29 مارس، 2024 1:51 م
Search
Close this search box.

الحرب الباردة تستعر في القارة السمراء .. “الصين” تسحب البساط من “أميركا” في إفريقيا !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في خطوة من شأنها مجابهة “الولايات المتحدة الأميركية” في حربها التجارية على “الصين”، بفتح طرق تجارية عبر القارة السمراء، توجه الرئيس الصيني، “شي جين بينغ”، إلى إفريقيا في جولة بدأها بـ”السنغال”، السبت 21 تموز/يوليو 2018، وتعهد خلالها بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا، التي تغمرها بالفعل قروض صينية رخيصة مقابل المعادن ومشروعات بناء ضخمة.

ووصل “شي” إلى “السنغال”، في زيارة استغرقت يومين للتوقيع على اتفاقية ثنائية، في أول محطة ضمن جولة بإفريقيا يزور خلالها أيضًا “رواندا” و”جنوب إفريقيا”، حيث يحضر اجتماع قمة مجموعة “بريكس”، التي تضم “البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا”.

وتربط “الصين” حاليًا علاقات تجارية مع إفريقيا، أكثر من أي دولة أخرى، كما أن مبادراتها المستمرة في القارة تتناقض بحدة مع ما تقوم به “الولايات المتحدة”، التي لم يبد رئيسها، “دونالد ترامب”، اهتمامًا يذكر بالقارة.

استياء الأفارقة من أميركا وأوروبا فتح الباب للصين..

كما أفسح استياء الأفارقة من سياسة وصراع الأميركان والأوروبيين على قارتهم، وسياستهم الاستعمارية القائمة على الاستغلال والنهب، الطريق أمام “الصين” لسد الفراغ، فأصبحت “الصين” الحليف المقبول لدى الأفارقة، ففتحوا لها الباب على مصراعيه؛ لأنها تمتلك التكنولوجيا الحديثة التي من خلالها يمكن المساهمة في بناء القدرات الإفريقية الواعدة، التي تسجل أعلى نسبة نمو مقارنة ببقية أنحاء العالم، إذ إن “صندوق النقد الدولي” يتوقع أن يبلغ النمو 5.8 في المئة خلال 2015.

“شي” قال في مؤتمر صحافي مع نظيره السنغالي، “ماكي سال”، بعد ثالث اجتماع بينهما؛ إن هذه أول زيارة يقوم بها لغرب إفريقيا بوصفه رئيسًا للصين، ولكنها رابع زيارة لإفريقيا، وأضاف: “في كل مرة أزور فيها إفريقيا أرى حيوية القارة وطموحات شعوبها من أجل التنمية. إنني واثق تمامًا من مستقبل العلاقات الصينية الإفريقية”.

أكبر مستثمر في إفريقيا منذ عام 2008..

أشار تقرير صادر عن “البنك الدولي” إلى أنّه، ومنذ عام 2008، أصبحت “الصين” أكبر مستثمر في إفريقيا، وأظهرت المؤشرات أنّها أصبحت أكبر شريك تجاري منذ عام 2009، وتشمل الاستثمارات الصينية جميع القطاعات، وأصبحت محركًا مهمًا للنمو الاقتصادي الإفريقي.

وضخت “الصين” استثمارات هائلة في الدول الإفريقية بديلاً للاستثمارات الغربية التي عادة ما تكون مصحوبة بإملاءات سياسية وأمنية، وقدمت وعودًا بمنح 20 مليار دولار في السنوات المقبلة، التي ستنقل الملايين من الأفارقة خارج معدلات الفقر، حيث تخطط “الصين” لبناء خطوط للقطارات بنحو 12 مليار دولار، وهو ما لم تفعله الدول الأوروبية التي استولت على ثروات إفريقيا لقرون عديدة.

إفريقيا تشهد أكبر نمو للاستثمارات الأجنبية..

وفيما يقترب هذا الرقم من إجمالي الاستثمارات الأميركية في إفريقيا، التي تصل إلى 90 مليار دولار، أظهرت مؤشرات صادرة عن صحيفة (الفاينانشيال تايمز) البريطانية، وتقرير الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أنّ إفريقيا تشهد الآن أكبر نمو للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم، وشهدت الاستثمارات في إفريقيا نموًا بمعدل 65 في المئة في عام 2014، حيث وصلت إلى حوالي 87 مليار دولار أميركي.

ومع هذا النمو في الاستثمارات الأجنبية المباشرة حقق الاقتصاد الإفريقي نموًا كبيرًا، حيث ازداد إجمالي الناتج المحلي إلى حوالي 6 في المئة، وتجاوز معدل المستوى العالمي بـ 1.5 نقطة مئوية.

ستصبح أكبر مستهلك ومستورد لجميع السلع في العالم..

وتخطي “الولايات المتحدة” يعني أن “الصين” ستصبح أكبر مستهلك ومستورد لجميع السلع في العالم تقريبًا، وبشكل دائم، وسيكون لذلك تأثير بالغ على الأسواق التي يتحول إتجاهها بإتجاه تعاظم القوة الصينية وزيادة منافستها، وبذلك يمكن القول بأن القارة الإفريقية ستكون المصدر الأساس للموارد المتنوعة للصناعة والسلع المختلفة في العالم مستقبلاً، لذلك تواصل “الصين” زحفها بهدوء على القارة الإفريقية الغنية بمواردها، مستغلة ضعف وتراجع الاقتصاديات المنافسة الأخرى.

مبادرة “الحزام والطريق”..

صحيفة (ساوث تشاينا مورنينغ بوست)؛ ذكرت إن لإفريقيا دورًا مهمًا في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، التي تهدف إلى إحياء طرق التجارة البرية والبحرية لـ”طريق الحرير” القديم من خلال بناء الطرق والموانيء والجسور.

ومبادرة “الحزام والطريق”؛ هي مبادرة أعلن عنها الرئيس الصيني للمرة الأولى في عام 2013، وتتضمن إنفاق “الصين” مليارات الدولارات عن طريق استثمارات في البنى التحتية على طول “طريق الحرير”، الذي يربطها بالقارة الأوروبية مرورًا بآسيا والشرق الأوسط.

وحتى الآن؛ تعد هذه المبادرة واحدة من أكبر مشاريع البنية التحتية والاستثمار في التاريخ، حيث تغطي نحو 70 دولة. ونحو 65% من سكان العالم، و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتعمل “الصين” على توسيع عدة مجالات رئيسة في القارة الإفريقية، هي:

البنية التحتية..

حيث تمثل إستراتيجية “الحزام والطريق”؛ التي تنفذها “بكين” بمليارات الدولارات، شبكة واسعة من خطوط السكك الحديدية والموانيء والطرق وخطوط الأنابيب التي تهدف إلى ربط “الصين” بعديد من دول العالم، بما في ذلك “إفريقيا”.

ويعود تاريخ مشاركة “الصين” في البنية التحتية الإفريقية إلى الخمسينيات، عندما قامت بتمويل وبناء خط سكة حديد بين “تنزانيا” و”زامبيا”.

وزير الخارجية  الصيني، “وانغ يي”، قال في العام الماضي، إن “الصين” مولت حتى الآن أكثر من 6200 كيلومتر من السكك الحديدية وأكثر من 5000 كيلومتر من الطرق في إفريقيا، من بينها خط سكة حديد “أديس أبابا-جيبوتي”، الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار أميركي، وهو خط يصل طوله إلى 750 كيلومترًا يربط بين “إثيوبيا”، التي لا تطل على سواحل، وهي موطن أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا.

كما يجري العمل على إنشاء خط سكة حديد، يبلغ طوله 472 كيلومترًا، بتكلفة تصل إلى 3.2 مليار دولار أميركي، يربط بين مدينة “مومباسا” الساحلية في “كينيا” وعاصمتها “نيروبي”، وعند اكتماله خلال فترة الـ 25 سنة المقبلة سوف يمتد أكبر مشروع للبنية التحتية في “كينيا”، منذ الاستقلال، إلى بلدان “جنوب السودان ورواندا وبوروندي وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية”.

وتشمل قائمة خطط البنية التحتية أيضًا بناء “موانيء عملاقه” في كل من “باغامويو، تنزانيا، وفي لامو، كينيا”، وطريق سريع مكون من 6 مسارات في “أوغندا” وخط أنابيب في “تنزانيا”.

الموارد الطبيعية..

اعتمدت “الصين”، لبعض الوقت، في إفريقيا على التدفق المستمر للموارد الطبيعية، بما في ذلك “النفط والنحاس والزنك وخام الحديد”، لدعم التصنيع في الداخل.

وكل يوم؛ تستورد “الصين” النفط من “أنغولا” و”نيجيريا”، والذهب من “غانا”، والكروم من “جنوب إفريقيا”، والنحاس من “زامبيا”، والبوكسيت ومعادن نادرة أخرى من “غينيا”.

وقامت الشركات الصينية في السنوات الأخيرة بتعديل إستراتيجياتها من خلال دخول صناعة التعدين في إفريقيا عن طريق العمل إلى جانب شركات التعدين المحلية أو شرائها.

ووافقت شركة “Citic Metal” الصينية، مؤخرًا، على إنفاق نحو 542 مليون دولار أميركي، للحصول على حصة 19.9% في شركة “Ivanhoe Mines” في “كندا”، التي لديها 3 مشاريع كبيرة لتطوير النحاس والزنك والبلاتين في “جنوب إفريقيا”.

المساعدات والقروض..

برزت “الصين”، باعتبارها واحدة من أكبر الجهات المانحة للمساعدات إلى إفريقيا في السنوات الأخيرة، حيث ساعدت في بناء المرافق العامة، وتدريب المهندسين والفنيين، ونشر الطواقم الطبية وتخفيف عبء الديون على القارة.

ونجحت “الصين” في إنشاء أكثر من 80 معهد “كونفوشيوس” لتعميم وتعليم اللغة الصينية، ونشر الثقافة الصينية في 41 دولة عبر إفريقيا.

وتشهد إفريقيا حاليًا إزدهارًا في مشروعات البنية الأساسية التي تديرها وتمولها “الصين” بشكل رخيص كجزء من مبادرة “الحزام والطريق” للرئيس الصيني لبناء شبكة نقل تربط “الصين”، برًا وبحرًا، بجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا.

وتعهدت “الصين” بتوفير 126 مليار دولار لهذه الخطة؛ التي يقول مؤيدوها إنها مصدر للتمويل الحيوي للعالم النامي.

التعاون العسكري..

قالت “بكين” إنها تريد تعزيز تعاونها الدفاعي مع الدول الإفريقية لحماية مصالحها الاقتصادية الواسعة، والحفاظ على سلامة أكثر من مليون مواطن صيني يعيشون في القارة.

وفي خطوة تعزز نفوذها في القارة الإفريقية، أنشأت “بكين” أول قاعدة عسكرية لها بالخارج، في “جيبوتي” في القرن الإفريقي، لتقديم ما وصفته بالدعم اللوجيستي لعمليات مكافحة القرصنة في المياه الصومالية.

وفي غضون ذلك؛ عززت مشاركتها في بعثات حفظ السلام إلى البلدان التي مزقتها الحرب مثل “جنوب السودان” و”مالي” و”الكونغو” و”ليبيريا” ومنطقة “دارفور” في غرب السودان.

وذكر “تشن شياو دونغ”، مساعد وزير الخارجية الصيني، أن هناك أكثر من ألفي من قوات حفظ السلام الصينية في إفريقيا الآن.

ومن ناحية أخرى؛ رافقت السفن الحربية الصينية ما يزيد على 6 آلاف سفينة صينية وأجنبية في “خليج عدن” والمياه قبالة “السواحل الصومالية”، لحمايتها من أعمال القرصنة.

