“الدولي لدراسات السلام” يرصد .. نهج كوريا الجنوبية تجاه الدول العربية الخليجية (2)

“الدولي لدراسات السلام” يرصد .. نهج كوريا الجنوبية تجاه الدول العربية الخليجية (2)

خاص: ترجمة- د. محمد بناية:

مع تحول مركز الثقل الاقتصادي العالمي نحو “آسيا”، تتوجه دول “مجلس التعاون الخليجي” بشكلٍ متزايد نحو الشرق؛ حيث تتطلع إلى تعميق علاقاتها مع القوى الآسيوية الأربع الكبرى: “الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند”. بحسّب الجزء الثاني من تحليل “فاطمة خادم الشيرازي”؛ المدرس الجامعي، المنشور على موقع المركز (الدولي لدراسات السلام) الإيراني.

نهج السياسة الخارجية الاقتصادية..

لا تزال “كوريا الجنوبية”؛ باعتبارها إحدى أكبر مستوردي “النفط والغاز الطبيعي المسال”؛ (LNG)، عالميًا، تعتمد على دول الخليج، وخاصة “السعودية وقطر والإمارات”.

ومع زيادة واردات النفط الخام من “أميركا” منذ 2016م، تراجعت نسبة اعتماد “كوريا” على نفط الشرق الأوسط؛ (بما فيه دول مجلس التعاون)، من (87%) إلى (73%) في الفترة (2016-2023م).

مع هذا تواصل “كوريا” جهودها لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمنها، عبر الاستثمار في الطاقات المتجددة والنووية، ما قد يقلص اعتمادها على نفط وغاز الخليج على المدى الطويل، رغم استمرار حاجتها لهما على المدى القصير.

وتلعب دول المجلس دورًا محوريًا في واردات “كوريا” من الغاز الطبيعي، حيث احتلت “قطر” في العام 2023م، المرتبة الثانية على قائمة أكبر موردي للغاز المسَّال لـ”كوريا” بنسبة (21%)؛ بينما حلّت “عُمان” في المرتبة الرابعة بنسبة: (10%).

وقد زادت “كوريا الجنوبية”؛ خلال السنوات الأخيرة، وارداتها من غاز الخليج لتحويل توليد الكهرباء من الفحم إلى الغاز؛ (خفضًا للانبعاثات)، ولإيجاد بدائل عن الغاز الروسي بعد أزمة “أوكرانيا”.

كما تدعم “كوريا” مشاريع دول “مجلس التعاون” لتصدير الغاز المسَّال عبر بناء ناقلات متخصصة، خاصة مع توسع “قطر والإمارات” في هذا المجال. وتُعدّ “قطر” حاليًا أكبر مصدّر للغاز المسال إلى “كوريا”، ما يجعلها ثاني شريك تجاري لـ”كوريا” في الشرق الأوسط.

وفي آب/أغسطس من العام 2021م، وقّعت شركة غاز كوريا؛ (KOGAS)، عقدًا لشراء (02) مليون طن سنويًا من الغاز القطري لمدة (20 عامًا) في الفترة (2025-2044م).

وقد كانت “السعودية”، تاريخيًا، الشريك الاقتصادي الأكبر لـ”كوريا” في الشرق الأوسط، وأبرز وجهة لشركات الإنشاءات الكورية. وقد أطلقت “السعودية” ضمن (رؤية 2030) نحو: (40) مشروعًا مع “كوريا” في مجالات: الطاقة والتصنيع، البنية الذكية والرقمنة، بناء القدرات، الرعاية الصحية، والمشاريع الصغيرة.

ووقّعت شركة (أرامكو) عدد: (12) اتفاقية مع شركات كورية، تشمل تطوير السيارات الهيدروجينية والمشاريع البحرية.

وفي “الكويت”، تعاون الكوريون في بناء أول مدينة ذكية صديقة للبيئة بالشرق الأوسط. وفي “قطر”، شاركت شركات كورية كبرى في مشاريع مثل “مترو الدوحة، المتحف الوطني، مدينة لوسيل، ومحطة (أم هويل) للطاقة”.

كما حظى النموذج العسكري والدفاعي الجزء الجديد من الموديل الكوري بإعجاب قادة دول “مجلس التعاون الخليجي”؛ خاصة مع سعي “السعودية والإمارات” لتعزيز دفاعاتهما دون الهيمنة الإقليمية.

وقد سعت “كوريا”؛ خلال السنوات الأخيرة، إلى الارتقاء بمستوى علاقاتها مع دول الخليج من الاقتصادي إلى الاستراتيجي، وفي العام 2018م، رفعت “كوريا والإمارات” علاقتهما إلى مستوى (الشراكة الاستراتيجية الخاصة) تشمل الطاقة والدفاع والتكنولوجيا والثقافة.

