خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في ظل انتخابات تُعتبر بمثابة أول اختبار للرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، في ولايته الثانية، فأظهرت نتائج الجولة الأولى من التصويت الذي جرى الأحد، أن معسكر الوسط الذي ينتمي إليه الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، يتجه نحو جولة الإعادة الحاسمة في انتخابات “مجلس النواب” متفوقًا بفارق ضئيل للغاية على اليسار.
ومن المتوقع أن يحتفظ تحالف الرئيس؛ “إيمانويل ماكرون”، بغالبية المقاعد في “الجمعية الوطنية الفرنسية”، لكن لا يزال نطاقها غير مؤكد في ظل تقارب النتائج مع تحالف اليسار في الدورة الأُولى من الانتخابات التشريعية.
وسيتعين انتظار الدورة الثانية؛ الأحد المقبل، لمعرفة ما إذا كان “إيمانويل ماكرون”، الذي أُعيد انتخابه في 24 نيسان/إبريل الماضي، لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، سيتمكن من الاحتفاظ بالغالبية المطلقة الضرورية لتطبيق سياسته الإصلاحية بحريّة.
ويبدو أن الانتخابات التشريعية الفرنسية منفتحة على كل السيناريوهات؛ بعد أن تزعم الإمتناع عن التصويت المشهد السياسي بنسبة: 51.5 بالمئة، فيما كانت النتيجة تاريخية بالنسبة إلى؛ “جان لوك ميلونشون”، الذي حصل ائتلافه على نسبة: 26.2 بالمئة من الأصوات مقابل: 25.8 بالمئة لصالح تحالف (معًا)، يليه حزب (التجمع الوطني): بـ 19.1 بالمئة، قبل (الجمهوريين) الذين حصدوا: 11.4 بالمئة.
وشكك “مانويل بومبارد”، أحد أكبر حلفاء “ميلونشون”، والذي يترشح لشغل مقعد في “مرسيليا”، في مصداقية النتيجة.
وقال “بومبارد”؛ في تغريدة على (تويتر) في ساعة مبكرة من صباح الإثنين: “تنبيه لتلاعب جديد من دارمانان”، في إشارة إلى وزير الداخلية؛ “غيرالد دارمانان”.
وأضاف “بومبارد” أن تحالف “ميلونشون” فاز بنحو: 200 ألف صوت إضافي لم يتم احتسابها في النتائج النهائية، دون تقديم أي دليل على تأكيده.
وبدورها؛ طالبت زعيمة حزب (التجمع الوطني)؛ “مارين لوبان”، من ناخبيها عدم الاختيار في حال اقتصرت المنافسة على “ماكرون” واتحاد “ميلونشون” في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، وعدم التصويت الأحد المقبل؛ لـ”إيمانويل ماكرون”، لأن “فرنسا” ستُجازف بدخول نفق بدون ضوء لمدة خمس سنوات، حسب تعبيرها.
قد يفقد “ماكرون” قبضته على البرلمان..
وعلى الرغم من وجود تحالف “ماكرون” في وضع جيد للحصول على أكبر عدد من المقاعد بفارق كبير، فإن معاهد الاستطلاع الرئيسة قالت إن الرئيس قد يفقد قبضته على البرلمان في الجولة الأخيرة من التصويت.
ووفقًا لاستطلاع (إيلاب)، من المقرر أن يفوز تحالف (معًا) بما بين: 260 و300 مقعد في البرلمان، فيما سيحصل اليسار على: 170 – 220 مقعدًا، بفارق كبير عن انتخابات 2017. والأغلبية المطلقة هي: 289 مقعدًا.
وتوقعت (إبسوس) فوز تحالف (معًا) بما بين: 255 و295 مقعدًا.
يحمي الأثرياء أكثر من الفقراء..
وفي ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل الأجور بسبب التضخم الآخذ في الزيادة، واجه “ماكرون” صعوبات في استغلال إعادة انتخابه؛ في نيسان/إبريل، إذ اتهمه “ميلونشون” بأنه عازم على حماية الأثرياء أكثر من الأسر الفقيرة.
وكان قد دعا الرئيس الفرنسي في نهاية الحملة الانتخابية؛ الفرنسيين، إلى منحه: “أغلبية ساحقة وواضحة” في هذه الانتخابات التشريعية.
حصن ضد التطرف..
ومثلما فعل في الانتخابات الرئاسية، قدم نفسه على أنه حصن ضد: “التطرف”، الذي يُجسده في نظره اليسار الراديكالي؛ لـ”ميلونشون” واليمين المتطرف؛ لـ”مارين لوبان”، والذي يُرادف برأيه: “الفوضى” بالنسبة لـ”فرنسا”.
وأثبت “ميلونشون”؛ (70 عامًا)، السياسي المخضرم الذي حلّ ثالثًا في الانتخابات الرئاسية، أنه خصم “ماكرون” الرئيس، متقدمًا على “لوبان”، المرشحة النهائية في الانتخابات الرئاسية.
إعادة تشكيل واسع للمشهد الفرنسي..
وبالتالي؛ تؤكد هذه الانتخابات التشريعية إعادة التشكيل الواسع للمشهد السياسي الفرنسي الذي بدأ بانتخاب “ماكرون”؛ عام 2017.
ومعلوم أن حصول الرئيس على غالبية غير مطلقة، ولكن نسبية في “الجمعية الوطنية”؛ سيُعقد مسار الإصلاحات التي يرغب في إجرائها في ما يتعلق بالمعاشات التقاعدية على وجه الخصوص.
ووفق السيناريو الأقل احتمالاً لفوز تحالف “جان لوك ميلونشون” بأغلبية مطلقة، فإنه سيفرض تعايشًا غير مسبوق على رئيس أعيد انتخابه للتو سيُحرم عمليًا من جميع سلطاته في السياسة الداخلية.
خطر الغالبية النسبية يُهدد “ماكرون”..
تعليقًا على تلك النتائج؛ اعتبرت الصحف الفرنسية أن: “خطر الغالبية النسبية بات يتهدد ماكرون”، كما عنونت (لوبينيون) في صدر صفحتها الأولى. بدورها (لوفيغارو) كتبت في المانشيت: “ماكرون يتجه نحو غالبية ضيقة”، ما وصفته الصحيفة: “نكسة” لرئيس الجمهورية، كما قالت في افتتاحيتها. “إنه يوم أحد حزين”؛ يقول أيضا كاتب افتتاحية (لوفيغارو)، “الكسيس بريزيه”، الذي حّمل الرئيس “ماكرون” مسؤولية: “تخدير الحملة الانتخابية” كما قال، في محاولة لـ”تجريد حملة زعيم تحالف اليسار؛ جان لوك ميلونشون من ديناميتها من خلال تقديم التنازلات للقاعدة الانتخابية لغريمه”، كتب “اليكسيس بريزيه”. وقد خلص إلى أنه على الرئيس “ماكرون” وضع حد لسياسة: “الإلتباس الإستراتيجي التي اعتمدها إذا كان فعلاً يُريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
نتيجة غير مسبوقة في تاريخ “الجمهورية الخامسة”..
في مكان آخر من (لوفيغارو)، أشار “غيوم تابار”؛ إلى إنه: “لم يسبق في تاريخ الجمهورية الخامسة أن حصل تحالف رئاسي على نتيجة بهذا الهزال”، لكن: “الغالبية تظل غالبية حتى لو كانت ضعيفة”، تابع “تابار”، وقد لفت الى أنه: “من الأرجح أن يحصل إيمانويل ماكرون على ما يكفي من مقاعد كي يحكم، إلا أنه سيكون مقيد اليدين”.
عودة قوية لليسار..
(ليبراسيون) جعلت من: “العودة القوية لليسار”؛ كما عنونت موضوع الغلاف. (ليبراسيون) اعتبرت في افتتاحيتها أن: “جان لوك ميلونشون زعيم تحالف اليسار، فاز برهانه بمجرد انتزاعه الغالبية المطلقة من تحالف (معًا) الرئاسي، وذلك حتى لو بقي حلم المساكنة وفرض نفسه كرئيس للوزراء بعيد المنال”، يقول “بول كينيو”؛ كاتب افتتاحية (ليبراسيون)، ذلك أن: “ميلونشون يفتقد، عكس الرئيس ماكرون، إلى خزان أصوات للدورة الثانية من الانتخابات التشريعية”.
حزب المعارضة الأول..
أما صحيفة الحزب الشيوعي؛ (لومانيتيه)، فقد اعتبرت بالعكس أنه: “يمكن لتحالف اليسار أن يفخر منذ الآن بتكريس نفسه كحزب المعارضة الأول بانتظار تحقيقه مأثرة دفع الرئيس المنتخب حديثًا إلى صفوف المعارضة”؛ كتبت (لومانيتيه)، في إشارة إلى إمكانية تعيين “ميلونشون” رئيسًا للوزراء.
كما أشارت (لاكروا) في افتتاحيتها إلى: “تخلخل دينامية الجمهورية الخامسة التي كانت تمنح الرئيس المنتخب غالبية مريحة في البرلمان تتيح له الحكم”. كاتبة المقال “إيزابيل دو غولمين”؛ لفتت إلى أنه: “بعد أسابيع من إعادة انتخابه رئيسًا، اختار جزء كبير من الفرنسيين أن يقترعوا لصالح برنامج اقتصادي وأوروبي واجتماعي مغاير تمامًا لذلك الذي يحمله للرئيس ماكرون”.
(لاكروا) عزت السبب: لـ”رهان ماكرون على حملة لا طعم لها ولا رائحة، لإعتقاده أن الإمتناع عن التصويت سيأتي لصالحه، لكن تشخيصه كان خاطئًا”، موضحة (لاكروا) أن: “مقاطعة الفرنسيين لمكاتب الاقتراع لا تنم عن عدم اهتمامهم بالسياسة، لا بل بالعكس هي دليل امتعاضهم من تجاهل مشاكلهم وأولوياتهم”.
أدارت ظهرها لمنافس لترتمي في أحضان آخر !
(لو ميدي ليبر) ربما قد تكون الأكثر توفيقًا في نقل مزاج الناخب الفرنسي: “من موجة تسونامي 2017، التي أتت بإيمانويل ماكرون للرهان الرابح لجان لو ميلونشون عام 2022″، تقول (لو ميدي ليبر)، وقد اعتبرت أن: “فرنسا أدارت تارة ظهرها لمنافس لترتمي فيما بعد بأحضان منافس آخر”.
تعكس حالة الإعياء الديمقراطي التي تعيشها “فرنسا”..
“ماكرون لديه مهلة أسبوع فقط كي ينتزع الغالبية المطلقة”، عنوان غلاف (لوباريزيان). (لوباريزيان) اعتبرت أن: “جان لوك ميلونشون قد لا ينجح بفرض المساكنة على رئيس الجمهورية، لكن مسألة حصول هذا الأخير على الغالبية المطلقة لم تُحسم بعد”، وقد لفتت (لوباريزيان) في افتتاحيتها إلى: “خيبة أمل جميع المرشحين بسبب نسبة الإمتناع التي بلغت رقمًا قياسيًا. أكثر من نصف الفرنسيين اعتبروا أن الانتخابات التشريعية لا تعنيهم ما يعتبر دليلاً إضافيًا على حالة الإعياء الديمقراطي التي أصابت فرنسا”.
بدوره؛ يقول كاتب افتتاحية (لوباريزيان)، “جان-ميشال سلفادور”؛ الذي أشار إلى أنه: “بقي للمعسكر الرئاسي أسبوع واحد لتصويب المسار والإنصات للرسالة التي بعث بها الناخبون لكن بتواضع، وهو ما أصر عليه الرئيس ماكرون”.
الدورة الأولى أصعب من الثانية..
كما سلطت صحيفة (لوجورنال دو ديمانش) الفرنسية، الضوء على الانتخابات التشريعية في “فرنسا”، وقال الكاتب الفرنسي؛ “ديفيد ريفو”، في مقال له، إن الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية ستكون أصعب من الثانية، والتي ستجرى خلال أيام، حيث تجرى الانتخابات التشريعية على دورتين في “فرنسا”.
وأرجع “ديفيد” ذلك إلى تخوف المرشحين من ارتفاع كبير في نسبة الممتنعين عن التصويت في هذه الانتخابات، وهو الإمتناع الذي وصفته استطلاعات الرأي الأخيرة بأنه سيكون تاريخيًا.
ووفقًا لآخر استطلاع للرأي أجراه معهد (إيفوب)؛ لا يرغب: 69 في المئة من الفرنسيين في تولي “جان لوك ميلونشون” منصب رئيس الوزراء.
فيما قال الخبير الاقتصادي؛ “توما بيكيتي”، إن اتحاد اليسار بزعامة “ميلونشون” هو الوحيد الذي يقترح خطة استثمارية في البيئة والصحة والتعليم.
واعتبر إن وعود “ماكرون” المتمثلة في خفض الضرائب لن تساعد على انخفاض معدلات التضخم، ولا في انخفاض الأسعار.
خوض المعارضة للحملة بقوة..
ويعتبر المحلل السياسي والدستوري، “أوليفييه روكون”؛ في تصريحه لموقع (سكاي نيوز عربية)؛ أن من أهم النقاط التي يجب الوقوف عندها هي: “أولاً نسبة الإمتناع التاريخية عن التصويت، إذ منذ عام 1958، لم يُشارك الناخبون الفرنسيون بهذه النسبة القليلة لاختيار نوابهم في الجمعية العامة”.
ويُضيف: “هذا تأكيد واضح على هجر فئة معينة من الفرنسيين بشكل مستدام لمكاتب الاقتراع، كما أنها بالنسبة للشباب دليل على فقدانهم للبوصلة والثقة في الديمقراطية التمثيلية”.
موضحًا إن النتيجة تظهر بشكل مهم ضرورة خوض الحملة الانتخابية بكل قوة، كما فعل “جون لوك ميلونشون”، الذي عرف كيف يميل الكفة لصالحه؛ خصوصًا أن هذه الانتخابات تسمح بتعيين: 577 نائب.