وكالات – كتابات :
يتساءل “نيكولاس ميسينسكي”؛ أستاذ مساعد للعلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة “ماين” الأميركية، لماذا كانت استجابة “الاتحاد الأوروبي” مع أزمة لاجئي “أوكرانيا” مختلفة عن تعامله مع عدد من الأزمات السابقة للاجئين، مؤكدًا أن “الاتحاد الأوروبي” أمامه فرصة للتعاون بصورة أفضل لإدارة أزمات الهجرة. يأتي ذلك في تحليله المنشور في صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية.
واستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه في الأسابيع الثلاثة التي أعقبت الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”؛ فرَّ حوالي: 03 ملايين أوكراني إلى “أوروبا”. واستجابةً لذلك فعَّل “مجلس الاتحاد الأوروبي” لأول مرة: “التوجيه المتعلق بالحماية المؤقتة”؛ (TPD). ويسمح هذا التوجيه لجميع الأوكرانيين بالسفر إلى دول “الاتحاد الأوروبي” دون تأشيرة، ويمنحهم الحق في العمل، والتعليم، والسكن، والرعاية الصحية، لمدة عام واحد.
ويُوضِّح الكاتب أن توفير الحماية المؤقتة للاجئين الأوكرانيين على مستوى “الاتحاد الأوروبي”؛ لا يُمثِّل سوى أحدث نتائج نقاشات الكتلة الأوروبية بشأن سياسات الهجرة الموحَّدة. وخلال العقدين الماضيين استخدم “الاتحاد الأوروبي” أزمات الهجرة مرارًا وتكرارًا لتَوسيع سلطاته في تنظيم الهجرة والتحكم فيها، وإدراج وكالات جديدة معنية بشؤون الهجرة، وتنفيذ عمليات مشتركة مع كل دولة على حدة، بالإضافة إلى توفير تمويل إقليمي.
لكن على الرغم من الجهود المبذولة لإنشاء أنظمة لجوء أكثر عدلًا؛ نلاحظ أن القرارات المتعلقة بالذين يتلقون الحماية في “الاتحاد الأوروبي” تعتمد اعتمادًا كبيرًا على العِرق، والاعتبارات الجغرافية السياسية، وقدرة الدولة على استضافة اللاجئين.
توجيه بالحماية المؤقتة..
يُشير الكاتب إلى أن “مجلس الاتحاد الأوروبي” اعتمد؛ عام 2001، التوجيه بالحماية المؤقتة بوصفه جزءًا من جهود التكتل الأوروبي لإنشاء نهج موحَّد يُتَّبع إزاء اللجوء. ويُمكن لـ”الاتحاد الأوروبي” تفعيل التوجيه بالحماية المؤقتة إذا كان هناك: “تدفق بأعداد كبيرة” للنازحين. وصُمِّم هذا البرنامج لرفع الضغوط المفروضة على عدد قليل من أنظمة اللجوء الوطنية بالقرب من الحدود الخارجية من خلال توزيع المهاجرين على جميع أعضاء “الاتحاد الأوروبي”.
ولا يُعد التوجيه بالحماية المؤقتة وضعًا قانونيًّا، ولا يُعادل وضع اللجوء، أو اللاجيء، أو الحماية الإضافية. لكنه بالأحرى قرار عام يُتيح للأوكرانيين التقدم بطلب للحصول على تصريحات إقامة مؤقتة في أية دولة من دول “الاتحاد الأوروبي”. وقد أصبحت حكومات هذه الدول؛ في الوقت الحالي، مُطالَبةً بتوفير مساكن مؤقتة ومساعدات، بالإضافة إلى توفير فرص الحصول على التعليم والعمل. ونظرًا لأن التوجيه بالحماية المؤقتة مخصص لمجموعة محددة، فإن اللاجئين من غير الأوكرانيين، الذين يحتاجون إلى المساعدة مثل الطلاب الأفارقة، أو الهنود، أو البيلاروسيين، والروس، الذين كانوا يعيشون في “أوكرانيا”، غير مؤهلين للاستفادة من هذا التوجيه، إلا إذا أثبتوا أنهم كانوا مقيمين بصورة شرعية في “أوكرانيا”.
إزدواجية المعايير في أوروبا..
يُفيد المقال أن أزمات الهجرة واللاجئين ليست غريبة على القارة الأوروبية. وفي آب/أغسطس الماضي؛ حاول الآلاف من طالبي اللجوء العبور إلى “الاتحاد الأوروبي” عبر الحدود البيلاروسية، لكن قوات حرس الحدود البولندية تصدت لهم. وعلى النقيض مما يحدث الآن دعم “الاتحاد الأوروبي” كلًا من: “بولندا، ولاتفيا، وليتوانيا”، في احتجازها هؤلاء اللاجئين، ومنع حصولهم على أي حقوق.
وبعد انتفاضات “الربيع العربي”؛ التي اندلعت في عام 2011، طلب أكثر من: 40 ألف شخص اللجوء إلى “إيطاليا” خلال بضعة أشهر. وطلبت “إيطاليا” و”مالطا” تفعيل التوجيه بالحماية المؤقتة، لكنهما لم تحصلا على دعمٍ كافٍ من “مجلس الاتحاد الأوروبي”. وفي عام 2015؛ الذي شهد: “أطول صيف للهجرة”، كما أطلق عليه بعض المراقبين، لم يسمح “الاتحاد الأوروبي” على الإطلاق؛ بتفعيل التوجيه بالحماية المؤقتة.
وعوضًا عن ذلك أنشأ التكتل الأوروبي نظام الحصص لإعادة توطين حوالي: 160 ألف لاجيء من “اليونان” و”إيطاليا” في مختلف الدول الأعضاء بـ”الاتحاد الأوروبي”، لكن هذا النظام فشل فشلًا ذريعًا عندما رفضت: “بولندا، والمجر، وسلوفاكيا، وجمهورية التشيك”، استقبال اللاجئين المسلمين.
لماذا فعَّل “الاتحاد الأوروبي” التوجيه بالحماية المؤقتة الآن ؟
يُجيب “ميسينسكي” مؤكدًا أن السبب الأوضح وراء تفعيل توجيه الحماية المؤقتة هو التمييز؛ إذ نُلاحظ مدى سخاء “الاتحاد الأوروبي” في فتح حدوده أمام الأوكرانيين المسيحيين البيض، لكنه يأبى توفير الحماية المماثلة للسُوريين، والأفغان، وغيرهم من اللاجئين من غير البيض. كما أن بعض الصحافيين والسياسيين لا يُخفون تحيُّزهم عندما يُرحبون بالأوكرانيين لأنَهم: “متحضرون نسبيًّا، وأوروبيون نوعًا ما” أو بسبب أوجه التشابه الثقافي أو الديني بينهم.
أما السبب الثاني؛ فهو جيوسياسي: في الوقت الراهن يحتاج أعضاء “الاتحاد الأوروبي”؛ الذين منعوا تفعيل التوجيه بالحماية المؤقتة؛ عام 2015، (بولندا، والمجر، وسلوفاكيا)، إلى المساعدات. ويشترط نظام “دبلن”؛ (اتفاقية قانونية بين دول الاتحاد الأوروبي تُحدد البلد المسؤول عن فحص طلب اللجوء)، في “الاتحاد الأوروبي” من طالبي اللجوء التقدم بطلباتهم في أول دولة في “الاتحاد الأوروبي” وصل إليها طالب اللجوء، الذي إذا عُمل به كما كان؛ في عام 2015، فهذا يعني أن “بولندا، والمجر، وسلوفاكيا”، ستكون مسؤولة عن جميع طلبات اللجوء الأوكرانية؛ البالغ عددها: 03 ملايين طلب، ومسؤولة عن توفير السكن، والتعليم، والمساعدة لهم.
وكانت هذه الدول قد عارضت سياسات نظام الهجرة الموحَّد الخاص بـ”الاتحاد الأوروبي”؛ عندما لم تؤثر هذه السياسات فيها تأثيرًا مباشرًا، لكنها غيَّرت موقفها عندما بدأ الأوكرانيون في الوصول إلى محطات قطاراتها الخاصة.
وتابع الكاتب موضحًا أن السبب الثالث يكمن في قدرة الدولة، أو قدرة الحكومات على تنفيذ سياسات الهجرة. إذ تدرس “المفوضية الأوروبية” و”المجلس الأوروبي” قدرات الدول، مثل عدد حرس الحدود، والموظفين المعنيين باللجوء، والأطباء، والأسرَّة في مراكز الاستقبال، عند اتخاذها قرارًا بشأن كيفية الاستجابة لأزمات الهجرة. كما تبحث عن مدى إمكانية الوثوق بأعضاء “الاتحاد الأوروبي” لتنفيذ هذه السياسات كما هو مستهدف.
ويُشير الكاتب إلى أن كتابه الأخير يُظهر أن “الاتحاد الأوروبي” أسند إلى “الأمم المتحدة” قدرًا كبيرًا من المسؤولية لمساعدة اللاجئين في “اليونان”؛ عام 2015؛ لأن الحكومة اليونانية وقتئذٍ كانت تفتقر إلى القدرة والإرادة السياسية لتنفيذ السياسات الأوروبية. وفي المقابل كانت “إيطاليا” تتمتع بقدرات أكبر، وكانت ملتزمة بسياسات “الاتحاد الأوروبي”، ولذلك وجَّه “الاتحاد الأوروبي” التمويل الطاريء الخاص باللاجئين من خلال الحكومة الإيطالية.
ويمكن لـ”الاتحاد الأوروبي” أن يرصد المليارات لصالح المساعدات الإنسانية للاجئين، على غرار ما فعله؛ عام 2015، لكن من غير المُرجح أن يثق في حكومات “أوروبا الشرقية”، خاصةً أنها قوَّضت بشدة قيم “الاتحاد الأوروبي”. وبدلًا عن ذلك يمكن للاتحاد مرةً أخرى إسناد كثير من إجراءات مساعدة اللاجئين إلى “الأمم المتحدة” أو غيرها من المنظمات الإنسانية غير الحكومية.
دروس مستفادة من أزمة عام 2015..
يُنوِّه “ميسينسكي” إلى بعض الدروس التي بإمكان “الاتحاد الأوروبي” استخلاصها من تجربته عام 2015، ومنها على سبيل المثال أنه في الوقت الذي صُمِّم فيه نظام الحصص الخاص بـ”الاتحاد الأوروبي”؛ لتقاسم الأعباء بين أعضاء التكتل الأوروبي، فرضت الحكومات المحلية كثيرًا من الإجراءات البيروقراطية للحيلولة دون تنفيذ النظام عمليًّا. وعندما تكون الأنظمة الرسمية شديدة التعقيد، يتحرك الناس من خلال شبكاتهم الاجتماعية الخاصة. وفي الوقت الراهن يُقيم العديد من الأوكرانيين مع عائلات، وأصدقاء في مختلف دول “الاتحاد الأوروبي” التي تضم جالية كبيرة من الشتات الأوكراني.
وعلى الرغم من أن معظم “أوروبا” تُرحِّب بالأوكرانيين، فإن التجربة تُوحي بأن هذا الوضع لن يستمر. وفي عام 2015؛ وجدت المشاعر الأولية الفياضة المفعمة بحسن النية، وتقديم التبرعات، وإرسال المتطوعين، ردود فعل عكسية. وحظَرت بعض الحكومات منظمات المجتمع المدني، واعتقلت عددًا من المتطوعين الذين يُساعدون اللاجئين، وفقد السياسيون الذين رحبوا باللاجئين شعبيتهم في الانتخابات اللاحقة.
ويؤكد الكاتب أن “الاتحاد الأوروبي” استغل؛ أزمة عام 2015، لتوسيع سيطرته على سياسات الهجرة والتحكم فيها. وضاعفَ على سبيل المثال ميزانية وموظفي (فرونتكس)، وأعادَ تسميتها: بـ”الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل”، ومنحَ الوكالة سلطات معززة لتنظيم عمليات الترحيل المشتركة مع دول “الاتحاد الأوروبي”. كما أنشأ “الاتحاد الأوروبي” ما أسماه: “النقاط الساخنة”؛ حيث اضطلعت وكالاتها بأدوار جديدة في فحص الوافدين الجدد على الجزر اليونانية، وإجراء مقابلات معهم.
ويختم الكاتب تحليله بالقول: إن “الاتحاد الأوروبي” بمقدوره استخدام الأزمة الأوكرانية بوصفها فرصة لمواصلة إضفاء الطابع الأوروبي على سياسات الهجرة. وسيُشجِّع التوجيه بالحماية المؤقتة، الذي يُعد ضروريًّا للأزمة الراهنة، وكالات الهجرة في “الاتحاد الأوروبي” أن تكون أنشط. كما أن الأزمة ستضفي زخمًا على الميثاق الجديد المقترح بشأن الهجرة واللجوء، وتُظهر الأزمة الأوكرانية قدرة “الاتحاد الأوروبي” على التعاون بشأن إدارة الهجرة حال رغب في الأمر، ومع ذلك تُحدد السياسات الداخلية هذا الأمر.