29 نوفمبر، 2024 7:33 م
Search
Close this search box.

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. “فورين بوليسي”: هل يمثل “الغاز الإفريقي” قبلة الحياة لـ”ألمانيا” ؟

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. “فورين بوليسي”: هل يمثل “الغاز الإفريقي” قبلة الحياة لـ”ألمانيا” ؟

وكالات – كتابات :

دعت “فيغايا راماشاندران”؛ مديرة الطاقة والتنمية في مركز (بريكثرو) للأبحاث البيئية ومقره “كاليفورنيا”، “ألمانيا” والدول الأوروبية إلى اللجوء إلى “قارة إفريقيا” بوصفها بديلًا لإمدادات “أوروبا” من “الغاز الطبيعي”، ووقف الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية التي تموِّل حروب “موسكو” على دول الجوار. وذلك في مقالها المنشور في مجلة (فورين بوليسي) الأميركية.

استهلت الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أنه؛ بالتزامن مع إعلان “الولايات المتحدة” و”المملكة المتحدة” حظر صادرات الطاقة الروسية، وإعلان “الاتحاد الأوروبي” تخفيض واردات “الغاز الروسي” بمقدار الثُلثين؛ بحلول نهاية العام الجاري، بدأت النقاشات فورًا بين مسؤولي الغرب بشأن السُّبل التي يُمكن من خلالها استبدال إمدادات أخرى من الطاقة بإمدادات الطاقة الروسية. ولكن المسألة الأكثر أهمية تكمن في “الغاز الروسي”؛ الذي تعتمد عليه “ألمانيا” ودول أخرى من “أوروبا”. وقد أعلن السياسيون، من “واشنطن” إلى “برلين”، أنهم سيبذلون قصارى جهدهم للتحول إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

الغاز الإفريقي: حلول غير فورية وغير شاملة..

توضح الكاتبة أنه في الوقت الذي سيكون فيه إنتاج الطاقة المتجددة جزءًا من حلٍّ طويل الأمد، فإن إمكانية أن تحل الطاقة المتجددة محل “النفط” و”الغاز” الروسيين سريعًا، وبصورة شاملة، تظل فكرة أقل ما يقال عنها إنها بعيدة المنال في أحسن الأحوال، وكارثية التداعيات على الاقتصادات الغربية في أسوأ الأحوال. والسبب في ذلك يجب ألا يُخفى على أحد باستثناء الجاهل بمجال الطاقة: إذ يُمكن أن تحل طاقة الرياح والطاقة الشمسية محل بعض إمدادات “الغاز الروسي” المُستخدَم لتوليد الكهرباء، ولكن ذلك سيحدث عندما تهب الرياح وتشرق الشمس فحسب؛ مما يتطلب قدرة توليد احتياطية كبيرة، وكثيرٌ منها يتطلب “الغاز الطبيعي”.

وعلاوةً على ذلك؛ لا تُعد الكهرباء سوى جزء من معادلة الطاقة: ولا يستخدم معظم “النفط” و”الغاز” الروسيين في محطات توليد الطاقة، ولكن لتدفئة المنازل، وتشغيل المصانع، ووقود السيارات، والشاحنات، والطائرات، والسفن، ولا يمكن تحويل أي منها بسهولة إلى أنواع أخرى من الوقود. وإذا كانت الدول الغربية لا تُريد أن ترى اقتصاداتها وهي تصل إلى طريق مسدود، ينبغي عليها البحث عن بدائل أخرى لـ”النفط” و”الغاز”؛ الذي كانت تستورده من “روسيا” سابقًا. ولذلك تحتاج “أوروبا” في المستقبل إلى إمداداتٍ كبيرة وموثوق بها من “الوقود الأحفوري” غير الروسي. وقد يكون جزءًا من الحل لـ”أوروبا”، وخاصة “ألمانيا” والدول الأكثر اعتمادًا على الإمدادات الروسية، أن تُشرع في النظر جنوبًا، إلى “إفريقيا”، وتتوقف عن التطلع إلى الشرق.

وتؤكد “راماشاندران”؛ أن “ألمانيا” هي حجر الزاوية، فعلى مدار العقود الماضية، انتهجت الحكومات المتعاقبة في “برلين” سياسات زيادة اعتماد البلاد على “النفط” و”الغاز” الروسيين، وكان أبرزها إيقاف تشغيل جميع المفاعلات النووية المتبقية باستثناء مفاعلين نوويين. ويُرجَّح أن يظل “الغاز”، لسنوات وربما لعقود، مصدرًا مهمًا للطاقة في “ألمانيا”، إذ يُمثل 25% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية في البلاد، وتُشكل الواردات: 97% من الإمدادات القادمة من “روسيا” أساسًا، تليها: “هولندا والنرويج”. وإذا كانت “ألمانيا” تسعى إلى التخلص التدريجي من الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية، فلا يبدو واضحًا كيف سيستمر الألمان في تدفئة منازلهم وتشغيل مصانعهم.

ألمانيا: رؤية واضحة لمستقبل الطاقة..

يُفيد المقال أن “الغاز الطبيعي” رخيص وموثوق به، ويُعد عنصرًا أساسيًّا في عديد من القطاعات وليس في توليد الكهرباء فحسب. وكانت “ألمانيا”؛ في عام 2020، قد استخدمت: 44% من “الغاز” لتدفئة المباني، بينما استهلكت العمليات الصناعية: 28% منه. ويُعد “الغاز” أفضل وأرخص المواد الأولية لصناعة الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية، والتي تُمثل “ألمانيا” أحد مصدريها الأساسيين. ويُستخدَم “الغاز” أيضًا في التكرير، وإنتاج المواد الكيميائية، والعديد من الصناعات، لذلك يبدو من الصعب استبدال الطاقة الخضراء بكل هذا قريبًا.

وكانت “ألمانيا” قد أعلنت بالفعل أنها ستُزيد من استخدامها للفحم، والذي تخطى طاقة الرياح ليُصبح أكبر مصدر لإنتاج الكهرباء عالميًّا في 2021، لكن “ألمانيا” وضعت نفسها في مأزق بسبب سياساتها المتعلقة بالطاقة، لا سيما سياسات استبدال “الغاز الروسي” بالطاقة النووية؛ ولم يُعد أمامها خيارات كثيرة. وبالفعل سمحت “المفوضية الأوروبية”؛ للدول، أن تستبدل الفحم بـ”الغاز الروسي”، على الرغم من الإنبعاثات الكبيرة نتيجةً لذلك.

وتُشدد الكاتبة على ضرورة امتلاك “ألمانيا” رؤية واضحة بشأن مستقبل طاقتها على المدى البعيد، ومن ذلك إعادة النظر في موقفها الحالي من الطاقة النووية الخالية من الكربون وغير الروسية. كما ستكون “ألمانيا” بحاجة إلى إمدادات كبيرة من “الغاز الطبيعي” في المستقبل القريب. وإذا كانت “برلين” جادة بشأن أمن الطاقة، فعليها أن تتطلع إلى “إفريقيا”، التي تمتلك كميات هائلة من “الغاز الطبيعي” والاحتياطي النفطي، بالإضافة إلى الاكتشافات الجديدة التي يمكن الاستفادة منها.

وتُعد “الجزائر” مُنتِجًا رئيسًا لـ”الغاز” ولديها احتياطيات كبيرة غير مستغلَّة، وتربطها بـ”إسبانيا” خطوط أنابيب عديدة تحت البحر. وتعمل “ألمانيا” و”الاتحاد الأوروبي” حاليًا على توسيع سعة خط الأنابيب؛ الذي يربط “إسبانيا”؛ بـ”فرنسا”، حيث يمكن أن يتدفق مزيد من “الغاز الجزائري” إلى “ألمانيا” وغيرها من الأماكن.

وترتبط حقول الغاز الليبية بـ”إيطاليا” عبر خط أنابيب. لذلك يجب على “أوروبا” فورًا تقديم المساعدة، في كل من “الجزائر” و”ليبيا”، للاستفادة من حقول الغاز الجديدة وزيادة إنتاج “الغاز”. وتُركز خطوط الأنابيب الجديدة قيد النظر حاليًا على مشروع خط أنابيب “شرق البحر الأبيض المتوسط​”​، والذي سينقل “الغاز” من حقول “الغاز” البحرية الإسرائيلية إلى “أوروبا”.

فرص الغاز الإفريقي..

تستدرك “راماشاندران” قائلةً: بيد أن أكبر المصادر الإفريقية لإمدادات الطاقة توجد في “جنوب الصحراء”، مثل “نيجيريا”، التي تمتلك حوالي ثُلث احتياطيات القارة السمراء، و”تنزانيا”. واكتشفت “السنغال” مؤخرًا حقولًا بحرية كبيرة. ولم يُستغَل “الغاز” في “إفريقيا” إلا قليلًا، سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير. وينبغي على “ألمانيا” دراسة هذه الفرص. وسينقل مشروع خط الأنابيب العابر للصحراء “الغاز” من “نيجيريا” إلى “الجزائر” عبر “النيجر”، ويمر عبر بعض الأراضي الشاسعة التي يصعب السيطرة عليها.

وفي حالة اكتمال المشروع، سيرتبط خط الأنابيب الجديد بخطوط أنابيب “عبر المتوسط”، و”المغرب العربي-أوروبا”، وخط “ميدغاز”، و”غالسي”؛ الذي يزوِّد “أوروبا” من مراكز نقل على ساحل “البحر الأبيض المتوسط” قبالة “​​الجزائر”. وسيمتد خط الأنابيب العابر للصحراء لأكثر من: 2500 ميل ويمكن أن ينقل حوالي: 30 مليار متر مكعب من “الغاز النيجيري” إلى “أوروبا” سنويًّا، أي حوالي ثُلثي واردات “ألمانيا”؛ لعام 2021 من “روسيا”.

لكن لسوء الحظ يُرجَّح أن يستغرق إنشاء خط الأنابيب عبر الصحراء عقدًا من الزمان أو أكثر ليؤتي ثماره، وسيواجه تحديات عديدة لأنه يمر عبر مناطق نُكبت بالصراعات والتمرد. ومع ذلك لا ينبغي استبعاد المشروع إذا كانت “أوروبا” تنظر بعين الجدية إلى أمن الطاقة. ويُرجع ذلك لأنه من غير المحتمل أن يتمكن مُصدِّرو “الغاز” الحاليين من تجسير الفجوة وملء الفراغ، كما يتبين من بيان مجموعة من الدول المنتجة لـ”الغاز” الصادر في الأسبوع الماضي؛ الذي أكَّد أنها لن تكون قادرة على أن تحل محل “الغاز الروسي” في “أوروبا”. وفي المقابل تبدو “نيجيريا” متحمسة لتصدير بعض من احتياطاتها البالغة: 200 تريليون قدم مكعب من “الغاز”.

عصفوران بحجر واحد..

وللاستفادة من الإمدادات الإفريقية ترى الكاتبة؛ أن الوسيلة الأسرع لـ”ألمانيا” تتمثل في شحن “الغاز الطبيعي المُسال” من “ساحل غرب إفريقيا”، لكن “ألمانيا”، في إطار سياساتها المتمثلة في الاعتماد على “الغاز الروسي”، لم تعمل على بناء محطة واحدة لاستيراد “الغاز الطبيعي المُسال”. ويُمكن أيضًا تشييد موانيء شحن “الغاز الطبيعي المُسال” بسرعة معقولة في “إفريقيا”، مثل حقل “آحميم الكبير”، الذي يمتد عبر الحدود البحرية بين “السنغال” و”موريتانيا”.

كما يُمكن لـ”ألمانيا” أن تضرب عصفورين بحجر واحد: إذ يمكنها أن توقف تمويل حروب “بوتين” الوحشية، وتخصص أموالها في مكانها الصحيح لمساعدة “إفريقيا” في التطوير والإندماج اقتصاديًّا. وحتى اللحظة الراهنة كان التفكير في إمكانية تحقيق التنمية دون قطاع الطاقة التقليدية جزءًا من قِصَر نظر سياسات” ألمانيا” بشأن الطاقة، بل إن ممثلي “أوروبا” في “البنك الدولي” ومؤسسات التنمية المتعددة الأطراف الأخرى فعلوا عكس ذلك تمامًا، من خلال الضغط بقوة لإيقاف تمويل مشروعات “الغاز الطبيعي” في دول العالم النامي.

وكانت حجتهم الزائفة لفعل ذلك هي حتمية تخلص الدول النامية من الكربون على الفور، بينما يُكثف الأوروبيون إنتاج الفحم وغيره من “الوقود الأحفوري”. وما يُزيد الأمر عبثية أن “إفريقيا” جنوب الصحراء الكبرى تُولد حاليًا: 4% فحسب من إنبعاثات الكربون على مستوى العالم، وستظل مفتقرة إلى الطاقة لعقود مقبلة، ويستهلك المواطن العادي سنويًّا، في دول مثل: “غانا، وكينيا، ونيجيريا”، طاقة أقل من استهلاك ثلاجة أميركية واحدة.

وتختم الكاتبة مقالها بالتأكيد على أن تمويل تطوير “الغاز الطبيعي”؛ في “إفريقيا”، لن يؤدِّ إلى تحقيق نمو اقتصادي ضروري فحسب، بل إنه سيكون مفيدًا لجهود “أوروبا” في تنويع وارداتها من الطاقة بعيدًا عن “روسيا”. وأصبحت مسألة حصول “أوروبا” على مزيد من “الغاز الإفريقي”، مع مساعدة الدول الإفريقية؛ كذلك على تحقيق أهدافها الإنمائية، من الأمور التي لا يمكن لـ”ألمانيا” و”أوروبا” تجاهلها بعد الآن.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة