وكالات – كتابات :
نشرت مجلة (نيولاينز) الأميركية تقريرًا؛ لـ”أولواتوسين أديشوكان”، خبير اقتصادي وصحافي يُغطي منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، حول الطريقة التي يُعامَل بها الأفارقة النازحين من “أوكرانيا”؛ والتي تكشف عن قدر كبير من العنصرية في “أوروبا” ضد السود.
وفي البداية ينقل التقرير عن؛ “ألكسندر أوراه”، (25 عامًا)، قوله لـ (نيولاينز)؛ خلال مقابلة عبر الإنترنت: “أشعر الآن بالأمان في العاصمة البولندية؛ وارسو. وأعمل مع فريقي في التنسيق ونقل الأفارقة الذين يعبرون الحدود إلى منازل أو فنادق، حيث يمكنهم تناول الطعام والنوم والتخطيط لما بعد ذلك”. وبدا “ألكسندر” مرهقًا، ويبدو عليه أثر قلة النوم. ووقف خلفه وحوله طلاب أفارقة آخرون كانوا يقيمون في “أوكرانيا”، جميعهم نازحون في “بولندا”.
السفارة مغلقة..
وأضاف “أوراه”: “في البداية ظننا أنها مزحة أن تبدأ روسيا الحرب العالمية الثالثة. ثم أصبح الأمر جديًّا. وبدأنا نسمع عن انفجارات حتى في كييف، حيث كنت أعيش”. وبدأت الانفجارات على فترات متقطعة. ودوّى صوت صافرات الإنذار ونزل الناس إلى الملاجيء أو محطات القطار. وكان يعيش في شقة “أوراه” ثلاثة أشخاص، وهرعوا إلى “السفارة النيجيرية”؛ في “كييف”، على أمل العثور على مأوى من الحرب. لكن عند وصولهم وجدوا سفارتهم مغلقة وأُجلِي موظفوها.
وبعد فترة وجيزة، أصدرت “السفارة النيجيرية” مذكرة تطلب من النيجيريين في “أوكرانيا”: “إلتزام الهدوء” والبقاء في أمان. وأوضح “أوراه”: “عندما طلبت منا السفارة إلتزام الهدوء، علمت أننا في خطر”، لأنه كان يعلم أن مثل هذا البيان مع حقيقة أن السفارة لم يُعد لها وجود في “أوكرانيا”؛ يعني أن النيجيريين أصبحوا الآن بمفردهم. ولذلك قرر هو وأصدقاؤه مغادرة البلاد إلى أول مكان آمن يمكنهم العثور عليه. وجمعوا أغراضًا خفيفة لمَّا كانوا يعلمون أنها ستكون رحلة طويلة إلى الحدود، على أمل العبور إلى “بولندا”.
وفي المساء؛ توجَّهوا إلى محطة القطار على أمل ركوب قطار متجه إلى “بولندا”، التي أعلنت أنها تقبل لاجئين من “أوكرانيا”. لكنهم وجدوا في محطة القطار أن السود يُستَبعدون، وأحيانًا يُدفعون بعنف من القطارات. وقال “أوراه”: “قالت الشرطة والسلطات في محطة القطار إن الرجال السود لا يمكنهم الصعود”. وعندما أغلق القطار الأخير في ذلك المساء أبوابه أدركوا الواقع الكئيب.
كانت محطة القطار مزدحمة بالفعل؛ وستزداد سوءًا بحلول الصباح. وشعروا أن هذه فرصتهم وإلا فلا فرص بعد ذلك. لذلك، قفز “أوراه” وأصدقاؤه إلى القطار المتحرك وتعلقوا بأبوابه المقفلة. وشاهدهم محصل القطار وتوقف لإعادة فتح الأبواب ليصعدوا إليه بأمان. وبعد تسع ساعات، وصل “أوراه” وأصدقاؤه أخيرًا إلى مدينة “لفيف” الأوكرانية الآمنة نسبيًّا.
وفي “لفيف”، كانت الشرطة الأوكرانية تطلب أوراقًا وتقوم على الفور بتجنيد الرجال الأوكرانيين الذين يتطلعون إلى مغادرة البلاد. وتجمَّع السكان السود في “أوكرانيا” بالقرب من بعضهم بعضًا وتنقَّلوا معًا. ولم ترد أي كلمة من حكومة “نيجيريا”؛ أو من معظم السفارات أو القنصليات الإفريقية الأخرى، بشأن مصيرهم. وبدأت مجموعات جديدة من المنظمين الأفارقة في الظهور على الإنترنت لتقديم المعلومات المفيدة. وكانت الشائعات تُفيد أن “بولندا” تقبل: “كل شخص” يعبر حدودها من “أوكرانيا”، وصدَّق “أوراه” وأصدقاؤه ذلك.
لكن لم تكن هناك قطارات أو حافلات أو سيارات أجرة متاحة، وكثير من الناس تركوا سياراتهم على جانب الطريق بعد نفاد الوقود. لذلك بدأوا السير لمسافة: 80 كيلو مترًا تقريبًا من “لفيف” إلى “ميديكا”، وهي “مدينة سوق” ومعبر حدودي إلى “بولندا”. وقال: “غادرتُ محطة قطار لفيف بحلول الساعة: 09 صباحًا ووصلتُ بالقرب من الحدود؛ حيث يوجد حاجز بحلول الساعة: 12 ظهرًا”.
وفي تلك الليلة، عشية الأول من آذار/مارس، دخل “أوراه” وأصدقاؤه الثلاثة؛ “بولندا”، أخيرًا. وقال: “مُنحت 53 يومًا للبقاء”، في إشارة إلى ختم التأشيرة البولندي في جواز سفره.
العودة إلى نيجيريا غير محبذة !
وفي اليوم التالي، ذكر أن الرئيس النيجيري؛ “محمد بخاري”، أقر: 8.5 مليون دولار من أموال الطواريء لإجلاء خمسة آلاف نيجيري من “أوكرانيا” وإعادتهم إلى ديارهم. لكن العرض إفتقر إلى الترتيبات اللوجستية والوضوح، بالإضافة إلى أنه لن يُساعد إلا الذين عبروا إلى بر الأمان في بلد أوروبي آخر. وفيما يخص “أوراه” ومعظم النيجيريين الآخرين الذين غادروا الوطن سعيًا لمستقبل أفضل في الخارج، لا تُعد فكرة العودة إلى “نيجيريا” مغرية بالمرة.
تقول “محسنة أولاميدي”: “نيجيريا؛ بالتأكيد آخر مكان أفكر فيه”. كانت تعيش في “أوكرانيا”؛ منذ أيلول/سبتمبر 2020، وتعمل بدوام جزئي وتدرس هندسة الكمبيوتر، للحصول على درجة علمية تأمل أن تكون جواز مرورها إلى الطبقة الوسطى. وأضافت خلال مقابلة عبر الإنترنت في “المجر”، بعد الفرار من “خاركيف”، إنها تتطلع إلى إمكانية الانتقال إلى كلية في “أوروبا”.
وغادرت “محسنة” شقتها في تمام الساعة: 07 مساءً؛ للحاق بالقطار إلى “دنيبرو”، لكن القطار تحرك في تمام الساعة الخامسة صباح اليوم التالي. وبعد ست ساعات، وصلت إلى “دنيبرو”. وكان من المفترض أن تكون “دنيبرو” آمنة نسبيًّا، وعند وصولها، رأت معظم من تعرفهم في محطة القطار وانضمت إليهم.
وخلال الساعتين التاليتين في “دنيبرو”، راحت مجموعتها الجديدة المكونة من: 20 شخصًا تبحث عن أي وسيلة نقل يمكن أن تنقلهم إلى “لفيف”. لكن جميع القطارات كانت ممتلئة. واشترى بعض الناس تذاكر القطار في وقت مبكر؛ وكان لهم أولوية الصعود. وقالت “محسنة” إنها وأصدقاؤها: “قاتلوا بأسنانهم وأظافرهم” للدخول إلى القطار فور وصوله. وكان قطارًا قديمًا ولم تكن هناك مقاعد متاحة. وأضافت: “أعطانا رجل أبيض مسن سريره لنجلس. واستوعب أكبر عدد ممكن منا. وعندما صعدت سيدة وأطفالها الأربعة الصغار إلى القطار، ناشدنا للسماح لهم بالجلوس، وكان أرق شخص على الإطلاق”. وبعد 11 ساعة، وصلوا إلى “لفيف”.
السير في الغابة..
يُلفت التقرير إلى أن المجموعة كانت تخطط للتوجه إلى “بولندا”. لكن التقارير حول الوضع على الحدود البولندية جعلتهم يترددون. وأفادت الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي أن “بولندا” كانت تمنح حرية المرور لمواطني “أوكرانيا” والمقيمين فيها، لكن الطلاب الأفارقة لا يدخلون “بولندا” بسهولة، إذا سُمِح لهم بالدخول من الأساس. ولذا أصبحت “المجر” خيارًا متاحًا، خاصةً مع التقارير الجديدة التي تُفيد بأنه من أجل الوصول إلى “بولندا”، كان عليهم المشي لساعات في الغابة.
قالت “محسنة”: “قررنا التوجه إلى المجر. وكان العامل الحاسم هو السير عبر الغابة؛ الذي ذكره بعض الناس”. واستقلَّت المجموعة قطارًا آخر لمدة خمس ساعات تقريبًا للوصول إلى “أوزهورود”، بالقرب من الحدود المجرية. وكانت الساعة تُقارب السادسة مساءً عندما وصلت “محسنة” إلى نقطة تفتيش الجوازات. وانتظرت ثماني ساعات أخرى للحصول على تصريح لمدة: 30 يومًا؛ (يمكن تجديده مرتين)، وختم جواز سفرها. تقول “محسنة” إن ختم جواز سفرها استغرق 10 ثوانٍ، مما بعث على الإرتياح.
وكانت هناك شبكات من المتطوعين الذين ساعدوا أمثال “محسنة” و”أوراه” وغيرهم في الفرار من الحرب إلى بر الأمان. وإحدى المتطوعات هي: “أمارشي نزكوي”، مهندسة ضمان جودة برمجيات من “نيجيريا”؛ وتعيش الآن في “ليتوانيا”. في صباح الغزو الروسي، بدأت “أمارشي” في التغريد بعروض المساعدة للنيجيريين النازحين من “أوكرانيا”، وقالت في تغريدة سرعان ما انتشرت على نطاق واسع: “سأوصلك إلى فيلنيوس وأستضيفك طالما احتجت إلى ذلك”.
اتفاقية “شنغن”..
قالت “أمارشي”: “عندما نشرت التغريدة، افترضت أن النيجيريين في أوكرانيا يمكنهم التنقل عبر الاتحاد الأوروبي بسبب اتفاقية شنغن. نظرًا لأن الناس كانوا يعبرون الحدود إلى بولندا، افترضت أنه من السهل الوصول إلى ليتوانيا”. ولكن وردت أنباء عن السماح فقط للمواطنين الأوكرانيين بدخول “بولندا”، في حين أن المقيمين في “أوكرانيا” ليس لديهم مثل هذا الضمان لدخول “الاتحاد الأوروبي”.
وقالت: “كان كثير من الناس يعرضون منازلهم على اللاجئين على مجموعات (فيس بوك). ولم أتوقع الطريقة التي انتشرت بها التغريدة. وبدأ النيجيريون في بولندا التواصل لعرض المساعدة”. غير أن المتطوعين؛ مثل “أمارشي”، لم يكن بوسعهم تقديم خدمات كثيرة دون مساعدة الحكومات، سواء حكومتها أو الحكومات الأوروبية. مثلًا، سارعت حكومة “الهند” إلى مساعدة مواطنيها في “أوكرانيا” وإرشادهم إلى بر الأمان.
وقالت “أمارشي” إن رفاقها الليتوانيين حريصون على مساعدة النازحين من “أوكرانيا”، فهم أيضًا ينظرون إلى: “روسيا باعتبارها دولة معتدية”. وتابعت: “لكن هناك تذكير لا ينفك يتكرر بأنني نيجيرية. وبصفتك نيجيريًّا، تشعر أن جواز السفر النيجيري لا فائدة له. بينما كانت البلدان الأخرى تنسق، لم يكن هناك دعم للنيجيريين من حكومتهم”.
واستمرت “أمارشي” في التواصل مع النيجيريين في “بولندا” و”أوكرانيا”، وتنسيق الجهود وتنظيمها لمساعدة الطلاب النيجيريين في “أوكرانيا”، على الرغم من أن مساعدة أولئك الذين تقطعت بهم السُبل لعبور الحدود لا تزال تُمثل تحديًا. وقالت: “كان الحصول على المال وأماكن السكن والطعام للطلاب النيجيريين والأفارقة بمجرد وصولهم إلى بولندا شيئًا، أما نقلهم عبر الحدود فكان شيئًا آخر مختلفًا”.
كما بدأت عدة جماعات داخل “أوكرانيا” مؤخرًا في تنظيم طرق لتقديم المساعدة للسود الذين تقطعت بهم السُبل في البلاد، الأمر الذي حرر “أمارشي” – التي تشعر بأنها بعيدة جدًّا عن الأحداث الفعلية داخل “أوكرانيا” – للتركيز على حملتها اللوجستية عبر الإنترنت.
وينتقل الكاتب إلى حالة “فاديكمي أديغبيت”، طالبة طب بالسنة الأولى في “كييف”، وهي إحدى المستفيدات من نشاط “أمارشي” على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قرأت تغريدة “أمارشي” ووجدت تحتها تغريدة أخرى من نيجيري في “بولندا” كان يعرض مساعدة النيجيريين القادرين على العبور إلى “بولندا”.
وقالت “فاديكمي”: “شعرتُ بالفزع بصفتي من ذوي البشرة السوداء. نحن جميعًا نهرب من الحرب نفسها، لكن الشرطة وعاملي القطارات لم يواجهوا أي مشكلة في دفع السود جانبًا وإبعادهم. وكان هناك لطف منهم في معاملة الأوكرانيين الأوروبيين البيض وسوء معاملة لأي شخص آخر. وكان عليَّ أن أتوسل للسماح لي بالصعود إلى القطار. وكانت هناك صفوف خاصة بنا نحن أبناء نيجيريا”.
وفي ولاية “أوجون”؛ بـ”نيجيريا”، موطن “فاديكمي”، شعرت أسرتها بالقلق؛ حيث كان هاتفها مغلقًا، ولم يكن هناك أي طريقة أمامهم لتقييم مدى سلامتها. تقول: “كان على والديّ أن يهرعا للحصول على المال من الأصدقاء والكنيسة لمساعدتي. لقد كانا خائفين لأنني من ذوي البشرة السوداء ورأينا كيف يعامل العالم اللاجئين من الشرق الأوسط”. وتمكنت من الإنضمام إلى مجموعة من النيجيريين وعبروا أخيرًا إلى “بولندا”.
أين الحكومة النيجيرية من كل هذا ؟
وألمح التقرير إلى أن النيجيريين في “أوكرانيا”؛ واجهوا في بداية الغزو الروسي مشكلة في الوصول إلى مواردهم المالية، باستثناء قلة محظوظة، مثل “محسنة”، التي صرفت راتبها للتو في اليوم السابق لدخول القوات الروسية إلى “خاركيف”. قالت: “أنا أعمل بدوام جزئي، لذا حصلتُ على راتبي للتو. كان والداي وأختي يدعمانني أيضًا”. وفي الوقت الحالي، تقيم في “بودابست” وتتوقع الانتقال إلى شقة قريبًا.
وبعد نشر “أوراه” مشكلاته على (تويتر) بالصور ومقاطع الفيديو، وخاصة تلك الخاصة بالمشاعر المعادية للسود في “أوكرانيا”، بدأ في جمع الأموال والتنظيم لنقل النيجيريين عبر الحدود إلى الفنادق أو المنازل. وقال: “أنفقتُ: 350 يورو؛ (382 دولارًا أميركيًّا)، للانتقال من الحدود البولندية إلى الفندق الذي أنا فيه حاليًا. وهذا المبلغ من المال باهظ جدًّا لأي شخص. واستقل أربعة أشخاص آخرين سيارتي الأجرة”.
يُشير التقرير إلى أن “أوراه” يستقطع من ساعات نومه لاستمرار جهوده التطوعية الصغيرة، فيما يُدبر عضو آخر في فريقه فنادق ومنازل للنيجيريين الفارين، وآخر ينقل النيجيريين الوافدين حديثًا من المعبر الحدودي إلى أماكن إقامتهم. ويركز “أوراه” على جمع التبرعات، وساعد حتى الآن أكثر من: 50 نيجيريًّا للوصول إلى بر الأمان، مستخدمًا أمواله الشخصية أحيانًا لسد النفقات.
وبسبب عمله هذا الذي يُقدمه لأبناء وطنه، يُصبح صمت الحكومة النيجيرية أمرًا مخزيًّا، بحسب التقرير. واتصل بـ”أوراه” الجميع تقريبًا باستثناء حكومته، وتواصلت وكالات الإغاثة والمشاهير وحتى عضو كندي في البرلمان للاستفسار عن كيفية مساعدة الأفارقة العالقين في “أوكرانيا”. لكن لا شيء بعد من حكومته، بحسب ما يُختم التقرير.