وفي المنتدى الأول للدفاع والأمن في الصين وإفريقيا، الذي استضافته العاصمة الصينية الشهر الماضي، أكد المسؤولون الصينيون لنحو أكثر من 50 مسؤولًا عسكريًا إفريقيًا بارزًا، على أن “الصين” ستقدم “دعمًا شاملاً” للجيوش الإفريقية، وجهود مكافحة الإرهاب وتطوير تكنولوجيا الأمن الإلكتروني، لضمان الأمن القومي والاستقرار الإقليمي في القارة.

تحمل نفسها بعبء الديون الصينية..

المراقبون الأميركيون يقولون إن إفريقيا تُحمل نفسها بعبء الديون الصينية؛ وإنها ربما تجد صعوبة في تسديدها، مع تقديرات بنحو عشرات المليارات من الدولارات، الأمر الذي لن يجعل أمام دول إفريقية أي خيارات سوى أن تسلم “الصين” حصصًا مهيمنة في أصول إستراتيجية.

وحذر مسؤولون أميركيون من أن ميناء في “جيبوتي”، الواقع في منطقة القرن الإفريقي، والذي يستضيف قواعد عسكرية أميركية وفرنسية رئيسة، ربما يلقى هذا المصير، لكن “جيبوتي” تقلل من شأن تلك المخاوف.

تعمل على تقويض “الولايات المتحدة”..

يرى خبير في الشؤون الآسيوية بالاستخبارات المركزية الأميركية؛ أن “الصين” تُسخر مواردها كافة في محاولة أن تحلّ محل “أميركا” كقوة تقود العالم، مشيرًا، كما نقلت عنه (أسوشيتد برس)، إلى أن “بكين” لا تريد خوض حرب، لكن الحكومة الشيوعية الحالية تعمل بمهارة وهدوء تحت قيادة الرئيس، شي جين بينغ”، على عدة جبهات من أجل تقويض “الولايات المتحدة الأميركية” بطرق تختلف عن الأنشطة الواضحة المعلن عنها التي تقوم بها “روسيا”.

وقال “مايكل كولينز”، نائب المدير المساعد لمركز “شرق آسيا” التابع للاستخبارات المركزية في منتدى “أسبن” الأمني في “كولورادو”، يوم الجمعة الماضي: “أرى أن ما يشنونه ضد الولايات المتحدة هو بالأساس حرب باردة. هي حرب باردة لا تشبه تلك الحرب الباردة التي شهدناها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، لكنها حرب باردة حسب تعريفها”.

وأضاف “كولينز” قائلاً: “أرى أن ما يحدث يشبه حالة إقليم القرم، ولكن في الشرق”، في إشارة إلى ضمّ “روسيا” شبه جزيرة “القرم” التابعة لـ”أوكرانيا”، وهو أمر قوبل بالإدانة من جانب الدول الغربية. ويأتي ناقوس الخطر في وقت تحتاج فيه “واشنطن” إلى مساعدة “الصين” في إنهاء المواجهة النووية مع “كوريا الشمالية”.

تشكل أكبر تهديد لواشنطن..

وقال “كريستوفر راي”، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، إن “الصين”، من وجهة نظر الاستخبارات المضادة، تمثل أكبر وأخطر تهديد تواجهه “أميركا”، مشيرًا إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد أجرى تحقيقات عن تجسس اقتصادي في الولايات الخمسين وأتضح تورط “الصين” بالأمر.

وأضاف “راي” قائلاً: “إن حجم تورطها ونطاقه وأهميته أمر لا أعتقد أن هذا البلد يمكنه التقليل من شأنه”.

تمكنت من إيجاد مكانة استثنائية..

ويرى الدكتور “أيمن شبانة”، نائب مدير مركز “حوض النيل” في جامعة القاهرة والمتخصص في الشأن الإفريقي، أن “الصين” تمكنت من إيجاد مكانة استثنائية لها في الاقتصاد الإفريقي بسبب خطاب سياسي وتصور اقتصادي يتمشيان مع النهج الإفريقي.

وأوضح “شبانة” أن المشروع الصيني في إفريقيا يعتمد مفهومًا تنمويًا يقوم على الشراكة والتبادل؛ يختلف تمامًا عن المفهوم الغربي والذي يقوم على الهيمنة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب