“الجزائر” تهتز .. احتجاجات قوية وبديل “بوتفليقة” مازال غائبًا !

“الجزائر” تهتز .. احتجاجات قوية وبديل “بوتفليقة” مازال غائبًا !

خاص : ترجمة – لميس السيد :

خرج الجزائريون إلى الشوارع، في نهاية الأسبوع الماضي، للاحتجاج على ترشيح الرئيس، “عبدالعزيز بوتفليقة”، لولاية خامسة. وبالرغم من أن “الجزائر” ليست غريبة على الاحتجاجات، إنما تُعد هذه الاحتجاجات هي الأكبر منذ عام 2011، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، الاثنين، على موقعها الإلكتروني.

كانت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، يوم الجمعة الماضي، تدور حول موضوع رئيس وهو “لا للولاية الخامسة”؛ إذ أنها خرجت في نطاق سلمي وبحجم أكبر من المتوقع.

من المرجح أن تتعقد الانتخابات الرئاسية المقبلة بفعل الاحتجاجات، وسوف تعتمد نتائجها النهائية على رد فعل النظام.

كيف وصلت الجزائر إلى هذا المنحنى ؟

هناك جدل كبير يدور حول مرشح الجهات الفاعلة، العسكرية والمدنية، المتقاطعة لانتخابات نيسان/أبريل 2019 الرئاسية، حيث تم طرح العديد من الأسماء. ومع ذلك، لم يكن هناك توافق في الآراء حول أي مرشح، لذا قرر النظام الاستمرار في تأييد الرئيس الحالي.

قضى “بوتفليقة” معظم فترة ولايته الرابعة في منصبه؛ بعيدًا عن نظر الجمهور بسبب مرضه ولم يستطع حتى الإعلان عن ترشحه من خلال مؤتمر صحافي، واختار الإعلان عن ذلك عبر بيانًا مكتوبًا. أعلن قادة الأحزاب الأربعة، في ائتلاف النظام، ترشح “بوتفليقة” ودعمهم له في مؤتمر صحافي.

وبما أن الانتخابات ليست حرة ونزيهة في “الجزائر”، فإن ترشح “بوتفليقة” يعني فترة خامسة تقريبًا؛ إلا أنه بعد الإعلان الرسمي عن الترشح، بدأت أصوات الناس تتعالى، حيث انتشرت أخبار الاحتجاجات، صغيرة العدد داخل محطات مترو الأنفاق والشوارع والملاعب، على الإنترنت لعدة أيام. ولكن بعد التواصل بشكل أفضل على وسائل التواصل الاجتماعي، خرج الناس إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد، يوم الجمعة.

قراءة في الاحتجاجات..

أولًا؛ اندلعت هذه الاحتجاجات نتيجة أفعال النظام نفسه، خشية تكرار سيناريو عام 1988، حيث أدت الانقسامات المتزايدة، بين معسكرات النظام المنافس، إلى فتح النيران على النظام وإشتعال الاحتجاجات الجماهيرية، وتعالي الأصوات الصاخبة نحو عملية إرساء الديمقراطية، وفقدان النظام المؤقت للسلطة، وحدوث انقلاب عسكري، والحرب الأهلية التي تلت ذلك.

ولتفادي سيناريو مماثل؛ أعطى النظام الأولوية للوحدة الداخلية وإتخذ قرارًا بشأن ترشح “بوتفليقة” مجددًا لتجنب الانقسامات، على الرغم من ظروفه الصحية المعروفة. وعلى الرغم من أن هذا الخيار هو الخيار الأكثر آمانًا، إلا أن صانعي القرار لم يتوقعوا رد الرأي العام.

ثانيًا؛ الاحتجاجات ليست بالضرورة أن تكون معادية للنظام، حيث أن الاحتجاجات حاليًا تختلف عن احتجاجات عام 2011، ولكنها ضد “بوتفليقة”، أو بشكل أكثر تعقيدًا، ضد الولاية الخامسة له.