ومن أبرز مشاريعهما المشتركة، إنشاء محطة “بركة” النووية في “الإمارات”، ويعتبر أول تصدير كوري للمفاعلات النووية، ويعكس القدرات النفية والتخصصية الكورية في مجال الطاقة النووية.

علاوة على ذلك، شاركت “كوريا” في مشاريع بنية تحتية كبرى مثل “برج خليفة” في “دبي”، و”مترو الدوحة” في “قطر”، وهو ما يثبت مشاركة “كوريا” القوية في قطاع التشييد بالمنطقة.

وهذا المشاركة تتيح للدولة الكورية تقوية نفوذها بالمنطقة، والاستفادة على نحو أكبر من الفرص الاقتصادية والأمنية.

علاوة على ذلك، تشارك كوريا بفاعلية في مشاريع ضمن رؤية (2030) السعودية ورؤية (2071) الإماراتية مثل مدينة نيوم الذكية، وتطوير الطاقة المتجددة بالإمارات. كما قفزت التجارة غير النفطية بين الإمارات وكوريا في العام 2023م إلى (5.3) مليار دولار بزيادة (12.5%) مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022م، بينما ازدادت الاستثمارات الكورية في الإمارات إلى (2.2) مليار دولار، بلغت الاستثمارات الإماراتية في كوريا (578) مليون دولار بنهاية العام 2022م. وتعد الإمارات الشريك التجاري الثاني لكوريا في العالم العربي، والرابع عشر عالميًا حيث تستحوذ على (20%) من تجارة كوريا مع العرب. في المقابل تحتل كوريا المرتبة العاشرة على قائمة شركاء الإمارات من الدول الأسيوية غير العربية، في مجال التجارة غير النفطية، والمرتبة الثلاثين من حيث الشركاء العالميين. واستثمرت الإمارات، يناير 2023م، مبلغ (30) مليار دولار في قطاعات كورية استراتيجية، كما اتفق الجانبان في العام 2023م، على الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي، وتمثل محطة بركة النووية (باستثمارات 20 مليار دولار) أبرز ثمار هذه الشراكة، وهو أول مشروع بناء محطة نووية خارج كوريا الجنوبية، كما انضمت شركة الطاقة النووية الإماراتية (ENEC) إلى اتحاد تقوده شركة الكهرباء الكورية (KEPCO) كذلك تعتبر (ENEC) منعطفًا هامًا؛ حيث نجحت في ربط الوحدة الرابعة بشبكة الكهرباء الإماراتية.

الفرص والتحديات..

الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية، التي بدأت بقرار مثير للجدل من الرئيس “يون سوك يول” ينص على فرض الأحكام العرفية، تجاوزت السياسة المحلية وأثرت على الاقتصاد والسياسة الخارجية. ورغم هذه التقلبات، فإن الشراكة المستمرة بين كوريا الجنوبية ومجلس التعاون الخليجي، وإن كانت قد تسبب ترددًا قصير الأجل في الصفقات الجديدة، إلا أنه من المهم الاعتراف بمدى تقدم هذه العلاقات. واليوم، تقوم الشركات الكورية ببناء محطات للطاقة النووية في الإمارات، وتجذب وسائل الترفيه الكورية جماهير الخليج، كما تعزز المشاريع البحثية المشتركة مجالات تتراوح من تكنولوجيا الهيدروجين إلى المدن الذكية. هذه الشراكات المبنية على الثقة والتفاهم المتبادل قوية بما يكفي لتحمل الاضطرابات السياسية. وقد عدلت كوريا الجنوبية، في السنوات الأخيرة، مبادراتها الاستراتيجية بما يتناسب مع أولويات كل دولة في مجلس التعاون الخليجي. فدول الخليج تعمل بنشاط على تقليل اعتمادها على الهيدروكربونات، والتحول نحو المدن الذكية، والأنظمة البيئية الرقمية، والطاقات المتجددة. وخبرة كوريا الجنوبية في هذه القطاعات المتطورة تتماشى مع خطط رؤى دول الخليج. ومن المرجح أن يحافظ الشركاء الخليجيون على التفاعل مع سيول، نظرًا للعلاقات القائمة على أهداف استراتيجي. ومع ذلك، ورغم التقدم الملحوظ هناك تحديات أخرى تهدد علاقات كوريا الجنوبية مع دول الخليج. فمنافسة القوى الآسيوية الأخرى مثل الصين واليابان في منطقة الخليج تمثل تحديًا كبيرًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة