديء الشعب الأفغاني، وأعتنقت حكم الإسلام ومقاومة الاحتلال، أي القيم التي حددت تاريخ “أفغانستان” ومباديء شعبها.
وفي المقاومة العنيفة للأجانب، ظهرت (طالبان) وريثة المقاتلين الأفغان؛ الذين هزوا النفوذ البريطاني في ثلاث حروب أفغانية. وينص التاريخ الذي جمعته “هيئة الأركان العامة” البريطانية، عام 1920 حول العمليات ضد مقاتلي قبائل “البشتون”؛ على أنهم: “حاربوا العدو بعزم وشجاعة، الأمر الذي نادرًا ما واجهته قواتنا في عمليات مماثلة”.
أميركا “طالبان”.. حذر متبادل..
ويبقى الإحتضان المفتوح بين “الولايات المتحدة” و(طالبان) غير محتمل، بسبب الحذر من الجانبين. وبالتالي، قد يكمن النهج الصحيح حاليًا في التواصل الاستخباراتي.
والواقع أنَّ أكثر العمليات نجاحًا نفذتها “وكالة الاستخبارات المركزية”؛ تضمنت تواصلاً سريًا مع الجماعات المسلحة، ومنها: “منظمة التحرير الفلسطينية”، في سبعينيات القرن العشرين، وهي علاقة تناولتها في روايتي (وكلاء البراءة) عام 1987.
وفي الآونة الأخيرة، عملت الـ (سي. آي. أي)؛ بشكل وثيق مع أجهزة الاستخبارات في: “الأردن ومصر وباكستان والمملكة العربية السعودية وقطر والعراق والإمارات العربية المتحدة”، إلى جانب الأكراد في “سوريا والعراق”، لمكافحة الإرهاب. وفي التعامل المستقبلي مع (طالبان)، ستكتسب علاقة “الولايات المتحدة”، مع “باكستان وقطر وتركيا”؛ أهمية خاصة.
وبالتالي، تقدم “الولايات المتحدة”، في هذه الشراكات السرية؛ المال والتدريب والدعم التشغيلي العميق، وتتلقى في المقابل معلومات استخباراتية تحمي الدولة وأصدقاءها من الهجمات الإرهابية. فإذا أثبتت (طالبان) مسؤوليتها في المرحلة المقبلة، ستُعيد “الولايات المتحدة” فتح سفارتها في “كابول” عن قريب. وحتى ذلك الحين، سيكون التواصل بين الجهتين ضروريًا، ولكن يجب أن يكون غير مرئي إلى حد كبير.