“بوتفليقة” ليس شخصية مكروهة، حيث كان يتمتع بشرعية لفترة طويلة وينظر إليه من قِبل الكثيرين على أنه المنقذ من الصراع الأهلي ومنشيء الاستقرار، خلال ولايته الأولى في السلطة. لكن من الناحية العملية، فإنه لم يحكم البلاد طوال السنوات القليلة الماضية، وبات يدرك الناس ذلك جيدًا.

كان من الممكن أن يكون معظم المتظاهرين راضين عن مرشح آخر، فقط إذا قرر النظام مرشحًا آخر يستقطب الإجماع، فربما لم نكن لنرى مثل هذه الاحتجاجات. في نفس الوقت، المتظاهرون لا يهتفون لأي من مرشحي المعارضة للترشح في منافسة أمام “بوتفليقة”، ولكنهم في الأساس يتظاهرون ضد فكرة ترشح رئيس غير قادر صحيًا على العمل لفترة خامسة.

مسارات محتملة..

في حين أنه من المبكر التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك؛ لكن هذه الاحتجاجات تختلف بوضوح عن تلك التي حدثت في عام 2011، بالنظر إلى سقف طلباتها المحدودة. علاوة على ذلك، لا يمكن تقدير تطور الحركات الاحتجاجية إلا من قبل المحتجين؛ وطريقة إستجابة النظام.

أولًا؛ قد يختار النظام مرشحًا جديدًا ليحل محل “بوتفليقة”، وهذا سيكون إستجابة مباشرة لمطالب المحتجين، ولكن قد يؤدي ذلك إلى انقسامات داخلية للنظام. ومن ناحية أخرى، قد يكون من الأصعب إقناع الناس بمرشح بديل، إلا إذا تم تعبئة الناس بما فيه الكفاية في الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن اسم جديد، فقد يتفاعلون مع ذلك المرشح بالشكل المناسب.

ثانيًا؛ قد يستخدم النظام القمع الكامل ويضرب ويعتقل المتظاهرين لمنع المزيد من الاحتجاجات، بما أن الاحتجاجات في مرحلة مبكرة، فمن الممكن إنهاءها بإجراءات قوية. ومع ذلك، فإن هذا يخاطر بتحويل حركة احتجاج بمطالب محدودة إلى حركة واسعة النطاق ضد النظام.

ثالثًا؛ قد يسمح النظام بالاحتجاجات الخاضعة للرقابة حتى تهدأ التوترات كحل وسط. من ناحية، قد يظهر النظام بعض سلطاته من خلال التحكم في “الإنترنت” لقمع الاحتجاجات، كما رأينا خلال الاحتجاجات، يوم الأحد.

السيناريو الثالث؛ مشابه للإستراتيجية التي استخدمها النظام في عام 2011، ضد حركات الاحتجاج. ومع ذلك، هناك اختلافان بالنسبة لواقع اليوم: أولًا، في عام 2011، ظهر “بوتفليقة” على التليفزيون الوطني ووعد بإصلاحات لامتصاص إحتقان الشارع. أما اليوم، ليس من الواضح ما هي حجم الإصلاحات التي يمكن طرحها. ثانيًا، استخدم النظام موارده لزيادة الرواتب، وخفض تكلفة الواردات الغذائية، ودعم بعض سلع الاستهلاك الرئيسة لتحفيز وقف الاحتجاجات في ذلك الوقت. لكن اليوم، تمر “الجزائر” بأزمة اقتصادية، مما يمنع مثل هذه الإستراتيجية.

رأت الصحيفة الإميركية الانتخابات الرئاسية ستحدث خلال أقل من شهرين، والمعارضة ضعيفة ومنقسمة وغير مستعدة لمثل هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية. ورغم أنه لا يوجد شك كبير في أن مرشح النظام سيفوز بالانتخابات، فإن الأسابيع المقبلة ستكون بمثابة اختبار قوي لمرونة النظام الجزائري.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة