وكالات – كتابات :
نشر مركز (ستراتفور) الأميركي للدراسات السياسية والإستراتيجية؛ تقريرًا عن أسباب الموقف المحايد الذي تتخذه “الهند” تجاه الصراع القائم بين “روسيا” و”أوكرانيا”. وخلُص التقرير إلى أن هذا الموقف لن يصمد طويلًا إذا استمر هذا الصراع.
الهند والإمتناع عن التصويت..
يُشير التقرير في بدايته؛ إلى أن “الهند” ستسعى إلى الإلتزام بالحياد في الصراع بين: “روسيا” و”أكرانيا”، من أجل الحفاظ على علاقاتها الدفاعية مع “موسكو”. ولكن إذا حَمِيَ وَطِيس الحرب وأسفر ذلك عن زيادة عزل “روسيا”، فقد تضطر “نيودلهي” في نهاية المطاف إلى إعادة ضبط موقفها بغية حماية تحالفها مع “الولايات المتحدة”. ولم يُشِر السفير الهندي لدى “الأمم المتحدة” في البيان الذي أدلى به في الاجتماع الطاريء الذي عقده “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”، في 24 شباط/فبراير 2022، لمناقشة الحرب الروسية على “أوكرانيا”، على وجه الخصوص، إلى وحدة أراضي “أوكرانيا” أو سيادتها، وبدا أنه يتحاشى الإنحياز إلى أي طرف في هذه المشكلة. وفي اليوم التالي إمتنعت “الهند” عن التصويت على قرار أصدره “مجلس الأمن الدولي”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”، برعاية “الولايات المتحدة”، والذي يُدين بشدة الإجراءات التي اتخذتها “روسيا” في “أوكرانيا”.
وفي 27 شباط/فبراير؛ إمتنعت “الهند” مرةً أخرى عن التصويت على مشروع قرار آخر لـ”مجلس الأمن”؛ يُطالب بعَقد دورة استثنائية بشأن الأزمة الأوكرانية في “الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة”. وصوَّتت: 11 دولة من أصل: 15 دولة عضو في “مجلس الأمن” لصالح القرارين اللذين أصدرهما “مجلس الأمن”؛ في 24 و27 شباط/فبراير، فيما صوَّتت “روسيا” فقط ضد القرار وإمتنعت “الهند”؛ (إلى جانب الصين والإمارات)، عن التصويت. ولاحظ كثير من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين أن “الهند” تُغرِّد خارج سِرب الأغلبية، بل أعربت بعض هذه الدول عن غضبها من عدم اتخاذ “نيودلهي” موقفًا واضحًا بشأن الأزمة، على الرغم من الدعوات الغربية التي تُطالب بردِّ دولي قوي وجماعي.
ويؤكد التقرير أن اعتماد “الهند” على الإمدادات العسكرية الروسية؛ في خِضَمِّ التوترات مع “الصين” و”باكستان”، يوضِّح تردُّد “نيودلهي” في إدانة الإجراءات التي اتخذتها “موسكو” في “أوكرانيا”. وتُجدر الإشارة إلى أن “روسيا” تزود “الهند” بنحو نصف إجمالي وارداتها من الأسلحة و70% من معداتها العسكرية المتطورة، بما في ذلك الدبابات القتالية، وحاملات الطائرات، والغوَّاصات التي تعمل بالطاقة النووية، والطائرات المقاتلة.
ومن غير المُرجَّح أن يؤدي هذا الاعتماد إلى انخفاض وتيرة الأسلحة الروسية على المدى المتوسط، ذلك أن علاقات “نيودلهي” الطيبة مع “موسكو”، واستمرار الإمدادات الدفاعية تكتسب مزيدًا من الأهمية في وقتٍ تتوتَّر فيه علاقات “الهند” مع منافسيها الإقليميين، وهما: “الصين” و”باكستان”.
إخفاقات “نيودلهي”..
وبالإضافة إلى ذلك؛ بحسب التقرير، تفتقر “الهند” إلى خيارات الإسراع في تنويع وارداتها الدفاعية، وقد أصدرت “نيودلهي” بالفعل عددًا من طلبات شراء أسلحة روسية من المُقرَّر تسليمها في الأشهر المقبلة. وحتى تحتفظ “الهند” بفرص وصولها إلى الإمدادات الدفاعية الروسية؛ (وبذلك تحتفظ بقدرتها على ردع تهديدات الصين وباكستان)، ستستمر “نيودلهي” في محاولة لتلافي اتخاذ موقف قوي بشأن الصراع بين “روسيا” و”أوكرانيا”. وعلى المدى القريب من المُرجَّح أن تُحاول “نيودلهي” أيضًا أن تتأكد من أن العقوبات الدولية المفروضة على الشركات الروسية لا تؤثر في تجارة الأسلحة بين البلدين؛ من خلال الدخول في ترتيبات تجارية بين “الروبية” و”الروبل” مع “روسيا”، من أجل تجاوز العقبات التي يفرضها نظام (سويفت) على المعاملات المالية العالمية.
ووفقًا لمعهد “استوكهولم” الدولي لأبحاث السلام؛ جاءت: 49% من إجمالي واردات “الهند” من الأسلحة؛ من “روسيا”، بين عامي: 2016 و2020، (شكَّلت الهند: 23% من إجمالي صادرات الأسلحة الروسية خلال المدة الزمنية ذاتها). كما وقَّعت “نيودلهي” مؤخرًا صفقة تبلغ قيمتها: 05 مليارات دولار لشراء أنظمة دفاع جوي روسية الصنع مثيرة للجدل من طراز (إس-400).
كما تشتري “الهند” أسلحة من “الولايات المتحدة” و”إسرائيل” و”فرنسا”، ولكنَّ وارداتها من هذه البلدان لم تزل تتضاءل موازنةً بالواردات التي تتلقَّاها من “روسيا”. وسوف تستغرق عملية إنتاج أسلحة محلية في “الهند” سنواتٍ عديدة حتى تتحسَّن أيضًا.
وأسفر استمرار المواجهات في قطاعات من حدود “الهند” الشمالية والشرقية مع “الصين”؛ وتعزيز الانتشار العسكري لكلا الجانبين إلى استمرار التوترات بين “نيودلهي” و”بكين”، منذ آيار/مايو 2020. كما أدَّى استيلاء حركة (طالبان)؛ مؤخرًا، على الحكومة الموالية لـ”الهند”؛ في جارتها “أفغانستان”، والانسحاب اللاحق للقوات الأميركية من “كابول” إلى زيادة مخاوف “الهند” بشأن الاستقرار الإقليمي، لا سيما في ظِل العلاقات الوثيقة التاريخية بين الحركة و”باكستان”، عدو “نيودلهي” اللدود.
تداعيات استمرار الحرب في “أوكرانيا”..
وينوِّه التقرير إلى أنه إذا استمرت الحرب في “أوكرانيا” لمدة أسابيع، فقد لا يستمر الموقف المحايد الذي تتخذه “الهند”. وفي 2 آذار/مارس، لقي طالب هندي مصرعه في هجوم وقع في مدينة “خاركيف”؛ التي تقع في “شرق أوكرانيا”. وقالت “روسيا”؛ منذ ذلك الحين إنها ستحقِّق في وفاة الطالب، وستنظر في ضمان عبور آمن لغيره من المواطنين الهنود في “أوكرانيا”.
ويُجسِّد رد “موسكو” على الحادث؛ المأزق الذي تقع فيه “الهند” من خلال الإشارة إلى أن “روسيا” تنظر إلى موقف “الهند” المحايد بوصفه دعمًا ضمنيًّا لتصرفات “موسكو” في “أوكرانيا”. ولا تُريد “نيودلهي” أن تنحاز إلى أي طرف، لكنها تُخاطر بفعلها ذلك بأن يُنظر إليها عن غير قصد على أنها تدعم “روسيا” في الصراع؛ ما يُزيد من صعوبة تصدِّي “نيودلهي” للأزمة.
كما برَّرت “الهند” القرار الذي اتخذته بالإمتناع عن التصويت على قرار “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”، ويقضي بإدانة “روسيا” من خلال إعرابها الغامض عن: “الأسف بسبب التخلِّي عن مسار الدبلوماسية”، والتأكيد على أن النظام العالمي يستند إلى “ميثاق الأمم المتحدة” ومباديء السيادة الوطنية، وسلامة أراضي الدول الأعضاء في “الأمم المتحدة”. وسيؤدي هذا الموقف إلى زيادة صعوبة إلتزام الهند الصمت على العدوان الروسي، لا سيما إذا أشتد وَطِيس الحرب من دون عملية الوصول إلى حل دبلوماسي وبنَّاء.
ويُلفت التقرير إلى أن الصراع الذي طال أمده في “أوكرانيا”؛ قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إجبار “الهند” على تبنِّي موقف يتسم بمزيد من الصرامة بشأن “روسيا” من أجل الحفاظ على علاقاتها مع “الولايات المتحدة”. وترى “الهند” أن اهتمام “واشنطن” المتزايد بقضايا البلاد التي تقع في المحيطين: “الهندي” و”الهاديء”؛ يُمثِّل ثِقلًا إستراتيجيًّا يُحتمَل أن يوازن الثِقَل الإستراتيجي لصعود “الصين”. ومع أن “الهند” تحتاج إلى أسلحة روسية لردع “الصين” في صراعاتها الحدودية، إلا أنها تحتاج أيضًا إلى دعم الغرب ضد تزايد علاقات “الصين” الاقتصادية ووجودها العسكري في “آسيا الجنوبية” ومنطقة المحيطين: “الهندي” و”الهاديء”.
ويُشير التقرير في نهايته؛ إلى أن عضوية “الهند” في الحوار الأمني الرباعي، الذي يضم: “الولايات المتحدة، وأستراليا، واليابان” أيضًا، يتجلى في اهتمامها بإقامة تحالف إستراتيجي ضد “الصين”.