خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
قلما يقبل شخص في الوقت الراهن على الفصل الكامل بين السياسات الداخلية والخارجية، أو ينفي التأثير المتبادل لكلاهما. والواقع أن السياسات الخارجية كالأب بالنسبة للمنزل الذي يسّعى من خلال العمل والممارسات (خارج) المنزل (الدولة)؛ لتأمين أساسيات الحياة (المصالح الوطنية). وعليه فإن سياستنا الخارجية تتأثر كالجميع بالسياسات والتطورات الداخلية؛ بحسب تحليل “أبو الفضل خرمروز”؛ بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة “أصفهان”، والذي نشره موقع (الدبلوماسية الإيرانية)؛ المقرب من “وزارة الخارجية”.
ولو نُريد النظر على السياسة الخارجية من منظور عابر للنظريات، فإن سياساتنا الخارجية تتأثر في البُعد التكويني المعرفي بالرؤى الراديكالية نسبيًا؛ (حيث لا فرق بين أن يكون رئيس الجمهورية؛ محمد خاتمي، أو أحمدي نجاد، فالمقصود أن السياسات العامة تؤثر في السياسة الخارجية)، أو بالقول المتداول؛ (الثورية)، التي ترفض الأنظمة القائمة وتريد تحطيمها وتأسيس نظام جديد.
ومما لا شك فيه أن هكذا الرؤية مكلفة جدًا، كما هو الحال في المجالات المختلفة التي هي على استعداد لدفع التكلفة وأهمها “العقوبات”.
النظريات الدينية في السياسة الخارجية الإيرانية..
ويرتبط علم الوجود بنوعية تعريفك لـ”وجودك”؛ على جميع الساحات، بما في ذلك الدولية. إن منظور الأنطولوجيا هو أهم جزء في السياسة الخارجية؛ لأن الرؤى الأخرى تتأثر بنظريتك المعرفية ونظارتك التي هي أساس رؤيتك للعالم وأساس سلوكك وتقدمها في قالب “إيديولوجي”.
وقد نشأت نظرية معرفة “الجمهورية الإيرانية” من الدين “الإسلامي” المبّين. والأسس الفقيه والكلامية في السياسية الخارجية لابد أن تخضع للبحث الدقيق، وفي المقدمة المطالب المتعلقة بنظرية “ولاية الفقيه”.
وعليه فإن النظريات الدينية في السياسة الخارجية شديدة الاختلاط والتأثر.
والإشكالية هنا تتعلق بمسألة؛ (تطبيق واقع العلاقات الدولية مع المُثل الإسلامية)، على سبيل المثال فالظلم مرفوض في أي مكان وبأي شكل، لكن الدول الإسلامية قد تُقيم علاقات استراتيجية مع أعداء أعداءها الظالمين نتيجة “الواقع” و”مقتضيات” العصر في العلاقات الدولية.
والملاحظة التي يظل إدراكها مجهولًا هي أن: “الواقعية الميكافيلية” والأوضاع الفوضوية الدولية، لا تسمح أصلًا بتحقق الأهداف الدينية على النحو المطلوب. وعليه فإن الحكومة الدينية في سياساتها الخارجية تواجه تناقضات من مثل: “شعارهم مناهضة الظلم، لكن يتحدون مع الظالم”. وأنا هنا لا أقصد “إيران”، لأننا لو بحثنا عن الواقع الدولي في كل الدول التي تحمل اسم إسلامية، فسوف نرى “تجذر” مثل هذه التناقضات.
الاستراتيجية البراغماتية..
المكون الآخر؛ الذي يمكننا تسّميته في السياسات الخارجية الإيرانية؛ هو: “البراغماتية الممتزجة بالواقعية التدافعية”.
فـ”الجمهورية الإيرانية” تتعامل بقوة مع أعدائها بالمنطقة، لكن احيانًا تستشعر بسبب نفس العوامل التي أسميناها: بـ”الواقع الدولي”، أن تتبنى الوجه الآخر من المقتضيات، وهو نوع من الواقعية التدافعية التي من أبرز سّماتها موازنة التهديدات، أي: “كن قويًا حتى يحين الوقت”.
في المقابل؛ نتعامل مع من نطلق عليهم: “أصدقاء وأشقاء”، بمنتهى الأدب والاحترام حتى في حال أخطأوا وتجاوزا أسس الصداقة والأخوة. والمثال على ذلك دولة “أذربيجان”.
المسألة الأخرى التي تسّاعد في هذا النوع من البراغماتية، هي الأوضاع الاستراتيجية، والنفط والغاز، والسلطوية الداخلية، ونظريات الأنطولوجيا.
والمكون الآخر الذي يخطر على ذهني، وأبرز نموذج على ذلك مسألة “المنفعة”؛ التي هي نابعة عن نظرية “ولاية الفقيه”.
حيث تنص هذه النظرية على أن المحافظة على النظام الإسلامي من أوجب الواجبات. وعليه فإن إشكالية المنفعة أو السكوت في بعض المواقف بسبب المنفعة، هو نابع عن هذه النظرية التي تحولت حاليًا إلى نوع من الأصولية في الداخل.
وبالتالي لا يمكن أن تخرج الساحة الخارجية عن قبضة هؤلاء النفعيين.
بالختام؛ تُجدر الإشارة إلى مسألة انعدام النظريات العلمية للعلاقات الدولية في سياساتنا الخارجية. ولو نلقى نظرة على السياسات الخارجية الأميركية؛ باعتبارها أكثر الأنواع عملية، فسوف نرى أن: “ادعاء السياسة الخارجية الأكثر علمية في العالم”، إنما يرتبط ببداية العلاقات الدولية من “بريطانيا” ثم في “الولايات المتحدة الأميركية”، إبان فترة الحروب العالمية.
وتعتمد السياسة الخارجية الأميركية بقوة على التخطيط، التنظير، والدراسات الإقليمية. فالساسة الأميركيون يعرفون تاريخ بلادنا أكثر منا. وكذلك البريطانيون لديهم مكانة خاصة.