خاص : ترجمة – محمد بناية :
استغرق انتخاب “برهم صالح”، رئيسًا للجمهورية العراقية، و”عادل عبدالمهدي”، رئيسًا للحكومة، وعجلة التغيير السياسي في “العراق” وقتًا أطول من المتوقع، إلا أن اختيار قيادات السلطات الثلاث خلال 16 يومًا؛ يعتبر حدثًا مهمًا بل بالغ الأهمية، لأن عملية انتخاب رئيس لأيٍ من هذه المواقع القانونية المهمة لم يكن ممهدًا نظرًا للخلافات الداخلية الشديدة بين “الأكراد” و”الشيعة” و”أهل السُنة” من جهة؛ ومساعي “أميركا” و”السعودية” و”الإمارات” من جهة آخرى، للتأثير على التغييرات السياسية العراقية، فضلاً عن الصعوبات الشديدة التي اكتنفت عملية اختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
لذا يمكن القول: “لقد استطاع الشعب العراقي، رغم الصعوبات الكثيرة، في فترة زمنية قصيرة من طي هذا الطريق بشكل جيد”. بحسب ما نشرته صحيفة (كيهان) الإيرانية الأصولية المتشددة.
مع هذا كثرت الأحاديث المغلوطة حول طبيعة التغييرات السياسية العراقية، لذا فالتوضيح التالي قد يكون مفيدًا..
الأطياف السياسية والعرقية والتدخلات الأميركية والسعودية..
1 – جرت رابع انتخابات برلمانية عراقية في ظل أجواء شهدت الاستفتاء على استقلال “كُردستان العراق”، والتي ألقت بظلالها على “الفصائل الكُردية”؛ وكانت سببًا في المواجهات بينها، ولذا فقد أثار اختيار رئيس جمهورية كُردي المناقشات والصراعات بين هذه الفصائل، وقد استمر الصراع حتى يوم اختيار رئيس الجمهورية. فلم يصوت “الأكراد” جميعهم في الجولة الأولى لصالح الرئيس، “برهم صالح”، وإحتدمت الضغوط الأجنبية الرامية لاختيار شخص آخر، حيث طلب وزير الخارجية الأميركي إلى “برهم صالح” الانسحاب، حتى قبل ساعة من التصويت، وفتح الطريق أمام اختيار، “فؤاد حسين”، مرشح “حزب البارزاني”.
كذا؛ كان من الأصعب عملية اختيار رئيس للوزراء من الطوائف الشيعية. إذ شارك ما لا يقل عن ستة قوائم شيعية في الانتخابات، وحصل كل منها على عدد مقاعد تتراوح بين 19 إلى 57 مقعدًا، ورغم تقسيمهم بالنهاية إلى مجموعتين، لكن الضغوط المتوالية لكل منهم ضد الآخر، ومساعي “أميركا” و”السعودية” لإقصاء الشيعة عن المنصب، ضاعف من صعوبة العمل.
على سبيل المثال؛ في مرحلة ما استغل السفير الأميركي دولارات “السعودية” ودعا الفائزون في الانتخابات من “شيعة وسُنة وكُرد” إلى “فندق بابل”؛ وأعرب عن إصراره على تعديل نظام اختيار رئيس الوزراء إستنادًا إلى نموذج جديد يقترن بإلغاء المعايير القانونية السابقة، لكنه فشل. في غضون ذلك كان دخول “المرجعية” على صعيد الحدث؛ وأعلنت ضرورة إقصاء المسؤولين السابقين عن منصب رئيس الوزراء، ساهم في فك العقدة وقلل من الضغوط الداخلية والخارجية على “الطائفة الشيعية”، وجعل مصير رئيس الوزراء أكثر وضوحًا من مصير رئيس البرلمان.
ولم تكن أوضاع “أهل السُنة” أفضل؛ فقد خاضوا الانتخابات بعدد من الأطياف والتوجهات بل إن بعضهم خاض الانتخابات على “قوائم الشيعة”. وكان وضع الأحزاب والأطياف السُنية متدهور بشدة بسبب احتلال (داعش) للمحافظات ذات الأغلبية السُنية، ولذلك كان عدد الأطياف السُنية التقليدية المشاركة في انتخابات 2018 قليل جدًا. ورغم تحالف معظم القوى السُنية تحت عنوان “المحور الوطني”، لكن هذا التحالف نفسه يتكون من ستة أطياف متنافسة.
بهذا الوصف واجهت عملية انتخاب رئيس البرلمان، والتي تعتبر الخطوة الأولى في التغيير السياسي، المزيد من الصعوبات. أضف إلى ذلك أن “أميركا” و”السعودية” بذلتا كذلك جهودًا كبيرة لإقصاء “محمد الحلبوسي”، وقد استمرت هذه الجهود حتى قبل نصف ساعة من عملية الاقتراع داخل البرلمان.
إشكاليات المناصب الثلاث الكبرى..
2 – بالنظر إلى شخصية وعملية انتخاب، “عادل عبدالمهدي” و”برهم صالح” و”محمد الحلبوسي”، يمكن القول بوقوع حدث مهم في “الجوار الإيراني”. وهو مزيج بين المحافظة على العادات وقبول التغييرات.
لقد سعت “أميركا” و”السعودية” بفرض “القومية” كبديل عن القومية والمذهبية للهيكل القديم وتصعيد عملائهم إلى منصب “رئيس الوزراء” وإنتهاك حق الأغلبية، أو تهيئة، (في حالة عدم القدرة)، المجال للدورات المقبلة، ولذا قالوا لا مشكلة لديهم أن يكون رئيس الوزراء “شيعي”، ولكن لماذا يقتصر التصويت فقط على “الشيعة” ؟.. في المقابل وافق “الشيعة” على أن يكون انتخاب “رئيس الجمهورية” في “الأكراد” فقط، و”رئيس البرلمان” في “السُنة” فقط.
وهذا أحد أوجه المسألة؛ حيث صمد الشعب العراقي بشكل عملي ورفض تغيير الهيكل القانوني العراقي الناشيء. أما الوجه الآخر للمسألة، في أن اختيار “رئيس للوزراء” بصبغة حزبية قد يزيد من الصعوبات ويفرض المزيد من التحديات والصعوبات على الإرداة العراقية خلال السنوات الأربع المقبلة..
الدور الإيراني..
3 – بناء على ما سبق؛ فسوف يزداد “العراق” قربًا من “إيران” خلال السنوات الأربع المقبلة، وتجاوز المنتخبون الثلاثة للحزبية يخلق الأمل في وجود حكومة أكثر قوة. وبالتوازي مع هذا التطور تزداد نظرة “الجمهورية الإيرانية” إلى “العراق” وتوطيد العلاقات في الأبعاد المختلفة قوة.
فـ”العراق” دولة ذات قدرات، ورغم المشكلات، لكن لا شك في إمكانية الاستفادة من حسن ثقة الحكومة والشعب العراقي والمسؤولين البارزين في حل المشكلات المشتركة بين “العراق” و”إيران”. وهذا يتطلب إصلاح القوانين والمسالك الإدارية الإيرانية والاهتمام بدور القطاع الإيراني الخاص. كذا تحتاج “لجنة العراق”، والتي تشكلت قبل 13 عامًا في هيكل السلطة التنفيذية الإيرانية، إلى تطور جذري.