خاص : ترجمة – محمد بناية :
على مشارف “الأربعين الحسيني”؛ وفي ظل استعداد الحكومتين، الإيرانية والعراقية، لإقامة مراسم مهيبة على غرار السنوات الماضية، برزت بعض الاضطرابات والاحتجاجات السياسية في الجار العراقي الشقيق، أثارت المخاوف بخصوص الوضع الأمني في هذا البلد.
وما تزال التظاهرات والاحتجاجات الشعبية مستمرة في عدد من المدن العراقية، ذات الأغلبية الشيعية، على البطالة، وضعف الخدمات العامة وأستشراء الفساد وعدم مكافحته بشكل جاد، وأسفرت للأسف عن خسائر مالية وبشرية.
وبينما أثارت تقارير مقتل عدد من المواطنين والعناصر الأمنية والعسكرية العراقية مخاوف المجتمع الدولي، ودفعت عدد من المسؤولين لإتخاذ موقف؛ مثل “أمين عام الأمم المتحدة”، و”التحالف الدولي ضد تنظيم داعش”، بقيادة “الولايات المتحدة الأميركية”، و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، تثور التخمينات بشأن أسباب بروز هذه الاحتجاجات. بحسب موقع (الدبلوماسية الإيرانية) المقرب من وزارة الخارجية.
تحدي قوي لحكومة “عبدالمهدي”..
والحقيقة أن مسألة استياء العراقيين من إنعدام الخدمات الإدارية المناسبة، والبطالة، والإنقطاع المتكرر للكهرباء، والمياه غير الصحية وغيرها من المشاكل المشابهة؛ ليست جديدة وتحول إلى تحدي بالنسبة للحكومة العراقية في العام 2018.
مع هذا فالاحتجاجات الأخيرة تمثل تحديًا كبيرًا لحكومة، “عادل عبدالمهدي”، رئيس الوزراء العراقي الشيعي، الذي لم يجاوز عامه الأول في السلطة، رغم أنه أعلن بعد تصاعد وتيرة الاحتجاجات: “لقد سمعت مطالب المعترضين المعقولة”. وطالب بالتهدئة ومنح المزيد من الفرص للحكومة للقيام بإجراءات أساسية، لكن كأن كأس صبر العراقيين قد أمتليء.
ومنذ صعوده إلى السلطة، في تشرين أول/أكتوبر 2018؛ وعد رئيس الوزراء العراقي بإجراء إصلاحات أساسية على الهيكل السياسي والاقتصادي العراقي، وأعلن الوفاء بهذه الوعود بشكل كامل في غضون عام، لكن لم تتحقق معجزة القضاء على المشكلات الهيكلية للدولة.
ثلاثة أمراض مزمنة..
مع هذا؛ تعكس رؤية الشعب العراقي إنعدام الطاقة بعد سنوات من الحرب والاضطرابات والتوقف الاقتصادي على منح المزيد من الفرص للمسؤولين. ويبدو أن “العراق” يصارع حاليًا، كما الكثير من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثلاثة أمراض مزمنة، تقيد قدرات الاستفادة من إمكانيات هذا البلد الكثيرة، ما يزيد من نحافة الاقتصاد العراقي أكثر من ذي قبل، هي: “التورط في الأزمات الإقليمية والدولية، الإرهاب والحرب المذهبية، والفساد الداخلي”.
وهى ثلاثة مشاكل رئيسة ومهلكة تحول دون تطور “العراق” وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب العراقي. لقد واجه “العراق”، خلال السنوات الأخيرة، الكثير من الأزمات السياسية، بدءً بالتدخل الأميركي في “العراق” لإسقاط الديكتاتور، “صدام حسين”، وفشل شجرة الحرية والديمقراطية في أن تؤتي ثمارها، وكذلك فقد مهد فراغ السلطة وصراع التيارات السياسية؛ أجواء ظهور الجماعات الإرهابية المتطرفة.
من ثم تحول “العراق” إلى ساحة هجوم (داعش) والتيارات الإرهابية الأخرى. ناهيك عن سلب إمكانية تطوير وتعمير “العراق” باسم المذهب، والهدوء، والاستقرار، والأمن، وتقيد القوى الأجنبية، “العراق”، بسلسلة العيوب.
وفي ضوء مساعي الحكومات العراقية المختلفة للتعامل مع هذه الأزمات، لم تتوفر فرص تقوية المجتمع المدني والمؤسسات الديمقراطية، وتطبيق الدستور، والتنمية الاقتصادية القوية، وسقط “العراق” بدلاً من ذلك في قبضة بعض الشخصيات والجماعات النافذة التي تتغذى على روح الاقتصاد وبيت المال العراقي وإنتعش سوق الفساد، والتربح وسوء الاستغلال والإختلاس، بحيث أصبح “العراق” يحتل، بحسب “مؤسسة الشفافية الدولية”، المرتبة الثانية عشر على قائمة دول العالم من حيث الفساد المالي.
ولا يخفى على أحد أن إزدهار التجارة والاقتصاد وإنتعاش سوق العمل وإصلاح الهيكلي في القطاعات السياسية والاقتصادية إنما يتحقق في بيئة آمنة ومستقرة يحكمها القانون، وهذه هي نفسها الحلقة المفقودة في “العراق” والكثير من دول الشرق الأوسط.
وعليه؛ ورغم أفول الاحتجاجات الشعبية في “العراق”، لكن لا شك أن الوعود المتكررة وفرض حالة التأهب الأمني للحد من التظاهرات، لا يقدم حلولاً جدية وقوية للحيلولة دون تكرار هكذا احتجاجات. وكما نجحت الدول الأوروبية والنمور الآسيوية من إقرار السلام والهدء القوي على الصعيدين الداخلي والإقليمي وتحقيق الإزدهار الاقتصادي والإرتقاء إلى أفضل مستويات الرفاهية الشعبية في ظل تفاهمات إقليمية، فإن على دول الشرق الأوسط الوصول إلى قناعة بأن مسار التقدم يمر عبر مسار التفاهمات الإقليمية والتركيز على القضايا والمشكلات الداخلية، وأن المداخلات الأجنبية أو ما يُعرف بـ”المساعدات الأجنبية”؛ إنما تسبب المزيد من التوتر.