الجمهورية الإيرانية .. وأسلوب النظام في التعامل مع المقابر !

الجمهورية الإيرانية .. وأسلوب النظام في التعامل مع المقابر !

خاص : ترجمة – د. محمد بناية :

40 عامًا بعد تدمير مقبرة “رضاشاه”، بواسطة “صادق خلخالي”، أول حاكم شرع بـ”محاكم الثورة”، استحال تخريب وتدمير قبور المعارضين، والفنانين، والكُتاب، والمفكرون، والبهائيون نهجًا، لـ”الجمهورية الإيرانية”.

يصادرون الجنائز ودفن الجثث في مقابر مجهولة. يحطمون شواهد القبور ويحرمون الأسر من إقامة مراسم العزاء تحت التهديد.

قام “خلخالي”؛ بتدمير مقبرة “رضاشاه” حتى يشعر أنصاره بخيبة الأمل، كما قال، وبعد مرور أربعين عامًا تقوم عناصر الأمن بتخريب مقبرة بطل المصارعة، “نويد أفكاري”، واعتقال والده وشقيقه مدة ساعات. بحسب (راديو الغد) الأميركي الناطق بالفارسية.

تقول “منصوره بهکیش”، أحد أعضاء عوائل “خاوران”، والتي فقدت 6 من أفراد أسرتها في إعدامات الثمانينيات: “هذا مؤشر على رعب الحكومة. يتصورون أن بمقدورهم إرهاب العوائل بتدمير المقابر، ويريدون خنق الأصوات، لكن هذا لم يحدث ولم تؤدي كل هذه الضغوط إلا للنفور من الحكومة، ولن تكون هناك أي نتائج سوى رفع الأصوات”.

تعود بداية هذا التقليد؛ إلى ما قبل 41 عامًا، وأعقب انتصار “ثورة 1979م” بشهور، تدمير “مقابر الزهراء”، وتحديدًا القطعة (33) الخاصة بأعضاء “مجاهدي خلق”، الذين تعرضوا للإعدام في فترة “الشاه”، وكذلك القطعة (44) الخاصة ببعض ضحايا الإعدام بعد الثورة، وقد تعرضت هذه القطعة إلى التدمير والتخريب مرارًا على مدى 40 عامًا، وقلما تجد قبرًا يحمل شاهد صحيح.

مقابر “خاوران”..

شرق “طهران”؛ وهي الرمز الواضح على مصادرة الجنائز وتخريب القبور، وهي مقابر جماعية ورمز على عمليات الإعدام، خلال حقبة الثمانينيات.

وتحول أجهزة الأمن الإيرانية باستمرار دون زيارة عوائل الضحايا للمقابر.

تضيف “منصوره بهکیش”، في حوار إلى (راديو الغد) الأميركي الناطق بالفارسية: “أعتقد أن أشقائي، (محود وعلي وزهرا)، في خاوران. وبخصوص (محسن)، الذي تعرض للإعدام عام 1985م، فقد حصلنا على رقم في مقبرة الزهراء، لكن لم نحصل على الجثمان ولا نملك أي معلومات. لم نحصل على شاهد أو علامة. يعطونك رقم ويكتبون بخط اليد على جدار (خاوران). وقالوا للعوائل: تقدموا بمقدار أربع خطوات وهذا بعيد عن محل دفن الفقيد. وبعض العوائل كانت تحفر ليلًا للعثور على جسد الفقيد، لكن باءت جهود الكثيرين بالفشل”.

وتعليقًا على تدمير شواهد القبور؛ تضيف: “لا يسلمون الجثامين، وإن قاموا بتسلميها يحطمون المقبرة. وهذا منذ بداية وصولهم إلى السلطة. ولا توجد أسماء الكثير من المفقودين في منظومة تسجيل الوفيات بمقابر الزهراء أو المحليات. على الأقل أنا أعلم أن الوحيد المسجل بمقابر الزهراء هو أخي، (محسن)، قبل أن يتم حذف الاسم”.

مصير الجنائز مجهول..

ما يزال تقليد الحكومة، منذ الثمانينيات، بمصادر الجنائز وتحطيم القبور مستمرًا. وقد اُجبرت الأسر التي فقدت أبناءها في الاحتجاجات أو على منصة الإعدام، على دفن ذويهم ليلًا ودون مراسم.

يقول “أمجد حسين بناهي”، شقيق أحد ضحايا الإعدامات: “مر أكثر من عامين، ولا نملك أي معلومات عن محل دفن شقيقي، فلم يسمحوا لنا بإستلام الجثمان. وهذا هو عقاب النظام لأمي وأبي بعد إعدام شقيقي، (رامين). كانت أمي على مدى العامين تجوب كل المقابر والمقرات الحكومية والقضائية وغيرها دون فائدة”.

يضيف: “خلال هذه السنوات؛ رأيت الكثيرين أمثال، (رامين). بعضهم كانوا يدفنون ليلًا مثل، (إحسان فتاحيان)، أحد ضحايا احتجاجات 2009م، حيث أخطروا ذويه بعد إعدامهم بدفنه في أحد مقابر كرمانشاه. ولم تكد تمر ذكراه السنوية، حتى وحدت أسرته شاهد القبر محطمًا. والحقيقة أن عدم تسليم الجثث هو بالدرجة الأولى نوع من التعذيب النفسي للأسر، وثانيًا كما يقولون لا يريدون إنشاء مكان تجمع للأسر والنشطاء”.

قبور محطمة !

لم تسلم شواهد قبور الكثير من ضحايا الاحتجاجات الشعبية في مختلف المدن الإيرانية، من التدمير. فقد تعرض شاهد قبر، “بويا بختياري”، للتحطيم، وتعرض شاهد قبر، “كيانوش آسا”، للتوشيه؛ باستخدام مواد حمضية، وأطلقوا النار على شاهد، “ندا آقا سلطاني”، وأخطروا أسرتها بعدم تغيير الشاهد.

ولم يقتصر الأمر على ضحايا الاحتجاجات؛ وإنما تخطاها إلى ضحايا الطائرة الأوكرانية، التي تعرضت للقصف من جانب (الحرس الثوري).

وقد أفتى “محمد تقي فاضل ميبدي”، عضو جمعية المدرسين والباحثين بحوزة “قم” العملية، وهو صاحب مدرسة فقيه مختلفة تمامًا، بحرمة هكذا سلوك من المنظور الإسلامي، وقال: “لا أعلم كيف نشأت هكذا سلوكيات. إذ للقبور حرمتها بغض النظر عن الميت، ولابد من إقامة الصلاة عليه ودفنه طبقًا للتقليد المتبع. وكوجوب الصلاة، فإن دفن الميت واحترام قبره واجب”.

كذلك تعرضت قبور الكثير من الكُتاب والشعراء والمفكرين للتخريب والتدمير مرارًا، مثل “هوشنگ گلشیري” و”أحمد شاملو” و”سهراب سپهري”  و”عباس کیارستمي” و”محمد علي سپانلو”، لكن أحد من المسؤولين لم يعلن مسؤوليته عن هذه العمليات، وتسجل هذه العمليات ضد مجهول.

واعتراضًا على هذه السلوكيات، يقول أبناء “أحمد شاملو”: “أكترونا لأمتنا شاعرًا لم يتحطم شاهد قبره”.

لقد أمتزج تاريخ “الجمهورية الإيرانية”، (أو حكومات لعنت آباد)، بالمقابر، هذا إرثهم الذي يجلب لهم الإهانة باستمرار، ولعلهم يريدون بهذه الطريقة حكم المقابر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة