كتب – عمر رياض :
إرتبطت “شبه جزيرة سيناء” بتاريخ عسكري فقط في إعلام الدولة، واستمدت جميع أنظمة الحكم بداية من الملك فاروق مروراً بعبد الناصر والسادات ومبارك بل وحتى نظام السيسي اليوم، تاريخها من “الجبهة الشرقية”.
وارتبط ايضاً يوم العاشر من رمضان بذكرى تحرير هذا الجزء من مصر و”الوطن العربي”، حيث وافق السادس من تشرين أول/أكتوبر عام 1973.
ودائماً ما ربطت أجهزة “البروباغندا” بين ذكرى العاشر من رمضان وانتصارات الحرب، كمن يريد ان يضفي القدسية على المعركة، وهي الطريقة التي كان النظام “الساداتي” يريد تعريف نفسه من خلالها، ليوصل إلى الجماهير أن السادات كان “رئيس مؤمن”.
لكن “النكسة” – أو هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967على نفس الجبهة – هي ما واكبت العاشر من رمضان الماضي حسب ما صادفت دورة التاريخ في هذا العام 2017، وهي الذكرى التي ظلت ندبة في وجه النظام الناصري وحلفائه – باتفاقية الدفاع المشترك – من الدول العربية التي شاركت حتى “حرب تحرير سيناء” أيضاً.
وقد اصبحت “حرب تشرين أول/أكتوبر” مع البروباغندا “انتصار ساحق”، رغم كونها لم تمحوا آثار هزيمة “حرب حزيران/يونيو” التي سبقتها، ورغم انها أيضاً انتهت باتفاقيات مشروطة مع العدو – السابق – مثل إتفاقيات “كامب ديفيد”، مازال الجميع يعاني من آثارها في كل المسارات بما فيها الإعلام.
هذه الصدفة جعلت من المقابلة بين التواريخ – الهزيمة والانتصار المنقوص – تمثيلاً للإنقسام بين إعلام الدولة – البروباغندا – وبين ما يحدث في الواقع الآن على الأرض في الجبهة الشرقية، وعلى جبهات اخرى مشتركة، وربما تعطي وصفاً لحال الصحافة الأشبه بهزيمة وسط هذه الحروب.. فمنذ أن أعلنت في “سيناء” رسمياً حرب جديدة تحت اسم “الحرب على الإرهاب”، منذ أكثر من ثلاث أعوام تقريباً، بدأ تعتيم اعلامي شديد وضبابية حالكة، خاصة فيما يخص معرفة احوال المدنيين أثناء غمار هذه الحرب، أو حيال حتى تيكتيكات الحرب الجديدة، التي لا تدور بين دول كالمعتاد، لكن بين دول وجماعات مسلحة.
لذلك شكلت “حرب الإرهاب” الأخيرة تحدياً لوسائل الإعلام المحلية، سواء في الداخل أو في الخارج بجميع بلدان التحالف – مصر والأردن – على سبيل المثال.
حيث صارت الحرب على الإرهاب “تنتصر وتضرب وتتقدم” في بروباغندا الدولة وبياناتها، بينما تسقط كل صحافة أخرى، حاولت البحث أو معرفة حقيقة وواقع مغاير، بعد أن اتخذت دول التحالف اجراءات تعسفية الغرض منها “صناعة الإجماع”.
الحرب على “الإرهاب” وتحدي الإعلام..
في الرابع من أيلول/سبتمبر عام 2014، أعلن الرئيس الأميركي “باراك اوباما” عزمه عن تشكيل تحالف دولي لصد “تنظيم الدولة الإسلامية”، المعروف بـ”الحرب على داعش”. بعدها وفي 26 آذار/مارس 2015، أعلنت “المملكة العربية السعودية” عن بدء ما أسمته “عاصفة الحزم” بتحالف أكثر من عشر دول لـ”دعم الشرعية في اليمن”.
وأعلنت كذلك “مصر” انضمامها لتحالف دعم الشرعية فى اليمن، عبر بيان لمجلس الدفاع برئاسة الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، الذي أعلن مساهمة بلاده في التحالف بقوات جوية وبحرية فقط.
بالإضافة إلى الحرب الخارجية، أو التحالفات ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، التي بدأتها بعض الدول بالخوض في حرب داخلية، ربما كان بعضها على نفس القدر والتسليح ، تحت نفس المسمى ومن ضمنها “مصر والأردن”.
ومثلما شكلت تلك الحروب ارباكاً للجيوش النظامية، شكلت تغطية الحروب تحدياً جديداً للصحافة المحلية، سواء في الداخل أو الخارج، وارجعت عدد من تقارير رصد الأداء الإعلامي ذلك لعدة أسباب منها:
انها أول مشاركة عسكرية مباشرة في حرب منذ 44 عامًا، أي منذ آخر مشاركة لها في حرب تشرين أول/أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، أو على الأقل، أول مشاركة معلنة. ولأن هذه التحالفات تحارب ضد أطراف عربية، أو داخل دول عربية.
كما أنها حروب تخاض ضد “تنظيمات” وليس دول، مثلما يحدث في حالات “اليمن ومصر والأردن”، بما يعنيه ذلك من تأثير على المدنيين في مناطق النزاع، والمخاطر التي قد ترتد على بلدان التحالف أو البلدان منفرده.
أيضاً لأنها تخاض عبر القصف الجوي، وباستخدام المقاتلات بطيار أو بدون طيار، مما يثير نقاشاً حول مدى “أخلاقية” و”شرعية” هذا النوع من القصف أو الحروب.
من التعدد إلى “صناعة الإجماع”..
تبدأ هذه المرحلة مع نهاية حزيران/يونيو 2013، وهو الوقت الذي يكشف كيف تحول الحشد الجماهيري الأكبر في تاريخ مصر والمنطقة إلى الإقصاء والشعبوية، على غرار لحظات تعبئة التحرر الوطني، وما اتسمت به من تغليب مصلحة الوطن على حساب صوت المواطن أو رؤى الأفراد وخصومة لفكرة التعددية.
تكشف عملية رصد التغطية الإعلامية لما قبل إعلان “الحرب على الإرهاب”، أن وسائل الإعلام كانت “غائبة” أو “مغيبة” عن قرار المشاركة. لا بل يمكن القول أنها تفاجأت بقرار إعلان الحرب، وكانت مفاجأة وسائل الإعلام لا تقل عن مفاجأة الحكومة نفسها.
ويشير أحد الأبحاث في هذا المضمار إلى أن القرار المفاجئ عكس نفسه على التغطية الإعلامية، ما قبل الحربين – الداخلية والخارجية -، التي بقيت، في حالة “التحالف الدولي” ضد تنظيم “داعش”، تتسم إلى حد بعيد بـ”التنوع” و”التعددية”، عكست خلالها تعدد آراء الجهات الرسمية، من جهة، ومن جهة أخرى، آراء قطاعات شعبية واسعة، كانت ترى في المشاركة في الحرب ضد تنظيم “داعش”، على الأقل، حربًا “ليست حربنا”، كما عبرت عن ذلك عدة منصات، أو تصريحات وبيانات تمخضت عن فعاليات حزبية ونيابية. غطت الصحافة هذه الفعاليات بدون أي تحفظ أو حتى محاولة تدخل من قبل الحكومة أو الأجهزة الأمنية لمنع أو الحد من هذه التغطية أو تأطيرها.
وما كان لهذا “التنوع” و”التعدد” في التغطية الإعلامية أن يتم “ضبطه” و”تأطيره”، سواء من قبل الأجهزة التنفيذية أو من قبل الصحافيين أنفسهم.
وهكذا سنرى أن الإعلان الذي فاجأ الجميع بالمشاركة في الحربين، لم “يسمح” لوسائل الإعلام أن “تلعب دورًا” في إعداد الرأي العام لهاتين الحربين، وتحديدًا من خلال اتباع استراتيجية “التخويف” من شر “داعش” وبأنها تشكل خطرًا على البلد.
وقد يبدو ذلك، أي عدم اهتمام صانع القرار بإعداد الرأي العام للمشاركة في الحرب، من حسن حظ وسائل الإعلام والصحافة، إذ أن هذا الأمر جنب هذه الوسائل، حينذاك، أن تستخدم كأداة في الحرب، وتتحول إلى “الدعاية”، ما أبقاها محافظة، إلى درجة كبيرة، على “مهمتها” الأساسية المتمثلة في إخبار أو إعلام الجمهور بما يجري حوله.
هذا لا يعني أن الصحافة كانت غائبة نهائيًا عن تهيئة الأجواء للمشاركة، أو أنها لم تساهم في تصنيع صورة “العدو” وتشريره. فقد كانت التغطية، وخاصة للممارسات الوحشية لتنظيم “داعش” كثيفة جدًا، لكنها بقيت متنوعة، لدرجة أن الكثير من وسائل الإعلام، كانت تستخدم ما يبثه التنظيم نفسه عن نفسه وعن ممارسته، فـ”داعش”، وخلافًا لأي كيان سياسي آخر، لم يقصّر في تصوير “وحشيته”، ربما بدافع إلقاء الرعب في قلوب خصومه أو بدافع رفع الروح المعنوية لمناصريه أو جلب المزيد من المؤيدين له.
حالة “سيناء” وصناعة الإجماع..
كان هجوم “كَرْم القواديس”، الذي استهدف الجيش المصري في 24 تشرين أول/أكتوبر 2014، أول عملية نوعية تقوم بها جماعة “أنصار بيت المقدس” بعد اندماجها مع 3 آلاف متأسلم عادوا إلى مصر من “أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وإيران”، بعد رفع اسمائهم من قوائم ترقب الوصول وبموافقة “السيسي” وقت أن كان رئيس جهاز المخابرات.
وكان أول رد فعل رسمي للسيسي بعد إعلان الحداد: للداعمين لموقفه السياسي، تصريحاته الشهيرة: “أحنا مش هنسيب سينا لحد”، وللدواعش: “اللي ساعدكم وإداكم أحنا شايفينه وعارفينه”. جاء بعد اجتماع طارئ مع “مجلس الدفاع الوطني” الذي صدر عنه بيان جاء فيه: “إن الجيش والشرطة سوف تتخذ جميع التدابير اللازمة لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله” للحفاظ على أمن المنطقة..
* إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال في محافظة “شمال سيناء” لمدة ثلاثة أشهر.
* غلق “معبر رفح” بين مصر وقطاع غزة إلى أجل غير مسمى، والبدء في إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع قطاع غزة.
* تأجيل محادثات تعزيز وقف إطلاق النار في غزة بين “حماس” والعدو الصهيوني لأجل غير مسمى.
* تشكيل قيادة أمنية موحدة لإدارة العمليات في منطقة “شرق قناة السويس” ومكافحة الإرهاب بقيادة الفريق أركان حرب “أسامة عسكر”.
هذا ما أشارت إليه معظم توثيقات الرصد لبداية عملية صناعة الإجماع .
إلا ان الحرب كانت قد بدأت فعلياً بمصاحبة أجراءات، غير معلنة، فقط تنقلها “الميديا الشعبية” للمناطق البعيدة والمعزولة بحكم الإتفاقيات الحربية من أربعين عام .
فالتخوم المصرية الفلسطينية كانت قد عزلت بالفعل قبل التصريح الأخير، وعلى حسب موقع “سيناء بريس”: “قبلها بعام: كان السكان قد قاموا بالخروج من المدن التي يواجه فيها الارهاب الاسود يومياً بعد تضيق الخناق عليهم واستمرار حظر التجوال ونقص الخدمات والسلع الغذائيه والمواد البتروليه وانعدام الخدمات الاساسيه وفقدان الآمال في التعليم والعلاج لهم ولابنائهم وتوقف شبه تام للحياة”.
كان الإعلام غائب تماماً في هذه اللحظة، وربما كان يعلم لكن يترقب في صمت ليستعد للقيام بدوره، الذي جاء مع دخول الحرب للمدن الكبيرة والعواصم في الجبهة الشرقية.