وكالات – كتابات :
قد تؤدي مبادرات “بايدن” الأمنية المقترحة بين “إسرائيل” والدول العربية إلى زيادة التوترات؛ وربما تتسبب في اندلاع صراع عسكري مباشر في المنطقة.
نشر موقع مجلة (ريسبونسبل ستيت كرافت)؛ التابعة لمعهد (كوينسي) لفن الحكم الرشيد مقالًا أعدَّته؛ “هنريتا تويفانين”، زميلة زائرة في مركز (بورس آند بازار) للأبحاث المهتم بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاقتصادية في الشرق الأوسط، و”مهران هاغيريان”، زميل زائر لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، سلَّطا فيه الضوء على ضرورة تخلي “الولايات المتحدة” عن سياساتها المعتمدة على عزل “إيران” في منطقة “الخليج العربي” أو إعادة النظر فيها على أقل تقدير.
في بداية المقال يُشير الباحثان إلى ما قاله الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، في مقالته التي نشرتها صحيفة (واشنطن بوست)؛ قبل رحلته إلى “إسرائيل” و”المملكة العربية السعودية”، إنه أعاد “الولايات المتحدة” من العزلة وأعاد “إيران” إلى العزلة. وحتى الآن لا يزال موقف إدارة “بايدن” مُتعنِّتًا بشأن ميلها إلى عزل “طهران”، وهي الإستراتيجية الأساسية التي تتبنَّاها “الولايات المتحدة” منذ ثمانينيات القرن الماضي.
“بايدن” على خطى أسلافه في المنطقة..
يُوضِّح الباحثان أنه خلال العقود الأربعة التي تلَت ذلك، تحوَّلت الإدارات الأميركية المتعاقبة من “الاحتواء المزدوج؛ (سياسة خارجية رسمية للولايات المتحدة تهدف إلى احتواء العراق البعثي وإيران الثورية)”، إلى احتواء: “محور الشر؛ (دول تدعم الإرهاب وتسعى لشراء أسلحة الدمار الشامل والمقصود بها كوريا الشمالية والعراق وإيران)”، خلال حقبة ما بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، مع تغيير طفيف في كيفية النظر إلى “إيران” والتعامل معها.
وفي الوقت الذي انتقد فيه كثيرٌ من المراقبين حملة “الضغط الأقصى”؛ التي قادتها إدارة “ترامب” انتقادًا شديدًا على اعتبار أنها غير فعَّالة أو تُفضي أحيانًا إلى نتائج عكسية، لم تختلف تلك الحملة اختلافًا جوهريًّا عن السياسة التي تبنَّتها “الولايات المتحدة”؛ خلال العقود السابقة، في أي شيء سوى أسلوبها وحِدَّتها.
وعلى نحو مماثل، تتَّبع سياسة “بايدن”؛ تجاه “إيران” والمنطقة برمتها، الخطوات نفسها. فكما نجحت “قمة ترامب”، التي عُقدت في شباط/فبراير 2019، في العاصمة البولندية؛ “وارسو”، حول السلام والأمن في الشرق الأوسط في إثارة تصعيد من جانب “إيران” استجابة لعزلها، ستؤدي مبادرات “بايدن” الأمنية المقترحة بين “إسرائيل” والدول العربية إلى زيادة التوترات؛ وربما تتسبب في اندلاع صراع عسكري مباشر في المنطقة.
وقد يؤدي إحساس “إيران” بالإقصاء والعزلة إلى القضاء على اهتماماتها المستجدة بشأن تخفيف حدة التصعيد الإقليمي والتعاون الاقتصادي، ودفعها أكثر في نهاية المطاف نحو تبني أنواع السياسات التي تُعارضها الجهات الإقليمية الأخرى. وستستمر إستراتيجية “واشنطن” في الضغط على “إيران” وستدفعها إلى السعي نحو ضمان المقاومة للضغوط الخارجية، وتعظيم قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وتركيز طاقتها على بناء علاقات مع تلك الدول التي لا تهتم بالمشاركة في حملة “الضغط الأقصى”؛ والتي ليس لديها مصلحة فيها.
دول الخليج تُدرك أهمية التواصل الدبلوماسي مع “طهران”..
يُلفت الباحثان إلى أن هناك فرصة كبرى لتغيير اتجاه إستراتيجية الإقصاء غير المُجدية تلك. ومن الواضح أن هناك عدة دول إقليمية بدأت بالفعل في تفهُّم هذا الأمر، كما يتضح من جهودها لإشراك “إيران” دبلوماسيًّا في أعقاب الفترة المضطربة التي مرت بها المنطقة ما بين عامي: 2019 و2020، والتي جاءت في المقام الأول نتيجةً لحملة “الضغط الأقصى”؛ التي قادتها إدارة “ترامب” وعلى الرغم منها.
