خاص : ترجمة – بوسي محمد :
أظهر العامان الماضيان أن “الاتحاد الأوروبي” موحد ويقاتل من أجل مصالح أعضائه. وأكدت المؤشرات أن “بريطانيا” ستكون أضعف كثيرًا؛ حال خروجها من تحت مظلته.
حاولت “بريطانيا” أن ترسم ملامح لمستقبلها بعد تنفيذ خطة (البريكست)، وهي خروج “بريطانيا” من “الاتحاد الأوروبي”، ووضعت أحلام وردية، لكن الواقع عكس تلك الصورة الوردية التي كانت تضعها، “تريزا ماي”، وحاولت إقناع المواطنين البريطانيين بها إلى صورة سوداوية تؤكد أن اقتصاد “بريطانيا” سوف يتأثر كثيرًا بخروجها، وذلك بعد المناوشات والاتفاقيات التي قامت بها “تريزا” وباءت جميعها بالفشل. وذلك بعد أن فشلت “ماي” في التحرك بما يكفي، لكسر جمود محادثات الخروج من “الاتحاد الأوروبي”.
نظام يمر بفترة إنهيار عصبي..
نشرت صحيفة (نيويورك تايمز)؛ قصة بعنوان: (البرلمان البريطاني حقًا مكسور). حيثُ أصدر “البرلمان البريطاني” بيانًا يوضح فيه أن هذا لم يكن تسربًا لمياه الصرف، حتى لو لم يكن صحيحًا حرفيًا أن السياسة البريطانية تغرق في مياهها السائلة، فإن الفكرة تحمل نفحة من الواقع غير سارة. ربما يكون أكثر عدلاً الحديث عن النظام السياسي الذي يمر بإنهيار عصبي. لقد بدا الأمر بهذه الطريقة بالتأكيد في هذه الأيام القليلة الماضية.
وفي هذا السياق؛ قال عضو البرلمان المحافظ، “يعقوب ريس موغ”، الذي كان من أحد أبرز مؤيدي (البريكست)، إذا أُجبرت “المملكة المتحدة” على البقاء داخل “الاتحاد الأوروبي” من خلال التمديد الطويل، سوف يكون الأمر صعبًا قدر الإمكان. وأضاف: “يقع على عاتق نيكولا ستورغون، رئيسة وزراء اسكتلندا، الإشارة إلى الخلل الواضح في هذا المنطق، أليس هذا هو الشخص نفسه الذي قال إن المملكة المتحدة ليست لديها القدرة على القيام بأي من هذه الأشياء في الاتحاد الأوروبي، وهذا هو سبب اضطرارنا إلى المغادرة”.
وفي الوقت نفسه، يحذر المتشددين من (Brexiter) من أن أي تأخير سيؤدي إلى حالة من التمرد، مع تحذير “Rees-Mogg” الكثيرين من إمكانية انتخاب “تومي روبنسون”، في “البرلمان الأوروبي”.
من جانبها؛ جادلت الحكومة البريطانية، منذ فترة طويلة، بأن التأخير ليس في صالحهم، حيث تعتبر المشاركة في الانتخابات الأوروبية مصيرًا قاتمًا باعتباره خروجًا بدون صفقة – كما لو كان الإقتراع غير المتوقع على قدم المساواة مع نقص الغذاء والدواء.
وقالت “تريزا ماي”، أن عدم خروج “بريطانيا” من الاتحاد الأوروبي “سيضر بالثقة في السياسة”.
فرصة يجب استغلالها..
وقال الكاتب البريطاني والمحلل الاقتصادي، “Jonathan Freedland”، في مقال له نشره عبر صحيفة (الغارديان) البريطانية، أن فترة تمديد خطة (البريكست) فرصة جيدة لإعادة النظر في الخطة، فهي فرصة علينا استغلالها، وليست فقط فترة راحة من الأيام الحالية، والتي بسببها تعيش الطبقة السياسية على أعصابها. متسائلُا باستهجان: “هل ما زلنا نريد مغادرة الاتحاد الأوروبي ؟”.
وأوضح الكاتب البريطاني؛ قد يهدأ الأمر قليلاً في “المجلس الأوروبي”، الأسبوع المقبل، لكن ما رأيناه، منذ أن أطلقت “بريطانيا” المادة (50)، هو الصلابة الاستثنائية، التي تجبرنا على التضامن مع البلدان السبعة والعشرين التي نتركها وراءنا. وتابع: “من كان يظن أن كتلة تمثل أكثر من 400 مليون مواطن، تمتد من نورغام المجمدة في فنلندا لتهدئة سانتا كروز دي تينيريفي في إسبانيا، ستبقى موحدة، فهو خاطيء، خاصة أن الدولة التي تقرر المغادرة لديها برلمان منقسم، وحكومة مقسمة، إلى جانب المعارضة وتقسيم الحكومة ؟.. فإذا وضعت 22 من وزراء الحكومة البريطانية في غرفة واحدة، لا يمكنهم الاتفاق على أي شيء”.
مواصلًا: “ولكن على الرغم من تنبؤات (Brexiter)؛ بأن الاتحاد الأوروبي، 27 دولة، سوف تنقلب بسرعة على بعضهما البعض وينظر فقط لأنفسهم – الألمان يبرمون صفقة لمساعدة شركات صناعة السيارات الخاصة بهم، والإيطاليين الذين انفصلوا عن أنفسهم من أجل منتجي (prosecco) – فقد حافظوا على الانضباط التام”.
عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي..
وأضاف الكاتب البريطاني: “هناك شيئين مهمين عن الاتحاد الأوروبي؛ ربما لم يكن البريطانيون قد قدّروه في عام 2016، عندما قرروا خطة (البريكست)، أولاً: كيف تواجة بريطانيا وحدها قوتين عظميين اقتصاديين آخرين في العالم، وهما الصين والولايات المتحدة. فعندما تأتي بريطانيا للتفاوض على صفقة تجارية مع دونالد ترامب على سبيل المثال، كيف ستتعامل معه ومع شروطه التي دائمًا تكون صعبة”.
والشيء نفسه ينطبق على معالجة القوى الكبرى الأخرى، التي تشكل حياتنا، وهي التكنولوجيا. ففي الشهر الماضي، فرض “الاتحاد الأوروبي” غرامة على “Google” بقيمة 1.7 مليار دولار؛ بسبب خنق المنافسة في سوق الإعلانات.
تحتل كل من “Apple” و”Facebook” موقعًا رائعًا في “بروكسل”، حيث يتطلع “الاتحاد الأوروبي” إلى منح الأفراد السيطرة على بياناتهم والأموال التي يديرها. ووفقًا لـ (الإيكونومست): “أوروبا تتجه نحو كسر لغز التكنولوجيا الفائقة”.
إذا كان هذا هو ما يمكن أن يحققه “الاتحاد الأوروبي” كمجموعة، فراجع ما يمكن أن يفعله لكل دولة عضو. كانت العقبة الرئيسة أمام إبرام صفقة “ماي” هي دعم “إيرلندا الشمالية”. لماذا استمرت هذه القضية ؟.. لأن “الاتحاد الأوروبي” ألقى بثقله الجماعي وراء المخاوف الحدودية لعضو واحد صغير – “إيرلندا”. لعدة قرون، كانت القاعدة الحديدية لأي نزاع بين “إيرلندا” و”بريطانيا”؛ هي أن “بريطانيا” الدولة الكبرى، ستفوز دائمًا. لكن الآن الأمر سوف يتغير بعد المغادرة، لأن “إيرلندا” أصبحت الآن جزءًا من كتلة أكبر، حسبما أوضح الكاتب البريطاني.
واستطرد: “لقد أشارت تجربة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى حقيقة ذات صلة تم التغاضي عنها في عام 2016، حقيقة أن بريطانيا وإيرلندا كانتا في الاتحاد الأوروبي ساعدت في تحييد العديد من التوترات التي مزقت هذه الجزر لفترة طويلة، وكانت الحدود الأكثر وضوحًا”. مؤكدًا، أن خروج “بريطانيا” يزعج تلك الهندسة المعقدة، وتعيد فتح الجروح التي كانت تلتئم منذ عقدين، والجروح التي كان البعض في “ويستمنستر” قد نسيها أو لم يفهمها أبدًا.
وأشار إلى أن السنوات الثلاث الماضية التي جرى فيها استفتاء (البريكست)، فضح طبقتنا السياسية وأوضحت أن نظامنا به خللًا كبيرًا، ما يؤكد أننا لدينا شيئًا ثمينًا وهو إنتمائنا لـ”الاتحاد الأوروبي” وأنه سيكون من الجرم التخلص منه.