خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
سعت “كوريا الجنوبية”، السنوات الأخيرة، إلى تطوير نفوذها في منطقة الخليج. ولا تنبع مشاركتها النشطة من تحالفها مع “الولايات المتحدة” فقط، وإنما من منطلق مصالحها الأمنية الخاصة، وهو ما يمُثل اتجاهًا جديدًا في دبلوماسية “كوريا الجنوبية”. بحسّب دراسة أعدها “نوريكو سوزوكي”؛ مستشارة أولى في (مركز الخليج للأبحاث)، ونشرت على موقع المركز.
لذلك قد تبرز مستقبلًا كقوة خارجية مهمة في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، يسعى (مركز الخليج للأبحاث)، من خلال هذه الدراسة، لاستكشاف خصوصيات دبلوماسية “كوريا الجنوبية” الاقتصادية، وسوف تنشر صحيفة (اقتصاد نيوز) الإيرانية هذه الدراسة على أجزاء..
لمحة عامة عن نفوذ “كوريا الجنوبية” في الخليج..
خلال فترة الحرب الباردة، إنحازت “كوريا الجنوبية” إلى الكتلة الغربية بقيادة “الولايات المتحدة”، وأعطت الأولوية لإقامة علاقات مع الدول الموالية للغرب في الشرق الأوسط. ونتيجة لتلك السياسة كان بناء العلاقات مع دول الخليج أمرًا بسيطًا نسبيًا.
وفي الفترة (1962-1980م)، أسست “كوريا الجنوبية” علاقات دبلوماسية مع “المملكة العربية السعودية” (1962م)، و”قطر” (1974م)، و”عُمان” (1974م)، و”البحرين” (1976م)، و”الكويت” (1979م)، و”الإمارات العربية المتحدة” (1980م).
وكان توسع “كوريا الجنوبية” اقتصاديًا لمنطقة الخليج قد بدأ في سبعينيات القرن العشرين. ففي أعقاب أزمة النفط عام 1973م، كثفت شركات مقاولات “كوريا الجنوبية” من حضورها في دول الخليج التي استفادت من عائدات النفط المكتشفة حديثًا في تمويل مشاريع بناء واسعة النطاق.
ورأت “كوريا الجنوبية”، التي بنّت بالفعل بُنية تحتية اجتماعية كبيرة في الداخل، ومن ثم كانت تواجه انخفاض الطلب المحلي على البناء، فرصة في الشرق الأوسط. وبدأت في توقيع عقود بناء الطرق السريعة والموانيء والمصانع في جميع أنحاء الخليج.
واستمر هذا الاتجاه حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أدى ارتفاع أسعار النفط إلى طفرة جديدة في البناء، مما عزز تركيز الشركات الكورية الجنوبية على الخليج. وبحلول العام 2013م، تجاوزت قيمة أوامر البناء التي حصلت عليها هذه الشركات في دول “مجلس التعاون الخليجي” نصف جميع العقود الخارجية، وبلغت حوالي: (17.3) مليار دولار أميركي.
ويُعد مشروع محطة (براكة) للطاقة النووية بـ”الإمارات العربية المتحدة”، أحد أبرز مشاريع “كوريا الجنوبية” في الشرق الأوسط. وكانت “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية”؛ (ENEC)، في “أبوظبي”، قد منحت في كانون أول/ديسمبر 2009م، عقد بناء المحطة إلى اتحاد من الشركات الكورية الجنوبية.
وأصبح مشروع (براكة) نموذجًا ناجحًا على استراتيجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في “كوريا الجنوبية” في تصدير أنظمة البُنية التحتية.
بدأ البناء بالمحظة عام 2012م، ودخلت الوحدة الأولى للمحطة التشغيل التجاري في نيسان/إبريل 2021م، تلاها الوحدة الثانية في آذار/مارس 2022م، والوحدة الثالثة في شباط/فبراير 2023م.
ووفق (معهد الطاقة)؛ بـ”المملكة المتحدة”، فقد أنتجت (براكة) نحو: (32) تيراواط في الساعة، أي: (19.5%) من إجمالي إنتاج الكهرباء في “الإمارات العربية المتحدة”. وأعلنت “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية”، بتاريخ 05 أيلول/سبتمبر 2024م، أن الوحدة الرابعة قد بدأت العمليات التجارية، مما رفع حصة الطاقة النووية في مزيج الطاقة بـ”الإمارات” إلى: (25%).
وتكمن ميزة الطاقة النووية في انبعاثاتها الصفرية من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بتوليد الطاقة الحرارية، مما يجعل محطة (براكة) مساهمًا رئيسًا في جهود إزالة الكربون واستقرار الطاقة في دولة “الإمارات”.
دبلوماسية “كوريا الجنوبية” الاقتصادية.. وممالك الخليج..
توجت الثقة بين “الإمارات” و”كوريا الجنوبية” من خلال مبادرات مثل مشروع (براكة) النووي، بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، خلال زيارة رئيس دولة الإمارات؛ “محمد بن زايد آل نهيان”، إلى “كوريا الجنوبية”، آيار/مايو 2024م.
وتُخطط البلدان بموجب الاتفاقية، لإلغاء التعريفة الجمركية على ما يقرب من: (90%) من السلع المستوردة على مدى العقد المقبل. وتنطوي هذه الاتفاقية على فوائد اقتصادية كبيرة لـ”كوريا الجنوبية”، حيث سيوفر إلغاء التعريفة الجمركية على الصادرات الرئيسة مثل السيارات، والأجهزة المنزلية، والمنتجات الزراعية، فرصًا جديدة للشركات الكورية الجنوبية في سوق “الإمارات”.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لـ”كوريا الجنوبية” الاستفادة من “الإمارات” كقاعدة لتوسيع التجارة في “إفريقيا” و”جنوب آسيا”.