وتوضح التطورات التي حدثت مؤخرًا في الاعتبارات “الجغرافية-السياسية”؛ لـ”الشرق الأوسط الكبير”، أن السبب الجذري الأساس للتوترات يكمن فعليًّا في الشعور بالضيق الذي كان يُعطِّل الدبلوماسية الإقليمية: أي الإقصاء. ويبدو جليًّا أن دول المنطقة بدأت تُدرك ذلك، ومن ثمَّ فإن المسار الحالي للتوترات المتقلبة والمتكررة غير قابل للاستمرار.
وعلى سبيل المثال، تُشير الوتيرة المتسارعة للزيارات المتبادلة بين “الإمارات العربية المتحدة” و”إيران”؛ والعودة المحتملة لسفيريهما، إلى إدراك “أبوظبي” ضرورة التواصل الدبلوماسي مع “طهران”. وبينما يوجد ثمة توجه لتطبيع العلاقات بين “السعودية” و”إسرائيل”، كانت “الرياض” نفسها أيضًا تتواصل مع “طهران” دبلوماسيًّا. ولا بد أن تُفضي هذه التغييرات في التصورات بين شركاء “الولايات المتحدة” إلى إيجاد حيز كافٍ أمام صانعي السياسات في “واشنطن” من أجل إعادة النظر في مواقفهم وآرائهم كذلك، وتحديدًا فيما يتعلق بافتراضاتهم بشأن حتمية النزاعات والأزمات في المنطقة.
النهج الإقصائي..
يرى الباحثان أن “خطة العمل المشتركة الشاملة”؛ (JCPOA)، تظل هي نقطة البداية الأكثر منطقية لتفكيك تشابك علاقات “إيران” الدولية والإقليمية المُثيرة للجدل وإيجاد حلول لها، وبناء إطار عمل لتخفيف حدة التصعيدات في المجالات الإقليمية الأخرى.
وقد أصبح “الاتفاق النووي”؛ بصفة جوهرية، سيناريو اختبار لأي تقارب محتمل بين “الولايات المتحدة” و”إيران”، لكن الديناميكيات الناشئة في المفاوضات تُشير أيضًا إلى ملاحظات أخرى. وعلى الرغم من بعض الترددات في البداية تجاه “الاتفاق النووي” مع “إيران”، أبدت جميع دول “مجلس التعاون الخليجي”، بما فيها “السعودية” و”الإمارات”، حاليًا اهتمامًا بتجديد “الاتفاق النووي”، للحد من البرنامج النووي الإيراني ومن أجل زيادة مشاركتها الاقتصادية مع “طهران”.
ويبدو أن دول “مجلس التعاون الخليجي” أدركت أهمية تخفيف حدة التوترات بين “الولايات المتحدة” و”إيران” في المنطقة، وحجم المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية المحتملة التي يمكن تحقيقها من تخفيف “العقوبات الأميركية” ضد “إيران”. وأعربت دول “مجلس التعاون الخليجي” عن دعمها الموحد لإحياء “الاتفاق النووي”، وأظهرت تلك الدول في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، الرغبة في إقامة مزيد من العلاقات الاقتصادية مع “إيران” بمجرد رفع العقوبات.
وفي أحد الاجتماعات، أعلنت دول “مجلس التعاون الخليجي” أن: “تعزيز الحوار الإقليمي والعودة إلى الإلتزام المتبادل بخطة العمل المشتركة الشاملة سيسمح بتكوين مزيد من الشراكات الإقليمية ويتيح التبادل الاقتصادي”. ولا يمكن الاستهانة بهذا المزاج السياسي الجديد القادم من المنطقة، ويجب أخذه في الاعتبار في سياسة “الولايات المتحدة” تجاه المنطقة، بحسب الكاتب.
وفي مقاله الذي نشرته (واشنطن بوست)، أقرَّ “بايدن” بفوائد: “شرق أوسط أكثر أمانًا وتكاملًا”، وكيف أن: “ممرات الشرق الأوسط المائية ضرورية للتجارة العالمية وسلاسل التوريد”؛ ومدى: “أهمية موارد المنطقة من الطاقة للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا”. وأقرَّ الرئيس الأميركي أيضًا بأن المنطقة: “تتحد وتحشد طاقاتها معًا من خلال الدبلوماسية والتعاون، بدلًا من التفكك من خلال النزاعات”. ولكن يبدو أن هذه العبارات لا تنطبق على منطقة تضم “إيران”. ويواصل “بايدن” تبني النهج الإقصائي وعقوبَاته وسياسات الاحتواء التقييدية المتعددة المستويات التي استمرت لعقود وكانت العقبة الكبرى أمام توسيع التعاون الإقليمي ليشمل الجميع.
عزل “إيران” لا يجد مساندة !
يُنوِّه الباحثان إلى أنه إذا لم يجرِ إحياء “الاتفاق النووي”، فستظل “العقوبات الثانوية الأميركية” على “إيران” قائمة وستُشدَّد، وستُشن “واشنطن” مرةً أخرى حملة “الضغط الأقصى” على “طهران”. وهذا الأمر لن يُؤدي إلى عرقلة أي محادثات حول الدبلوماسية الإقليمية فحسب، بل سيُؤثر كذلك تأثيرًا كبيرًا وسلبيًّا على التطور المستمر للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة.
وخلال اجتماعهم بصفة خاصة مؤخرًا بعدد من نظرائهم في دول “مجلس التعاون الخليجي” و”أوروبا”، اقترح بعض المسؤولين الأميركيين أنه إذا لم تُجدد “خطة العمل الشاملة المشتركة”، فإنهم يتوقعون من جميع دول “مجلس التعاون الخليجي”، بما فيها “سلطنة عُمان وقطر والإمارات”، الانضمام إلى الحملة ضد “إيران”.
وعلى هذا النحو إذا لم نشهد تجديدًا لـ”الاتفاق النووي”، فإن “واشنطن” تبدو عازمة على تصعيد التوترات من خلال شرَاكاتها وتحالفاتها الإقليمية الرامية إلى عزل “طهران”. ومع أنه أمرٌ خطير، لكنه لا يحظى بأية مساندة حقيقية من دول المنطقة القريبة. ولا تميل أية دولة من دول “مجلس التعاون الخليجي” إلى الانخراط في صراع عسكري ضد “إيران”.
وشهدت المنطقة بالفعل وعانت من الأضرار التي يمكن أن تسببها الاستجابات الانتقامية العسكرية المتبادلة في عام 2019، بداية من شن غارات طائرات من دون طيار وقذْف صواريخ ضد منشآت النفط السعودية في “خريص” و”بقيق”، ووصولًا إلى تنفيذ هجمات بألغام وطائرات من دون طيار قبالة “ساحل الفجيرة” الإماراتي. وتُعد العلاقات الدبلوماسية المستمرة مع “طهران” خير دليل على رغبة دول “مجلس التعاون الخليجي” لمنع انزلاق المنطقة إلى هذا الموقف مرةً أخرى. وأعلنت “السعودية والإمارات” بوضوح رغبتهما في مزيد من التعاون مع “إيران” وحل خلافاتهما مع “طهران” من خلال الوسائل الدبلوماسية.
استنفاد السُبل الدبلوماسية..
يُشير الباحثان إلى أنه في الوقت الذي لا يزال فيه “بايدن” حريصًا على إحياء “الاتفاق النووي”؛ إذ يرى أنه أفضل وسيلة لمنع “إيران” من حيازة أسلحة نووية، فإن سياسات إدارته في الشرق الأوسط تتَّبع النهج نفسه الذي أتَّبعه أسلافه من رؤساء “الولايات المتحدة”. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي الأسبق؛ “باراك أوباما”، فضَّل استخدام الدبلوماسية في علاقاته مع “طهران”، بل اقترح ضرورة أن: “تُقسَّم المنطقة” بين “السعودية” و”إيران”، فإن إستراتيجية إدارته كانت تفتقر مع ذلك إلى رؤية واضحة لكيفية المضي قدمًا في الدبلوماسية الإقليمية الأوسع التي من شأنها ضم “إيران” وإشراكها.
وسواء جُددت “خطة العمل الشاملة المشتركة” أو لم تُجدد، تحتاج “الولايات المتحدة” إلى السماح للمنطقة بتقييم جميع السُّبل الدبلوماسية واستنفَاذها من أجل توسيع نطاق التعاون والتكامل فيما بينها. وهذا الأمر سيخدم المصالح الأميركية والعالمية على المدى الطويل لتحقيق استقرار منطقة “الخليج العربي” وتحقيق الأمن داخليًّا وخارجيًّا، بحسب ما يختم الباحثان مقالهما.