خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع احتفال “العراق” بالذكرى المئوية على بداية تأسيس الجيش العراقي، عام 1921، إبان بداية تشكيل الدولة العراقية في ظل الحكم الملكي، آنذاك، والتي تصادف الـ 6 من كانون ثان/يناير، تستمر (كتابات)؛ في رصد تغطية المواقع والصحف لتلك الذكرى، ففي جزئها الثاني، حاول موقع (سبوتنيك) الروسي توضيح التغير الذي طرأ على الجيش منذ تأسيسه حتى اليوم، بالإضافة إلى ما ينتظره منه العراقيون في ظل الأوضاع الحالية.
فتعقيبًا على كلمة رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، التي قالها في احتفالاً بهذه المناسبة؛ والتي قال فيها أن: “نقف في يوم جيشنا الباسل، لنعلن أن عام 2021؛ سيكون عام الإنجاز العراقي على كل المستويات، وأن مرحلة استنزاف ثروات العراق وإمكاناته قد انتهت إلى غير رجعة بإرادة العراقيين”.
وأضاف “الكاظمي”: “نقف بإعتزاز وفخر لتحية جيش العراق العظيم، قادة وضباط ومراتب، ونحيي بطولاتهم وتضحياتهم في الدفاع عن أرض العراق وحماية كرامته، كما نحيي بطولات جيشنا وتضحياته في الدفاع عن فلسطين الحبيبة، جنين، والجولان”.
وتابع “الكاظمي”: “على عاتقنا واجب تاريخي مبارك؛ بوضع جيشنا في الموقع الذي يستحقه وإعادة الثقة لضباط الجيش ومراتبه، بأنكم أيها الأبطال رمزنا وعنوان هيبتنا وسيادتنا”.
تغيير عقيدة التسليح..
يقول المستشار العسكري العراقي السابق، “صفاء الأعسم”: “إن الجيش العراقي كان من الجيوش القلائل في المنطقة والشرق الأوسط، قبل العام 2003، حيث تغيرت عقيدة التسليح بعد دخول الولايات المتحدة من العقيدة الشرقية إلى الغربية، وبالتالي تم تغيير نوعية السلاح من الشرقي إلى الغربي، وبدأت واشنطن في السيطرة على مستوى التسليح العراقي”.
وأضاف لـ (سبوتنيك): “تغيير عقيدة التسليح كانت تحتاج إلى مراكز ومؤسسات وتدريب وتغيير السلاح من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى من الناحية التقنية، لكن الولايات المتحدة بدأت في التلكؤ في هذا الأمر، والدليل إلى الآن لا يمتلك العراق المدفعية بالمستوى المطلوب، وأيضًا ما يتعلق بالدفاع الجوي وحماية سماء البلاد والذي نحن بعيدين عنه بصورة كبيرة، وما زلنا إلى الآن نستخدم عجلات (الهامر) من موديل 2011 و2012”.
وتابع المستشار العسكري: “رغم تلك التحولات التي حدثت بالجيش من تغيير عقيدة تسليحه، إلا أنه يسعى جاهدًا الآن لتنويع مصادر التسليح، وقد كانت هناك زيارة لوفد عسكري إلى باريس لهذا الغرض، وهناك شعور لدى الولايات المتحدة بأن العراق قادر على تطوير السلاح؛ فإما أن تتطور الأمور مع واشنطن إلى المستوى الأسوأ، أو تعمل أميركا على إيصال العراق إلى المستوى المطلوب، مع العلم أن الخطة الرئيسة لأميركا بأن تظل إسرائيل متفوقة عسكريًا وتقنيًا على مجموع القوى في منطقة الشرق الأوسط لأسباب تتعلق بأمنها، ولهذا عندما تم تزويد العراق بطائرات (إف-16)، في نفس اليوم تم تزويد إسرائيل بطائرات (إف-35)، ما يؤكد على أن الولايات المتحدة لا تريد لأي جهة في الشرق الأوسط أن تكون لديها تفوق على إسرائيل”.
الجيش العراقي مر بثلاث مراحل في تسليحه..
وحول التغيرات التي حدثت في عقيدة الجيش طوال تلك السنوات، قال “الأعسم”: “إن عقيدة تسليح الجيش العراقي تغيرت ثلاث مرات طوال المئة عام، حيث كانت عقيدة الجيش عندما تم تأسيسه في العام 1921 بريطانية، حيث كانت هي المسيطرة على التدريب والتسليح وكان العراق متقدمًا في هذا الوقت، ثم تغيرت عقيدة التسليح مرة أخرى واتجهت إلى الشرق حيث التسليح الروسي، وكانت لدى بغداد كفاءة؛ حيث دخلنا حروب كثيرة منها الحرب (العراقية-الإيرانية)، ثم تغيرت العقيدة للمرة الثالثة بعد دخول الولايات المتحدة، في عام 2003، أما بالنسبة للعقيدة القتالية، فما لمسناه بعد العام 2003؛ بأن واشنطن أرادت أن يتم التدريب على يد الأميركان، وكل الجهات التي لم تدخل تحت مظلة التدريب الأميركية دخلت في القائمة السوداء لواشنطن، وقد رأينا ذلك في (الحشد الشعبي)، الذي تعاديه أميركا لأنه لم يدخل تحت مظلتها، والعقيدة القتالية الآن أصبحت حب الوطن والولاء للعراق وأصبح التركيز عليها خلال الفترة القادمة وفق أطر لا تسمح بتدخل أي دولة فيها”.
إعطائه دور محايد..
من جانبه، قال أمين عام الحزب (الطليعي) الناصري بالعراق، “عبدالستار الجميلي”: “في ذکرى تأسيسه، آن الأوان لإعطاء الجيش العراقي دورًا إشرافيًا حياديًا وسلميًا على مرحلة انتقالية لإنقاذ العراق مما يمر به من أزمة بنيوية شاملة”.
وأضاف لـ (سبوتنيك): “مثل هذا اليوم من كل عام؛ يحتفل الشعب العراقي والوطن العربي عمومًا بتأسيس واحد من أهم وأقوى الجيوش العربية الباسلة – الجيش العراقي – الذي لعب دورًا وطنيًا وقوميًا مشهودًا في كل المعارك الوطنية والقومية التي خاضها العراق والأمة العربية في مواجهة شتى أنواع العدوان التي استهدفت الوطن العربي، خلال المئة سنة الماضية، من عمر تأسيس هذا الجيش الوطني والقومي الذي كان تأسيسه بداية مرحلة جديدة في تشكيل الدولة العراقية الحديثة، الذي لعب دورًا بارزًا ليس في تشكيلها والدفاع عن أمنها الداخلي والخارجي وحسب، ولكن في بناء مؤسساتها أيضًا، ما أكسبه احترامًا خاصًا لدوره وعقيدته الوطنية والقومية التي بني عليها؛ والتي تأثرت للأسف بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003، بدءًا من حل الجيش الباسل وإعادة بنائه على أسس وعقائد غريبة عن بناء الجيوش العصرية، حيث أدخله في مستنقع المحاصصة الطائفية والعنصرية المقيتة، انعكاسًا للبيئة السياسية التمزيقية التي فرضها على الشعب العراقي، بالتعاون مع بعض الأطراف المحلية والإقليمية، خصوصًا مرضى الطائفية والعنصرية ونظامي الفصل العنصري”.
وأكد “الجميلي”: “أنه رغم الظروف الضاغطة؛ ومحاولات تقسيم العراق والوضع السياسي المتأزم، إلا أنه سرعان ما استعاد الجيش العراقي بعضًا من مفاصله الحركية الأساسية الفاعلة، وبالتالي بات التعويل عليه مجددًا للعب دور بناء ومؤسسي، ما دفع تلك القوى لمعاودة الهجوم عليه ودخل العراق في نفق التحديات مجددًا، لذا ينبغي على الجيش في ظل الإنسداد السياسي الحاصل أن يضطلع بدوره الموضوعي بالإشراف على مرحلة انتقالية في البلد إلى جوار حكومة مصغرة لطرح دستور جديد يلغي الفيدرالية التقسيمية، ويتبنى شكل إداري لا مركزي للدولة ونظام رئاسي مختلط مع البرلمان على قاعدة الديمقراطية والمواطنة”.
“ثورة تموز” والانقلابات العسكرية..
وقال “مازن الحسوني”، في موقع (صوت العراق)؛ عن الجيش العراقي أنه: “قيل بحق الجيش العراقي: إذا أردت أن تكون ملكًا بالعراق فعليك أن تصبح ضابطًا بالجيش العراقي”، موضحًا أنه: “منذ تأسيس الجيش العراقي وليومنا هذا؛ لعب الجيش دورًا أساسيًا في الحياة السياسية العراقية؛ السبب هو أمتلاكه للقوة العسكرية المدربة وكذلك عدم وجود تراث ديمقراطي يؤسس لمجالس الشعب والسلطة التي تأتي عبر الأنتخابات، لهذا رأينا العديد من محاولات الإستيلاء على السلطة من قِبل قادة عسكريين قبل ثورة تموز”.
وأضاف أن “ثورة تموز” نفسها نفذها ضباط بالجيش العراقي؛ وتعاونوا مع قوى وطنية، بعدها سقطت “ثورة تموز” بانقلاب عسكري، وكذلك تبعه انقلاب آخر حتى وصلنا لانقلاب 1968، وكان بمساعدة قوى عسكرية داخل الجيش لحين سقوط حكومة “البعث”، عام 2003، بتدخل عسكري أجنبي.
لافتًا إلى أنه ليس بالغريب أن تفكر جميع الحكومات، التي استلمت دفة السلطة بالعراق، حتى يومنا هذا؛ بالسيطرة على المؤسسة العسكرية وأخضاعها لرغباتها السياسية عن طريق :
- تعيين الموالين للسلطة ممن يخدموا بالجيش في أعلى الرتب العسكرية.
- أحالة من يشك بولأه للسلطة للتقاعد أو السجن أو القتل.
- البدء في تعيين أعضاء السلطة البسطاء بالمراتب المتوسطى من الجيش ومنحهم رتب عسكرية، سواء عن طريق دخولهم دورات سريعة أو دمج .
- تشكيل قوات عسكرية خاصة تأتمر برجال السلطة؛ بعيدًا عن المراتبية العسكرية، (قوات حرس جمهوري، فدائيي صدام، جيش شعبي، مخابرات، حشد شعبي، بيشمركة… الخ).
- البدء بعمليات التثقيف السياسي داخل المؤسسة العسكرية حسب رغبة السلطة.
مؤكدًا “الحسوني”؛ أن هذا ما دأبت عليه جميع الحكومات التي توالت على استلام السلطة بالبلد ولازالت، وأن هذا التكوين الغير مناسب في البناء العسكري للجيش لا يجعلنا نستغرب من تدخله في الكثير من المرات لصالح السلطة بالأحداث السياسية التي حدثت بالعراق، مثل قمع أنتفاضة 1991، المعارك في كُردستان. لكن كل هذا لا يجب أن يجعلنا نغفل عن بطولات الجيش العراقي في مشاركاته مع القوات العربية الأخرى في حروبها ضد “إسرائيل”، وكيف لعب الضباط الوطنيين والمراتب الأخرى أدوارًا بطولية بتلك المعارك جعلت الشعوب العربية، ليومنا هذا، تتغنى بأمجاد الجيش العراقي.
ماذا يحدث الآن في المؤسسة العسكرية ؟
وحول ما يحدث الآن في المؤسسة العسكرية، قال “الحسوني”؛ أنها مؤسسة تتنازعها الخلافات بسبب تعدد مراكز السلطة السياسية والعسكرية فيها، وأنها مؤسسة ضعفت إمكانياتها المهنية كثيرًا بسبب دخول عناصر لا تمتلك العلم والفهم العسكري الصحيح، (دمج المئات من أعضاء الأحزاب بداخلها)، إضافة إلى التدخل الأجنبي الكبير بعموم تشكيلاتها وبناءها، مع دخول ميليشيات ذات ولاءات غير وطنية بداخلها، وضعف واضح في المعدات العسكرية والتدريب والإمكانيات المختلفة مما يستدعي على الدوام الحاجة للقوات الأجنبية في التصدي لقوى الإرهاب.
لهذا يرى “الحسوني” أن المواطن البسيط يشعر بأن قوام هذه المؤسسة العسكرية لم يُعد مثلما يتمنى؛ بأن يرى هذه المؤسسة وهي تحمي الوطن ووحدته ومواطنيه، بل العكس أحيانًا رأيناها وهي تدافع عن منظومة السلطة بكل شراسة في الحراك الشعبي المناهض لحكومات الطوائف والفساد، وخاصة حراك انتفاضة 2019.
اقتراحات لبناء مؤسسة عسكرية وطنية..
ويضع “الحسوني” تصورًا لمن يريد أن يبني مؤسسة عسكرية وطنية حقيقية؛ عليه أن يفكر بما يلي :
- أبتعاد المؤسسة العسكرية عن الصراعات السياسية، من خلال تحريم العمل السياسي داخل الجيش لجميع القوى وحتى السلطة، وجعلها مؤسسة مهنية صرفة.
- إلغاء جميع التشكيلات العسكرية داخل الجيش والتابعة لجهات سياسية؛ مثل (الحشد الشعبي) والفصائل الأخرى وحتى (البيشمركة).
- مؤسسة عسكرية واحدة لعموم العراق، ولا قوة عسكرية خارج الجيش لأي حزب .
- تحريم التصويت بالانتخابات لمنتسبي القوات العسكرية، لكي لا يستغل أحد هذه القوات في نشاطاته السياسية.
- إعادة الخدمة الإلزامية لعموم المواطنين؛ لإيجاد التنوع المطلوب في قوام هذه المؤسسة .
- إلغاء أية رموز دينية وطائفية وقومية في عمل هذه المؤسسة؛ وإبدالها بالرموز الوطنية فقط.
- إعادة تقييم عموم الرتب العسكرية وتنظيف المؤسسة ممن لا يستحق هذه الرتب.
موضحًا “الحسوني” أن الدول ذات الأصول الديمقراطية لا يلعب فيها الجيش أي دور سياسي؛ وإنما العمل السياسي موجود في كل مؤسسات الدولة عدا الجيش، ويكون ولاء الجيش للوطن بغض النظر عن شكل الحكومة ومن يقودها، ولا عجب أن نجد العديد من وزراء الدفاع هم أناس سياسيون دون رتب عسكرية، ولكن من يقود القوات العسكرية هم أناس مهنيون يخضع السياسيون لقناعاتهم وآرائهم قبل أي قرار عسكري، وبالتالي لم نسمع بحدوث انقلابات عسكرية بهذه الدول.
ولفت إلى أن ما يحتاجه بلدنا اليوم؛ هو مؤسسة عسكرية مهنية ذات استقلالية بعيدة عن تدخلات الأحزاب السياسية، وعندها يمكن للجميع أن يقول بحق أن الجيش هو سورًا للوطن وليس للسلطة التي تحكم، وكل هذا لا يتحقق إلا بوجود حكومة وطنية تكنس حضور هذه الأحزاب الفاسدة من المشهد السياسي العراقي.