22 نوفمبر، 2024 5:33 م
Search
Close this search box.

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. حتى لا تموت “العولمة”: دعوة أميركية بـ”بريتون وودز” جديدة !

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. حتى لا تموت “العولمة”: دعوة أميركية بـ”بريتون وودز” جديدة !

وكالات – كتابات :

نشرت مجلة (فورين بوليسي) تحليلًا؛ لـ”آدم توز”، كاتب عمود في المجلة الأميركية وأستاذ تاريخ ومدير “المعهد الأوروبي” بجامعة “كولومبيا”، حول تأثير أزمة حرب “أوكرانيا” على الاقتصاد العالمي. ويرى الكاتب أن الاقتصاد العالمي لن يعود إلى سابق عهده قبل الحرب، كما يدعو إلى صياغة اتفاقية “بريتون وودز” جديدة؛ حيث تُعاني كثير من الدول الفقيرة من أعباء الديون الشديدة، موضحًا أن تلك الدول لن تستطيع التعامل مع التداعيات الاقتصادية للحرب؛ التي تمتد آثارها الاقتصادية إلى ما يتجاوز محيطها الجغرافي بمسافات شاسعة.

ويستهل الكاتب مقاله بالقول إنه فيما يتعلق بعلاقات الـ (ناتو) والغرب مع “موسكو”، من الواضح أن غزو الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، لـ”أوكرانيا” يُمثل نقطة تحول تاريخية. وتُعد الفظائع المرتكبة في المناطق الأوكرانية المحتلة انتهاكًا مروِّعًا للقانون الدولي؛ (بحسب الإدعاءات الأميركية التي ينتهجها بالطبع كاتب التقرير). لكن هل تُمثل حرب “بوتين” قطيعة في تطور الاقتصاد العالمي ؟

نقطة تحول في تاريخ “العولمة”..

يُلفت الكاتب إلى أن بعض المعلِّقين ذهبوا إلى حد التكهن بأن هذه الحرب قد تُمثل نقطة تحول في تاريخ “العولمة”، على المستوى نفسه لما حدث في عام 1914. ويعتقدون أن الصراع وانعدام الثقة سيقوِّضان الاستثمار والتجارة، ويُطلقان العنان للتراجع العام عن الترابط الدولي. ويرى آخرون أن جهود “روسيا” لفتح قنوات للتجارة مع: “الهند والصين”؛ هي بوادر لنظام جديد متعدد الأقطاب.

ومن المبكر جدًّا إطلاق مثل هذه التكهنات. وحتى الآن أصبح الإحباط العسكري الروسي أكثر ما يُميز هذه الحرب (بحسب الدعايات الأميركية والغربية). وبالنظر إلى أداء “روسيا”، فسيكون من الغريب أن يرغب أي طرف، حتى أولئك الذين عُدُّوا في يوم من الأيام حلفاءً لـ”بوتين”، في ربط أنفسهم على نحو أوثق بالنظام الروسي.

ويرى الكاتب؛ أن الأمر الذي يتطلب اهتمامًا أكثر إلحاحًا من التكهن البعيد المدى، هو الصدمة التي أثارتها الحرب في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي، بدءًا بالطرفين المتقاتلين، ومرورًا بالمنطقة الأوسع من “أوروبا الشرقية” و”الوسطى”، وإنتهاءً بأسواق الطاقة والغذاء العالمية. وقد تكون إحدى الموضوعات المستمرة لهذه الحرب هي الطريقة التي تستخدمها “أوروبا” لإطلاق المرحلة القادمة من التكامل.

ومع ذلك من المهم أن نُلاحظ أن بعض الآثار الاقتصادية الأعمق والأكثر ارتباطًا بالحرب سيكون الشعور بها بعيدًا عن مسرح المعركة. وإلى جانب التعافي غير المتكافيء من (كوفيد-19)، والارتفاع الكبير في التضخم، وتشديد السياسة النقدية، تضيف الحرب أعباءً إلى بيئة غير مواتية بالفعل للاقتصادات الهشة ذات الدخل المنخفض والمثقلة بالديون واقتصادات الأسواق الناشئة.

وفيما يخص الشكل المستقبلي للاقتصاد العالمي، من المُرجَّح أن الطريقة التي يتعامل بها العالم مع أزمات الديون؛ التي أثارتها هذه الحرب في أماكن بعيدة مثل: “سريلانكا وتونس”، ستكون على الأقل على القدر نفسه من أهمية جهود “روسيا” اليائسة للإلتفاف على العقوبات في تجارتها مع: “الصين والهند”. وبدلًا عن القلق بشأن البدائل المحتملة لأنظمة العُملات في الغرب، يجب أن نركز على مساعدة هذه الأنظمة كي تعمل.

ومن وجهة نظر الطرفين المتقاتلين – يبلغ عدد سكانهما: 190 مليون نسمة – فإن الحرب كارثة لا يمكن تخفيفها، إذ انكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة: 16% في الربع الأول من عام 2022؛ مقارنةً بالربع الأول من العام الماضي، وقد ينخفض ​​بنسبة: 40% بحلول نهاية العام. ولكي يستمر وجود هذا الاقتصاد، سيتعين عليه الاعتماد على المساعدات الخارجية.

“روسيا” تترنح تحت وطأة العقوبات..

يُشير الكاتب إلى أن “روسيا” تترنح تحت وطأة عقوبات اقتصادية هائلة. وعلى الرغم من استمرار تجارة الطاقة، عُزِلت “روسيا” فعليًّا عن النظام المالي العالمي. وقد يكون سعر صرف “الروبل” قد تعافى اسميًّا إلى مستوى ما قبل الحرب، لكن القيمة السوقية الفعلية للعُملة الروسية غير معروفة بالمرة. ولم تُعد هناك سوق حرة لـ”الروبل” أو في الأصول المالية الروسية، وسيكون (الكرملين) محظوظًا إذا حقق الإنتاج تعاقدات بنسبة: 10% فقط هذا العام (كما يزعم التقرير الأميركي). وضاعف انسحاب الشركات الغربية من “روسيا” تلك الصدمة، وحتى إذا جرى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن آفاق التنمية طويلة الأمد لـ”روسيا” تُعد مظلمة بالفعل؛ كما يدعي الكاتب.

وبعيدًا عن الطرفين المتقاتلين، سيتعين على “أوروبا” استيعاب تدفق هائل من اللاجئين، وسيتعين على “الاتحاد الأوروبي” أيضًا التعامل مع حالة انعدام اليقين فيما يتعلق بإمدادات الطاقة وأسعارها، إذ شهدت أسعار “الغاز” تذبذبًا في الآونة الأخيرة بنسبة تصل إلى: 70% في يوم واحد. ويُقدِّر الاقتصاديون أنه إذا جرى قطع واردات “ألمانيا” من “الغاز”، وهو احتمال واضح الآن، فقد ينكمش الاقتصاد بنسبة تتراوح بين: 2 و4%. وسيُمثل هذا ركودًا بحجم أزمة (كوفيد-19).

ويُشير الكاتب إلى أن “ألمانيا” دولة غنية. وحتى في حالة الركود الشديد، سيكون لديها الموارد اللازمة للتعامل مع الأمر، ولكن جيرانها من “أوروبا الشرقية” سيكونون في وضع أصعب بسبب انخفاض دخولهم، إذ أنهم يستوعبون غالبية اللاجئين وهم أكثر اعتمادًا على “روسيا” في التجارة والطاقة، وسوف يبحثون عن المساعدة من شركائهم الأكثر ثراءً في “الاتحاد الأوروبي”. كان “ماريو دراغي”، رئيس وزراء “إيطاليا”، يضغط منذ بداية الحرب من أجل حزمة إنفاق جماعي لتخفيف الأزمة، وتسريع الاستثمارات في استقلال الطاقة، وتعزيز دفاعات “أوروبا” التي قد تصل إلى أكثر من: 1.5 تريليون دولار. إن حزمة بهذا الحجم ستُمثل قفزة عملاقة إلى الأمام لـ”الاتحاد الأوروبي” وستتطلب شهورًا من الدبلوماسية ذات المخاطر العالية للتفاوض بشأنها.

التحول إلى الطاقة المتجددة..

يوضح الكاتب أن “أوروبا” ملتزمة بكسر اعتمادها على “النفط والغاز” المستوردَيْن من “روسيا”. وعلى المدى المتوسط، من المأمول أن تُسرع الأزمة من التحول نحو الطاقة المتجددة والإبتعاد عن التجارة العالمية في “الوقود الأحفوري”. ولكن على المدى القصير، لا يتمثل التأثير في تراجع “العولمة”، بل في البحث عن مصادر جديدة للإمداد.

تشق ناقلات “الغاز الطبيعي المُسال” من جميع أنحاء العالم طريقها نحو محطات في: “فرنسا وإسبانيا”. ووقَّع “روبرت هابيك”؛ وزير الاقتصاد والمناخ الألماني، مؤخرًا، صفقة مع “قطر”، ويتطلب الأمر أن تتغلب سلسلة توريد على سلسلة توريد أخرى، وحتى إذا نجحت “أوروبا” في تقليل استهلاكها من “الوقود الأحفوري” بالسرعة المخطط لها، فسيستلزم ذلك واردات جديدة من الألواح الشمسية والعناصر الأرضية النادرة لبناء أنظمة البطاريات.

وفي الوقت نفسه؛ فإن ما سيُركز عليه كل من “نظام الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي، و”البنك المركزي الأوروبي”، هو السيطرة على مشكلة ارتفاع الأسعار. وعلاوةً على الاضطراب في سلاسل التوريد العالمية الناجم عن (كوفيد-19)، فإنهما يواجهان الآن ارتفاعًا حادًّا في أسعار الطاقة وأسواق سلع ضيقة بوجه عام، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم في التوقعات المتوسطة والطويلة الأجل. ويُطالب كل من أسواق السندات والناخبون باتخاذ إجراءات، وتبدو جولة من ارتفاع الفائدة أمرًا لا مفر منه الآن. وعلى خلفية سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة أو الصفرية ومع مستويات ديون مرتفعة تاريخيًّا، ستكون أي زيادة في أسعار الفائدة بمثابة عملية حساسة، وسوف يضغط ذلك على الحكومات والشركات المثقلة بالديون، وسيظهر التأثير في جميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من جميع الضغوط التي يواجهانها، تتمتع “أوروبا” و”الولايات المتحدة” بثروة تعني في النهاية أن أي ضغوط ناجمة عن صدمة حرب “أوكرانيا” يمكن تخفيفها من خلال الإنفاق العام. وكما برهنوا على ذلك عقب اجتياح (كوفيد-19)، تمتلك الدول الغنية الوسائل، إذا لزم الأمر، لدعم أجزاء كبيرة من القوى العاملة لشهور متتالية. وعلى النقيض من ذلك، في الأسواق الناشئة والبلدان المنخفضة الدخل، لا سيما تلك التي لديها ديون كبيرة مقوَّمة بـ”الدولار” أو “اليورو”، تكون الخيارات أكثر إيلامًا.

وطأة الديون..

ويمضي الكاتب إلى أنه حتى قبل اجتياح (كوفيد-19)، كانت هناك مخاوف بشأن مستويات الديون التي لا يمكن تحملها على نحو متزايد. وفي عام 2019؛ كان هناك: 33 دولة مؤهلة للحصول على تمويل بشروط مُيسرة على أساس الفقر جرى تصنيفها من قِبل “البنك الدولي” على أنها تُعاني من وطأة الديون، أو معرضة لها إلى حدٍ كبير.

شهدتْ صدمة (كوفيد-19) لعام 2020؛ سقوط كل من: “لبنان والأرجنتين والإكوادور وزامبيا”، في حالة تخلف عن السداد، بيد أن تلك البلدان كانت جميعها مضطربة قبل انتشار الجائحة. وبوجه عام، كان الضرر الذي حدث في: 2020 – 2021، أقل حدة مما توقعه كثيرون منا، غير أن ذلك لا ينبغي أن يُشجع على الرضا عن الذات والتراخي.

كانت حقيقة أننا لم نشهد أزمة ديون أكبر؛ في عام 2020؛ نتيجة لكل من الاحتياطيات التي تراكمت من قِبل بعض اقتصادات الأسواق الناشئة الأقوى وتخفيف السياسة النقدية المتساهلة للغاية التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي مع المقترضين ذوي التصنيف المنخفض. ومع وصول أسعار الفائدة في “الولايات المتحدة” و”أوروبا” إلى الصفر، تدفقت الأموال عبر الاقتصاد العالمي بحثًا عن معدل عائد إيجابي. وفي غضون ذلك ساعد التحفيز المالي الأميركي على تعزيز الواردات؛ مما وفَّر الأسواق للمنتجين في جميع أنحاء العالم.

وفي عام 2022؛ كانت المؤشرات مختلفة تمامًا؛ حيث أعلن كل من “نظام الاحتياطي الفيدرالي” و”البنك المركزي الأوروبي” أنهما يُشددان السياسة النقدية ويرفعان أسعار الفائدة. وحتى الآن من المُسلَّم به أن زيادات أسعار الفائدة كانت متواضعة، والعائدات على الاقتراض طويل الأجل ترتفع على نحو أبطأ من عوائد القروض القصيرة الأجل. لكن اتجاه المسير واضح؛ لقد انتهى عصر أسعار الفائدة الصفرية أو حتى الأسعار السلبية. وارتفاع هذه الأسعار إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار المواد الغذائية، يُمثل تحديًا كبيرًا للبلدان المَدِينة المُجهَدة.

وفي الوقت الحالي يُحذر “البنك الدولي” من أن عدد البلدان المعرضة لخطر وشيك من ضائقة الديون قد ارتفع إلى: 35 دولة، وأن ما يصل إلى: 12 دولة قد تكون غير قادرة على سداد الديون بحلول نهاية العام. وتشمل قائمة “برنامج التنمية”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة” للبلدان المعرضة لخطر؛ مشكلات الديون الفورية: بـ”ليز، وغرينادا، وأنغولا ولاوس، والغابون”، وجميعها مثقلة بديون كبيرة مستحقة لمقرضين من القطاع الخاص.

البلدان المنخفضة التدخل ستُمثل اضطرابات كبيرة لمناطقها..

يُلمح الكاتب إلى أن البلدان المنخفضة الدخل تُشكل اليوم: 9% فقط من سكان العالم، إنهم يُمثلون جزءًا ضئيلًا من الاقتصاد العالمي. لكن هذه الدول إجمالًا هي موطن: لـ 700 مليون شخص، وستؤدي إلى اضطرابات كبيرة عبر مناطقها. وتعيش الغالبية العظمى من سكان العالم في البلدان ذات الدخل المتوسط، والعديد من هذه البلدان يُعاني من ضائقة أيضًا، لقد تعثرت: “الأرجنتين، ولبنان، وفنزويلا، وزامبيا، والإكوادور”، جميعها في سداد ديونها.

وتعيش “باكستان” متنقلة من برنامج إلى برنامج آخر لـ”صندوق النقد الدولي”. ويميل محللو البنوك على نطاق واسع إلى أن “تونس” ستحتاج إلى الدخول في مفاوضات بشأن الديون في الأشهر المقبلة، واحتياطياتها الأجنبية آخذة في النضوب بسرعة، كما أن تكلفة المعيشة آخذة في الارتفاع. إن الغالبية الساحقة من ديون “تونس” المستحقة للمستثمرين الأجانب هي بالعُملة الأجنبية، مما يعرضها لضغوط مالية هائلة عندما تنخفض قيمة عملتها. ولا تمضي المفاوضات مع “صندوق النقد الدولي” على النحو المأمول. كما أن النظام السياسي في “تونس”، الذي كان موضع إشادة ذات مرة باعتباره قصة لنجاح الديمقراطية الوحيدة لـ”الربيع العربي”؛ لعام 2011، في حالة من الاضطراب.

وفي غضون ذلك وصلت “سريلانكا” بالفعل إلى نقطة اللاعودة. وهناك انقطاع مستمر للكهرباء يصل إلى: 13 ساعة، وأعمال شغب، والآن هناك إعلان حظر تجوال على مستوى البلاد. وأعلنت الحكومة أنها ستستمر في الوفاء بديونها، وهو ما يعتبره الكاتب تصرفًا خاطئًا، إذ سيؤدي الاستمرار في سداد الديون إلى زيادة استنزاف الاحتياطيات بينما يظل التخلف عن السداد في نهاية المطاف أمرًا لا مفر منه، ومن الأخبار الجيدة أن “سريلانكا” وافقت على إجراء محادثات مع “صندوق النقد الدولي” بشأن إعادة هيكلة الديون.

وفي حين أنه قد يكون من المنطقي التكهن بأنماط جديدة من “العولمة”، فيما يخص القوى الاقتصادية الكبرى مثل: “الصين والهند”، لا يوفر التراجع عن “العولمة”؛ لـ”تونس” ولا لـ”سريلانكا”، أي خيارات جذابة. وعلى المدى القصير تحتاج الدولتان إلى تنازلات من دائنيهم الرئيسين وبذل جهود متضافرة لإعادة تعويم اقتصاداتهما.

ويرى الباحث أنه إذا كانت هناك بالفعل منافسة نشطة على النفوذ في الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي بين: “الصين” والغرب، فقد تأمل البلدان المَدِينة مثل: “تونس” أو “سريلانكا”، في اللعب على الجانبين لتحقيق مصلحتها. لكن “الصين” تُقلص إقراضها الخارجي، وهناك إقبال قليل على الإلتزامات العامة من قِبل الغرب. ولا تكمن المشكلة في التنافس على النفوذ بل في حقيقة وجود فراغ في المكان الذي يجب أن يوجد فيه نظام مالي عالمي.

وكانت برامج تخفيف عبء الديون المتعلقة بالجائحة التي نظمها “البنك الدولي”؛ في عام 2020، والمعروفة باسم: “مبادرة تعليق خدمة الديون”، هزيلة النطاق وانتهت صلاحيتها في عام 2021. ولم يجتذب ما يُسمى: بـ”الإطار المشترك” لإعادة هيكلة الديون؛ الذي وافقت عليه “مجموعة العشرين”، سوى ثلاث دول حتى الآن، هي: “تشاد، وإثيوبيا، وزامبيا”، وكان التقدم في تخفيض ديونها مخيبًا للآمال.

الحاجة إلى “بريتون وودز” جديدة..

ونوَّه الكاتب إلى أنه في كتاب جديد طموح يحمل عنوان: (The Case for a New Bretton Woods)، يُدافع “كيفن غالاغر” و”ريتشارد كوزول-رايت”؛ عن “اتفاقية بريتون وودز” جديدة؛ (في إشارة إلى اتفاقية بريتون وودز، وهو اسم مؤتمر النقد الدولي الذي إنعقد في 22 تموز/يوليو 1944، في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأميركية وحضره مندوبو: 44 دولة، وضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع تنمية التجارة بعد الحرب العالمية الثانية).

وينقل التحليل ما أورده الكاتبان: “بعد مرور ما يقرب من: 80 عامًا على اتفاقية بريتون وودز، يحمل العالم الذي نعيش فيه تشابهًا غير مريح مع العالم الذي كان المندوبون يأملون في زواله إلى الأبد”. إن المسؤولية عن هذه الحالة المؤسفة – معاناة البلدان المثقلة بالديون والإزدهار غير المقيد للائتمان العالمي وإنهياره – تكمن كما يُصران، في المقام الأول ليس على السياسيين الشعبويين أو سياسات القوة العظمى، ولكن في النشاط العادي للاقتصاد السياسي الرأسمالي. وتُهيمن المصالح الراسخة على بنية الاقتصاد العالمي.

فيما يخص البلدان المنخفضة الدخل، جعل الاعتماد المتزايد على الائتمان الخاص تشكيل نظام عقلاني لإعادة الهيكلة العقلانية لديون البلدان الفقيرة أمرًا صعبًا على نحو أكثر من أي وقت مضي. إن تصحيح هذا التوازن ليس مجرد مسألة توحيد الغرب، أو الشعارات الأخرى التي أطلقتها الحرب في “أوكرانيا”. وما تستلزمه هذه الأوضاع هو دفعة من القاعدة إلى القمة لتجديد المؤسسات العامة والأهداف الجماعية على المستوى الوطني، باعتبار ذلك تمهيدًا لإعادة تأسيس نظام للتعاون الدولي والقيادة العالمية.

فقراء العالم والأفعوانية المرعبة..

بصراحة تبدو احتمالات ذلك أقل حتى مما كانت عليه قبل بضعة أشهر. ولكنها تُقدم تصحيحًا مهمًا للعديد من الإنشاءات الشائعة في لحظتنا الحالية، ولم تؤدِّ حرب “بوتين” إلى تعطيل نظام اقتصادي عالمي سليم ومستقر، ويُعد نظام “الدولار” الحالي عبارة عن إرتجال متداعي يوفر دعمًا سخيًا لنواة داخلية، بينما يُترك جزء كبير من سكان العالم لركوب الأفعوانية المرعبة لدورة الائتمان العالمية.

وأفاد الكاتب أنه قبل الأزمة الأوكرانية، كان يمكن للمرء أن يقول إن “مجموعة العشرين” هي المنتدى الوحيد الذي يمكن للمرء أن يأمل في توليه زمام القيادة. ولمواجهة تحيزها تجاه الدول الغنية، اقترحت “غالاغر” و”كوزول رايت”؛ أن تكون مسؤولة أمام “المجلس الاقتصادي والاجتماعي”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”. وإذا كان ذلك طموحًا قبل الأزمة، فلم يُعد من الممكن تصوره الآن. وسيكون من المدهش إذا تمكنت “مجموعة العشرين” من الاجتماع على مستوى القيادة هذا العام.

وفي المأزق الحالي قد يأتي الدافع الأكثر إيجابية للعمل بشأن المشكلات الاقتصادية العالمية في الواقع من المنافسة الجيوسياسية؛ وليس من التعاون. ونظرًا للتدخل الروسي في: “ليبيا ومالي”، لا تستطيع “أوروبا” أن تنظر برضا عن الذات إلى الصعوبات التي تواجهها “تونس”.

إذا كانت “واشنطن” تهدف إلى أن يكون لديها إستراتيجية في المحيطين: “الهندي” و”الهاديء”؛ ترقى إلى مستوى أي شيء، فمن المؤكد أنها يجب أن تنخرط مع “الهند” في معالجة الصعوبات التي تواجهها “سريلانكا”. و”سريلانكا”، على أي حال، هي المكان الذي صيغ فيه النقد الغربي لدبلوماسية الديون الصينية العدوانية، بحسب إدعاءات الكاتب. والسؤال إذًا هل يمكن للثقل الذي يلوح في الأفق لـ”الصين” أن يدفع الحكومات الغربية أخيرًا إلى الانخراط في دبلوماسية ديون نشطة خاصة بها ؟

ويختتم الكاتب مقاله قائلًا: لنكن واضحين، هذا ليس احتمالًا جذابًا. إن التشابك بين سياسات القوى العظمى والديون أمر خطير. ولكن ما هو البديل ؟.. إن الخطر من وجهة نظر المجتمعات الأكثر هشاشة وتعرضًا للخطر هو أقل من إعادة ترتيب الاقتصاد العالمي بطريقة تنافسية وأكثر من استمرار الوضع الراهن الذي لا يُطاق ولا يجري من خلاله عمل أي شيء على الإطلاق.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة